المحرر موضوع: هموم الانثى تحتمي بالالوان في اعمال روناك عزيز  (زيارة 1160 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوتيار تمر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 186
  • الجنس: ذكر
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هموم الانثى تحتمي بالالوان في اعمال روناك عزيز

جوتيار تمر/ كوردستان
2/12/2015
 تتيح اللوحة للمشاهد مديات محدودة، تبنى من خلالها المفاهيم والاراء حول ماهيتها، والكيفية التي انتجتها، والظروف التي ساهمت في تشكيل معالمها وجغرافيتها، وهي بذلك تتخطى المحددات السابقة للمشاهد من حيث النظر الى القماش والالوان واعتبار الرسم مجرد خطوط متشابكة، فاللوحة تحولت من ذلك الاطار الضيق الى نص لاحدود له، يكشف لنا عوالم خفية واخرى ظاهرة، لاسيما تلك العوالم التي تعيش صراعات بكل مستوياتها، سواء أكانت نفسية وجدانية صوفية انتمائية اغترابية الى غير ذلك من الصراعات التي تحتدم في الوجود الانساني، وهي اجمالا تشكل العوالم التي ترصدها اللوحة وتكشفها لنا عبر الالوان والخطوط المعبرة " النص"  وهي بلاشك تتلاحم بصورة ممشوقة مع عوالم الذات الممسكة بالفراشاة، ليس لكونها اداة تعبيرية فحسب انما لكونها اداة تمثل الوجود الفعلي لتلك المكونات الرئيسية التي تتشكل منها المعالم الذاتية ومدى تفاعلها وتلاحمها بالبراني عبر بوابة الجواني...بذلك هي تتعدى كونها مجرد خطوط وتعابير  ممنهجة او اكاديمية بحتة، لأن روناك نفسها ومن خلال اعمالها لاتتوقف عند جغرافية او حدود مدرسة تشكيلية فنية، فهي باسلوبها الخاص تمزج بين الكثير من المذاهب والمدارس التشكيلية الاكاديمية كالتعبيرية والسوريالية ولربما في احيان كثيرة التعبيرية التجريدية وكأنها لاتريد ان تقيد روحها بمنهجية محددة كي تبقى تحلق في الافق بحرية..  وترسم من خلال التقاطاتها لتحول انفعالاتها ومشاعر ها النابعة من صميم حراكها الذاتي الى لوحات ناطقة، وهذه الانفعالات والمشاعر على اختلاف انواعها ومستوياتها، تشي بنوع من الاحتدامات التي قد لاتظهر بصور مباشرة او حتى اثناء بدايات الرسم، انما تتخذ من نفسها ايقونة ضمنية يمكن للمشاهد المتابع ان يلامسها ضمنياً او انها تظهر من خلال نهايات العمل..مما يعطي انطباعا حول ماهية الانفعال والقلق المرافق له، وهذا بالتالي يجعلنا نعيش وقع العمل على انه تعبيري منوط بالكثير من الايحاءات والدلالات الظاهرة والمضمرة التي تساهم في توسيع رقعة العمل وتخرجه من الذاتية الى العالمية باعتبارها تنم عن تفاعلية واضحة مع القضايا الانسانية  والاجتماعية التي تربط الذات بعوالمها الخارجية.
 ومن يتابع اعمال روناك، سيجد بين تفاصيلها وخطوطها الحرفية تلك السمة ذات النزعة الذاتية المعبرة عن عوالمها الجوانية المتربطة ارتباطاً وثيقاً بالعوالم البرانية / الخارجية لاسيما تلك التي تتعلق بالقضايا الانسانية بشقيها الانتمائي التي تحمل في ضمنياتها بعض الرؤى الناطقة عن حنينها للحياة البسيطة الهادئة التي تضم بين جنباتها القيم النابعة من حياة القرية والفلاحة بحيث  نلاحظ مدى استعانتها وتحفيزها للذاكرة وبالتالي تحويل تلك الصور الملتقطة الى خطوط تشكيلية ذات معنى انفعالي تصويري نابع من الواقع نفسه وناقل لهمومه، حتى وان اكتنفه الرمزية،  وفي الوقت نفسه لوحات تؤكد مدى تفاعلها مع قضايا شعبها  كلوحة " كوباني" التي ارادات روناك من خلالها ان تظهر الدور الذي قامت نساء كوباني في الدفاع عن المدينة وصد الارهاب، وهذا الحس الانفعالي التصويري الانتمائي وجدناه يتصاعد بوتيرة واضحة في اعمالها الاخيرة، لاسيما التي تتحدث بعمق عن معاناة النساء في ظل هذا التوحش البشري وتنامي الارهاب في جميع اصقاع الارض، لذا نجدها تعود لترسم معاناة النساء والفتيات الايرذديات تحت سوط الارهاب الداعشي كما في لوحة " نساء من سنجار "، و " نساء في قبضة الاٍرهاب" ، وهي لوحات تبرز فيها عمق الفزع والهلع الحاصل جراء هذا المد الهمجي التي استهدف النساء، ولعل ما يميزها كونها تنم عن مجاميع نسائية مكونة اغلبها من خلال ثلاث نساء وهذا ما يثير التساؤل في بعده التجريدي التعبيري،  عن الغرضية او الاسلوبية التي تعتمدها روناك في اعمالها، ومع ذلك فانها في اغلب لوحاتها لاتبتعد عن مدها الانساني وتلاحمها مع قضايا الانسان محاولة ان  تمنطق ماهية تحرر الذات من خلال توقها الى الحرية.  