من المسؤول عن الحماية القانونية للاثار ؟
د.منى ياقوفي اطار سعي منظمة الامم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة ( اليونسكو ) ، لحماية التنوع الثقافي ، قامت بأصدار العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا الامر ، ولعل من ابرزها ، (اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي لعام 1972 )، و التي عرفت (التراث الثقافي) في المادة 1 منها بأنه " – الاثار : الاعمال المعمارية ، و اعمال النحت و التصوير على المباني ، و العناصر او التكوينات ذات الصفه الثرية ، و النقوش و الكهوف ، و مجموعات المعالم التي لها جميعا قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ ، او الفن ،او العلم .
- المجمعات : مجموعات المباني المنعزلة او المتصلة ، التي لها بسبب عمارتها او تناسقها ، او اندماجها في منظر طبيعي ، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ ، او الفن ، او العلم .
- المواقع : اعمال الانسان او الاعمال المشتركة بين الانسان و الطبيعة ، و كذلك المناطق بما فيها المواقع الاثرية ، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر التاريخية او الجمالية او الاثنولوجية او الانثروبولوجية ."
و في المادة 2 تم تعريف (التراث الطبيعي ) بأنه " – المعالم الطبيعية المتألقة من التشكلات الفيزيائية او البيولوجية ، او من مجموعات هذه التشكيلات ، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر الجمالية او الفنية .
- المجمعات : مجموعات المباني المنعزلة او المتصلة ، التي لها بسبب عمارتها او تناسقها ، او اندماجها في منظر طبيعي ، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ ، او الفن ، او العلم
- المواقع الطبيعية او المناطق الطبيعية المحددة بدقة ، التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم ، او المحافظة على الثروات او الجمال الطبيعي ."
و الملفت للانتباه ، ان الامر لم يقتصر على التراث الثقافي و الطبيعي ، بل تعداه الى التراث الثقافي غير المادي ، و الذي تم تعريفه بموجب المادة 2 من( اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي) ، صدرت ايضا عن اليونسكو ، في 2003 ، حيث جاء فيها " 1- يقصد بعبارة " التراث الثقافي غير المادي " الممارسات و التصورات و اشكال التعبير و المعارف و المهارات – و ما يرتبط بها من آلات و قطع و مصنوعات و اماكن ثقافية – التي تعتبرها الجماعات و المجموعات ،و احيانا الافراد ، جزءا من تراثهم الثقافي . وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل ، تبدعه الجماعات و المجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها و تفاعلاتها مع الطبيعه و تاريخها ، وهو ينمي لديها الاحساس بهويتها و الشعور باستمراريتها ، و يعزز من ثم احترام التنوع الثقافي و المقدرة الابداعية البشرية " .
نفهم من المادة ، واستنادا الى التوضيح الذي جاء في الفقرة 2 من المادة ذاتها ، ان صون التراث الثقافي الذي كان الهدف الاسمى من الاتفاقية ، يشمل ما يلي :
" أ- التقاليد و اشكال التعبير الشفهي ، بما في ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي .
ب- فنون و تقاليد اداء العروض .
ج- الممارسات الاجتماعية و الطقوس و الاحتفالات .
د- المعارف و الممارسات المتعلقة بالطبيعة و الكون .
ه- المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية ."
ما الذي نسعى للوصول اليه ؟ان هدفنا الاساس ، هو الاشارة الى ضرورة التزام الدول ، و بالتأكيد الاقاليم ايضا ، ببنود هذه الاتفاقيات ، و نعتقد ان من ابرز صور المحافظة على هذا التراث و حمايته و تعزيزه ، هو ان نعلم اطفالنا اولا ان هذا التراث الانساني هو مصدر فخر و شموخ و انه ارث للبشرية جمعاء ، و كوننا اهل للحضارة السومرية البابلية الاشورية ، لذا فأن الطريق الطبيعي لبث هذه التوعية هو حقل التربيه و التعليم ،الذي يعد الانطلاقة الصحية لأية عملية تغيير في المفاهيم الخاطئة ، وهذا ليس رأينا الشخصي فقط ،بل انه ما اكدت عليه الصكوك الدولية المعنية بالموضوع .
حيث جاء في المادة 27 من اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي ،" 1- تعمل الدول الاطراف في هذه الاتفاقية ، بكل الوسائل المناسبة ، خاصة بمناهج التربية و الاعلام ، على تعزيز احترام و تعلق شعوبها بالتراث الثقافي و الطبيعي ....................
