المحرر موضوع: أضواء على كتاب .. يهود العراق والمواطنة المنتزعة للدكتور كاظم حبيب  (زيارة 1684 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أضواء على كتاب .. يهود العراق والمواطنة المنتزعة للدكتور كاظم حبيب
نبيل عبد الأمير الربيعي
 
     ليهود العراق دور كبير ومتميز في جميع مجالات الحياة العراقية , السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , كونهم فئة اجتماعية غنية من سكان العراق منذ العهود الآشورية والكلدانية/ البابلية ,حتى أصبحت حياة اليهود التقليدية لا تختلف عن حياة المسلمين والمسيحيين العراقيين وأتباع بقية الأديان في علاقاتهم اليومية, فتطبعوا بطباع العائلات العراقية, وكانوا يشكلون جزءاً عضوياً من المجتمع العراقي بغض النظر عن الاختلاف في الدين والمذهب الذي كان يمارس في بيوت العبادة. كانت لغة الأم ليهود العراق هي اللغة العربية في المناطق العربية واللغة الكردية في المناطق الكردية, لذلك هم مواطنون عراقيون أصليون من أتباع الديانة الموسوية.
      صدر للباحث والكاتب الدكتور كاظم حبيب عن دار المتوسط كتابه الموسوم (يهود العراق والمواطنة المنتزعة), الكتاب يحتوي على (800) صفحة من القطع الوزيري , وغلاف متميز ,وطباعة جيدة خالية من الأخطاء اللغوية والطباعية. يتكون الكتاب من جزأين , الجزء الأول يحتوي على سبعة عشر فصلاً يمثل تاريخ أبناء الديانة اليهودية في العراق منذ السبي الآشوري الأول (721ق.م) وحتى هجرتهم الأخيرة عام 1971م, أما الجزء الثاني فتضمن استطلاع من قبل الدكتور حبيب لرأي يهود العراق وأوضاعهم ممن هاجر من العراق واستقر في البلدان الأوروبية أو استوطن في إسرائيل, يشمل الاستطلاع إجاباتهم ممن أسقطت عنهم الجنسية العراقية, وقراءة مكثفة في أجوبتهم من قبل الدكتور حبيب. كما احتوى الكتاب على مجموعة صور مهمة لم تنشر سابقاً في المصادر ومواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونية, يعتبر هذا الكتاب الثاني للدكتور حبيب حول تاريخ يهود العراق .والدكتور كاظم حبيب كاتب وباحث وسياسي عراقي معروف صدر له أكثر من 20 كتاباً وكراساً في الفكر والاقتصاد والسياسة والمجتمع للفترة بين (1968-2015م) والكثير من الدراسات والمقالات المتنوعة.
      الجزء الأول من الكتاب تضمن حال يهود العراق منذ بداية سبيهم من قبل الدولة الآشورية عام 721 ق.م وحتى هجرتهم عام 1971م, وقد أشار الدكتور حبيب إلى دورهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الحضارة الآشورية والبابلية, ودورهم في ظل الفتح الإسلامي, ومن ثم استمر وجودهم في العراق خلال حقبة الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والدولة العباسية , وفي ظل الهيمنة الفارسية والعثمانية, وفي عهد المماليك فضلاً عن عهد الدولة العراقية الملكية والجمهوريات الخمس المتتالية,إذ ما تزال مجموعة صغيرة جداً منهم متواجدة في كنيس طويق لا يتجاوز عددها أصابع اليد .
      ذكر الدكتور حبيب في ص28 إذ قال(خلال جميع هذه العهود تعرض اليهود أحياناً كثيرة للاضطهاد الديني والتمييز السياسي والاجتماعي,كما تعرضوا إلى الاستبداد والاضطهاد والقسوة مع بقية رعايا ومواطني هذه الدول, ومن قبل النظم السياسية التي سادت فيها, وتمتعوا أحياناً أخرى بالحرية الدينية والوضع الاجتماعي الاعتيادي والوضع المالي المتباين من فئة اجتماعية أخرى كبقية أبناء وبنات الشعب العراقي), لذلك نستنتج أن يهود العراق خلال جميع المراحل السياسية قد تعرضوا إلى الاستبداد والاضطهاد إلا في النصف الأول من عهد الدولة العباسية,إذ كان هناك تسامح ديني إزاء الأديان الأخرى من غير المسلمين أكثر تسامحاً مما كان عليه الموقف مع أتباع المذاهب الدينية في الإسلام, لكن في العهد الأخير من الدولة العباسية مارس الولاة الاضطهاد والقسوة مع أبناء الديانة اليهودية وحتى مع بعض الفرق الإسلامية.
      كما أكد الدكتور حبيب في ص31 على دور الوزير في الدولة العباسية علي بن عيسى في اضطهاد أبناء الديانة اليهودية بما يسمى (أهل الذمة)من مختلف الديانات عدى الديانة الإسلامية,إذ قال:" ويؤكد هذا النص الموقف الديني المتزمت للوزير علي بن عيسى إزاء أهل الذمة, إذ أنهُ وصفهم في طبقة تقع بين المسلمين والبهائهم بقوله (ليس بيننا خلاف في أن معالجة أهل الذمة والبهائم صواب), كان هذا التمييز موجوداً وملموساً لدى الغالبية العظمى من المسؤولين و الكثير من علماء الدين والقضاة والقادة العسكريين في تلك العهود". كما بين الدكتور حبيب في ص53 إحصائيات السكان اليهود والمسلمين والمسيحيين وغيرهم من أبناء الديانات الأخرى خلال القرون المنصرمة في جميع مدن العراق وأشار في ص57 إلى دور يهود كردستان العراق في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والذي بلغ عدد نفوسهم في عام 1950 حوالي (13000) نسمة وهم من من أسقطت عنهم الجنسية العراقية وهاجروا إلى إسرائيل من مجموع (124826) مهاجر يهودي من العراق إلى إسرائيل.
