كيف تأسست ما تسمى الدولة الاسلامية (داعش ISIS ( )؟
ومن أسسها؟
بطرس نباتي
بموجب هذه الخارطة وحسب ما نشرته صحيفة (ديلي ميل ) البريطانية الواسعة الانتشار ، في تقريرلها في (30) يونيو 2014 كتبت ( أن التنظيم الاسوأ والاشد وحشية وتطرفا في التاريخ لديه خطة خمسية لتأسيس دولة الخلافة الاسلامية تمتد الى خارج حدود العالم الاسلامي لتشمل الشرق الاوسط وشمال افريقيا وجزء كبير من غرب اسيا واجزاء من اوروبا وصولا الى نمسا) ..
وقد اعلن هذا التنظيم بموجب هذه الخطة في نهاية عام 2014 تغير اسمه من الدولة الاسلامية في الشام والعراق الى دولة الخلافة الاسلامية ، فما هو هذا التنظيم؟ وكيف وجد؟ ومن اوجده؟ اسئلة عديدة تكاد تطرح يوميا منذ ان تمدد هذا التنظيم في بعض مدن العراق .
منذ منتصف 2004 تشكلت جماعة باسم التوحيد والجهاد كان يقودها ابي مصعب الزرقاوي في غرب العراق اعلن زرقاوي مبايعته لتنظيم القاعدة ليحول اسم تنظيمه ألى تنظيم القاعدة في العراق والشام قتل الزرقاوي على يد جنود امريكان في 10 / نيسان / 2010 وكان هذا التنظيم الذي تحول بعد مقتل الزرقاوي الى ما كان يسمى مجلس شورى المجاهدين إلى نواة لتشكيل منظمة اخرى باسم الدولة الاسلامية في العراق والشام والتي تأسست رسميا فى 15 أكتوبر عام 2006 إثر اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة حلف المطيبين تم اختيار “أبي عمر” زعيما لها وبعدها تبنت العديد من العمليات النوعية داخل العراق آنذاك، وبعد مقتل الزرقاوي ، أصبح أبو بكر البغدادي زعيمًا لهذا التنظيم.
و حلف المطيبين، وهوحلف تأسس بقرار مما عرف وقتها بـمجلس شورى المجاهدين فى العراق، وقد تم هذا الحلف بين مجلس شورى المجاهدين في العراق و جيش الفاتحين و جند الصحابة وكتائب أنصار التوحيد و السنة، وجاء الحلف كرد فعل عن عدم رضا تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين عن اختيار أبوأيوب المصري خليفة زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي والمعروف ايضا باسم أبو حمزة المهاجر،غالبا ما كان هذا الاخير يتحالف مع جبهة النصرة اولا بحجة محاربة نظام بشار أو لمحاربة جيش الحر المعارض لنظام الاسد عانت المكونات القومية والدينية الغير المسلمة أولا في سوريا شتى الاظطهادات على أيدي هذه المجموعات ، تمثلت بخطف رجال الدين المسيحي وراهبات ، ثم أحتلال قرى وقصبات مسيحية وتصفية سكانها في سوريا والواقعة في وادي النصارى مثل الناصرة مرميتا او تلك الواقعة في جبال قلمون كصدنايا ومعلولة ، مما ادى إلى تقلص عدد المسيحيين في عموم سوريا حيث كان عددهم يزيد على ثلاثة ملايين في عام 2011 والان لا يتجاوز المليون فقط ، جرى هذا في سوريا انذاك وسط صمت مخجل من دول العالم ومنظمات التي تعنى بحقوق الانسان ، كانت هذه التنظيمات تنشط في سوريا وتتاسس فيها وتنتقل منها الى العراق وفي العراق تكررت هزائمها على يد جيش العراق والصحوات بمؤازرة القوات الامريكية .
