مائة عام على مذابح سيفو
تركيا لا تريد الخروج من كماشة التعصبين الديني والقومي
سامي المالحمذابح سيفو والتي تعرف بمذابح آشوريين/سريان/كلدان هي المذابح التي أرتكبتها الدولة العثمانية في سلسلة من العمليات الحربية التي شنتها قواتها النظامية وبمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية بعد الحرب العالمية الأولى. وكانت هذه الجرائم المروعة حلقة من سلسلة المجازر التي أستهدفت المسيحيين الارمن واليونان البنطيين.
وفقا للدارسين تقدر أعداد ضحايا مجازر سيفو بين 250000 – 000 500 من الاشوريين/السريان/الكلدان، كما يضاف إلى هذا العدد حوالي مليوني أرمني ويوناني بنطي قتلوا في مذابح مروعة مشابهة معروفة بمذابح الأرمن ومذابح اليونانيين البونتيك.
ولمناسبة مرور مائة عام على ارتكاب تلك المذابح وجرائم الابادة الجماعية، يزداد الضغط على تركيا اليوم، كي تعترف بأنها وريثة ذلك التاريخ الملطخ بالدماء، وكي تحاول الخروج الى آفاق تاريخ أنساني جديد يؤسس لمستقبل مبني على اسس التعايش وقبول الاخر والاقرار بوجود التنوع الاثني والديني وبحقوق كل المكونات في تركيا دستوريا.
فعدد الدول والحكومات والبرلمات والقوى السياسية والاجتماعية والدينية، التي تقر وتدين تلك المجازر والجرائم وتطالب تركيا بالاعتراف بها علنا والاعتذار عنها دون مواربة وخداع، في ازدياد. وباتت الحكومة التركية، والتي تجسد في حزب اردوغان وحلفائه زواج التعصبين الاسلامي والقومي التركي، عاجزة عن طي هذا الملف واجبارالشعوب على تجميد ذاكرتها والرضوخ للامرالواقع.
وفي الحقيقة ان مستقبل تركيا كدولة كبيرة وهامة بثقلها وموقعها في المنطقة والعالم الاسلامي، وكونها الجسرالاكبر الذي يربط الشرق باوربا، متوقف الى حد كبير على خياراتها وكيفية ادارة الملفات الساخنة المتعلقة بوجود وحقوق الاكراد والمسيحيين والاثنيات والديانات الاخرى.
يقينا ان الخيار الديمقراطي الحقيقي، المتمثل بالخروج من كماشة التعصب الديني والقومي وتطوير تركيا المدنية العلمانية على اسس المواطنة والقانون واقرار كامل الحقوق الدينية والقومية للجميع دستوريا، يتطلب الجرأة واعادة النظر في العلاقة مع ارث الدولة العثمانية الثقيل والملطخ بالدماء والبشاعات والفواجع. أن أقرار ما حصل للشعوب والاعتذار عن جرائم الابادة الجماعية هو المخرج المشرف الذي سيمنح تركيا امكانات بناء علاقات ثقة متينة بين شعوبها والشعوب الاخرى، وهو الذي يفتح لها الابواب لدخول الاتحاد الاوربي، وسيقويها بشكل ملفت لتلعب دورا هاما ومحوريا في معالجة الازمات الحادة التي تعصف بالمنطقة لما فيه صالح السلام والامن والتعايش وتطوير المنطقة أقتصاديا وسياسيا وأجتماعيا وثقافيا.
أما التعنت والمكابرة والغش والكذب على الشعوب لا يؤدي الا الى المزيد من الازمات والكوارث والفواجع للشعوب ولتركيا نفسها. ان التعويل على تأجيج المشاعر والكرامة والاستعلاء القوميين، او على قيادة حرب طائفية في منطقة ملتهبة تتقاطع فيها مصالح كل القوى العالمية المتنفذة، أنما هو رهان خاسر.
على تركيا ان تتعض من التاريخ وتتذكر مئات السنوات من حكم الدولة العثمانية وأستعبادها للشعوب. و أن تفهم ان الشعوب اليوم أكثر أصرارا على نيل الحرية ومقارعة الظلم وسياسات التعصب والتطرف والارهاب. وان المجتمع الدولي، رغم تقاطع المصالح والمساومات والتوافقات البراغماتية هنا او هناك، هو أكثر فعالية وتأثير غلى مجريات الاحداث ومساعدة نضال الشعوب لتحقيق أهدافها النبيلة.
وفي سبيل المثال، فأن عدد متزايد من الدول والبرلمانات و المؤسسات العالمية، وبعد مرور مائة عام، تقف هذا العام لتساند المسيحيين الاشوريين/السريان/الكلدان في تعريف وابراز وتناول محنتهم في مذابح وجرائم سيفو، وتطالب تركيا للاعتراف بها والاعتذار العلني الرسمي عنها، مباركة بذلك صمود هذا الشعب وكفاحه الطويل ضد القتل والابادة والتمييز. ومن المؤكد ان كل الشعوب التي تعيش الظلم والاستغلال واثار التعصب والتطرف والارهاب لن ترضخ ولن تفقد الامل، ستقاوم وستكافح الى ان تحقق الانتصار وتنال الحرية، وسيزداد ويكبر زخم المساندة ودعم المجتمع الدولي والرأي العام معها.