ولروناك اعمال  اخرى ذات ابعاد فكرية وقضايا تهم العالم لاسيما العالم الانثوي.. لتصبح بالتالي انتاجاً سيميائياً مشتركاً بين ذات الرسامة والواقع عبر علائقية متشابكة للمحيط ، والذي يأخذ اشكالاً ومساحات لونية معبرة بوضوح احياناً وفي احيان اخرى بنوع من الترميز المبهم المستفز لذهنية المتابع وذلك عبر رسم لوحات تحمل مضامين تنتمي الى الواقع بكل تمفصلاته لكنها لاتحمل عناوين واضحة ومباشرة .. وهي لاتخرج عن الاطار البنائي الهندسي المميز بخطوطها والوانها، والمعبر عن مدى الانسجام الحاصل بين ذاتها وبين الداخل والخارج.. وهذا ما يمكن ملاحظته ايضاً من خلال توظيفاتها اللونية نفسها التي غالباً ما تتسم بالوان هادئة تثير في حركيتها تفاعلاً وانفعالات تجعل المتابع يلتحم مع حدثية اللوحة وتشابك خطوطها ويقدم على تأويلات متعددة، وبذلك ينتج نوعاً من التلاحم الممكن بين ذاته كمتابع ومشاهد للوحة وبين ذات الرسامة ومضمون لوحتها.
وروناك بثقافتها من حيث انتمائها الكوردي وثقافتها المنوعة النابعة من موطنها الاصلي وتمازجها وتناميها الاغترابي، تعيش هالة من الرؤى التي تحتل لاوعيها بحيث نلامس بروزها كتشكيلات متحركة في اعمالها، لاسيما حين تسعى لترميم بعض الشروخ التي احدثتها الازمنة المتوالية والتي اجبرتها على الانصياع لمنطقها سواء من حيث الابتعاد عن موطنها، او حتى المشاعر التي تخالجها جراء مشاهدتها الخراب الذي يعم كل العالم، ويهدد الانسانية اجمع، مما شكل ذلك هاجساً متقداً ومحركاً للكثير من الانفعالات والمشاعر لدى روناك، لتظهر وبشكل تناسبي وواضح في الكثير من اعمالها.. فقد تخطت في الكثير من لوحاتها الإنسان الفرد  الذي نجده قد تراجع  في توظيفاتها أمام الكتلة البشرية التي غدت هي الشخص الرئيسي في العمل، وصار الافراد تفاصيل لها، كما نلاحظ ذلك في لوحات مثل "الوهم "  و" من اجل الحب" و" نساء حزينات"، حيث يدرك المتابع لها ان روناك استطاعت من خلال الوانها ان تجسد قضايا تنم عن الجمالية " الاجتماع " سواء تلك التي تفرضها العادات والتقاليد او تلك التي تتعلق بالمرأة حين تعشق وتتهم بالخيانة والعهر باسم الدين، او ان يتم غصبها على الانقياد لمنطق الاجتماع، والى غير ذلك من المفاهيم التي استطاعت ان تبرزها من خلال حركة فرشاتها، وهي لوحات على الرغم من الحمولة الوجعية المثقلة فيها الا انها تشكل معالم بارزة في مسيرة روناك الابداعية والتواقة الى الحرية.
ومن خلال هذا التلاحم استطاعت روناك من ان تجمع بالذات بالجمع. حتى غدت متفردة، متوغلة في إشكاليتها الوجودية، وبالتالي غدت اعمالها تثير حالة من الانخطاف الآسر حين تقف امام احدى لوحاتها وتشاهد اللامرئي شجن صاعق يلتحف ملامح شخصياتها وكأنها تعاتب اقدارها التي لم تمنحها سوى الغربة والاغتراب من جهة، وانهكت قواها بالسعي كي تثبت نفسها وتحمل قضية بني جسنها من جهة اخرى، فاصبحت جُلَّ اعمالها محاولات  واضحة المعالم في اعمال، من حيث هلق معادلة موضوعية، بين ما تطمح له وبين الواقع، دون غض النظر
عن المحمولات المعرفية، التي تفرض وجودها على العملية الابداعية،وكذلك محاولات البحث و التجريب للوصول إلي الرؤية الجمالية الفنية من جهة، والى الرؤية الواقعية التي تنشدها من جهة اخرى ، والتي بلاشك تتعارض كلياً  مع الافكار والرؤي والتطلعات التي تصطدم بارض الواقع المزري، لهذا نجدها  تطلق العنان لانفعالها بخربشات وخطوط متشابكة، لايجاد بعد فني " لوني"  يفسر هذا التوتر، ويمنطق الحالة الذاتية عبر تلك الخطوط التي تظهر من خلال تلك الخربشات، وكأنها مرة اخرى تؤكد عبر قيمها الفنية عن عمق تفاعلها وانفعالها وتلاحمها مع وجودها الوجودي الانساني وعالمها المحض الانثوي.