بعد تمدد ما يدعى ( بالدولة الاسلامية) وتثبيت خليفة لها في العراق أبو عمر البغدادي) وجدت لهذا التنظيم بعد إعلان تمرده على القاعدة ( الام الكبرى لهذه التنظيمات) دعوات تحريضية اطلقها بعض الدعاة الاسلاميين المتشددين يحثون فيها هذا التنظيم بالتمدد في الاراضي العراقية بدأ من الموصل أو الانبار ، وتم التمهيد لهذا الامر بالتحديد بعد زيارة الداعية الاسلامي الشيخ القرضاوي لخيام المنتفضين في الانبار والموصل ) وبعد التمهيد لهذا منذ (2010) وكان لتردي الاحوال المعيشية للعراقيين ووسط انتشار الفساد المالي ، وأستثمار الاخطاء التي أقترفتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وخاصة في الجهة الغربية من العراق وضعف القطعات العسكرية المرابطة في تلك المدن ، إضافة إلى انظمام عناصر من الحزب البعث المنحل والجيش العراقي السابق هذه كانت أهم العوامل التي أثرت في الانتصارات المتلاحقة التي أحرزها ، وكذلك لوجود معارضة قوية لحكومة المالكي في الجهة الغربية للعراق ونصب خيم الاعتصام الجماعي ولمدة طويلة تقارب السنتين ، وتحول قادة الصحوات وغيرهم من شيوخ تلك المناطق بمساندة دعم ومساندة شيوخ الدين مدفوعين بمصالح آنية أو كنتيجة نقمتهم على الاوضاع المعيشية ، مما أدى إلى دخول عناصر من المنظمات التكفيرية بين المعتصمين في الانبار والموصل ، مما دفع حكومة مالكي بالعمل على فض تلك الاعتصامات بالقوة المسلحة مما أدى إلى زيادة النقمة الشعبية ودفع أبناء تلك المناطق من الاستعانة بقيادات مما تسمى بالدولة الاسلامية في الشام والعراق واستقدامهم إلى العراق والترحيب بهم بعد احتلال الموصل وتكريت وأجزاء من الانبار .
ومنذ 10/6/2014 أي عند بدأ تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية تمدده في العراق وأحتلاله لموصل، بدأت أزمة الهجرة الجماعية من الموصل للمسيحيين وبعدها من أطرافها في سهل نينوى ثم للشبك ، ولكن ما تعرض له الاخوة الازيديين من تصفيات جسدية و سبي للنساء وقتل وتغير المعتقد بالقوة ، كانت من افضع الجرائم التي شهدها العالم المتمدن في القرون الحديثة أي بعد جرائم الابادة الجماعية لجائم سيفو وسميل والانفال وحلبجة ، وقف العالم مشدوها ومستنكرا امام الجرائم التي اقترفها ما يسمى بالدولة الاسلامية والتي راح ضحيتها جميع المكونات القومية في سهل نينوى ، وهبت معظم الدول تناهض بشكل علني لهذا التنظيم بينما كانت ذات المؤسسات والدول والمنظمات تقف مكتوفة الايدي متفرجة على ما يحدث من جرائم للشعب السوري والعراقي على يد نفس المجموعات الارهابية .
بعد دخول امريكا على خط المواجهة المسلحة ضد التنظيمات التكفيرية ( داعش - نصرة – الجماعة الخورسانية) بعد تصاعد جرائم تلك الجماعات ضد المكونات القومية ومحاولة داعش الدخول إلى اربيل وأتخاذ قرارات في مجلس الامن وفي الاتحاد الاوروبي غيرها من المحافل الدولية مما ادى الى تشكيل حلف دولي ضد هذه التنظيمات وهناك قرءات عديدة حول نشوء وامتداد هذه التنظيمات منها
1-من يعتبر هذه التنظيمات صناعة امريكية اي انها نشات وترعرعت على ايادي مخابراتية امريكية بدعم من تركيا وبعض دول الخليج وكان نشوئها في بداياتها من اجل اسقاط نظام سوريا
2- من يربط نشوئها بنظام بشار الاسد في سوريا حيث كونها اصلا من اجل مقاتلة المعارضة المسلحة السورية
3-وهناك راي اخر يجزم بانها وليدة شرعية لتنظيم القاعدة ولما رات في نفسها قوة ومقدرة على البقاء والتمدد اعلنت مشروعها المستقل عن القاعدة .
