قراءة من زاوية اخرى في كلمة البطريرك الموقر لويس ساكو في مجلس الامن الدولي
بين النقد الايجابي وانعدام الثقة
2-2
بطرس نباتي منذ ان القى سيادة البطريرك لويس ساكو كلمته امام مجلس الامن تتوالى التعليقات والردود والملاحظات سواء من كتاب في بعض مواقع شعبنا الكلدو اشوري او عن طريق بعض التغريدات في الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي ، ومعظم الملاحظات التي اعتبرها ايجابية هي تلك التي تعرضت الى عدم وجود احصائيات وتوثيق لما حدث لشعبنا واستعراضها للمطالبة باعتبار ما حصل للمسيحيين في الموصل وسهل نينوى شكل من اشكال الابادة الجماعية( الجينوسايد) حيث يتوفر فيها العنصر الجنائي لهذه الجريمة الا وهو اجبار مجموعة من البشر على تغيير ديانتهم بالقوة وتهجيرهم بشكل جماعي إلى خارج مناطق سكناهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وحتى مقتنياتهم الخاصة .
واتصور بان الجهات العاملة في مجال استقبال وتسكين العوائل المهجرة تفتقر الى مثل هذا التوثيق الهام ، رغم تأكيدها على وجود احصاء بسيط لعدد المهجرين بشكل عام وكما وثق سابقا في موقع عنكاوا مثلا .
رغم ذلك لم يفقد ما جاء في خطاب الاب لويس ساكو شيئا من اهميته لكونه قد خاطب عقول وتفكير أعضاء مجلس الامن وليس عاطفتهم وقد شرحت ذلك في الجزء الاول المنشور ايضا على موقع عنكاوا .
البعض من هذه الردود وجدتها تحمل طابعا غير جدير أصلا بالتوقف عنده لكونه عبارة عن نقد غير مبرر ويقع في خانة ما يدعى النقد من اجل النقد، اي لم يقدم صاحبه ما هو مبرر لما يطرحه وما البديل الذي يجده الافضل لذلك رأيت لا طائل من صرف الوقت والانشغال اصلا بتلك الكتابات وبمضامينها.
اما عما قيل عن عدم اشراك ممثلينا في البرلمان اومسؤولي احزابنا في ما حدث في مجلس الامن اتساءل هنا اين كانوا يا ترى سياسيونا هؤلاء وممثلينا في البرلمان ؟ عندما هجر ابناء الموصل وسهل نينوى وبالتحديد في 27/7/2014، فعند وصول المهجرين الى عنكاوا مثلا توارى سياسيونا للأسف عن الانظار ، ولم يظهروا انفسهم الا لحين تصدى اباء الكنائس في عنكاو وكان في طليعتهم المطران بشار وردا ومعه شباب عنكاوا و اعضاء الهيئات الادارية للمجتمع المدني حيث فتحوا ابواب الكنائس والمدارس وبنايات منظمات المجتمع المدني ، لأستقبال المهجرين ولا زالوا مستمرين في خدمة المهجرين ولحد الان ، في حين توارى السياسيين الاشاوس ولم يظهروا خلال الازمة على مسرح الاحداث آلا بعد استقرار اوضاع المهجرين في الخيم والكارفانات .
جميع الوفود التي زارت المهجرين ( وكانت الغالبية منهم من دول مجلس الامن الدولي الدائمة العضوية) تم استقبالها من قبل الاباء الكهنة وفي مقدمتهم الاسقف بشار وردا والذي كان ينقل لهم معانات واوضاع الاجئين ويطالبهم بمساعدتهم، فلما يا ترى يستكثر البعض ؟ ان يمثل سيادة البطريرك الكنيسة الكلدانية جميع المسيحيين سواء اولئك الذين تعرضوا للتهجير والجينوسايد ليس في العراق وحده بل في جميع بلدان الشرق الاوسط
اما ما اود ان اقف عنده فعلا وما يشغلني هو الردود المتأتية من ثلاثة اطراف اود استعراض مواقفها هنا ..
