ألرابطة الكلدانية – نظرة تحليلية أولية
د. صباح قيّابعد هزيمة العرب المشينة أمام إسرائيل في حرب الستة أيام من حزيران عام 1967 , أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ونشوة النصر على وجهه بأن سبب هزيمة العرب أنهم لا يقرأون ... ولم يستثني في كلامه أياً من الأقوام غير العربية التي تسكن أرض العرب والتي عانت بشكلٍ أو بآخر من آثار الهزيمة رغم أنها بصورة عامة ليست طرفاً أساسياً في صناعة القرار ..... أعاد آمر جحفل اللواء المدرع , الذي كان لي شرف الخدمة معه ولوحدتي الطبية شرف الاستعداد للمشاركة مع لوائه , نفس المعنى ولكن بأسلوب آخر مع إضافة جديدة .... حدث ذلك خلال انسحاب الجيش العراقي من الجبهة الشرقية المواجهة للدولة العبرية والمتمثلة آنذاك بالجمهورية السورية في تشرين الأول عام 1973 ... كانت تعليمات التنقل من الأراضي السورية بإتجاه الحدود العراقية واضحة بالنسبة لي ولزملائي , وهي على ما أتذكر : ترك مسافة 200 متر بين عجلة وأخرى خلال المسير , و 50 متر فقط عند التوقفات المثبتة في أمر الحركة ... تم تنفيذ ذلك بدقة من قبل كافة منتسبي الوحدة الطبية , ويظهر أن آمر جحفل اللواء قد لاحظ ذلك خلال تفقده لمسار الأرتال بين فترة وأخرى , كما لاحظ بنفسه مدى الفوضى وفقدان السيطرة وسوء الإدارة التي تميزت بها بعض الوحدات الفرعية فاستحق ضباطها معاقبتهم من قبله , وعلى العكس , حصلت الوحدة الطبية بكامل أفرادها على كتاب شكر , والذي كان يعني الكثير في ذلك الظرف بحيث انعكس تأثيره إيجابياً على الكثيرين من منتسبيها لاحقاً .... ما قاله آمر اللواء بهذا الخصوص خلال مؤتمره الأخير خارج الوطن بأن الأطباء ليسوا بخريجي الكلية العسكرية ولم يسبق لهم دراسة الأوامر الإدارية في المعركة ولا واجبات الأركان , ولكن فهموا أمر الحركة بعد قراءته ونفذوا ما مطلوب حسب الإصول , أما أنتم , مخاطباً الضباط المخالفين , فإما أنكم لم تقرأوا الأمر إطلاقاً , أو قرأتموه ولكن لم تفهموه , لذلك حصل الخلل وعليه تستحقون العقوبة ...
أين تقف الرابطة الكلدانية بعد حوالي ستة أشهر من انبثاقها ؟ لا بد أن أسجل , أمانة وليست مبالغة إطلاقاً , بأن عمل الرابطة داخل البلد الحبيب يجري بالإتجاه الصحيح .... هنالك حركة دائمة ونشاط دؤوب , والأهم حضور مميز في جميع المناسبات وعلى كافة الأصعدة ... مواقف تتجانس مع الحدث , وتوقيتات في أوانها المناسب .. قد يكون قربها من غبطة البطريريك عاملاً مساعداً ومهماً لتفعيلها , ولكن مهما كان حجم ذلك الدور , فلا يمكن إغفال الحماس والجدية والديناميكية التي يتمتع بها من يضطلع بمسؤوليتها الجسيمة . ألأمل أن تستمر الجهود بهذا الإتجاه , وحتماً ستثمر عاجلاً أم آجلاً وتتحقق بعض المكاسب , ولو بالحد الأدنى , للشعب المسيحي عموماً وللأمة الكلدانية خصوصاً . ألمهمة عسيرة ولكنها ليست مستحيلة , وقد آن الأوان لأن يكون للشأن الكلداني دوره الريادي في تأطير البعد المسيحي بما يتناسب مع حجمه في المجتمع العراقي وثقله التاريخي الحضاري .
أما في المهجر , فلا تزال الرابطة بفروعها المنشرة في بلاد الشتات تخطو خطوات السلحفاة ببطئها , وتتصف بعضاً بالضبابية وخاصة عند وضع آلية العمل موضع التنفيذ . ورغم الندوات واللقاءات التعريفية فإنها لم تستطع أن تستقطب غير عدد متواضع من الأعضاء , ويظهر بأن غالبية كلدان المهجر لا يجذبهم هذا النوع من التنظيم , بل أن هنالك من أخذ موقفاً مغايراً وأسس " ألرابطة المسيحية " . ويقال , والعهدة على القائل , بأنه في مدينة معينة هنالك من يدعي أنه هو من يمثل الرابطة رغم وجود الممثل المنتخب خلال المؤتمر التأسيسي .... والألم الأكبر يأتي من الذين يقفون بالضد من الرابطة بكل الوسائل المتاحة لهم , والموقف هذا هو امتداد لأزمة بغداد – ساندييكو التي ربما قد أذيبت نوعاً ما , ولكن لم يبرز فعلٌ إيجابياً يدل على ذلك , وما تزال أبرشية ساندييكو بعيدة , كما يظهر , فكرياً وعملياً عن الرابطة , ولم ألمس لها دوراً معيناً ... آمل أن أكون مخطئاً .... ومهما يكن فإن الرابطة لا يمكن أن تتكامل كلدانياً إن لم يكن لرعية ساندييكو حضوراً جوهرياً في كيانها والعمل يداً بيد لتحقيق أهدافها .