رغم ما تتمتع به بعض الاراء من حقيقة حول نشوء هذه الحركات التكفيرية العنيفة وخاصة ما اوردناه في أولااعلاه ، بتحميل الولايات المتحدة الامريكية وبعض أنظمة المنطقة مسؤولية انشاء ودعم مثل هذه التنضيمات بعد ما سمي الربيع العربي وخاصة ما اعترفت به وزيرة خارجية امريكا هيلاري كلنتون في بعض صفحات من مذكراتها التي اثارت فيه ضجة اعلامية ، رغم كل ذلك إلا أن هناك عدة امور ساعدت على تكوين مثل هذه التنظيمات منها:
أ- يتفق العديد من الدارسين والمختصين بان هذه التنظيمات وجدت بعد انتكاسة المشروع الديموقراطي الذي ارادت امريكا تطبيقه في العراق وشهدنا ما آل إليه من تقسيم المشهد السياسي العراقي على أسس طائفية قادت مسيرته بعض الاحزاب الدينية والتي أدت إلى تمزق المجتمع العراقي وبالتالي أثار حرب أهلية كان من إحدى نتائجها نجاح التنظيمات التكفيرية في التغلغل في العراق وخاصة في الطرف السني مستغلة الخلافات بين الطوائف والمذاهب والاحزاب العراقية ، ولكن دراسة متأنية لوضع هذه التنظيمات نجد بانها وجدت قبل ذلك بعديد من السنين ونستطيع ان نعيدها إلى فترة الحملة الايمانية التي قادها رئيس النظام السابق صدام حسين وكانت نتيجتها خاصة بعد 2012 تجمع عدد كبير من ما سمي آنذاك ( المجاهدين العرب ) للدفاع عن نظامه ، منهم من لم يعتقل من قبل القوات الامريكية او ممن أعتقل وأخلي سبيله هؤلاء أستمروا على فكرة دحر امريكا وقواتها ومن يساندها على ارض العراق .
ب- بعض الفقهاء المعاصرين وخاصة ممن يحملون الفكر الوهابي ، يسعون من أجل خلق تنظيمات سلفية عنيفة بالاستناد على نصوص قرآنية أو على السيرة النبوية ويقومون بتفسير تلك النصوص والاحاديث الاجتهادات الصادرة عن رجال الدين او ما يسمى بالفتاوى الشرعية ، أصحاب هذه الفتاوى يقومون بالاستناد على بعض النصوص أو الاحاديث التي تدعوا إلى قيام مثل هذه الحركات المتشددة او إلى أحياء مشروع الخلافة الاسلامية ، أو إحياء مشروع الامبراطورية العثمانية وغيرها التي باتت في حكم الغير الممكن في ضل اانظام العالمي الجديد ( العولمة ) وتفشي تيار الليبرالي والنظم الديموقراطية في العالم .
ج-الرأي القائل بان امريكا هي التي سعت بتاسيس هذا التنظيم بشكل مباشر لتحقيق مصالحها في تحقيق ما يلي:
1- اشغال دول الشرق الاوسط بصراعات داخلية وحصر هذا الصراع في نطاق دول معينة لتبتلي به شعوب المنطقة وبهذا يتخلون عن فكرة نقل الحرب ضد امريكا ودول الغرب الى اراضي تلك الدول .
2- توجيه هذه التنظيمات وجعلها في الخط الامامي في عملية اسقاط النظام السوري .
