المحرر موضوع: مطر بلِا ألوان  (زيارة 3732 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مطر بلِا ألوان
« في: 12:27 21/06/2015 »

قصة قصيرة
مطرّ بلِاْ ألوان .
أسُمها غادة
كانت مُفعمة بالحياة
سعيدة ، مرِحة ، محبوبة من قبل الجميع ، في مقتبل العمر ، شبابها الناضج يصرخ معُبراً عن نفسه ، تقفز بين الزهور كفراشات الربيع ، جميلة ، اين ما تذهب تَخَلَّق جواً من المتعة والمرح ، ذات كاريزما وظل خفيف ، كل أمالها أن تعيش للحبْ و الجمال وتستنشق عطر متعة الحياة من زهور ربيع العُمر .
بعد ما انتهت من الدراسة الإعدادية ، ذهبت الى معهد التمريض وهناك تعرفت على شاب وسيم في مقتبل العمر ورَيعْان الشباب ، بعد أن أخذهم شغف الهوى وهيام الوَجد ، اتفقا على ان يتوّجا هذا الولِه والحب الى خطوبة ثم زواج . هكذا كانا ينسجان خطوط حياتهما معاً في عالم وردي خالي من أعين الوشاة . كان يخرجُان خلسة خوفاً من ألسنة الناس ، يتقابلان في الحديقة القريبة ويتهامسان بحميمية ، ويتبادلان القبل الحارة والاحضان الدافئة . هكذا كانت تجري الحياة معهم ببساطة وعفوية. وفي يوم كانت المشاعر في قمتها قررا ان يذهبان الى المصور الأرمني القريب من المنطقة ويلتقطان صور معاً، وقفت غادة بجانب حبيبها وحُمرة خفيفة تصبغ الخدين بحياء . صورة جميلة كانت في زمن اجمل بنسبة لهم ، ومن شدة إعجاب المصور ذوّ الوجه الدقيق والنظارات السميكة بجمال غادة طلب ان يسحب لها صورة وحدها و يضع نسخة من الصورة في واجهة المحل الأمامي ، فوافقت ولكن بشرط ان يلتقط الصورة بالاسود والابيض ، فقد كانت تعتقد ان الألوان تفسد الصور ، فوافق .
وسارت أمور الحبيبين على خُطْى العشق والهيام الذي يرتشفون منه رحيق الغرام وشهد الأيام .
الى ان جاء يوم وكانت عائدة من معهد التمريض الذي كانت تداوم به، فاستقبلتها اختها الأصغر منها رجاء وقالت لها أتاكِ عريس وأمي تنتظركِ ، استغربت وأرتسمت علامات الدهشة على محيّاها، حين دخلت الى صالون البيت ، بملابس المعهد ، القميص الأبيض والتنورة النيلي حاملة حقيبة الكتب في يدها اليسرى وعلى الساعد الأيمن علقت مئزر التمريض الأبيض . رأت شخص ضخم الجسم ، ذو شاربين كثيفين ، يبدو عليه التقدم في السن ، ولكن لا يظهر كم عمره الحقيقي فقد كان يخفي شيبّ شَعره بصبغ اسود فحمي داكن ، قالت لها أمها أهلن حبيبتي سلمي على الاستاذ حكمت ، فذهبت وأخذت يده بتردد ، تسأل نفسها من هذا الاستاذ الذي كان ينظر لها نظرة رغبة واشتهاء ، حين رأها الرجل نهض من على الأريكة بخفى فبان انه أضخم مِمَّا عليه وهو جالس ، في لحظتها تصورته مثل نسر جارح كاسر وهي أنثى عصفور طنان ضعيفة الجناح . أخذ يدها وهزها بعنف وحرارة شعرت غادة بها ، وأبقى كف يدها في يده اكثر من الطبيعي مع نظرات مباشرة على عينيها . شعرت بخجل كبير ، وضيق في الصدر ، وشدة في ضربات القلب كاد أن ينخلع من مكانه ، الى ان تدخلت الأم وقالت لها اذهبي يا عزيزتي وغيري ملابسكِ أنتِ مُرهقة من الدوام .
