ماذا عن تسمية ( الشعب الاصيل او الاصلي ) – حول مقترح التسمية من غبطة البطريرك مار ساكو
آشور قرياقوس ديشوتورنتو – كندا
ashourdisho@yahoo.com
منذ اكثر من عشرة سنوات وحدّة الصراع والخلاف يشتد بين أبناء شعبنا حول التسمية ( الكلدانية والسريانية والاشورية ) فكان من أطلق عليها القطارية والواوية والمركبة أو الاغاجانية أوالزوعاوية وغيرها من الاسماء وفرضت هذه الخلافات حالة من الفشل والسبات في مسيرة هذا الشعب فاخذت تنمو وتؤدي الى تمزيق مجتمعنا لتبعده عن الاهتمام بالمسائل المهمة والظروف المرعبة والمأساوية التي يعيشها شعبنا اليوم . وقد فشلت خبرات الكثير من الكتاب والمثقفين والاختصاصين من الاكاديميين وغيرهم التي أستندت بعضها على البحوث والدراسات من سجلات التاريخ والكتب الكثيرة والتفاصيل اوالاثار الواضحة . لقد كان مصير كل هذه الحوارات والنقاشات وغيرها من المحاولات هو الفشل لأنها أفتقدت الى الموضوعية والنيات الصافية نحو المصلحة العليا لشعبنا ولانها حاولت عزل كل فئة عن أخرى من غير أن تناقش الاسباب والاشكالات والعواقب الكامنة وراء مثل هذه الخلافات والاختلافات وفشلت كل نماذج الحوار أيضاً لانها لم تجري على مستوى أصحاب القرار وبسبب عدم كفائتها لتتناسب وسياق المرحلة الحضارية العلمية والعملية الجديدة التي يعيشها انسانا اليوم .ولأن أزمة التسمية هذه ظلت تدور في أروقة الماضي والتاريخ فقط من غير أن تنظر الى الحاضر وتبحث عن سبل حديثة ومتطورة في التعامل مع هذه المشكلة أو أيجاد البدائل واقرار الاستراتيجيات لها .
أن قداسة البطريرك مار ساكو لم يفرض في مقترحه (الرابط) رأياً شخصياً كما يدعي البعض من حاول أن يصف دعوته في غير محلها والبعض الاخر من أشرأبت اعناقهم في الصراخ والويل والثبور من هذا الاقتراح لانها لم تتفق مع ميولهم ورغباتهم فكل ماطرحه غبطته هو متداول وهو بيت الداء الذي يشل جسد هذه الامة وهذا الشعب . جاء قداسته داعياً الى نقاش وحوار حضاري يدعوا فيه حتى تتفتق الأذهان البعض وتنهض من سباتها تلك الرؤس النائمة التي لازالت تعيش في دهاليز الماضي ويدعوا الجميع حتى يلتفت الى هذه المرحلة العصيبة التي يعيشها شعبنا بكل فئاته نعم لقد خطى قداسته بقدمه الكريمة الى الامام في هذا المسعى الذي زاد من تعقيداته الكثير من الكتاب والمثقفين والسياسيين الانتهازيين كل يوم . وقداسته وان كان لوحده اليوم فهناك الكثير من المخلصين والطيبين الذين يدعمون سعيه في هذا المنحى واذا كانت الشجرة الواحدة لا تستطيع أن تكون غابة ولكنها تستطيع أن توفر ظلاً وافراً تجمع وتغطي الكثيرين. ان قداسته يدرك أن الخلافات العرقية التي نعيشها لا يمكن تلافيها ولا يوجد لها حل نهائي ولكن ما يحاول فعله هو ادارة هذه الخلافات والاوضاع من خلال جمع الاراء وتبادل الافكار والتعاون معاً .
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,779489.0.htmlأن شعبنا بكل فئاته يجب ان يستيقظ على حقيقة واحدة مفروغاً منها وهي أننا شعب واحد ويجب علينا جميعا العمل على تعبئة الجهود والقدرات والموارد لدعم هذه الفكرة ورسم خارطة طريق جديدة تحمينا وتجمعنا معاً كعائلة واحدة وأن نفهم معاً أن أسعد عائلة في هذا العالم قد بدأت بين شخصين غريبين لا يعرفا البعض ولكنهما قبلا أن يعيشا مع البعض لينسوّن كل خلافاتهم وتنوعهم وميولهم ومعتقداتهم وليعيشا معاً في بيت واحد ويصبحواعائلة ومن ثم ليجلبا أطفالاً غرباء اخرين لهذه العائلة.وهذا هو مفهوم الحياة المتحضرة وهو أن نعيش معاً بسلام وتسامح وقبول الاخر لاننا نشترك بالقيم الاجتماعية والثقافية ونؤمن بدين واحد .