     كما تضمن الجزء الأول من الكتاب مدارس اليهود في العراق وتأثيرها على الواقع الثقافي والتعليمي على أبناء الديانة اليهودية والديانات الأخرى , ودور المثقفات والمثقفون العراقيون اليهود في الحياة الثقافية العراقية قبل الهجرة القسرية لهم , وقد ذكر الدكتور حبيب في الفصل الخامس من الكتاب مقارنة بين نموذجان متقدمان من مثقفي وكتاب يهود العراق المهجرين أو النازحين إلى إسرائيل, هم كل من الدكتور ساسون سوميخ وكتابه (بغداد الأمس) , والبروفسور سامي موريه وكتابه (بغداد حبيبتي –يهود العراق- ذكريات وشجون).
      أمّا في ص91 من الكتاب فقد ذكر الدكتور حبيب موضوع المعهد التجاري إيجيبي في الحضارة البابلية , وهم عائلة تجارية اهتمت بالمعاملات والعقود التجارية المالية والسفاتج والسندات التي تخص تلك الحقبة, إلا أن الدكتور على معنى اسم إيجيبي اعتماداً على كتاب يوسف رزق الله غنيمة ( نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق)صفحة 73 أنه تصحيف لأسم يعقوب اليهودي وهذا ما أكده للدكتور حبيب البروفسور سامي موريه من خلال رسالة أرسلها الدكتور حبيب للبروفسور موريه , لكن الدكتور صباح عبد الرحمن في كتابه (النشاط الاقتصادي ليهود العراق) ط1. ص10 , ذكر "أن إيجيبي تعني عندي أو بحوزتي" ولا أعرف مَنّ المصدر الصحيح الذي يجب أن نعتمد عليه لتعريف وترجمة مصطلح (إيجيبي) .
لكن من خلال إطلاعي على الكتاب وجدت هناك لبس وخلط من قبل الدكتور حبيب , وأرجو أن أكون صائباً في هذا الموضوع , ذكر الدكتور حبيب في ص125 حول دور الأدباء العراقيين في الواقع العراقي إذ قال"من هنا نشأ التشابه الفعلي والتقارب الكبير بين الأفكار التقدمية والديمقراطية التي يطرحها شاعر عراقي مسلم مثل جميل صدقي الزهاوي أو معروف الرصافي أو محمد مهدي الجواهري, وشاعر عراقي يهودي مثل أنور شاؤول أو مراد ميخائيل" , وفي التعريف للشاعر مراد ميخائيل في الهامش ذكر الكاتب حبيب عن تعريف لحياة ودور الشاعر والصحفي مراد العماري , مع العلم أن لكل منهم حياته وليس مراد ميخائيل هو نفسه مراد العماري, أرجو من الدكتور حبيب أن يراجع هذه الصفحة لغرض التصحيح في الطبعات المقبلة.
      الكتاب يعتبر من المصادر المهمة في الوقت الحاضر لأنه طرح بعض الموضوعات والمقابلات التي لم يتطرق إليها أي كاتب وباحث في الشأن اليهودي في داخل العراق وخارجه,خلال العقود السابقة وما بعد عام 2003م. من الأمور التي طرحها الدكتور حبيب في الجزء الثاني من الكتاب بعض الأسئلة المهمة على يهود العراق المهاجرين ومن مختلف الطبقات الاجتماعية, كأسئلة استطلاعية لرأيهم عن أحوالهم حين كانوا في العراق وما حدث لهم من تميز معاشي وعملي واجتماعي, وما أصابهم من إساءات من قبل أجهزة الدولة أو من الناس كونهم يعتنقون الديانة اليهودية , ثم تطرق عبر الاستطلاع عن رأيهم في الحركة الصهيونية ومجزرة الفرهود, وتأثير الدعاية النازية حقبة الأربعينات من القرن الماضي (1933-1945), وهل للدعاية النازية دور في مجزرة الفرهود في بغداد والسلب والنهب في مدينة البصرة؟, وما هي الدوافع الخارجية والداخلية لمجزرة الفرهود وتأثيرها النفسي على أبناء الديانة اليهودية في العراق؟ وهل جميع يهود العراق كانت لهم الرغبة في الهجرة عام 1951م أو قبل صدور قانون إسقاط الجنسية عام 1950م؟, وكيف تعامل العهد الجمهوري الأول مع يهود العراق؟ وهل يشعر يهود العراق بالمرارة لإسقاط الجنسية العراقية والنزوح من العراق؟ أسئلة كثيرة ومهمة تجاوزت (30) سؤال , كانت لها أهمية لمن يطلع على الكتاب ليخرج باستنتاجات وواقع حال اليهود وتمسكهم ببلدهم العراق ,كانت إجاباتهم واقعية برفضهم للهجرة القسرية عام 1951م وكذلك الفكر الصهيوني, ومصداقيتهم ووطنيتهم وتحملهم الاضطهاد , وتقديمهم لعشرات الشهداء ومئات الضحايا أبان الحكومات السابقة , ومشاركتهم في التظاهرات الوطنية واليسارية, حتى تم إفراغ العراق من هذا المكون المهم , ثم بدأت الأعمال الإرهابية بعد عام 2003 من تفريغ العراق من المكونات الأخرى من المسيحية والشبك والأيزيدية والصابئة المندائية. مع هذا من خلال هذا العرض الموجز للكتاب المهم ,يعتبر الكتاب مهم للطلبة والباحثين في شأن تاريخ يهود العراق .