المحرر موضوع: بعض وقائع التطهير الثقافي بمحافظة نينوى (3-5)  (زيارة 975 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بعض وقائع التطهير الثقافي بمحافظة نينوى
(3-5)
مارست وما تزال عصابات داعش المتوحشة تمارس التطهير الثقافي ضد ثقافات المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان بالعراق من خلال تدمير دور العبادة كالكنائس والأديرة والمزارات والجوامع والمساجد والحسينيات لهذه المكونات الدينية والثقافية، إضافة إلى تدمير المكتبات وحرق الكتب والمخطوطات الأثرية ذات الأهمية البالغة لكل الشعب العراقي وحضارته وثقافته، وكذلك تدمير المواقع الأثرية والآثار العظيمة التي أنتجها أبناء هذه المكونات العريقة بالقدم في حضارة وتاريخ العراق القديم والحديث والمعاصر. إنها عملية إجرامية تستهدف ممارسة التطهير العرقي ومحو أي أثر لهذه المكونات فكرياً وحضارياً وثقافياً وكذلك جسدياً. وهو أحد أبرز معالم الإبادة الجماعية التي تمارسها هذه القوى الموغلة بالسادية المرضية القاتلة وبالعنف والكراهية والحقد والرغبة الجامحة في القتل وتصفية الآخر.  واليكم بعض الوقائع:
- جرى الاعتداء على الآثار القديمة والمراقد التاريخية والمزارات والمعابد الدينية.
- جرى تدمير أهم الآثار العراقية التي تعود إلى العهد الآشوري وخاصة الثور المجنح والكثير من التماثيل التي تشير إلى روعة الفن والتقدم الحضاري حينذاك، إضافة إلى سرقة كميات كبيرة مما يمكن نقله من آثار العراق بمحافظة نينوى، وهي خسارة كبيرة جداً للمتاحف والذاكرة العراقية. وبدأ بعض تلك التحف الأثرية تظهر حين يتم كشف أوكار الإرهابيين الداعشيين أو حتى في أسواق تهريب الآثار.
- ورغم محاولة إدارات الكنائس والأديرة إنقاذ الكثير من المخطوطات والكتب النادرة إلى مواقع آمنة، إلا إن الكثير منها قد أتلف بفعل هؤلاء الهمجيين الذين لا يعرفون قيمة هذه المخطوطات والآثار العراقية.
- وقامت هذه المجموعات الوحشية بتدمير المكتبات العامة والشخصية بمدينة الموصل والتي تحوي ألاف الكتب والمخطوطات النادرة والتي لا يمكن تعويضها بعد أن قام هؤلاء قتلة الإنسان والثقافة بتدمير تلك المكتبات وما فيها.
- حوَّل هؤلاء الأغبياء والقتلة جامعة الموصل وكلياتها إلى أماكن لتدريس شريعتهم الإسلامية التي لا تختلف قيد أنملة عن الشريعة الوهابية المتطرفة أو شرائع المذاهب الأخرى التي بدأت المليشيات المسلحة في تطبيقها من قوى أخرى من باب المنافسة مع داعش والتعبير عن حقيقة هذه الشرائع المتخلفة والتي تعود إلى 1400 سنة خلت، في محاولة منها لتدمير تمثال الشاعر الكبير "أبو نواس" ببغداد مثلاً.   
- جرى تدمير (17) مزارا ً حتى الآن منها:
- في 16/10/2014 فجر مسلحون من تنظيم داعش الإرهابي مزار (ناصر دين) في بعشيقة.
- كما فجروا مرقد الطائفة الإيزيدية (الشيخ مند بال) في جبل سنجار بتاريخ 24/آب/2014.
- واقتحموا كنيسة أم المعونة في منطقة الدواسة بمدينة الموصل بتاريخ 9/آب/2014 وحطموا الصليب الموجود على البرج الخاص بالكنيسة.
- وفي 3/آب/2014 فجر الداعشيون مزار شرف الدين ابن الشيخ حسن بن الشيخ آدي الثاني في سنجار.
- كتب الباحث آكي يبرز، المحلل السابق في شؤون مكافحة الإرهاب لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، نشره في صحيفة واشنطن بوست: كانت ميليشيات “الدولة الإسلامية” وما تزال تسعى لتعزيز قبضتها المتطرفة على المناطق التي أخضعتها حديثا لسيطرتها، وإلى جانب عدد لا يحصى من الإساءات، التي ارتكبتها الجماعة الإسلامية المتشددة، مثل التهجير القسري للمسيحيين وباقي الأقليات الأخرى، فضلا عن الإعدامات الجماعية وذبح رجال الدين، إلا أن الجماعة مضت في طريق تدمير الإرث الثقافي للعراق في كل مكان وصل إليه ورفرف علم الجماعة الأبيض والأسود.
