الأخ لوسيان،
هذه التحديات والاخلاقيات والتعليم الاجتماعي هي تشمل الكل وفي كل مكان بفعل تأثير العولمة وانتشار ابناء جميع الكنائس المشرقية في جميع اصقاع العالم وبالتالي تاثرهم بتلك الثقافات، شئنا أم ابينا! حيث ان ابناء الكنائس الكلدانية والآشورية المتواجدين في المهجر ذو الثقافة الغربية والاوروبية هم اكثر عددا وتاثرا ممن هم بالداخل، لذلك فان هذه التعاليم تمس صميم حياتهم اليومية وخاصة في الاجيال المتعاقبة، اليس كذلك؟
كان من الممكن أن يكون كلامك صحيحا ايام كان ابناء تلك الكنائس كلهم أو على الأقل اغلبهم يعيشون في الشرق وغير متأثرين بالثقافة الاوروبية او الغربية، وحتى عندها سيكون تاثرهم بالثقافة الاوروبية كبيرا، فانني استطيع ان اثبت لك – كوني طبيب – بان هنالك العديد من المشاكل المطروحة اعلاه متواجدة وبكثرة في المجتمعات الشرقية ولكن يتم طمطمتها، او عدم البوح بها حتى لأقرب الاقرباء!
الاخ كاثوليك تحية
وانا كان كلامي يخص الكنيسة في العراق طبعا, وبالاخص في مناطق تواجد المسيحين وقراهم.
اما حديثك عن الان هناك اغلبية تعيش في الخارج فكلامك صحيح. ولكن مع هذا انا اطلب منك ان تذكر لي اين تبنت الكنيسة الكلدانية النقاط التي ذكرتها انت؟ انا لم اقراء النقاط التي ذكرتها كمواضيع على موقع البطريركية ولا حتى على مواقع الابرشيات الكلدانية في الخارج, مما يعني انهم لحد الان لا يعتبرونها مشكلتهم.
ومع ذلك فانت لم تذكر سوى القتل الرحيم والمثلية الجنسية كونهما – وبحسب اعتقادك – غير ذي اهمية بالنسبة للكنيسة الكلدانية او الآشورية. حسنا، وماذا عن باقي التحديات، كالاجهاض الارادي مثلا؟
بالطبع اهتم ببقية النقاط. الاجهاض هو قتل لانسان لم يولد بعد. وهذه انا مؤمن بها اكثر من الناحية الفلسفية والعلمية.
اما ردك الباقي والتي تطلب فيها ادلة ووثائق, فانا كنت اريد ان اكتبه لك عندما قلت التالي في بداية موضوعك:
وكما أوضحت لكم في بداية تساؤلاتي، فأنا كرجل علمي يعمل بمجال الطب واتعامل مع حياة البشر منذ سنين عدة، أود حقا ان ابحث عن حقائق ودلائل ملموسة لمواقف الكنائس الباقية – ايا كانت خلفياتها الثقافية والقومية واللاهوتية – من النقاط الحيوية أعلاه والتحديات المعاصرة التي تواجه الحياة البشرية برمتها وكيفية معالجتها بشكل مفهوم ومقنع والأهم من كل ذلك بشكل مستقل – أي خارج تأثير تعليم الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان وبالوثائق الرسمية.
في البداية: منذ متى يمتلك الاطباء علاقة بحياة البشر؟ هذه نقطة جديدة لي. اذ الاطباء لا علاقة لهم بحياة البشر لا من قريب ولا من بعيد. الاطباء لهم علاقة فقط بالامراض, بالانفلاونزا مثلا . ليس هناك طبيب يقول لشخص يدخل عيادته "سانظر الى حياتك انت كبشر, او ساتعامل مع حياتك", وانما يقول له "سانظر اذا كان هناك امراض". انا اعرف بانك استخدمتها هنا كجملة عامية, وهي مثل العامية عندما يقول شخص لا تفتح الشباك لان البرودة ستدخل الغرفة, والصحيح هو الحرارة تخرج من الغرفة فتتبرد.
مواقف الكنائس المتبقية: هناك بالطبع مواقف وادلة ووثائق, ولكن عليك ان تعرف بان هناك فلسفة مختلفة بين كنيسة المشرق والكنائس الغرب. وهذه كنت انا قد شرحتها. كنيسة المشرق وابنائها لم تعرف اطلاقا شئ اسمه "حقوق" وانما عرفت "الواجبات".
