المحرر موضوع: قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم  (زيارة 660 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1287
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
عبد الحسين شعبان

شاع في العقدين ونيّف الماضيين خطاب إتّسم بالتمييز وادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة، وهو خطاب يحضّ على كراهية الآخر والاستعلاء عليه، بل وتشجيع العنف وتبرير الإرهاب، وقد استخدمت منابر إعلامية ودينية للترويج لمثل هذا الخطاب، دون أي اعتبار لقانون أو عُرف أو تعاليم دينية، بحيث أضحى خطاب التكفير والدعوة للتمييز بحجج دينية أو طائفية أو مذهبية أو إثنية، أمراً سائداً على المستوى العالمي.
وكرد فعل لبعض الأعمال الإرهابية التي حصلت في العالم، والتي عانى منها الشرق الأمرين قبل غيره، ولاسيّما البلدان العربية والإسلامية، انتعشت بعض التوجهات الفاشية والعنصرية الجديدة في الغرب ضد المسلمين والعرب منهم بشكل خاص، وهو ما أطلقنا عليه " الإسلامفوبيا"، وضد الأجانب بشكل عام،  الأمر الذي اتّخذ شكل قوانين وإجراءات لعدد من البلدان الغربية، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001 الإرهابية الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة.
كما برزت في الوقت نفسه اتجاهات متطرّفة ومتعصّبة في العالم العربي وفي بلاد المسلمين عموماً، واتسمت بالتكفير والتحريم والتجريم للآخر، بل والقتل خارج القضاء على نحو لم يبق له مثيل، فالآخر حسب وجهة نظرها، غريب وكل غريب مريب، فما بالك إذا كان الآخر غربياً، فهو "كافر" ويستحق القتل. يستدل على ذلك من الخلفية التي يتم توظيفها بشأن العداء والكراهية، خصوصاً باستمرار هضم حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ودعم الغرب لـ" إسرائيل" والصهيونية العالمية، التي ما فتئت تقوم بالعدوان تلو الآخر ضد الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية، وتتنكّر للحقوق الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرّف وفي مقدمتها حق تقرير المصير. وقد أطلقنا على فكرة كراهية الغرب بالمطلق وتحميله نتائج جميع إخفاقاتنا وسوء أوضاعنا " الويستفوبيا- الغربفوبيا".
الموجتان المتطرّفتان لدى الأوساط المتنفذة الغربية، والتي يقابلها جماعات التكفير والإرهاب في العالم العربي والإسلامي، قادتا إلى الصدام التناحري الإلغائي، حيث لا يمكن التعايش بينهما، فتحت حجة مكافحة الإرهاب، تعتبر الأوساط المتنفّذة في الغرب، الإسلام عدواً بعد انهيار الأنظمة الشيوعية، وهي لا تفرّق أحياناً بين الإسلام والجماعات الإرهابية الإسلاموية المتطرّفة، مثلما ليست المسيحية تمثّل المجاميع المتطرّفة في الغرب ودعاة الحروب، فذلك من شأنه أن يجعل الصراع بين أتباع الأديان متواصلاً ولا نهاية له.  وقد ارتكب الرئيس جورج دبليو بوش خطأً شنيعاً حين وصف حركات المقاومة ضد الاحتلال، بالفاشية الإسلامية، ولم يحصل الأمر سهواً أو زلّة لسان كما يقال، ولكن مع سبق الإصرار والوثوق، وذلك بالترويج في الوقت نفسه لمشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم للشرق الأوسط الجديد.
ومن جهة أخرى فإن الجماعات الإرهابية المتعصّبة والمتطرّفة عزفت على وتر واحد، مهما اتخذت من أسماء سواء تنظيمات القاعدة أو داعش أو جبهة النصرة أو ميليشيات مسلحة أخرى شيعية أو سنية، وذلك حين اعتبرت الغرب كلّه عدواً، وبالتالي لا بدّ من التصادم معه، ونسيت أن الغرب مستودعاً لخير ما أنجبته الإنسانية من علوم وتكنولوجيا وآداب وفنون وعمران وجمال، وخصوصاً في الثلاثمائة سنة الأخيرة، حيث استمر العالم العربي والحضارات القديمة في نفق مظلم، لا زال بعضها يعيش فيه.
وإذا كانت الأوساط المتنفذة في الغرب السياسي، معادية للعرب والمسلمين وتريد فرض الهيمنة عليهم واستتباعهم ونهب مواردهم واستغلالهم سوقاً لتصدير الأسلحة والسلع والبضائع، مقابل حصولهم على مصادر الطاقة بأسعار منخفضة، ولاسيّما النفط والغاز، فإن الغرب الثقافي بشكل عام ولدى أوساط غير قليلة منه، كان مناصراً لقضايانا العربية والإسلامية العادلة، ووقف ضد حكوماته للدفاع عن مصالح شعوبنا، كما هو الحال الموقف من القضية الفلسطينية والحرب على العراق وقصف ليبيا، ناهيك عن فضائله في تقديم المنجز الثقافي الكبير للعالم، وهو أمر ينبغي التفريق بينه وبين الغرب السياسي.
ليس الغرب كلّه "غرباً" يدعو إلى صدام الحضارات مثل صموئيل هنتنغتون، وإلى نهاية التاريخ مثل فرانسيس فوكوياما، بل هناك غرب يقف موقفاً مشرفاً بإدانة ثقافة الكراهية ونبذ الآخر ويدعو لاحترام حقوق الإنسان ومبادئ المساواة والمشترك الإنساني. كما ليس كل العرب والمسلمين دعاة تعصّب وتطرّف وغلو وعنف وإرهاب، فالظاهرة الإرهابية التي اكتوى بها العالم العربي والإسلامي قبل غيره، لا تشكّل إلاّ نسبة ضئيلة جداً ولا تُذكر، وإنْ كان فعلها الإجرامي كبيراً، وتأثيرها خطيراً، وكان الغرب يغضّ النظر عنها، بل ويشجعها أحياناً.