الطرف الاول : الردود هذه تحمل في مضامينها مقولة أو كذبة تم الترويج لها حديثا ألا وهي ( ان البطريرك لويس ساكو اصبح حجر عثرة امام الهجرة الجماعية للمسيحيين في العراق ) فلو كان لويس ساكو قد دعا دول مجلس الامن واقنعهم بالهجرة لحمل هؤلاء سيادته فوق اكتافهم وربما كانوا يحملونه مع المركبة التي يستقلها ( والتي لا أعرف ماركتها) مهما كان ثقلها .
لقد قال سيادته اكثر من مرة بانه لا يقف ضد من يريد الهجرة ولن يكون حجر عثرة امام من يحاول الحصول عليها ، ولكنه لم و لن يدعوا مطلقا الى تفريغ الشرق الاوسط والعراق من مسيحييه بالشكل الذي يريده البعض ممن لا يريدون لشعبنا الاستقرار في الداخل ويسعون الى انصهاره وسط شعوب واوطان لا تمت لنا بصلة ، ولو شجع البطريرك على مثل هذه الهجرة وخاطب المجتمع الدولي واقنعهم بها لأعتبر من قبل العديد منا بانه خائن الامة الاشورية قبل ان يكون خائنا للأمة الكلدانية ، هكذا حالنا لا نريد ان نتفق ولا نريد ان يتحدث احد باسمنا واقتراحي الى مجلس الامن بان يدعوا في المرة القادمة جميع مسيحي العراق لألقاء كلمتاتهم امامه كل حسب ما يريده وهذا ليس بمستحيل لكوننا لا نتجاوز كم الف من نسمة لا نريد ان نجتمع على كلمة حق او باطل .
الطرف الثاني : بعض ممن كتبوا وانتقدوا كلمته ينطلقون للأسف من خلال الشرخ الذي يستغلونه بشكل بشع منذ مدة ليست طويلة بين اكليروس الكنيسة الكلدانية وهذا الامر اثر بشكل او باخر على كتابنا فراح البعض ممن وقفوا مع البطريرك ينتقد الطرف الاخر والذي مع الطرف الاخر لا يكتفي حتى بانتقاد مواقف واحاديث البطريرك بل يزايد عليها لحد الشتيمة وربما هذا الامر يحدث حتى بدون تشجيع او املاء من هذا الطرف او ذاك ، برأي يجب ان لا يبقى هذا الصدع وهذه الفجوة بين ابائنا سواء الاساقفة او الكهنة ، لأن من خلال تجاربنا في الحياة نجد ان المسيحيين عموما لهم ارتباط قوي ومؤثر برؤسائهم الدينيين اكثر واقوى مما لديهم ارتباط او قناعة بسياسييهم او مثقفيهم ، ولم اكن اود التطرق لهذه المشاكل مطلقا وقد عزفت عن الكتابة عن كل ما يتعلق بالشأن الكنسي منذ امد بعيد لما لهذه الكتابات من حساسية لدى من يقتنع بها او رافضيها ، ولكني وجدت انها تؤثر بشكل مباشر على انتقال عدوى الخلاف والتخندق الى كتابنا ومثقفينا وخاصة من هم خارج الوطن لذلك اوردت هذا واتمنى ان يجد اباؤنا من رجالات الكنيسة تلك الاسس التي هي من صلب ديانتنا في التوحيد ( كونوا واحدا كما انا والاب واحد )
الطرف الثالث : هذا الطرف يشكل الاهم والاكثر من ناحية العدد ومن حيث ما يطرحه ، وبتصوري يتسم حامليه بالبساطة ولا يحملون اية ضغينة او موقف كما في الطرف الثاني من اصحاب الردود والتعقيبات الاخرى اصنفها تحت عنوان :
فقدان ثقة او تزعزعها اولا : بالمؤسسات الدولية وعلى راسهم مجلس الامن الذي لم يكن يوما من الايام منصفا مع العراق ومشاكله فقد فرض علينا هذا المجلس الحصار الاقتصادي بينما اطلق يد النظام السابق في إذلال الشعب العراقي ووضعنا تحت طائلة عقوبات الفصل السابع ولم نخرج منه الا بطلعان النفس ولا زالت اثاره سارية وفاعلة لحد الان ، ولما فرض علينا الحرب اطلق يد امريكا في إدارتها بشكل مدمر بحيث لم تؤثر على قلع النظام وحسب انما تلك الحرب وما رافقها من ماسي ادت الى تدمير البنية التحتية للوطن ثم جاء بقوانين وحكام امعنوا في السرقة ونهب مقدرات الشعب العراقي وزرع بذور الطائفية ، هذا بالنسبة للمجلس الامن .
