المحرر موضوع: ألماس .. زهرة شنكال  (زيارة 1398 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مجدي الرسام

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 13
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ألماس .. زهرة شنكال
« في: 21:11 19/01/2016 »
قصة قصيرة
ألماس .. زهرة شنكال

مجدي الرسام

كانت جالسة بصمت تتأمل جبل تحفه الزهور وتلاعب حشائشه نسمات الهواء الهادئ وهي تطرز صورة طاووس ملون بأناملها الناعمة ومخيلتها السحرية حيث الذكريات وموسيقى الجبل .. وبجانبها بعض الصبية وهم يتضاحكون وهي تنظر الى الديار التي تحيط بالمكان ، الاصوات واغاني الرعاة .. وبجانبها آفين الصديقة التي تكبرها بسنة وهي تقرأ الاناشيد لتستعد لزيارة المعبد في وادي الصمت .
الماس ذات الـ 20 عام الموهبة والجمال والحياء ساحرة الجبل بثوبها الابيض المطرز بالبنفسج وشعرها الذهبي . كانت تخيط وتطرز وتعشق الفن والموسيقى والشعر وغالبا ً ما تردد من صديقاتها قصائد الطفولة .
بدا الصمت يتلاشى ووخز الابرة نقش اصابعها ليلون صورة الطاووس بعبق أحمر وقفت صديقتها بذهول وهي تسمع رصاصات بعيدة ودوي انفجارات تهز اركان الجبل نزلن بذهول وسقط الكتاب وتناثرت الاناشيد وتفرق الصبية وتوقف الرعاة عن الغناء ودقت الاجراس وبدأ الصوت يقترب يشق عباب السماء مع العربات الثقيلة .
لاحت في الافق اعلام ورايات سوداء وبنادق وعويل ... طوقت القرية بالكامل ووصلت الماس وقد فقدت صديقتها في الجانب الاخر من الجبل .
البكاء والدموع وشهقة الانفاس وصلت حنجرتها البلورية حتى كادت تختنق وقد توقفت من شدة اللهاث ونظرت الى البيوت المحترقة ونساء تُجر من اذيالهن ورجال يتراكضون واخرون ملطخين بالدماء واطفال مزقت امعائهم وتناثرت على الحصى واخرون اعدموا .... فتيات سلبن واخريات اغتصبن على قارعة الطريق ودور العبادة احرقت ...
لم تستوعب الماس المكان حيث الجسد توقف من فاجعة الصورة المرسومة امامها وسقطت على الارض بعيون ناعسة ورأس يدور وقلب موجوع.
استيقظت على ماء بارد صفعت به وهي ترمي عينيها على وجه رجل مجعد الوجه وكث اللحية وطويل المنكبين وهو يسترسل بكلمات النصر والغنيمة . كانت الماس مربوطة اليدين والكاحلين ومعها مئات الفتيات حيث الصراخ والعويل والرعب .. كانت السياط والشتم والسباب حديث المشهد .
كانت تجول بعينيها عسى ان تجد اهلها ... امها او اختها واخوانها ... ليلى .. آفين .. جوني خناف .. شيرين وفائزة وماريا وجارتهم سيسي وسهام وسولين . كان الكل غريب في حجرة كبيرة ولم تجد سوى الابرة معلقة في فستانها الابيض وهو ملطخ ببقع الدم الصغيرة
رائحة الدخان تنبعث مثل الضباب ورائحة الموت قريبة والشبابيك مفتوحة تجلب صراخ الفتيات  واخريات انتحرن بقطع الشريان . كانت الساعات تمضي وتمضي والليالي تمر مع خروج الفتيات باختيار شياطين الارض .
نشفت الدموع وسكتت دقات القلب والجوع والعطش رفيق الدرب ... ثلاثة ايام من العذاب والانتظار والترقب .. ومع كل صياح ديك كانت الماس تذبل .
وصل الاختيار اليها اخيراً وهي شاردة الذهن جافة الشفاه ... توقفت امام صف من الفتيات الصغيرات ... نظرت الى المكان المحيط الذي مُلئ بالثياب الممزقة ولائحات البيع بالدنانير والدولار .... وفكرت هل ستسلب ثيابها ام انها ستباع الى سوق العبيد
خف الصراخ والعويل والانين بسبب الجوع والمرض والتعذيب ...
اقتربت عربات النقل وصعدن الى شاحنة كبيرة مملؤءة بالرجال المسلحين وهم يبصقون على رؤوسهن ...
صعدت الماس لتباع الى وطن جديد ... وطن غريب ... حيث ستودع الديار والجبل
بدأت الشاحنات بالسير سريعاً نحو طرق مختصرة ووعرة . كان بعض الرجال يبحثون عن لذة الطريق مع بعضهن بقسوة وعناد .
وصلت يد احدهم الى شعر الماس وهي تبكي مع صعود شاحنة الموت الى جبل حتى وصلت منتصفه كان هذا يداعب شعرها ويضع السكين على اذنيها ويتباهى امام الجمع بأنه اختار اجملهن .
كان يريد اغتصابها وبدأ بتمزيق ثيابها امام من يغتصبن ايضا ... وصلت الشاحنة اعلى الجبل على حافة طريق متعرج كان يهز اركان العربة ... صرخت الماس بكل اوجاعها وتذكرت الابرة التي وضعتها ... الان هي بلا قيود بعد بيعها .
اخرجت الابرة من حافة ثوبها الممزق وغرزتها في عينيه اليمنى فأصاب الجميع الذهول وتراشقت الرصاصات بين الفتيات . فألقت الماس بنفسها من حافة العربة وهي تتدحرج على صخور وجبل متعرج وهي تتلوى .
سقطت بقلب موجوع والعطش والجوع قد اسكن جراحها وقد اخرست الارض انفاسها وقد وصلت اسفل المنحدر بين زهور بيضاء صغيرة وقد فارقت الحياة بصمت معاناة  الاسر وهربت بروحها العارية النقية لتكون قربان الجبل .
 
     



غير متصل Enhaa Yousuf

  • مشرف
  • عضو مميز
  • ***
  • مشاركة: 1748
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.enhaasefo.com/
رد: ألماس .. زهرة شنكال
« رد #1 في: 13:15 25/01/2016 »
الى ألماس
لهذه الزهرة عبق الحياة الجميلة
ببياضها ... ستبقى اغنية النقاء لكل شنكال
وصورتها تشع بالعذوبة
لن تموت ذكراها في احضان الجبل
ولن تزول اثار خطواتها من دروب الوطن
إنها الدفأ في قصص الليل الطويل
وإنها الحياة مهما تكرر الموت

الاخ الكاتب مجدي

شكرا للمصداقية في الطرح
تقديري الخالص

انهاء