إن مناسبة هذه المطالعة هو إصدار دولة الامارات العربية المتحدة، مرسوماً بقانون، بشأن مكافحة التمييز ونبذ الكراهية وازدراء الأديان، ويأتي هذا القانون في وقت تشهد فيه منطقتنا موجة شديدة وعاتية من خطابات التكفير والكراهية، حتى إن الكثير من الممارسات وفي العديد من البلدان، استمرأت التمييز ومارسته، سواءً كان دينياً أو مذهبياً أو إثنياً أو اجتماعياً أو جنسياً أو بسبب اللون أو اللغة أو تحت أي مبرّر كان، وسعت لإيجاد ذرائع ومسوّغات لممارساتها المنكرة تلك.
إن إصدار سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، المرسوم بقانون، هو مبادرة مهمة تستحق وقفة تأمل ومسؤولية إزاء خطورة الأوضاع التي تشهدها المنطقة العربية والعالم ، فإضافة إلى كون هذه المبادرة سبّاقة في توجهها، فإن تأتي تأكيداً للدور الذي يمكن أن تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس على صعيد العمران والبناء والنجاحات الكبيرة في ميادين التربية والتعليم والصحة والتنمية، بل في ميدان مكافحة الإرهاب والدعوة للتسامح ونبذ خطابات الكراهية والتمييز وازدراء الأديان وذلك استكمالاً للنهج الذي اختطّه مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
القانون استهدف تحصين مجتمع الإمارات والمجتمعات العربية عموماً من شرور وآفات التمييز والتعصّب والتطرّف، خصوصاً عندما وضع أحكاماً غليظة على كل من يرتكب مثل تلك الأعمال أو يحرّض أو يتستر عليها، فهؤلاء جميعاً سيكونوا تحت طائلة المساءلة القانونية، والهدف هو ردع كل من تسوّل له نفسه ممارسة التمييز وتحبيذ الكراهية ضد الآخر وازدراء الأديان والانتقاص من المقدسات كالذات الإلهية والأنبياء والرسل والكتب السماوية ودور العبادة، أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملّة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، والهدف الآخر هو جعل المجتمع أكثر تماسكاً من خلال قواعد التعايش والمشترك الإنساني، بما يعزّز الأمن والاستقرار ويساعد في تمتين العلاقات بين مختلف البشر في إطار الوحدة الوطنية.
وهناك هدف آخر يمكن استخلاصه من إصدار القانون، وهو سعيه لوضع المخاطر التي تهدّد مجتمعاتنا في إطارها الصحيح ، وتحديد الوسائل لمجابهتها ليس بالقانون لوحده، وإن وضع القانون قواعد ضرورية لذلك، ولكن من خلال القيم المضادة مثل مبادئ المساواة والمواطنة السليمة، ولاسيّما للنشء الجديد، بما يساعد في تربيتهم  على احترام الآخر وخصوصيته وهوّيته الفردية والجماعية، وتلك تحدّيات كبرى تواجه مجتمعاتنا، فإن لم نستطع مجابهتها والانتصار عليها، فإنها ستؤدي إلى المزيد من التشظي والتشتت والاحتراب والعنف.
لقد زاوج القانون بين الأحكام الغليظة من جهة وبين التوعية الثقافية من جهة أخرى،  أي بالردع والإقناع في آن، فليس بالعقوبات وحدها يمكن وأد الإرهاب والقضاء على العنف والتمييز، فلا بدّ أن تصاحب صدور القانون حملة فكرية وثقافية واجتماعية ضد التكفير وثقافة الكراهية والتمييز، أي العمل على تجفيف منابعه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وهذه لا بدّ أن تأخذ بنظر الاعتبار التطبيق السليم لأحكامه وتجنّب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الضد من أهدافه، ودائماً كما يقال العبرة بالتنفيذ، وسيكون ذلك رادعاً كبيراً فكرياً واجتماعياً وثقافياً وقانونياً وتربوياً ونفسياً لمحاصرة بؤر التكفير والكراهية .
   إن التواؤم بين المعايير الوطنية والإنسانية العربية والإسلامية التي احتواها المرسوم بقانون، وبين المعايير الدولية القانونية والحقوقية، سواء على الصعيدين  النظري أو العملي مسألة مهمة، لأن منظومة القيم الإنسانية واحدة، وهي شاملة وتخص بني البشر جميعاً، ولا يمكن تجزئتها أو الافتئات عليها أو الانتقاص منها.
لم يعد خطاب الكراهية والتوحّش والدعوة إلى القتل وإلى إلغاء الآخر، مداناً فحسب، بل أصبح بموجب القانون جريمة تستحق أقسى العقوبات، لأنها تؤدي إلى الفتنة والاحتراب وتفتيت المجتمعات، وهو ما سعى المرسوم إلى تأكيده وتلك إحدى رسائله إلى العالم، وقد لاقى القانون صدى عربياً وإسلامياً وعالمياً إيجابياً واسعاً، الأمر الذي يحتاج إلى جهود مشتركة وتعاون عربي ودولي، لوضع حد لأعمال التعصّب والتطرّف وخطابات التكفير والكراهية والتمييز وازدراء الأديان، وتلك مهمة  يمكن أن يساهم فيها المثقفون بحيوية وجدارة.