3- ربما بتاسيس دولة اسلامية تضم معظم ما يسمى العالم الاسلامي في الشرق عموما سيجعل التفاهم والتحاور مع قيادة اسلامية موحدة اسهل واجدى مما عليه الحال الان حيث يجري هذا الامر بدول وحكومات لا يربطها ببعظها اية روابط سواء كانت سياسية او اقتصادية
4-يؤمن اصحاب هذا الراي ان لتركيا ودولة القطر مصالح في دعم المشروع الامريكي في تكوين هذه الجماعات وخاصة دولة تركيا لكونها تريد اعادة امجادها القديمة في زمن الدولة العثمانية .
برأي هناك شيء من الصحة في جميع الاراء المطروحة اي ان كل راي يحمل نوع او اخر من صحة الطرح في ظهور هذه المجمعات وساحاول توضيح ذلك وكما يلي:
قامت سلطة التحالف بعد الاطاحة بنظام صدام حسين في فرض سياسة المحاصصة في العراق ووفق هذه السياسة تم تقسيم الشعب العراقي ليس على اساس جغرافي وانما على اساس ، سنة في غرب العراق ، الكورد في اقليم كردستان والشيعة في الوسط وجنوب العراق ، رغم ذلك اعتمدت اسلوب الانتخابات والاعتماد الكثرة العددية لكل طائفة او لكل قومية في تولي زمام الحكم العراقي ، وعندما شارك الكورد والشيعة بثقليهما من حيث معارضتهما المستمرة لحكم البعث والتضحبات العديدة المقدمة للأطاحة بنظام صدام وتحقق ذلك بتدخل عسكري عنيف من جانب الولايات المتحدة الامريكية ، في اول الانتخابات نتيجة عزوف السنة في المشاركة الفعلية وانقسامهم بين مؤيد للنظام الجديد ومعارض او حتى رافض للمشاركة في الحكم ادى الى تهميش القوى السنية وخاصة بعد سن قانون المحاسبة والعدالة واعتبار كل نشاط لحزب البعث محرما في العراق ، هذا الامر ادى الى ان تكون الاراضي الواقعة الى الغرب من العراق حاضنة لكل القوى المتذمرة او التي لها مصلحة في محاربة الوضع الجديد في العراق ن بعد دخول داعش وكما اسلفنا سابقا ، كقوة ضمن القوى المعارضة لنظام سوريا والتي كانت امريكا وتركيا وبعض الانظمة العربية كالسعودية وقطرتعدها لهذا الغرض، اي لإسقاط الحكم في سوريا ، إلا ان النظام السوري استطاع ان يخلق صراعا بينها وبين القوى الاخرى وبتطور هذا الصراع اخذ يأخذ طابعا آخر حيث مالت داعش الى الوقوف الى جانب النظام السوري ضد القوى السورية المعارضة الاخرى وبعد زيادة شهيتها للتمدد نحو العراق ودعوتها لإحياء مشروع الخلافة الاسلامية واختيار بغداد عاصمة الرشيد لتكون مركزا لخلافتها ن شعرت الولايات المتحدة بخطر داعش الكبير لذلك ارادت الحد من طموحها وحسر تمددها وليس إلى تحطيمها نهائيا فبدأت بفصل آخر من فصول المسرحية اي استخدام القوة الجوية وعبر تحالفات هشة مع بعض الانظمة العربية لتحييد داعش وانهاكها على الاقل لتخرج من العراق واقتصار انشطتها في سوريا او ليبيا او غيرها من الاقطار العربية ، ولتشكل البعبع الذي بواسطته اي بواسطة تخويف الشعوب والدول من سطوتها تتمكن امريكا من بسط ذراعها العسكري الطويل اينما رغبت ، هذا ما نراه اليوم سببا في تمدد داعش او انحسارها او اخراجها من بعض المدن وربما سنشهد هجرتها او تمددها في دول ومجتمعات اخرى غير حواضنها التقليدية .