نحن قد نفتقر الى الخبرة والمعرفة وربما نحتاج الى أن نطلب أستشارة أو عون من الاخرين ولكن هذا لا يجب أن يثنينا عن العزم في حل مشاكلنا . ولا بأس ايضاً أن نبحث في تجارب الشعوب الاخرى التي خطت في هذا المجال وعاشت هذه التجارب والظروف والاحداث والخلافات التي يعيشها شعبنا اليوم والتي لا نمتلك التجربة والامكانات والخبرة الكافية فيها وانا أتطلع الى اليوم يشترك الجميع في طرح أرائهم وافكارهم والجلوس معاً والتعاون والعمل المشترك بدلاً من أن نغمس رؤوسنا في الرمال . عندها سيرى الجميع أن الشخص الذي كنت أعتبره عدواً ليس الا عضوا في عائلتي الكبيرة ونحمل عرقاً قومياً واحداً.
كندا هو البلد الذي أعيش فيه اليوم ومنذ أكثر من عشرين سنة ويعيش فيه عشرات الالاف الاخرى من أبناء شعبنا أيضاً وهو من أكثر بلدان العالم المتعددة الثقافات . ويصبوا اليه كل سنة الالاف من المهاجرين من مجموعات عرقية ودينية كثيرة من كل بلدان العالم.هذا البلد ومن قبل أقل من خمسمئة سنة . كان يعيش فيه عدة أقوام من شعبه الاصلي والتي يطلق عليهم الشعوب الاوائل ويعني بهم الناس الاوائل الذين سكنوا في هذا البلد . كما يستخدم لهم أيضاً أسم الشعب الام .وكان هذا الشعب حينها يعيش على شكل مجموعات مختلفة و متنوعة تسمى القبائل لها طرق مختلفة للحياة والتقاليد منها من كان من الرحل يتنقل من مكان الى آخر طلباً للأكل أو الصيد . ومنها من كان من يعيش مستقراً في أرضه يزرعها معتمداً على خصوبتها والمناخ المتاح لهذه الارض .
هذه المجموعات المختلفة من القبائل والشعوب كانت تضم أكثر من 70 لغة وهناك منها ما ترتبط مع بعضها البعض من خلال لغة الاسلاف المشتركة فأمكن العلماء والباحثون تجميع لغات هذه القبائل المختلفة لتصبح 11 عائلة لغوية أستناداً الى كيفية أرتباط هذه اللغات مع بعضها .
يختلف العلماء حول المكان الذي جاءت منه الشعوب الاولى التي وصلت الى أمريكا الشمالية . ولكنهم يعرفون ان هذه الشعوب ترتبط وراثياً بشعوب من اجزاء من أسيا . ويعلمون أيضاً بأن هذه القبائل عاشت في كندا 12000 سنة على الاقل وذلك من العظام البشرية التي عثر عليها محفوظة في كهوف جافة وفي ضفاف الانهار المجمدة والتي لم تفسد بعد ومن قطع الاثار التي تعود الى ذلك الوقت من الزمن. ويعتقد العلماء ان أسلاف الشعب الاول في أمريكا الشمالية عبرت سيراً على الاقدام الى المنطقة من أسيا في نهاية العصر الجليدي الاخير ويقال أنه حينها كانت مستويات البحر أقل بكثير مما هي الان وهناك من يذهب مع نظرية الصيد حيث كان الانسان يتبع الحيوانات الكبيرة من الغزلان والايل والجاموس من اجل الطعام . ويعتقد آخرون بأنهم قدموا الى المنطقة بعدة طرق وقد تكون بواسطة اطواف القصب المنسوجة أو القوارب .
ولكن المهم اليوم يستخدم مصطلح الشعب الاصيل أو الاصلي لسكان الشعوب ألأولى في كندا . وقد أقرت المادة 35 من الدستور الكندي في عام 1982 باعلان ان الشعوب الاصلية أو الاصيلة في كندا والتي تشمل الهنود ( الشعب الكندي الاول ) و الانويت و الميتس وهو ما يسمى( الشعوب الملونين) وهم التكوين من تزاوج وتصاهر هذه الشعوب المختلفة مع بعضها.
لقد كان اصحاب هذه التسميات في البداية ومن قبل أن يشار اليها رسمياً كشعوب أصيلة أو أصلية في البلاد تعيش في تنافس وتشكل أشكالات بين بعضها البعض تحمل دلالات سلبية تقود كل فئة من هذه الفئات الى أعتبار نفسها مستقلة والاعلان عن نفسها بأنها الشعب الاول في المنطقة التي تعيشها مما جعلها تدخل في نزاعات ومواجهات مع بعضها في المحيط الذي تعيش فيه من اجل الحصول على أراضي وحقوق أكثر من الاخرى ولكن بعد هذه التسمية ( الشعب الاصيل ) أصبح أرتباطها بالارض أكثر توضيحاً وله دلالات ومعان قانونية في القانون الكندي .ووضع القانون الكندي الجميع في خانة واحدة عند التعامل معهم . وان المواطن الكندي من الشعوب الاصيلة اليوم والمسجل في الدولة وفقاً لهذه المادة من الدستور مؤهل للحصول على أستحقاقات ومنافع وخدمات من برامج الرعاية الصحية الخاصة أو الصحة العامة والادوية اوالبرامج الاجتماعية والسكن وأستحقاقات خاصة لابنائهم أثناء الدراسة والعفو من الضرائب وغيرها من الفوائد .