2- تتعهد باعلام الجمهور ، اعلاما مستفيضا ، عن الاخطار الجاثمة على هذا التراث وعن اوجه النشاط التي تتم تنفيذا لهذه الاتفاقية "
كما و تؤكد المادة 2/2 من اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي ، على ان افضل طريقة للقيام بالتدابير الرامية الى ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي ، هو عن طريق " التعليم النظامي و غير النظامي ، و احياء مختلف جوانب هذا التراث "
وهنا يحق لنا ان نتسائل : في خضم الحديث ، هذه الايام ، عن انتهاكات لآثار اشورية في منطقة ( معلثايا ) و ( خنس ) ضمن محافظة دهوك ، هل هناك منهج تتبناه وزارة التربية و التعليم في الاقليم ، لتعريف المواطن ، بحضارات المنطقة و بآثارها و تاريخها ، ام ان المواطن الذي يجد نفسه غريبا عن هذه الكنوز التاريخية ، من حقه الا يحافظ عليها وان يسعى الى تشويهها و اتلافها ، لانها في النهاية لا تمسه و لا تعنيه ؟
اعتقد ان هذا الخلل الموجود ، ستكون له نتائج وخيمة في المستقبل القريب ،وعلى جميع المستويات ، حيث نادينا عشرات المرات بضرورة اعادة النظر في المناهج ، سواء من حيث الصورة النمطية او من الناحية الموضوعية ، لكننا لم نجد آذانا صاغية ، اذ ظل الولد اسمه (آزاد) و ظلت الفتاة اسمها (نسرين ) ، وبقي الاثنين يرتدون الزي الكوردي ، كما ظل تفسير تسمية (كوردستان ) بانها (ارض الكورد ) ، وكأن بقية الاثنيات و الاعراق و الاديان الموجودة ، هي مجاميع خلقت لتصبح ضيوفا مهمشة ، حتى وان كانت تعيش على ارض الآباء و الاجداد ، وكأن لا احد يفهم مدى قساوة شعور الاغتراب داخل الوطن ، الذي لا يقل مرارة عن شعور الغربة خارجه .
اما تشريعيا ، فقد اكدت المادة 113 من دستور العراق النافذ على ان " تعد الاثار و المواقع الاثرية و البنى التراثية و المخطوطات من الثروات الوطنية التي هي من اختصاص السلطات الاتحادية ، و تدار بالتعاون مع الاقاليم و المحافظات ، و ينظم ذلك بقانون " .و هذا معناه ان المسؤولية مشتركة بين السلطة الاتحادية و سلطات الاقليم في المحافظة على هذه الاثار و حمايتها ، و كان يفترض ، وفقا لنص المادة الدستورية ، ان يصدر قانون عن برلمان الاقليم ، يتضمن تفاصيل تنظيم آلية ادارة و حماية هذه الاثار ، على غرار قانون الاثارو التراث رقم 55 لسنة 2002 النافذ ، ( المنشور في الوقائع العراقية ، العدد : 3957في 18/11/2002 ) ، و عند التدقيق وجدنا ان المادة 9 من قانون رقم 22 لسنة 2010 ( قانون وزارة البلديات و السياحة لاقليم كردستان – العراق ) قد نصت على ان " تستمر وزارة البلديات و السياحة بأدارة كل ما يتعلق بالاثار و المواقع الاثرية و البنى التراثية و المخطوطات و المسكوكات لحين صدور قانون خاص بها في الاقليم " نفهم من ذلك ان عبء الحماية يقع بالدرجة الاساس على وزارة البلديات و السياحة ، بعد ان تم دمج هاتين الوزارتين في الكابينة السادسة .
اذن ، ننادي بنهضة توعوية يتبناها الاعلام ، و تقودها وزارة الثقافة و الشباب ، و نهضة اخرى تعليمية شاملة لمناهج جميع المراحل تتبناها وزارة التربية و كذلك وزارة التعليم العالي و البحث العلمي ، كما نؤكد على ضرورة تشريع قانون خاص بحماية الممتلكات الثقافية ، مع الاستفادة مما جاء في قانون الاثارو التراث رقم 55 لسنة 2002 المعدل النافذ في العراق ، هذا اضافة الى تفعيل الاستثمار الامثل للمواقع الاثرية اقتصاديا و ثقافيا ، كل هذا و غيره لا بد ان يتم ، ان كنا نسعى الى بناء مجتمع يقوم على احترام الاخر المختلف و يسعى الى حماية التراث الانساني المشترك ، و يعطي صورة مشرفة عن المواطنة في الاقليم .
ملاحظة : العراق ملتزم بكلتا الاتفاقيتين ، اذ انضم الى (اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي لعام 1972) حين تم قبولها في 5/4/1974 ، و انضم الى ( اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي) بموجب قانون الانضمام ذي الرقم 2 بتاريخ 24/8/2009 المنشور في الوقائع العراقية ، العدد : 4134 في 24/8/2009 .