حين دخلت غادة الى غرفتها كان العالم كله من حولها يدور ، وأسئلة مُحيّرة ومقلقة ، من هو هذا الشخص ، وأين رأها ،ومن دَلَّهُ عليها ، وكيف يقتحم البيت هكذا دون موعد مًُسبقْ ، وماذا قالت له أمها ، وهل اعطته الموافقة دون أن مشورتي ، حسنا اين دور الأخ الأكبر هل يعلم بهذه الزيارة ، المُفاجئة ، أسئلة كثيرة .
انهارت على سريرها وأخذت تبكي بحرقة الى ان دخلت عليها اختها وهي على هذه الحالة ، وضعت يدها على شعرها وقالت بحنان كبير هل أنتِ تبكين ، فلم تجاوب غادة ، لا تبكي لقد ذهب هاذا الشخص الشرير أني لم احبه أبداً ، في هذه الأثناء دخلت الوالدة عليهم وأشارت بعينها بحزمْ الى الفتاة الصغيرة ان تخرج من الغرفة . سحَبت الأم كرسي الدراسة الخشبي القديم ، وبدون مقدمات قالت، حين مات أباكم في ذلك الحادث المريع ورحل عنا الى ديارِ الخُلد ، ترك لي ألم كبير ، اثاره باقية الى حد الان في نفسي ، وحَمل ثقيل أنوء تحته ، وحزن بالغ محفور على خطوط وجهي. فقد خطفته يد الشّر والَغدر مبكرا، وترك أمانة في عنقي كان يجب أن أتحملها، أشق طريق الحياة الوعر من أجل تربيتكم وتعليمكم ، بعد صمت مصحوب بحسرة قالت ، الله وحده يعلم كم عانيت من اجل أعالتكم أنا بمفردي ، فأخاكِ كان صغير لم يتجاوز العشر سَنَوات بعد ، وانت طفلة في السادسة بالكاد تبلغين ، واختكِ لم تتجاوز السبعة شهور ، حين حصل ذلك الحادث المألم ، كان ذلك قبل سبعة عشر عام ، وسكتتْ كما تذكرت شيء يعتصر قلبها ،ادخلوه علينا وهو في الرمق الأخير فقد كانت طعنة السكين بليغة فمزقت أحشائه من الداخل ، استجمعت ذكرياتها البعيدة وقالت ،كان يُريدْ أن يقول شيء ، أو أسم الشخص الذي طعنه ، ولكن كان للقدر كلمة الفصل ، لم نستطيع أن ننقله الى المستشفى فقد فارق الحياة هنُا في هذا المنزل بين يدي ، وسددتّ نظرة الى الماضي البعيد وقالت ، لاتزال اثار الدم بين كفوف يدي ، وملابسه الملطخة ببقع الدم الحمراء عندي في الخزانة . لم نعرف الى حدْ الان من طعنه ولماذا كان ذلك .
كانت غادة تستمع وغصات البكاء والنِشيج يقطع انفاسها بين الحين والأخر . وأكملت الأم بشيء من الهدوء قائلة السيد حكمت جاء لكي يخطبكِ وهو رجل جيد وميسور الحال وقد سأل علينا الجيران ، فنظرت لها غادة بطرف عينيها وقالت بدون مقدمات انا لن اتزوجه أبدا ، ظلت الأم محافظة على هدوأها، وقالت يا أبنتي ارُيد أن افرح بكِم قبلا ما أموت ، وهُناك أرى والدكِ وحين يسألني عنكم سوفة أجاوبه وأنا مرتاحة الضمير . انا متأكدة ياغادة من هذا الشخص سوفة يسُعدكِ ، قالت غادة ولاتزال الدموع تسيل على الخدين لا أريده اريد ان اكُمل دراستي ، قالت الأم مبتسمة انا اتفقت معه ان يدعكِ تكملي المعهد فهذه اخر سنة لكِ ، وهنُا صرخت الفتاة والكلمات تتحشر بين الدموع لا أريده انه كبير بعمر والدي ، إجابتها الوالدة العمر لا يهم المهم أن يُغنكِ ، فكري بالأمر جديا ولا تتعجلي في ابداء الرأي ، وأخذ القرار ، والأن غيري ملابسكِ وارتاحي. لم يغفى لغادة جفن تلك الليلة ، ولن ترى الراحة بعد الأن .
