مطلب المسيحيين الحقيقي هو حرية العقيدة …. لا لـ”وثيقة الاستسلام”
اقام المسيحيون خصوصا الدنيا على قانون البطاقة الوطنية دون ان يقعدوها من اجل تغيير المادة ٢٦ منه والتي تنص على ما يلي:
اولا- يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقاً للقانون .
ثانيا- يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين .
ثالثا- يقع تبديل الدين المنصوص عليه في البند (اولاً) من هذه المادة وتبديل الاســم المجرد اذا اقترن ذلك بتبديل الدين في محكمة المواد الشخصية ولا يخضع فــي هــذه الحالة للنشر المادة اولا تقضي ضمنيا مبدأ ان المسلم لا يمكن تغيير دينه وبخلاف ذلك يحكم على نفسه بعقوبات لا ينص عليه القانون مما قد يعني تطبيق الشريعة الاسلامية وهو الحد. المادة تجيز لغير المسلم تغيير دينه فقط من دون ان تذكر حق العودة عن قراره اي ما يعني الحد ايضا. القانون لا يتحدث عن تغيير الدين بين المكونات الاخرى, وهو نقص في القانون.
القسم الثاني من القانون هو مبدأ اتباع الاطفال دين والدهم المسلم بغض النظر عن جنسه او اهليته ,حيث يعتمد هذا القانون على المبدأ ان الولد يتبع ”اشرف الوالدين دينا” اي ان الدين الاسلامي اكثر شرفا من الدين المسيحي او اليزيدي والصابئي.
هدف القادة المسيحيون لا يجب ان يكون الحفاظ على عدد من اطفال, لا اعتقد انهم كثيرون, يسلمون بالاكراه بل يجب ان يكون توفير الظروف الملائمة للغالبية الكبرى للبقاء في العراق.
والمسيحيون بالحقيقة لا يستطيعون الاستمرار في العيش بالعراق امدا طويلا من دون توفر حد معين من الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان, على الاقل يشعرون فيه بانهم مواطنون متساوون مع الباقين. ففي زمن البعث لم تتوقف هجرة المسيحيين رغم علمانيته بسبب الاستبداد وعدم وجود الحريات السياسية والمدنية للعراقيين عموما.
الديمقراطية مبنية اساسا على حرية الفكر وحرية اتخاذ القرار, والمشكلة في هذا القانون هو انه يقتل الامل في حرية الفكر والعقيدة التي ليست مطلب غير المسلمين فقط بل الكثير من المسلمين الواعين لمآلات المستقبل. انه حاجة هامة للمجتمع العراقي كي يتطور ويخرج من حالة التخلف والظلام الذي يلفه ويغرقه. ان اجبار الناس على اتباع مبدأ او عقيدة لا يؤمنون بها لا ينتج عنه الا مجموعة من الكذابين والمنافقين, وما اكثرهم في الدول المسلمة هذه الايام.
الاعتراف أساسا ان حرية العقيدة هي باتجاه واحد فقط اي من المسيحيين واليزيدية والصابئة الى الاسلام ويمنع في الاتجاه الاخر هو ظلم للمكونات المذكورة وانتقاص من هويتهم الوطنية بالاضافة الى ان هذه المادة اساسا تخالف الدستور العراقي في المواد ٢ و٣٧ و٤١ و٤٢.
ما قانون اسلمة الاطفال اكراها فهو اهانة كبيرة ليس للمكونات غير المسلمة فحسب بل للهوية العراقية ذاتها. ان ما يسمى بالهوية الوطنية والتي ستكون والحالة هذه هوية عنصرية ظالمة ومتخلفة لانها لاتساوي بين مواطنيها وتشرَف دينا على اديان اصيلة في بلدها.
لكن قد يكون ما قامت به الكنائس والاحزاب في المطالبة بتغيير المادة الثانية فقط رغم ذلك مفيدا لكشف الزيف والنفاق عند الاحزاب والكتل السياسية العراقية من انهم يحبون المسيحيين وهم حراس على حقوقهم وهم فرسان الحق والعدالة. لقد اثبتت معظم هذه الكتل خاصة الاسلامية منها انها لا تدعم هذه المكونات الا بالكلام المعسول والنفاق الظاهري وانها في قرارة نفسها طائفية عنصرية حد العظم. فما الذي يربحه المسلمون من اسلام بضعة صبيان وصبايا والمسلمون اكثر من مليار ونيف, وما الذي يخسره الدين الاسلامي من قيم ومبادئ اخلاقية لو بقي هؤلاء الاطفال لحد الثامنة عشرة ومن ثم يقرروا ان كانوا يقتنعون بالاسلام ام يبقون على دينهم؟! انه التعصب والعنصرية لاغير هو من اعمى قلوب وعقول هذه الاحزاب والكتل.
ان المقترج الجديد الذي قدمه عدد من ممثلي المسيحيين في البرلمان وعدد من البرلمانيين العراقيين والذين يطالبون البرلمان بتعديل المادة ٢٦ لا يخرج من الدائرة السابقة لذا فهو اكثر خطرا وايلاما. اقتراحهم يتكون من خيارين وينص على:
المقترح الاول : ألغاء الفقرة ثانيا من المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية .
المقترح الثاني : يبقى الاولاد القاصرين على دينهم لمن اعتنق الدين الاسلامي من الابوين ولحين اكمالهم الثامنة عشر من العمر عندها يحق لهم الاختيار في الدين .الخطر الاول هو الصيغة الجديدة التي ذكرها في المقترحين لا يلغي المادة الاولى او يغيرها بمعنى انه يتخلي عن مبدأ حرية العقيدة والاعتراف بان مبادئ الشريعة الاسلامية هي التي تحكم في العراق حيث تنص على انه في ”حالة تحول احد الابوين الى الاسلام…” اي ان التحول هو فقط باتجاه الاسلام ولا يجوز العكس.
الخطر الثاني لأنه يأتي كمقترح من المسيحيين أنفسهم اي انه في حالة إقراره لا يحق لمسيحيين أخرين في المستقبل المطالبة بتغيير المادة ولا التظلم منه لانهم هم من اقترحه. هذا رغم انه ايضا منة على المسيحيين لانه جاء بعد نداءات وتوسلات ولمدة طويلة, ويعتبر فضلا من الاحزاب الاسلامية ”العنصرية” على المسيحيين خصوصا رغم اهنا اقل من حقوقهم الانسانية والدستورية.
اننا والحالة هذه نحكم على المسيحيين بالهجرة طال الوقت عدة سنوات ام قصر . اذن ما فائدة هذا التعديل ؟ ولماذا نولول ونتوسل لنكون مواطنين من الدرجة الثانية, فما الفارق من ابقاء المادة كما هي ام تغييرها؟
انني لا احاول ان استند في نقاشاتي وكتاباتي السياسية على نصوص دينية او شرائع سماوية لانني اعتبر السياسة صناعة بشرية وان استندت في بعضها الى افكار دينية او اجتماعية او ثقافية او فلسفية لكن يجب ان يكون الاساس هو العلم والواقع والمنطق ومصالح الناس, مع ذلك وجدت هذه الحادثة تستحق الذكر لانها تنطبق تماما على المادة ٢٦.
يروي الدكتور.محمد الحبش مدير معهد الدراسات الإسلامية في مقال كتبته رزان توماني عن قرار محكمة شرعية في سوريا عام ٢٠٠٧ عن اسلمة طفلين بعد طلب من امهما التي تاسلمت بدورها بعد ان تركت زوجها سبب نزول الآية "لا إكراه في الدين" التي نزلت في (المرأة من أهل المدينة كان لا يعيش لها ولداً، فكانت تنذر وتقول: إن عاش لي ولد لأهودنه، فإذا عاش لها ولداً جعلته بين اليهود، فلما جاء الإسلام، وأجلى رسول الله بني النضير إلى الشام، بقي عدد من أولاد الأنصار قد هودوا، فاستأذنوا رسول الله في استردادهم ، فنزلت الآية (لا إكراه في الدين) فمن شاء منهم أن يدخل الإسلام فليدخل، ومن لم يشأ فلا إكراه في الدين.)
ان هذا المثال يعني ان العالم قبل ١٤٠٠ كان اكثر انفتاحا وحرية من عراق اليوم وان العرب قبل الاسلام كانوا احرارا في اختيار ديانتهم. ان الاحزاب الدينية العراقية حسب هذه الحادثة لا تطبق الاسلام مثلما اراده نبيهم(لانه خيرهم ولم يجبرهم) بل يطبقون تفسيرات متطرفة حاقدة وعنصرية. فلماذا علينا مسيحيين ومسلمين ومكونات اخرى تقبل هذا التفسير العنصري والمتخلف الذي اثبت انه لا يلتقي مع الزمن ولا يفيد المجتمع.
علينا المطالبة بالغاء هذه المادة او اعادة كتابتها لتتلاءم مع مبدأ حرية العقيدة كمطلب اساسي للمكونات غير الاسلامية أسوة بما يتلقاه المسلمون في الدول المسيحية في كل انحاء العالم. و بناءا على هذا المبدأ وبناءا على المادة ٤٢ من الدستور العراقي الذي ينص ” لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة.” من الممكن تغيير صيغة المادة ٢٦ الى:
اولا: يحق للعراقي تبديل دينه وفقاً للقانون
ثانيا: يبقى الاولاد القاصرين على دينهم لمن اعتنق احد والديهم دينا آخر ولحين اكمالهم الثامنة عشر من العمر عندها يحق لهم الاختيار في الدين .
في هذه الصيغة يتساوى جميع العراقيين وتزال الصيغة التي تشرف دينا على آخر وتحل هذه الصيغة النقص الموجود في القانون حول تحول اشخاص بين المكونات غير المسلمة ايضا.كفانا خنوعا وذلا ولنقل لهم ما يريده المسيحيون ويحتاجونه للبقاء في بلدهم الاصلي وليس الانقياد وراء الفتات الذي لايرضي ان يعطينا اياه اصحاب القوة الغاشمة حتى, إمعانا في اركاعنا واذلالنا.
اعلم ان البعض سيقول بانني احلم لان هذا غير ممكن في عراق اليوم لكنني افضل ان اكون مظلوما قهرا من دون ان التنازل عن حقوقي وحقوق العراقيين والتوقيع على ”وثيقة الاستسلام” الذي تعتبرنا مواطنون من الدرجة الثانية او الثالثة ويجعلنا كمسيحيين نشعر دوما بسطوة المسلم على عرضنا وشرفنا وبمساندة وسلطة قانون قدمه ممثلين عنا.
من الافضل للمسيحي او اليزيدي او اي عراقي حر ان يستمر في الحلم ويعيش على الأمل على تقبل هذه الاهانة والانتقاص في هويته ووطنيته وحقوقه.