ماذا ينتظر كنيسة المشرق الكلدانية-الأشورية بعد ان هوى نجم من سمائها
ليون برخو
جامعة ينشوبنك
السويد
توطئةلقد هوى نجم من سماء كنيسة المشرق برحيل البطريرك دنخا الرابع. وهذه سنّة الحياة. والحياة ستستمر وسيلتئم مجمع كنيسة المشرق – الشق الأشوري، سوركاذا حدثا – لإنتخاب خليفة له، هذه المرة في أربيل، في 2 حزيران 2015.
كنيسة المشرق واحدة من اعظم كنائس الدنيا. تاريخها يشهد على ذلك. تبشيرها الذي طرق ابواب الهند والصين واليابان وكوريا ومنغوليا يبرهن على ذلك.
لغتها المقدسة – السريانية – وأدابها وطقوسها وأنافوراتها وفنونها وليتورجيتها ولاهوتها وفسلفتها وشعرها ونثرها تسموا في روعتها وبهائها وروحيتها ومسيحانيتها وحواريتها على ما لدى أي كنيسة اخرى، وهذا بشهادة اي مختص وعالم له إطلاع على إرث هذه الكنيسة المقدسة الرسولية الجامعة.
كان بطريركها (جاثاليقها) يجالس الملوك والخلفاء وكانت منزلته كبيرة جدا لدى اتباعه. وكان ابناء هذه الكنيسة يقرعون النواقيس ويخرجون وهم يحتفون بقدوم المرسوم البطريركي. وإن حضر البطريرك فكأن الدنيا امطرت منّاً وعسلا وسلاما.
وإلى تقريبا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان كل اتباع هذه الكنيسة بشتى مناطقهم في كافة انحاء العالم – وكانوا عندئذ بالملايين – يتبعون كرسي بابل/قطيسفون. كان كل الأساقفة وإبراشياتهم من الهند إلى السند من الصين الى منغوليا ومصر وقبرص وتركيا وإيران وفي اي مكان من العالم تابعين ومطيعين لهذا الكرسي والجالس عليه.
إنقلاب على الشرعيةحدث إنقلاب على الشرعية البطريركية لكرسي بابل/قطيسفون في نهاية القرن التاسع عشر حيث تم فرض مبداء "المناطقية" المجحف على الفرع الكلداني من هذه الكنيسة العظيمة ومنذ ذلك الحين والكنيسة في أفول.
جرى إغتصاب مناطق شاسعة من الشرعية البطريركة معها تقريبا كل صلاحياتها، وأزيلت بطرق غير حميدة اداب وثقافة ولغة وطقوس هذه الكنيسة من هذه المناطق عنوة وأستبدلت بالأجنبي والدخيل.
حتى بداية القرن العشرين كانت كنيسة المشرق لا سيما الشق الكلداني اكبر كنيسة مشرقية من حيث الأمصار ولإنتشار وعدد الأتباع وعدد الكنائس والأساقفة وفي كل شيء تقريبا. ما نراه اليوم امر محزن، والحزن يأخذنا ايما مأخذ لا بل يحتلنا لأن سبب هذا النكوص كان ولا يزال مبداء "المناطقية" البغيض الذي قلت فيه الكثير ولا أظن هناك حاجة للإعادة.
لم يبق لهذه الكنيسة – التي هي جزء مهم من هويتنا مهما كانت تسميتنا ومهما كان مذهبنا – إلا القليل او النزر اليسير مما كان لها من مكانة وجغرافية ولغة وهوية وطقوس وليتورجيا وأداب وفنون كانت تحسدها الدنيا عليها.
كل الأنظار صوب أربيلاليوم ستتجه الأنظار إلى اربيل حيث سيعقد مجمع كنيسة المشرق، الشق الأشوري. وهناك في اربيل وغيرها عشرات الالاف من ابناء هذه الكنيسة الذين جرى تهجريهم وإنتهاك ابسط حقوقهم الإنسانبة من قبل وحوش العصر، البرابرة من المتشددين والمتعصبين من بعض الفرق الإسلامية الظلامية والتكفيرية التي تتخذ من العنف والبطش والتنكيل والسبي والقتل وإنتهاك الأعراض والخطف والإغتصاب وإنتهاك اعراض القاصرات نبراسا لتدينها المزيف.
هذا المجمع مفصلي. والقرار بعقده في اربيل قرار حكيم وسيكون له تبعات مهمة على حياة شعبنا وكنيستنا المشرقية إن إستطعنا فيه وبواسطته تجاوز التعصب المذهبي والقومي والتسموي والمناطقي والقبلي الذي يعصف بنا ونحن كشعب في مفترق طرق وعلى كف عفريت.
سيكفي إن نظر الأساقفة الأجلاء يمينا او شمالا. لا بد وأن تقع عيونهم على خيم المهجرين والمتعبين من ابناء شعبنا حيث تم إحتلال وإغتصاب القليل من الأرض التي كانت باقية لنا منهم، ورميهم في المجهول.