في اليوم التالي جلست غادة حزينة في باحة المعهد و قَصتِ على سمير كل ما دار من احداث أمس ، بعدة فترة سكوت بانت طويلة قال سمير أنتِ تحبيني ياغادة ! ، فأجابت أنتَ تعرف مُقدار الحب الذي أكنه لَكَ ، فقال سمير فجأةً تعالي نهرب معاً ، فقالت غادة وعلامات التعجب على وجهها ، الى اين نذهب ، قال عند أقاربي في القرية نذهب عندهم مؤقتاً وهناك نعقد القران ، أجابت بخجل ملحوظ ، وأهلي كيف ؟، قال سمير اهلكِ يريدون أن يزوجوكِ عنوة من رجل اكبر منكِ بكثير ، هل هؤلاء تسمينهم أهل ، قالت غادة لا أعرف ماذا أقول ، اخاف على أمي ان تموت من الخوف والجَزعَ ، قال سمير بعد ان أشعل سجارة وأخذ نفس عميق وطرد الدخان من صدره بقوة ، أنتِ يا حبيبتي تقرري مصيرنا كلّ شيء الان بيدكِ أما أن نشق طريقنا رغم الصعاب أو أهلكِ مع خطيب الغفله هذا ، سوفة نتقابل بعد يومين في نفس المكان أرجو أن تأخذي القرار الصائب . نهض سريعا وأخذ كتبه ورحل ، وتركها تغوص في لجة افكارها وبين نارين ، نار حبها الاول ونار أهلها ، بين خيارين أحلاهما مرْ . ضَلتّ غائبة عن العالم ، لم تحضر ذلك النهار الدروس وانتهى الدوام وهي جالسة الى أن انتبهت الى انه لم يعد أحد في باحة المعهد ، فأخذت طريق العودة الى البيت.
في المنزل كانت الأم جالسة مع اخيها الكبير رعد تنتظر ابنتها بفارغ الصبر ، حين دخلت غادة لاحظت علامات القلق والتوجس بعين أمها وأخيها ، أحست بأن شيئا ما سوف يحدث ، على الفور صاحت الأم عليها لماذا تأخرتي كل هذا الوقت فقد كان السيد حكمت ينتظركِ لتحديد موعد الخطوبة ، ذهلُت غادة من الحديث المطروح ، ومن شدة حنقهَا لم تجيب بشيء ، فقال رعد أخاها الكبير ، اسمعيني ياغادة جيداً ولا تُقاطعين ، لقد تحدثنا انا وأمكِ بالموضوع كثيراً ، ومن جهتي وأفقت ، فالأستاذ حكمت رجل مقتدر وغني وصاحب نفوذ ، وانا اتفقت معه ان تسُكَناَ في بيت لوحدكم ، سوف تعيشين معه حياة كريمة صدقيني . صرخت غادة بكل قوة انا لا احبه لا اريد الزواج من هذا الرجل ، اريد ان اكُمل مسيرة حياتي مع من اختاره انا بنفسي ، انتم لا يهمكم سوا مصلحتكم انتم أنانيون كم اكره....... ولم تكمل الجملة ، حين سمع رعد هذه الكلمات تتطاير الشَّر من عينيه ، فمد كفه وضربها بقوّة فأصاب صُدغها الأيمن وصرخ بها انت فتاة متُمردة قليلة التربية افسدتكِ الدراسة . هنُا تدخلت الأم وصاحت على الابن ان لا يضربها ، وقالت بحزم كفى شجار ونظرت الى ابنتها بتحدي وأشارت لها أن تدخل الى غرفتها وبدون نقاش ، انصاعت الابنة وذهبت والدموع تملأ مقلتيها . أخذت الأم يدّ رعد وقالت بهدوء لا تُحلْ مسائل الزواج هكذا ، دعَْ عنك هذا واترك الامر لي ، أذهب انت الان الى عملكَ .