ثانيا : فقدان الثقة بسياسينا وقيادات احزاب شعبنا ، للأسف معظم ابناء شعبنا فقدوا الثقة بهؤلاء سياسيونا وجدناهم اقرب الينا فقط في ايام عديدة تسبق الانتخابات يعطون الوعود تلو الوعود ويملئون اسماعنا ضجيجا بمنجزاتهم ومواقفهم ولكن للأسف ما ان يتولوا المسؤولية حتى يتنكروا لكل شيء وكانهم لم يكونوا نفس او ذات الاشخاص قبل الانتخابات ، فلا يشغلهم شيء سوى اناطة وزارة ما او ادارة ما بهم وباقاربهم واتباعهم كي تدر عليهم المصالح ليجنوا من وراء مسؤليتهم ثراء لم يكن يحلموا به طوال حياتهم .
ثالثا : الثقة المتزعزعة برجال الدين واقولها اسفا ، في حين كان ابناء شعبنا في الموصل وسهل نينوى يهجر قسرا من دياره كان لزاما على رجال السياسة ورجال الدين ان يكونوا هم اخر من يرحل ولا يكونوا في طليعة من خرج تاركين ( ما يسمونهم رعيتهم ) لا يعرفون ما يفعلون والانكى من ذلك وجدنا البعض منهم ( لا اقل الكل ) قام بتسفير اقاربه وذويه الى خارج الوطن في حين كان ابناء رعيته على قارعة الطريق حينها .
وايضا أقولها آسفا، ان البعض كان قبل دخول داعش بسنوات يسعى على ابواب بعض المتنفذين للحصول على مال او جاه او مصلحة وهذا ما ادى إلى تحطيم الصورة الرائعة التي تراكمت عبر سنين في أذهان المجموعة آلآ وهي (صورة الرمز ) الذي كانت مرتسمة في الذاكرة الجمعية منذ امد طويل ، وهذا التحطيم أدى إلى زعزعة ثقة المجموع فلم يبق داع لأتخاذ رمز يقتدى به ما دام هذا الرمز تم تحطيمه بمجرد تعرضه لأمتحان المادة وبريقها الذهبي ، هذا في راي من اخطر ألاغرائات التي عجز عن مقاومتها سياسيينا اولا ورموزنا الدينية ثانيا .
براي وقد قلته قبل تولي سيادة البطريك لويس ساكو وسمعه مني شخصيا احد الاساقفة وكنا في داره وبحضور احد الاصدقاء بان سيادته يتمكن من اعادة هيبة ومكانة الرمز بين آباءنا الكهنة وذلك لكونه عندما كان في ابارشية كركوك كان بعيدا عن تلك الممارسات التي كانت تتم وكنا شهودا عليها ولا زالت ذاكرتنا تحتفظ بالعديد من المواقف والمشاهد من هذا النوع .
ما المطلوب نتمنى ونأمل من سيادته من اجل اعادة الثقة وراب الصدع والتداعي بين اكليروس الكنيسة الكلدانية ان يكون هناك العمل الجاد من اجل توحيد جميع من يعمل لخدمة شعبنا وهذا لا يتم بعقد مؤتمرات او اجتماعات كما يفعل العديد من متعهدي المؤتمرات وغيرها وانما يتم ذلك بفتح صفحة جديدة في العلاقة مع الاخر وتسوية جميع الخلافات سواء بين رجال كنائسنا او بين قيادات احزابنا او بين ممثلينا في البرلمان العراقي وفي الاقليم وغيرهم وبان يكون هو المرجع في تسوية شؤوننا نحن كمسيحيين ، عند ذلك اتصور ستعود ثقة شعبنا بقادته ونحن بامس الحاجة الى مثل هذه القيادة ومثل هذه الافكار في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا .