طلعت علينا مصادر اعلامية مختلفة بخبر مفاده أن مصليّن في مدينة أربيل عاصمة أقليم كردستان العراق هتفوا اليوم ضد السلطات الكردية إحتجاجاً لأبعادها عددا من الائمة وخطباء المساجد ومنعهم من إلقاء الخطب ما دفع الى استدعاء قوات الامن والشرطة للحفاظ على الامن واعتقال عدد من المصلين، حيث اتهمت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في الاقليم من اسمتهم بالمتحزبين في اثارة الفوضى.
وعمت الاضطرابات مسجدي "الله اكبر" و"جودي" في مدينة أربيل الامر الذي دفع قوات الشرطة والامن الى اعتقال عدد من المصلين المتسببين بالاضطراب وترديد هتافات مع رجال الدين ضد حكومة الاقليم بهدف السيطرة على الموقف.
يُعَدُّ هذا الأمر سابقةً خطيرة في أقليم كردستان، ليس لإحتجاج رجال الدين على السلطات المحلية وهي تمر بأزمة إقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط ونفقات الحرب ضد تنظيم داعش والمشاكل العالقة بين بغداد وأربيل بشأن ملفات النفط والموازنة فقط ، كما أشار السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الأقليم، وإنما لتراجع الحس القومي وغَلَبَة التزمت الديني لدى عدد كبير من جيل الشباب وبتأثير واضح ومبرمج من رجال الدين المتزمتين الذين يحاولون إستغلال الأزمة التي يعاني منها الأقليم تنفيذاً لأجندات خارجية لاتخدم سكان الأقليم من الأكراد والأقليات الأخرى وخصوصا الكلدان والسريان والآشوريين وآخرين.
وهناك دلائل تشير الى أن الولاء لديهم لم يعد للقومية والوطن وشركاء الوطن من الأديان والمذاهب الأخرى وإنما لجهات هدفها ضرب كل من لايتفق مع أفكارها الظلامية بأسم الدين وبتأثير المادة، منها:
١- إثارة الفتنة في هذا الوقت بالذات والأقليم يخوض حرباً شاملة ومكلفة ضد داعش الذي يتبنى أفكارا متشددة مشابهة لأفكارهم في ضرب كل من يختلف عنهم.
٢- إستغلال الأزمة الأقتصادية التي يمر بها الأقليم لكسب ولاء أكبر عدد من الناس وخلق إضطرابات لتفكيك الجبهة الداخلية بهدف إشغال السلطات وتخفيف الضغط عن داعش في هذه المرحلة التي يعاني فيها من هزائم في سوريا والعراق وإنهيار الحالة المعنوية لديه بسبب الأنخفاض الحاد في عدد الجهاديين الوافدين إليه (إنخفض عددهم من ٣٠٠٠ الى أقل من ٢٠٠ شهريا بحسب تقارير استخباراتية دولية) في الأشهر الأخيرة، إضافة الى هروب أعداد كبيرة من مقاتليه وإعدام اخرين حاولوا الهرب بعد الهجوم الوشيك على مدينة الموصل وضواحيها.
٣- جس نبض السلطات الكردية في تَحَدٍ واضح لها وفي قلب عاصمتها خاصة وإنها لم تتخذ الأجراءات الصارمة بحقهم بعد مظاهراتهم التحريضية في السادس عشر من شباط الماضي بحجة الدفاع عن حقوق المواطنين.
لم تأتِ هذه الأحتجاجات والأضطرابات والهتافات لرجال الدين والمسلمين المتشددين ضد السلطات الكردية من فراغ أو بشكل مفاجئ وعشوائي، بل سبقتها أعمال إرهابية مبرمجة ضد الحلقات الأضعف في أقليم كردستان كالمسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن وغيرهم وإتخذت أشكالاً متعددة لبعضها طابع ديني كما حصل في زاخو ومناطق أخرى قبل سنوات وأخرى قومي بهدف طرد أبناء شعبنا من أراضيهم والأستيلاء عليها لمسح هويتهم القومية والدينية التي تعتبرها هذه الأطراف من الأهداف الرئيسية التي تسعى لتحقيقها.
ولكن السؤال هنا هو:
أين هي هيبة الدولة وسلطتها في الحفاظ على أرواح مواطنيها (المستضعفين) وممتلكاتهم بغض النظر عن دينهم، مذهبهم أو قوميتهم؟
لقد ساهمت المواقف الهزيلة لحكومة الأقليم والوعود التي لم تُطَبّقْ بمحاسبة المعتدين على حقوق أولئك المستضعفين في تمادي المتطرفين في أعمالهم الأرهابية المبرمجة التي وصلت الى حد ترديدهم هتافات مناهضة للسلطة في عقر دارها في إشارة واضحة لفقدان هيبتها.
فهل تُلَقّنهم السلطات درساً لن ينسوه وتستعيد هيبتها وتعيد لكل ذي حق حقه؟ أم إنها ستدفع ثمن سكوتها على كل التجاوزات الشنيعة التي حصلت بحق مواطنيها وتشرب من نفس الكأس المرّة التي شربوها وترفع الراية البيضاء؟ وهذا ما لانتمناه.
أن غدا لناظره لقريب.