قبل منتصف الليل بقليل دخلت الام عند غادة حاملة قصعة بها شطيرة جبنْ وزبدة مع قدح حليب ساخن ، كانت غادة تتظاهر انها نائمة ، جلست الام عند حافة السيرير، وقالت اعرف أنكِ لستِ نائمة ، ومدة يدها تُلاعب خصلات شعرها الأسود الفحمي ، نحن نريد مصلحتكِ ياعزيزي ، انا أمرأة مريضة اوشكت على الموت وأريد الاطمئنان عليكم يا أبنتي ، أعرف ان العريس اكبر منكِ ولكن سوفة يزول هذا الفارق في المستقبل حين تعيشون معا، نهضت غادة وتكأت على مقدمة السرير المعدني ، وقالت لكن لا أحبه ، مشاعري نحوه باردة وجامدة ، قالت الام الحب يأتي بعد الزواج والمشاعر تتقد بعد المعاشرة والعيش معاً ، وانا أن لم أكن واثقة به لما كنت وافقت عليه أصلاً ، انظري يا حبيبتي نحن أُناس فقراء لا نملك شيء، تقاعد اباكِ وعمل رعد هو الذي يسد مصاريف المعيشة والبيت ، لقد ترك رعد المدرسة مبكراً وكان من المتفوقين ، واتجه للعمل عند ميكانيكي سيارات لكي يوفر لقمة العيش ، يا ابنتي الحياة صعبة ولا احد يعرف ماذا يخبئ المستقبل لنا ، اريد ان أضمن لكم مستقبلكم لا تُعاندي دون أسباب . اعرف في النهاية سوفة تأخذين القرار الصحيح ، قالت غادة لا أعرف شيء انا مشوشة التّفكير، ووضعت رأسها في حضن أمها الدافئ وقامت تبكي وتنشج ، وأمها ترُبتّ على ظهرها ، وراحت تغني لها أغنيتها المفضلة حين كانت تريد ان تنام وهي صغيرة والدموع تنهمر من عينا الام الحزينة المكلومة .
في اليوم التالي لم تذهب غادة الى المعهد وظلت لا تبارح غرفتها ، وبين الفترة والاخرة تدخل أمها عليها حملا الطعام وتتحدث قليلاً ثم تخرج ، في اليوم الثاني نهضت باكاراً وذهبت الى المعهد لم تدخل الى المحاضرة بل انتظرت خارجاً عند مدخل الحديقة حين رأها سمير وهي جالسة على هذا الشكل ذهب اليها وجلس بقربها ، وبدون مقدمات قال يظهر ان اليومين الماضين كانا مرهقين ، وعلى ما يبدو انكِ اتخذتي قرار ، بعد برها قصيرة قالت غادة ، سمير..... وسكتت ، لا أستطيع ان اهرب معكَ ، لقد انتهى كل شَيْء وقُطع حبل الوصل الذي كان بيننا ، أستجمعت انفاسها اللاهثة وأكملت ، هذه أخر مرة نتقابل ونتحدث بها ، لقد خِضعت لإرادت اهلي وسوفة اتزوج من ذلك الانسان ، ليس لي القدرة على مواجهتهم، قالت بنكسار انا مهيضة الَجناَح يا سمير . كان الشاب يستمع بكل جوانحه الى حديثها ، وحين طأطأت غادة رأسها للأسفل ، قال سمير ولكن نحن نحب بَعضُنَا ولا توجد قوة على هذه الارض تقدر أن تفرقنا ، أجابت الفتاة بيأس لا أظن ذلك فهؤلاء بالنهاية أهلي ، صاح سمير بغضب ، أهلي أهلي ماذا حصل لكِ اريد ان أعرف ، أحساسي يقول لي انكِ لا تعودي تحبينني مثل السابق ، أم عجبكِ العريس الجديد ، وثروته، أشاحت غادة نظرها عنه وقالت بصوت خافت متوسل سمير أرجوك افهمني لا تظلمني بظنك و تقسي عليّ ، الموضوع فوق طاقِتي . نهض سمير واقفاً بعصبية مما استرعا انتباه الجالسين على المقعد المجاور ، وقال احزمي امركِ الان و بدون تردد هل تقفين بجانبي أم بجانب أهلكِ وعريسهم الجديد ، ظلت غادة ساكتة وشمس الصباح تُكحل عينيها والدمع بدء ينهمر ، لم تقدر أن تتحكم في الألفاظ ولم تخرج الكلمات من فمها . أبتسم سمير بتهكم وسخرية ، وقال لقد عرفتْ الجواب لا داعي للمزيد أنتِ بعتي حُبنا بأبخس الاثمان ، تركها ومضى.