الام هؤلاء المهاجرين والمبعدين قسرا عن ديارهم والمستقبل المجهول الذي ينتظرهم تصرخ في وجهنا كلنا ان لا مستقبل لنا إن لم نتوحد، إن لم نشكل صوتا موحدا ونسموا على التفرقة تسموية كانت او مذهبية. هذه الألام تقول لنا لا الكلداني ولا الأشوري ولا السرياني ولا الأرامي بإمكانه النجاة بجلده والحفاظ على وجوده وهويته بدون الأخر ر لأن ما يحدث في سوريا مؤلم بقدر ما يحدث في العراق.
أفق كنيسة المشرقوهكذا عندما اقول كنيسة المشرق اعني كل المشرقيين المسيحيين الذي يشتركون في لغة وهوية واحدة الا وهي السريانية بطقوسها وفنونها وليتورجيتها وأدابها.
كل هؤلاء – وهذه حقيقة تاريخية والتاريخ ثابت – لهم منشأ واحد لأن كنيسة المشرق الكلدانية-الأشورية لا تستيطيع ا ن تستغني عن عمقها الأنطاكي وشراكتها الشاملة مع هذا الكرسي التي لم تنفصل عراها لحوالي خمسة قرون، شراكة تجذرت في الطقوس والأداب والفنون والليتورجيا واللغة وكل ما يشكل هوية شعب او كنيسة.
ولا حياة لنا ولا وجود ولا مستقبل لنا ككنيسة وشعب لو تخلينا عن لغتنا – لغة شعبنا وكنيستنا – وما تحفظه لنا من فنون وطقوس وشعر وأداب ونثر ولاهوت وغيره. الذي يتخلى عن الإرث الكنسي بلغته وطقوسة وليتورجيته ورموزه ولاهوته يتخلى عن هويته ومشرقيته.
والمجمع في أربيل مسكوني حيث سيحضره اساقفة من الهند وهو سيكون برئاسة مار افرام ميطرابوليط الهند. وانظروا يا ابناء وبنات شعبنا وكنيستا الى هذه القامة العملاقة، لهذا الميطرابوليط الذي لا يزال، وهو من الهند، يكتب رسائله بلغتنا السريانية المقدسة ويوقع إسمه بهذه اللغة. (رابط 1).
عندما وقعت عيناي على توقيع المطرابوليط بالسريانية زدت فخرا بهذه الكنيسة العظيمة وفي نفس الوقت تألمت أشد الألم للكارثة التي لحقت بها بسبب فرض مبداء"المناطقية" المضر والمؤذي على الشق الكلداني من كنيسة المشرق حيث بموجبه تقريبا تم سلب كل الصلاحيات البطريركية والسنهادوسية من هذا الشق وخسرنا عشرات وعشرات الإبراشيات وملايين الأتباع في الهند لوحدها. والأثر السلبي للمناطقية لا يزال يفعل فعله حتى يومنا هذا.
الكراسي المشرقية التي انقذت نفسها من مبداء "المناطقية" السيء الصيت هي فقط التي حفظت على إستقلاليتها المؤسساتية والتنظيمية والإدارية على كل مناطقها الجغرافية وفي أي بقعة يتواجد اتباعها لأنها رفضت ان تنحني للأجنبي والدخيل لأن الإنحناء والركوع هو للمسيح وإنجيله وحسب.
ولا أظن ان اعضاء المجمع في اربيل ليسوا على دراية تامة بأهمية ان يحافظ سينودسهم وبطريركهم القادم على الإستقلالية المؤسساتية في اي مفاوضات او لقاءات للشراكة المسكونية. الشراكة المسكونية هي في الإنجيل والصليب وليس فرض السلطة والسطوة والتهميش على الأخرين.
مهام رئيسيةوأمام المجمع والبطريرك القادم مهام كبيرة ومصيرية، وعلى رأسها وحدة كنيسة المشرق والحفاظ على هويتها المشرقية كما وضحتها اعلاه.
ولهذا امل ان يتم دعوة روؤساء الكنائس المشرقية الشقيقة – وهنا اعني كنيسة المشرق الكلدانية وكنيسة المشرق القديمة – لحضور جلسات المجمع كماهو شأن المجامع التي تعقدها الكنيسة السريانية بشقيها الكاثوليكي والأرثذوكسي.
وأمل ان تحدث نهضة ثقافية وليتورجية وأدبية وشعرية وفنية نابعة من لغة هذه الكنيسة ولغة شعبنا تستند إلى إحياء إرثها وأدابها في عهد البطريرك الجديد وأن يكون لكل أسقفية في أي مكان من العالم كلية خاصة بها كما هو شأن كلية ما نرساي في أستراليا، واحد من اهدافها يكون الحفاظ على لغتنا وثقافتنا وليتورجيتنا وفنونا وأدابنا ورموزنا وطقوسنا للأجيال القادمة.