من هم الكلدان والاشوريون والسريان اليوم : هم من النسل للسكان الاصليين الذين عاشوا لعدة الاف من السنين في بلاد النهرين. وقد جاءت أقوام عديدة آخرى من خارج بلاد النهرين سيطرت على وطنهم وارضهم .واليوم بعد أن فقدوا أرضهم وحقوقهم وحرياتهم أنشغلوا في صراعات وجدالات مع بعضهم ومن غير ان يحاربوا أعدائهم الحقيقيين لينالوا أي قانون او ميثاق يحفظ حقوقهم وحرياتهم القومية .
أن العمل بهذه التسمية الرسمية والمطالبة بها في دستور العراق والاقليم ( الشعب الاصيل من الكلدان والاشوريين والسريان ) له دلالات جغرافية وتاريخية وقانونية حيث تتوافق مع كل الحقائق التاريخية والجغرافية لعمق وجودنا في أرض بين النهرين التي هي العراق اليوم والتي لم يختلف عليها أحداً من الاقوام القادمة من الخارج أو العلماء في بحوثهم ودراساتهم وأكتشافاتهم. أما مسألة اللغة والدين فلن تشكل أية أشكال أو أختلاف بل ستزيد من شأن الالفة والتقارب لاننا نمتلك ألفباء مشتركة وننطق لغة واحدة ونؤمن أيماناً واحداً . أن تسمية ( الشعب الاصيل ) والتي تشمل الجميع من الكلدان والسريان والاشوريين سوف تجمع شعبنا في مجتمع موحد وتجعلنا مرتبطين مع البعض اكثر لانها ستضعنا في تصنيف وطبقة واحدة وسوف تبعدنا و تحمينا من تسميات جانبية يحاول الكثير من السياسيين ورجال الدين الاخرين من الفئات الكبيرة الاخرى أطلاقها علينا مثل ( الاقليات ) او ( المذاهب الدينية الصغيرة ) أو ( المسيحيين ) وغيرها من التسميات التي يحاولون بها حل أرتباطنا بتلك الارض .
أن الاسماء الثلاث تحت وصف ( الشعب الاصيل ) يمكن أن يجمعنا ويربطنا معاً ويمنح الحق أيضاً لجميع هذه الفئات في ممارسة الخصوصية والحرية في تصنيف نفسها للحقبة التاريخية التي ظهرت بها في أرض الاجداد . أن أكثر من ستة الاف من السنين تروي عن تاريخ غني ومتنوع للشعب الاصيل الذي شغل أرض ما بين النهرين التي أصبحت اليوم العراق وتاريخنا يسبق وجود الكثير من الاقوام والشعوب الاخرى التي تقطنه اليوم . هذا الشعب الذي يحمل الوجود الاصلي والثقافة الاصلية لهذه الارض واللغة والنظام الاجتماعي الذي شكل تطوير هذا البلد ليستمر في النمو والازدهار على الرغم من المحن التي مر بها.
مهما أطلقنا على أنفسنا من التسميات لم ولن يكون لها وقعاً فعالا ما لم يلازمه شعوراً قومياً موحداً يعشعش في قلوب الجميع ومن قبل أن نعمل في موضوع التسمية نحن اليوم بأمس الحاجة الى تشكيل ( مجلس قومي أستشاري ) يظم فئات شعبنا المختلفة للقيام في البحث عن حلول مقبولة لجميع الفئات من أبناء شعبنا لخلق أولاً حالة من الاستقرار في ( المدى القصير) والعمل من خلال هذا المجلس على رسم ( ميثاق قومي للشعب الاصلي في العراق ) كأيدولوجية للمدى الطويل من حياة هذا الشعب . ان الاوضاع التي يعيشها شعبنا تحت تناقضات و سطوة كتابنا وسياسيينا المختلفة لن تمكننا من ايجاد الحلول والسبل العقلانية والمنطقية للخلافات وانما تخلق حالة من الفوضى واللامسؤولية يمكن ان تقسم هذا المنبع العرقي الواحد الى عدة عروق بسبب اصرار البعض من الذين يشكلون مصدر القلق الرئيسي على مستقبل هذا الشعب في الوطن في المضي والاستمرار في الخلاف على التسميات من غير الالتفات الى واقع حال شعبنا في الوطن.
ختاماً ,والمهم ذكره هنا بأن الفائدة والمنفعة من تسمية ( الشعب الاصيل أو الاصلي ) سيشمل أو يظمن حقوق شعبنا كمجموعة واحدة وسيكون مستوى وجود شعبنا في الوطن من خلال علاقة بين الشعب ( نحن ) والحكومة . لأن حقوق الجماعات اوالجماعة تختلف عن حقوق الافراد في منظار القوانين الدولية ومواثيق الامم المتحدة في حماية حقوق الجماعات العرقية وهو ما سوف يمهد الى تحقيق أستحقاقات الشعب الاصيل بأن يكون له الحق في ممارسة الحكم الذاتي او محافظة خاصة والاكتفاء الذاتي بموارد المناطق التي يعيش فيها وادارة أرضه بنفسه وحقه بتقرير المصير وممارسة حقوقه القومية والثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية .
آيار – 08-2015