فمنذ أن استولى تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من شمال ووسط العراق شهر حزيران الماضي، عمدوا إلى إتباع أسلوب منهجي منظم لتدمير المواقع التاريخية في الموصل وحولها، مثل مرقد النبي شيت، ثالث أبناء النبي آدم وحواء، وتدمير مسجد النبي جرجيس ومرقد عون الدين.
وفي مدينة تلعفر، التي تقع على بعد ساعة إلى الغرب من الموصل، عمدت الجماعة إلى تدمير ما لا يقل عن 3 من المراقد الشيعية مع 3 من جوامع الشيعة كذلك.
كما أن المواقع التاريخية والكتابية عانت كذلك دمارا كبيرا جراء الحرب خلال العقد الماضي. وعلى سبيل المثال، فإن متحف بغداد الوطني ومعه الأرشيف الوطني تعرضا للنهب والسرقة بعد الغزو الأميركي للعراق ربيع العام 2003، فيما عمدت القوات الأميركية إلى إنشاء إحدى قواعدها جزئيا خلال العامين 2003-2004 في مدينة بابل التاريخية، حيث شغلت ذلك الموقع كمهبط للطائرات ومخازن للوقود.
وهنا نسجل باختصار العواقب الوخيمة للتطهير العرقي والثقافي والإبادة الجماعية والصراعات الراهنة بالعراق:
** استمرار قتل وتهجير المزيد من سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة قطعان وعصابات داعش.
** وبسبب الخشية المستمرة من احتمال هجمات جديدة لداعش وانعدام الثقة بالقدرة على حمايتهم، قررت الكثير من العائلات أو الأفراد الهجرة إلى خارج العراق وقد بلغ عددهم حتى الآن من المسيحيين والإيزيديين على نحو خاص أكثر من 60 ألف نسمة. ويبيع الكثير من الناس دورهم بعينكاوا أو يؤجرونها ليغادروا العراق دون رجعة!
** الاضطرابات النفسية والعصبية لمن تعرض لعمليات التطهير العرقي وعمليات الإبادة الجماعية، 
** تشرد الأطفال وعواقبها المريعة باعتبارهم جيل المستقبل. ويزداد هذا الأمر صعوبة بوجود الكثير من الأيتام والمعوقين، إضافة على تزيد عدد النساء الأرامل،
** البطالة الواسعة والفراغ القاتل بين النازحين،
** السقوط في فخ عصابات الجريمة المنظمة بسبب الفقر والتشرد والتخلف،
** هشاشة الدولة وعواقبها على الفرد والمجتمع،
** الخسائر الثقافية والحضارية التي لا يمكن تعويضها؛
** الخسائر الاقتصادية والروحية للناس.   
ويزداد الأمر سوءاً بسبب غياب إستراتيجية عراقية ودولية لمواجهة الوضع الراهن للنازحين وتزايد أعدادهم ومشكلاتهم اليومية العصية على الحل من جانب إدارات المخيمات.
وهناك عواقب أخرى على عموم العراق التي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية والتي اقترنت أيضاً بانخفاض أسعار النفط الخام عالمياً وتقلص الحاجة له بسبب الاختلال بين العرض والطلب في غير صالح الطلب:
** تناقص إيرادات العراق المالية بشكل كبير جداً مما أثر سلباً على الميزانية الاعتيادية، إذ إن العجز بلغ 56%، إضافة إلى غياب كلي لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة.
** تزايد الحاجة إلى السلاح والعتاد الحديث الذي يكلف الميزانية الاعتيادية مبالغ مالية كبيرة جداً بسبب الكمية الكبيرة التي يفترض استيرادها من جهة، وارتفاع أسعار الأسلحة والأعتدة الحديثة من جهة ثانية، إضافة على الخسائر الكبيرة المتلاحقة التي يتحملها العراق بفعل الدمار الذي يلحق بتلك الأسلحة والمعدات والاعتداء أثناء المعارك مع قوى الإرهاب الدموي الداعشيين.