وأمل ان نرى مزيدا من الحب والشوق لأداب هذه الكنيسة ورموزها ولغتها وفنونها وليتورجيتها. كم يسعدني عندما ارى أساقفة هذه الكنيسة وهم ينشدون ويرتلون من ليتورجيتنا المقدسة وهم بزيهم المشرقي الأصيل ويضعون تأديتهم لها في مواقع التواصل الإجتماعي لكل محبي لغة وتراث هذه الكنيسة بفرعيه المشرقي والمغربي .نحن بحاجة الى المزيد وأتطلع الى اليوم الذي ندرك فيه مثل الأمم والكنائس الأخرى ان لغتنا هي وجودنا.
وأمل ان يهتم المجمع والبطريرك القادم بأتباع هذه الكنيسة في شتى ارجاء العالم. ولأنها ليسست محكومة بمبداء "المناطقية" المشؤوم، ارى انه عليها ان ترسم كهنة وأساقفة – وهذه من صلاحياتها – لروسيا والصين واليابان ودول ألإتحاد السوفيتي السابق وكل مكان يتواجد لنا فيه اتباع يفتخرون بهوية ومشرقية هذه الكنيسة. هم موجودون ولكن ينتظرون ان نتحرك صوبهم كي لا تفقد هذه الكنيسة جامعيتها ومسكونيتها.
الشراكة مع الفاتيكانوأمل ان يستمر المجمع والبطريرك القادم بمباحثات الشراكة مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. لقد تم الإتفاق الكرستولوجي بين الكنيستين وكذلك تم توقيع الإتفاق في موضوع الأفخارستيا. وحسب علمي فإن الإتفاق في موضوع الأسرار قد تم التوصل إليه ولا يتطلب إلا التوقيع.
تبقى المسألة المؤسساتية وهي ليست إيمانية او إنجيلية وقد اوضحت رأي في ذلك – وهذا بالطبع رأي شخصي – ولكنني ارى انه ربما في الإمكان تجاوز هذا الأمر والوصول الى شراكة حقيقية دون التنازل مطلقا عن الشؤون المؤسساتية بوجود البابا فرنسيس. وهذا البابا قد أعلن انه قد يتقاعد في غضون ثلاث او اربع سنوات وقد لا تسنح فرصة مثل هذه في المستقبل. لقد كانت برقيات المواساة والتعازي التي ارسلها البابا فرنسيس لأجل راحة البطريرك دنخا في الحقيقة من أروع ما قرأته بهذه المناسبة الأليمة.
التشبث بهوية هذه الكنيسة – بلغتها – لا يؤثر على روحانيتها بل يعززها. الروحانية هي ممارسة الإنجيل يوميا وعلى ارض الواقع ولا علاقة لهذا بالأمور الإدارية والتنظيمية والمؤسساتية ولا بتهميش تراث ولغة وليتورجيا وطقوس هذه الكنيسة بحجة الروحانيات. على العكس كل ما تركه لنا اجدادنا العظام وبلغته يزيد من روحانية هذه الكنيسة وتهميشه تهميش لها ولهويتنا ووجودنا كشعب وكنيسة.
مشاركةومشاركة متواضعة مني في رثاء الفقيد البطريرك دنخا الرابع اضع هنا أنشودة مار نرساي التي فيها يتحاور الميت في نعش على وشك موارته التراب مع بقية الموتى في المقبرة. هذه هي عظمة كنيسة المشرق حيث توصلت الى حوارية النص في ادبياتها قبل أكثر من 1500 سنة من إكتشاف فيلسوف الحوارية ميخائيل بختين لهذه النظرية في تحليل الخطاب والنص:
http://www.ankawa.org/vshare/view/7070/aramaic-hymn-of-shlama-amkhoun/نموذجانوفي الختام بودي ان اشارك معي في هذا المقال صديقين عزيزين واحد من كنيسة المشرق الأشورية والأخر من كنيسة المشرق الكلدانية.
الأول، هو اخي العزيز ادي بيث بنيامين الذي سألني سؤالا في مقال أخر ولم أجبه عليه عن رأي في اداء مداريش وصلولات الجناز للبطريرك مار دنخا الرابع. اقول لقد بدت هذه الكنيسة في احلى ابهتها وعمقها النهريني في هذ الصلوات وطريقة اداء الليتورجيا المقدسة. وأمل ايضا ان تستمع الى الأنشودة اعلاه لأن اللحن إستقيته من الشماس برخو في مدينتنا عند حضور مراسم جناز هنا ومن ثم طورته. أنظر كيف نبدع عندما يلتقي الكلداني والأشوري سوية.
والثاني هو الأخ العزيز جاك الهوزي والمقولة او الحكمة التي لخصها في جملة واحدة عن ماهيّة هوية اي شعب وأمة او كنيسة وبهذا يخصنا كلنا بها، وياريت نجعل منها نبراسا (رابط 2):
"عندما لا تحتفظ بما تبقى لك من اللغة وتخجل من تراثك ولاتستمتع بفنونك ولا تحتفظ بإرثك الكنسي فأقرأ السلام على أُمّتكَ."رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=777845.0رابط 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,773157.0.html