النقاط التي انت ذكرتها مثل "الاجهاض" تناقشها الكنيسة الكاثوليكية في شرح الحقوق, مثل شخص يذكر حقه في الاجهاض والكنيسة الكاثوليكية تذكر حق الانسان الغير المولود بالحياة, فتصبح مسالة فلسفة مناقشة الحقوق.
لو كنا نملك هكذا مشكلة كظاهرة كبيرة كما في الغرب, فتاكد بان كنيسة المشرق ما كانت ستناقش هكذا كما في مثالي اعلاه. كنيسة المشرق كانت ستقول "من واجبات الانسان المسيحي ان لا يقدم على الاجهاض". انتهى. كنيسة المشرق لن تناقش قضايا الحقوق اطلاقا.
كنيسة المشرق كانت تعرف بان من واجبات المسيحي ان يحترم الصابئي واليهودي. لم يكن هناك حديث عن امتلاك اليهود والصابئة للحقوق. بل ان جملة من واجب المسيحي تنطلق من المسيحي نفسه بدون حاجة لمناقشة اي شئ. المثير هنا, ان هذا الاختلاف كان تاثيره واضح في الماضي, فكنيسة المشرق عرفت الواجبات ولم تعدي على احد وكان تبشيرها سلميا. اما مسالة الحقوق عند الكنيسة الكاثوليكية فهذه طال زمنها الا ان تحققت بصيغة معينة, لان الحقوق هي متداخلة بين الانا والانت ونحن. اما الواجبات فانها تنطلق من المبادرة الذاتية ولكن كشخص يفهمها كواجب ومقتنع بها كواجب. الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانية لم يكن تبشيرهما دائما سلمي, فهم احتاجوا الى وقت طويل الى ان تبلورت مسالة الحقوق بشكل افضل. اما الاعتماد على الواجبات فلم تحتاج الى هكذا زمن طويل, فانت عندما تقول بان احترام الاخر هو من واجبي كمسيحي فلا حاجة لك بان تناقش الحقوق.
واذا قمت ببحث في خطابات الكنيسة الاشورية بالاخص وبشكل خاص خطابات مار دنخا قبل رحيله, ستجد بانهم يستعملون كلمة "واجبات" في كل المواضيع.
بالطبع ادلة مشابهة لما قدمته انت لا استطيع ان اعطيك, لان كما قلت هناك اختلافات في طريقة الحديث والتفكير, وبالاخص الفرق بين الحقوق والواجبات.
بالمناسبة, ليس فقط عند كنيسة المشرق وانما عند اليهود كانت ايضا كذلك. لحد الان اليهود يستعملون كلمة "واجبات".
اعطيك مثال اخر: قضية الرهبان والكهنة الذين هربوا الى الخارج بدون موافقة ابرشيتهم والذين ارادت البطريركية طردهم من الكنيسة. المشكلة بين وجودهم في الخارج والفاتيكان والكنيسة الكلدانية تكمن في ما شرحته انا هنا: بالنسبة للرهبان والكهنة الذين هربوا وعاشوا في الخارج فان ما يطلبونه هو بديهي لهم, لان هذا يعتبرونه من حقهم, خاصة بعد تعودهم للحياة في الغرب , وهم بانفسهم يشيرون الى المجتمع الغربي الذي يحترم حقوق كل البشر في كل المجالات. وهذه نقطتهم تتفهمها الفاتيكان لان الفاتيكان تستعمل ايضا مفردات
الحقوق. اما البطريركية الكلدانية في العراق فلا تفهمها اطلاقا, لان الكنيسة الكلدانية تقول بان هناك
واجبات على هؤلاء الرهبان والكهنة. وهذه الواجبات هي مقدسة ولا يمكن تجاوزها...والبطريركية الكلدانية لم تفهم عن اية حقوق يتحدث هؤلاء...
انا هنا ذكرت لك نقطة اخرى حول ان الكنيسة الكلدانية لا تستطيع ان تفهم كنائس الغرب لوجود تفكير وطريقة تحدث مختلفة
اضافة لاحقة: بخصوص الطقس واللغة, فانا استطيع ان اغير السؤال: ماذا كان سيحدث لو ان الكنيسة الاشورية كانت في ذلك الزمان قد دخلت الكاثوليكية مثل الكنيسة الكلدانية وبنفس الفترة الزمنية؟ كيف كنا سنكون اليوم؟ انا متاكد بان كنائسنا كانت ستتحول خلال كل هذا التاريخ كلها الى عربية بشكل مطلق.
اذ وجود القليل من الحفاظ بالطقس واللغة عند الكنيسة الكلدانية له علاقة مباشرة بتاثرها بالكنيسة الاشورية.تحياتي