المحرر موضوع: التنور  (زيارة 1929 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لطيف نعمان سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 693
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
التنور
« في: 23:10 05/08/2015 »
 


 التنور
   

 
   لطيف نعمان

   قصه قصيره جدا
                                             
من يتذكر ممن تجاوزت اعمارهم الخمسين قبل أكثر من أربعة عقود عندما كانت تمرق من أمام بيوتاتنا عربات تجرها الحمير وهي محملة بأعداد من (التنانير – جمع تنور)؟ وقتها كانت اغلب المنازل ان لم تكن كلها تحتوي على التنور، ولما كان هذا التنور لا يصمد طويلا بفعل النار المتأججة في جوفه، كان يحتاج الى صيانة مستمرة أو الى التبديل في حال  وصوله سن الشيخوخة (الاكسباير).
كانت الوالدة مولعة بالتنور بشكل غريب. أتذكر كنت صغيرا عندما تسربت مياه الأمطار الى تنور منزلنا، فأنهار جزء منه .. في تلك الفترة ظلت الوالدة ترقب عربة (مام بكر) بائع التنانير، وكم كانت فرحتها كبيرة عندما هل هلال المحروس، فخرجت على الفور، وبدأت تتفحص التنانير تنورا تنورا مستعينة بخبرة جارتها (شوشي) .. هذا افعص، وذاك أعوج، وثالث فوهته واسعة، ورابع صغير، الى ان استقرت على واحد منها. دفعت ثمنه وهي ترجو مام بكر ان يعينها بإدخاله الى فناء الدار.
قبل سنوات شيدنا دارا (معاصرة)، ووضعنا حدا لإزعاجات البيت القديم الذي كان قد تصدع من كل حدب وصوب، واكل الزمان عليه. اصرت الوالدة ان لا تتخلى عن نصب تنور جديد في الحوش، وكنا نحن الشباب نعارض بشدة اصرارها لعدم ملائمة وجود تنور في دار سكنية حديثة، هذا فضلا عن دخانه الذي يزعج الجيران ويؤثر على الأشجار، لا سيما تم تحديث فرن للصمون قريب من المنزل..
الواقع كنا نجهل الأصالة التي تنشدها الوالدة، والتراث الذي تجلى بعبق التنور وشكله وذكرياته. وعندما اشتد الجدال مع الوالدة حول بناؤه من عدمه .. صاحت بوجهنا : هل تريدونني ان اتخلى عن ما اعتز به  من (خبز ركاك) والكليجة والهريسة؟ لا احد منكم يقدر مدى فرحتي عندما انتهي من عمل الخبز واجلس قبالته واشم رائحته .. ولما كانت الوالدة هي تاج العائلة، وراية المنزل الخفافة لا أحد يتجرأ على عدم اطاعتها. بنينا تنورا جديدا وسلمنا أمرنا لله.
مضت السنون، توسعت العائلة، وكبر الأبناء .. اضطررنا الأستعانة بحوش المنزل لتشييد مشتمل يأوي احدى العوائل الصغيرة المتشعبة، وكان لا مناص من هدم التنور هذه المرة وسط مشاعر التردد الممزوج بالحزن والرهبة من الأم. فوّضنا الأخ الأكبر ليفاتحها في موضوع هدم التنور. عندما استشارها التزمت الصمت، وكان صمتها رهيبا. في البدء تراجعنا عن المشروع احتراما لمشاعر العجوز التي ما عادت تقدر ان تخبز ولكن مجرد رؤيتها لمنظر التنور يبعث في نفسها الراحة لا سيما انها تعاني من عدة أمراض، ونحترم مشاعرها، ونتحاشى عصيان امرها. ولكن امام تعقيدات الحياة، والأزدحام في المنزل لم نستطع المقاومة أكثر من ذلك، فوافقت الوالدة عن مضض. ونبست ببعض الكلمات الغير مسموعة، فهم منها انها وافقت مجاراة للصالح العام.
عندما امتدت معاول العمال الى جسد التنور كانت العجوز في زاوية احدى غرف المنزل المطلة على الحديقة، واغلقت بابها، وظلت ترقب من خلال النافذة الواسعة الى منظر هدم التنور، سالت من عينيها دموع ساخنة..
تشرين الثاني 2009
عنكاوا


غير متصل خالد توما

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1710
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: التنور
« رد #1 في: 23:26 12/08/2015 »
أخي العزيز العمر المديد للوالده ولكم جميعا السعاده ..
أستاذي الفاضل كان التنور حاجه ضروريه في الدار من هم بأعمارنا ولا يستغنون عنه لأن بدون التنور لا وجود الخبز على المائده ..
يا ليتنا في زمن التنانير كان الصديق صدوق وكان الجار جار لا كومه حجار وكانت أمهاتنا صالحات لا تغمض أجفانهن أذا أصاب فرد من العائله بمرض لا سامح الله ووو الخ .. تحياتي

غير متصل farhadhakeem

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 99
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: التنور
« رد #2 في: 22:44 15/08/2015 »
رابى العزيز..أنا أتحسس مدى مرارة الوالدة على هدم التنور، فبالرغم من أننا لم يكن لدينا تنور في بيتنا القديم، لكن الوالدة كانت تلجأ الى تنور الجيران فيما كان يشبه مهرجاناً أسبوعياً. كما أنني توسلت الى أبن عمكم الدكتور مجيد توما بعدم هدم تنورهم "لغرض تخصيص كراج للسيارة" لكن دون جدوى، كونه آخر تنور مستخدم في عنكاوه. تحياتي
فرهاد عبد الأحد حكيم
Farhad Hakeem