تبرز الضبابية عندما تشتط ممارسات الفروع والمكاتب التابعة لها عن النظام الداخلي . لا بد أن تتوحد تسميات مسؤولي المكاتب وتثبت في النظام الداخلي . هل يلقب مسؤول المكتب بالمدير ؟ قد يكون هنالك من يروق له هذا اللقب , ولكن
المسؤولية تعني الخدمة ولا تعطي لصاحبها امتيازاً . يحلو للبعض أن ينادى بالأستاذ رغم كون اللقب يمنح للأكاديمي بعد أن يتخطى سلسلة من الدرجات الوظيفية خلال خدمته في الحرم الجامعي . ليس تقليلا من الشأن الشخصي أو الوظيفي عندما يشار للجامعي ممن لم يصل درجة الأستاذية بالأكاديمي , ولمدرس الثانوية بالتدريسي , ولمعلم الإبتدائية بالتعليمي .... ألم يخاطب التلاميذ المسيح بكلمة " رابي " والتي تعني " ألمعلم " كما هو معروف . فهل هنالك من يعتقد نفسه أسمى من الرب ؟ . كما أن لقب " ألدكتور " يستحقه حامل شهادة ( بي أج دي PhD ) , أو ألطبيب الحاصل على ( أم دي MD ) ولو أن العرف السائد بأن الطبيب هو الدكتور وذلك مقبول من قبل الجميع .
من الممارسات الضبابة الأخرى هو تشكيل اللجنة الثقافية التي لم يرد ذكرها في النظام الداخلي , بل هنالك " لجنة البحوث والدراسات الكلدانية " والتي تدل دلالة واضحة على ما يجب أن تقوم به الرابطة الكلدانية في الحقل الثقافي والذي يجب أن يقتصر على الشأن الكلداني من كافة جوانبه . فليست هنالك جدوى من مناقشة فلسفة إفلاطون أو ماهية العقل البشري وما شاكل ضمن النشاط الثقافي لفروع ومكاتب الرابطة , حيث أن مثل هذه المواضيع تطرح وتناقش ضمن أنشطة المؤسسات الثقافية المنتشرة في كافة أرجاء المعمورة ... ما هو الجديد في الرابطة لو بدأت بتقليد ما موجود على أرض الواقع ؟ هل من مصلحة الرابطة أن تؤدي دوراً أجاده ويجيده الكثيرون ... أما عن استحداث لجان أخرى , فالأفضل أن تتم الموافقة عليها وتثبت في النظام الداخلي وإلا ستنبثق لجان بنسميات شتى وكل فرع أو مكتب على هواه .
ما قيل عن الجانب الثقافي ينطبق أيضاً على الجانب الإجتماعي . ألأمل أن لا تنجر فروع الرابطة ومكاتبها للقيام بحفلات تقليدية على غرار ما يجري غالباً في الوقت الحاضر ً , بل أن تقتصر على كل ما من شأنه تعزيز البعد الكلداني عند العموم .... وحتى السفرات لا بد وأن تتجه صوب التاريخ الكلداني بحلقاته المتعددة ماضياً وحاضراً .
من مقومات نجاح أي عمل هو جدولة الأعمال حسب أفضليتها , فالأهم قبل المهم . حسب رأيي المتواضع ,
هنالك ثلاث مهام جوهرية ينبغي أن تقف على قمة إهتمامات الرابطة , تلك هي : مد الجسور واثبات الوجود في كافة المجالات على الصعيدين الوطني والدولي , والحقيقة يجب أن تقال بأن مساعي الرابطة وخاصة داخل الوطن متميزة بهذا المجال . ألمهمة الثانية هي إحياء لغة الأم وبذل الجهود لنشرها , وليس بالضرورة أن يتعلم الكلداني القراءة والكتابة , ولكن مجرد معرفته بأبجديتها تكفي لأن يتواصل مع مجتمعه ويلتصق بأصوله . أما المهمة الثالثة فهي الإهتمام بالشبيبة التي تكاد أن تضيع في بلاد المهجر , ولا بد من إيجاد الوسائل العملية والواقعية للملمة ما يمكن أن ياملم قبل فقدانه جميعاً .
ما يصدر من بعض الحالمين بالمستقبل الكلداني من بين أعضاء الرابطة غريباً جداً ويتقاطع مع الواقع بمقدار 180 درجة . أخبرني أحدهم أن ألرابطة ستتوسع تدريجياً وتنتشر بحيث لن تكون هنالك حاجة لوجود أي تنظيم كلداني آخر سواء جمعية أو مؤسسة ثقافية أوغير ذلك , بل أن الرابطة هي التي ستضطلع بتلك المسؤوليات . أجبته : لو أن الرابطة ترمي إلى إلغاء دور مئات المؤسسات المتواجدة في الساحة والإستحواذ عليها , فمصيرها الفشل لا محالة واقرأ عليها السلامة سلفاً , وساكون أول من يقف ضدها .... لأ أعتقد أن الرابطة يسرها وجود مثل تلك العقلية الفذة داخل كيانها ,
ويظل الشوك جارحاً مهما كانت الوردة التي تحويه جميلة وجذابة .