كان تفكيره انها فظلت حكمت عليه . ارادت ان تُناديه ولكن لم تقدر فقد كانت منهارة نفسياً . ظلت جالسة، مرة من أمامها بائع الشاي الجوال ينادي ولم تحس به ، ومّر من جانبها البُستاني، الرجل الكبير وسلم عليه ولم تشعر به ايضاً، كأنها أصبحت في عالم اخر ، لقد تخلى عنها الجميع ويجب ان تواجه مصيرها الان بُمفردها. الشمس كانت مشرقة ورأحة التراب المقلوب على يد الفلاح تفوح ، والوان الفرشات الزاهية تتنقل بين الزهور، لا جمال لها الان فُكل هذا اصبح من الماضي . هي أنسانة اخرى غير تلك التي عرفها الناس ، مكسورت الخاطر غمامة من الحزن يكسوا وجُهها يعتصر قلبها ألم داخلي لا أحد يشعر به سواها.
لم تذهب الى حصتها ذلك النهار ، بل سلكتْ طريق العودة الى البيت ، وهي شاردة ، وقفت أمام المصور الأرمني الذي كان قد التقط صورة لها مع سمير، وصورة لوحدها ، وقفت تنظر الى صورتها بالاسود والابيض التي وضُيِعت في واجهة المحل ، وقفت طويلاً، مما استرعا انتباه المصور فخرج وقال هل من خدمة آنسة، لم يعرف انها هي صاحبة الصورة ، فنظرت له دون أن تتكلم وأدرات رأسها ومشت في طريقها .
في البيت كان السيد حكمت في جالساً في أنتظارها يروم في شرب القهوة مع أمها وأخيها ، حين دخلت غادة الى غرفة الضيوف استقبلها السيد حكمت بغبطة وفرح ، قالت الام على وجه السرعة خذي يدّ خطيبكِ يا عروس . سلمت غادة بيد باردة ، وأضافت الوالدة اذهبي وغيري ملابسكِ عزيزتي فاليوم سنتناول الغداء معناً ، لم تنطق ببنس شفة ولكن في سمطها أجابت. دخلت الى غرفتها ونزعت عنها ملابس المعهد للمرة الاخيرة، وعرفت انها لن ترتديها بعد اليوم ، غسلت وجهها بماء بارد ، وغيرت الملابس بأخرى سوداء ولم تتبرج أو تتزين وخرجت . حين رأوها على هذه الحالة دهشوا من علامات الحزن البادية عليها ، سألتها أمها هل من خطبْ ما ، أجابت لا فقط أنا متعبة من المعهد ، بعد قليل أكون بحال أحسن. العريس الجالس هادِئُ البِال لم يهمه الامر كثيرا ، بالعكس رأى انها علامات خجل البنات وأضطرابات الحياءِ. بعد دقائق نسي الحضور حالة الحزن التي تمر بها غادة وبدأ الجميع بتناول الاكل والحديث عن الخطوبة والعرس . أتفقت العائلة على ان تكون الخطوبة يوم الخميس القادم محصورة بين الأقرباء فقط ، والزواج يكون بعدها بشهر ، فقد كان السيد حكمت متُعجل ، لقد اضاع فترة طويلة من حياته عَبَثًا حسب ما يقول هو ، ولا يريد ان يُضيع الباقي ، اتفقا على البيت والذهب وشهر العسل وكل شيء ، وغادة تهزْ رأسها فقط بالموافقة ، لا تدري ما يدور حولها ، كأنها مسلوبة الروح فقط الجسد حاضر . بعد الانتهاء من التكلم في مستلزمات الحفلة ومتطلباتها ، نهض السيد حكمت يريد المغادرة ، فَهُو مشغول كثيراً هذه الأيام . قبل الخروج من البيت طبع قبلة على خدّ غادة شعرت بها مثل ثعبان لدغها ، وأخرج رزمة من النقود وأعطاها الى أمها وقال هذه مصاريف العروسة اصرفي منها كما تشائين، ورحل .
دخلت غادة الى مخدعها ووضعت رأسها على والوسادة وبكت بحرقة وألم .
مرت الخطوبة وجاء الزواج وأنتقلت غادة الى بيت عريسها ومرت الأيام وثمٓ الشهور وهي تعيش معه بجسدها أما روحها ففي بُعد ثاني غير منظور، وهو ينهش من هذا الجسد الغض والفاتن بحرية وأشتهاء.
