المحرر موضوع: خواطر - 2 ... وين الوعد يعبادي !!  (زيارة 760 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. خليل الجنابي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 103
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

خواطر - 2  ... وين الوعد يعبادي !!
الدكتور / خليل الجنابي
من الأمثال الشائعة في تراثنا الشعبي ( وعد عُرقوب ) وهو ينطبق على كل من يخلف وعده ، فالعلاقة بين الناس كانت وقتها علاقة أخذ وعطي ، بيع وشراء وتبادل تجاري بالطريقة البسيطة البدائية . أعطك تمراً إعطني مكانه حنطتاً أو شعيراً ، إعطني جملاً أعطيك مكانه ثلاثة خراف ، إعطني ديكاً أعطيك مكانه دجاجتين وهكذا دواليك . وإن لم تستطع  المبادلة الفورية عليك الدفع بالآجل على ( الأخضر ) وهذا ما كان متعارفاً عليه من قبل .
والدفع على الأخضر كان شائعاً بين المزارعين الفقراء والمرابين الأغنياء الذين كانوا يبتاعون منهم محصولاتهم بثمن بخس مقابل إخضرار مزروعاتهم والتأكد من نضوجها بعد حين .
وعملية البيع والشراء هذه كان يعتريها الكذب وعدم الصدق بالوعد ، ووعد عُرقوب كان حاضراً في كل حين .
وعُرقوب هذا ، كان رجلاً ميسور الحال وله بستان ونخل كثير . جاءه يوماً رجلاً فقيراً يطلب منه المساعدة فقال له عرقوب :

انظر لهذه النخلة إذا أطلعت فلك طلعها, فلما أطلعت أتاه ليأخذ الطلع فقال له دعها حتى تصير بلحاً ، فلما أبلحت قال دعها حتى تصيرُ زهواً ، فلما زهت قال دعها حتى تصيرُ تمراً, فلما أتمرت عمد إليها عُرقوب ليلاً فجدها ولم يعط الرجل الفقير شيئاً منها .. فصار مثلاً في الخُلفِ وعدم الوفاء.

وفيهِ قال الشاعر كعب بن زهير

صارت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلاً …. ومـا مواعيدُها إلا الأباطيل
فليس تنجز ميعادا إذا وعدت …. إلا كما يمسك الماء الغرابيل

وهناك مثل آخر قريب إلى واقعنا الحالي يقول ( أواعدك بالوعد واسگيك يا كمون )!! .
والكمون نبات لا يحتاج إلى الماء كثيراً ، والفلاحون لا يعيرونه أي إهتمام في عملية السقي ، و تزعم الحكاية أن الكمون أحتج يوماً ، أحتج و طالب بالعدالة ومساواته بباقي المزروعات وكان الفلاحون يعدونه خيراً، إلا أنهم كانوا ينكثون بالوعد دائماً.

قال الشاعر:
لا تجعلوني ككمون ٍ بمزرعة ... إن فاتهُ السقي أغنتهُ المواعيدُ
والآن لنعود إلي عراقنا الحبيب حيث إختلط الحابل بالنابل كما يقولون ،  ورغم  هذا وذاك فالأمور بقيت  تسمى بمسمياتها ، ولم يعُد بالإمكان خداع الناس وإستغفالها لأنها ( مفتحه باللبن ) وأصبح بوسعها أن تقول للأعور أنت أعور وليس ( كريم العين ) ، وأن تنادي بما تراه صائباً وصحيحاً ، حيث لم يعد هناك وقتاً للمجاملة والمحاباة .
آلاف الجماهير التي سارت في ساحات التحرير في معظم المدن العراقية والتي نادت بالإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وتوفير الخدمات ومكافحة الفساد والسرقة والجهل والتخلف والمرض والبطالة ، إستبشرت خيراً بما أعلنه رئيس مجلس الوزراء السيد ( حيدر العبادي ) بحزمته الإصلاحية والتي وافق عليها البرلمان فوراً وأزادها بحزمة إصلاحية أخرى ، ووقفت المرجعية الدينية الرشيدة إلى جانبها وطالبت بتنفيذها . لكن مع الأسف  الشديد جرى الإلتفاف على ما أعلنوه جملة وتفصيلاً وبحجج واهية إستخرجوها من الدستور الذي أصبح  حمالاً للخطايا وعائقاً أمام الإصلاحات . وها هي الجماهير اليوم بعد أن يئست من  الوعود والإنتظار ، وبعد أن عرفت أنها تنفخ في قربة مثقوبة  أخذت تردد عالياً وبصوت مسموع  ( وين الوعد يعبادي !! ) .