** تفاقم حجم البطالة على صعيد العراق كله وتنامي عدد الفقراء وتنامي النسبة إلى مستوى يتراوح بين 30-40% وانخفاض مستوى حياة ومعيشة الأفراد وخاصة من ذوي الدخل المحدود والفقراء والكادحين من سكان العراق.
** استمرار نهب موارد البلاد المالية وبمختلف السبل والوسائل والتي طرحها أخيراً عضو البرلمان العراقي ونائب رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب ورئيس كتلة كفاءات الدكتور هيثم الجبوري والتي تشير إلى حجم المليارات المنهوبة والمسلوبة من العراق ومن الشعب العراقي عبر كبار مسؤولي الدولة والأجهزة الحكومية.
** تزايد عدد المعوقين والخارجين من العملية الاقتصادية بسبب الموت أو الجروح والتعويق عن المشاركة في العمل، وهي خسارة كبيرة بسبب أن أغلب هؤلاء هم في عمر العمل ومن الشباب.
ومن المثير للقلق الشديد في هذه المرحلة بالذات وفي الحرب الدائرة ضد داعش هذه الصراعات المتفاقمة بين الأطراف المشاركة في الحكم. فلو حاولنا رؤية ما يجري بالعراق لوجدنا الصراعات الآتية  المحتدمة حقاً والتي تقود إلى إضعاف القدرة على مواجهة القوى المجرمة لداعش ومن يساندها داخل وخارج العراق:
= صراع بين الأطراف الشيعية المشاركة في الحكم ومؤامرات ضد رئيس الحكومة ممن تضرر من إبعاد المستبد بأمره نوري المالكي عن الحكم أو من يرغب في الحلول محل العبادي من الأطراف الشيعية في "البيت الشيعي العراقي!".
= صراع محتدم بين الأطراف السنية الحاكمة والتي ترتفع المهاترات بينها إلى حد الرغبة في قضاء بعضها على البعض الآخر والتي لا تختلف عما يجري في الطرف الشيعي، وبشكل خاص بين أتباع أسامة وأثيل النجيفي وأتباع سليم الجبوري.
= صراع متفاقم بين الأطراف المشاركة في حكم إقليم كردستان وبشكل خاص بين الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن يسانده من جهة، والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير ومن يساندهما من جهة أخرى. وها نحن نتابع حملة مهاترات متبادلة تقود إلى عواقب وخيمة لهم جميعاً ولن تنفع الإقليم بأي حال.
= يضاف إلى ذلك تلك الصراعات التي نشبت في عهد المستبد نوري المالكي التي توقفت لفترة ثم عادت بين رئاسة وحكومة الإقليم ورئاسة مجلس الوزراء والحكومة الاتحادية ببغداد بشأن العديد من القضايا وبشكل خاص قصية النفط وموضوع الميزانية والتي لا يمكن القبول بها من الجانبين والتي يفترض أن تخضع للدستور العراقي باعتباره دستوراً بنوده سارية المفعول على العراق كله بما فيه الإقليم، وليس لإقليم كردستان دستور مقر ومصادق عليه من قبل البرلمان الكردستاني حتى الآن على وفق ما يتابع القراء والقارئات يومياً من مناقشات وصراعات حول بنوده وبشكل خاص حول طبيعة النظام المنشود: نظام رئاسي أو نظام برلماني.. الخ، ومن ثم الموقف من إعادة ترشيح مسعود البارزاني لرئاسة الإقليم أم انتهى حقه في الترشيح على وفق الدستور السابق والذي لا يجوز الترشيح لدورة ثالثة.
والمثير للمخاوف هو التردد الذي يتلمسه المتتبع لأحداث العراق في سياسة حيدر العبادي في مواجهة المشكلات المتفاقمة وعدم توجهه لحلها ووضع الأمور في نصابها، خاصة وإنه، كما يبدو، غير قادر حتى الآن رغم مرور ما يقرب من سنة في وجوده على رأس السلطة على كسر شوكة أولئك الذين يتآمرون عليه علناً ويعرقلون الانتصار على داعش ويمارسون الإرهاب بالعراق أيضاً. وقد نشرت في الحلقة السابقة ما يتعرض له المسيحيون وغيرهم ببغداد وضواحيها ومناطق أخرى من اختطاف وسيطرة على عقاراتهم من قبل المليشيات الطائفية المسلحة التي أصبحت تشكل جيشاً قوياً باسم الحشد الشعبي وخارجه داخل جيش عراقي ما يزال ضعيفاً وعاجزاً عن فرض إرادته ومواجهة داعش في آن واحد.