في الفترة الاول تحملته على مضضّ ، ولكن بعد مرور فترة لاحظْ برودها في السرير ، فلم يبُالي في بادء الامر ولكن مع توالي الليالي أخذ في تقريها وأصبح يستعمل الكلام البذيء معها ، ويقول اين كانتِ في بيت اَهلكِ في ذلك الفقر المدقع والآن في هذا البيت الكبير والنظيف . أنتِ لا تستحقين هذه العيشة . اشتد الشرخ بينهما مع مرور الأيام فأخذ يضربها ، بعد ذلك يمارس معها الجنس عنوة ، الى أن حبلت منه في أخر المطاف ، وأحست ان مخلوق بدء يتحرك داخل أحشائها ، فهدأ قليلاً حين عرف انها حامل ، وتوقف عن ضربها ، ولكن هي لم تهدأ ، ولم يهدأ لها بال ، لا تريد من هذا الوحش المفترس ذكرى ، لا تريد منه جزء يختلط بدمها ، لا تريد خيط فيه حياة يربط بَيْنهمَا، فقررت ان تتخلص من الجنين.
في ظهيرة يوم مشؤوم لم يكون حكمت في المنزل ، جربت إسقاط الطفل فحاولت حمّل كيس السكر الموضوع في غرفة المؤونة ، لم تقدر في البداية ولكن مع المحاولة الثانية استطاعات حمله ، وكررت العملية مرة ومرتان ......الى ان لاحظت مادة لازجة تخرج من تحت الثوب عند الفخذين ، كررت اكثر وبأصرار كما تريد الانتقام من شخص أو الانتقام لنفسها ، الى ان اعيها التعب وأصبحت الدماء تسيل منها كثيرا ، وسال على ارضية البيت وعبر من غرفة المعيشة الى غرفة الاستقبال ، في خط احمر داكن ، حين رأت الدم لا يتوقف أرادت ايقافه ، ولكن محولاتها ذهبت هباءا ، فقد كانت حَبُلىْ في الأسبوع الخامس وهي صغيرة لا تتحمل الجهد ، فأصبح لها نزيف حاد في بيت الرحم على اثره فقد الوعي وغطت في بركة دمائها الحارة ، من سوء حظها العاثر تأخر زوجها ذلك اليوم أكثر من المعتاد .
حين دخل حكمت البيت حامل بيده علبة حلوة ، وهو يصفر نغم مشهور ، ذهل من منظر الدماء على أرضيت الصالون وصاح بقوة على غادة لكن لا مجيب، بحث عنها مثل شخص اصابه الجنون صارخا بقوة الى ان وجدها مرمية على الارض تسبح في دمائها وفاقدة الوعي تماماً ، حملها بين ذراعيه ووضعها على الأريكة واتصل بالإسعاف فوراً ، كانت قد فقدت كمية كبيرة من الدم ، حاول إيقاظها بضربها على خديها بشكل خفيف ، على وقع الضربات استعادت بعضً من وعيها وفتحت عينيها ببطء حين رأها وضع يده في كف يدها وقال بألم بالغ لماذا كل هذا . سحبت غادة ريقها بصعوبة بالغة وقالت وهي في سكره من سكرات الموت ، لأَنِّي لم أحبكَ قطْ أموت فداءً لكم ، وذهبت في غيبوبة عميقة لم تستفيق بعدها ، حين وصلت سيارة الإسعاف ونقلوها الى المستشفى كانت قد فارقت الحياة .
في مجلس العزاء الذي اقامه زوجها وأخيها رعد ، جائت أمرأة في خريف العمُر ، متشحَة بالسواد وأخذت يدّ حكمت تعزيه في مصابه ، ثم أخذته على جنبْ وهمست في أذنه اليسرَى ، وقالت ، لا تقلق سوفة ابحث لك على عروس اخرى ، وابتسمت بخبث ظاهر ورحلت .
علامات الحزن والأسى بادية الجميع وخاصة على السيد حكمت ولكن في داخله كان يعتمر شيء اخر وأحساس من نوع غريب لما قالته هذه المرأة فقد كان يعرفها.