المحرر موضوع: قراءة في إنجازات عالم سُبَيِّط النيلي  (زيارة 1159 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قراءة في إنجازات عالم سُبَيِّط النيلي


نبيل عبد الأمير الربيعي
      عالم سُيبّطَ النيلي هو أحد علماء النهضة العراقية الحديثة, عُرفَ نهاية حقبة التسعينات من عصرنا الحديث في الأوساط الثقافية والعلمية واللغوية والمحافل الأدبية والفكرية, فهو مفكراً باحثاً أحاطَ بنتاجاته بجميع جوانب علم الفقه واللغة والتراث والتاريخ, وُلدَ في أسرة ريفية حلية ذات مكانة اجتماعية عام 1956م, فوالدهُ سٌبَيَّط شاعراً شعبياً مرموقاً, وشقيقهُ رمزاً ثقافياً في ناحية النيل التابعة لمحافظة بابل, ولقب بالنيلي نسبةٌ إلى ناحية النيل الواقعة شمال الحلة, أكمل دراسته الثانوية في مدينة الحلة, والماجستير حصل عليها في بعثة عسكرية إلى روسيا (الإتحاد السوفيتي سابقاً) في الهندسة الألكترونية عام 1979م من جامعة اوديسا / أوكرانيا, وحصل على شهادة دبلوم عالٍ في الترجمة من روسيا. رحل عن الحياة وهو بعمر الشباب (44 عاماً) نتيجة مرض ألمّ به يوم 18/8/2000م, تاركاً نتاجاً معرفياً زاخراً تجاوز (14) مؤلف وبحث في الأدب واللغة والثقافة.
      وقد أقام لهُ اتحاد أدباء بابل ندوة في شرح نظريته الجديدة, واستمرت هذه الندوة لثلاث أمسيات متتالية, في سابقة هي الأولى من نوعها في عمل الاتحاد, كما كتب الكثير عن حياته ونتاجاته ومنهم (الصحفي ناظم السعود, د. حسين سرمك حسن, وحاوره الصحفي علي خصباك,موسى جعفر, وجيه عباس, فرقان الوائلي, رافد عجيل فليح).
      عالم سبيط ظاهرة ثقافية متنوعة, حركت الذهن الثقافي التي تشيد بعبقريته الفذة, وكان نتاجه المعرفي كل ما هو جديد في ميدان الفكر والإبداع, وقد وصفه الراحل شيخ المفهرسين د. صباح نوري المرزوك قال : (أعتبر عالم سُبَيِّط في البحث والتأليف واحداً من تلك الظواهر الكونية المتعددة والمتنوعة).
      تنوعت معارف السيد النيلي الثقافية واتسعت لتشمل علوم اللغة والفقه والأصول والتفسير والفلسفة والتاريخ والفيزياء والرياضيات, وساعده سفره إلى روسيا على الإطلاع على مدارس الأدب والأجناس الأدبية ومناهج البحث اللغوي والتعرف على الفلسفة الأدبية وأعلام الفكر والأدب الغربي, وكان من المعجبين بشخصية (بوشكين) الشاعر الروسي مما جعله يترجم ديوانه.
      أثارت أفكاره زوبعة من الاعتراضات والاتهامات من قبل المؤسسة الدينية, وكذلك بعض أطراف المؤسسة الثقافية, حتى وصل الأمر إلى اتهامه والكفر, لكن بالمقابل حصل النيلي على تأييد ودعم الكثير من الأكاديميين وأساتذة الجامعات في العراق, خصوصا بعد بروز نجمه بعد وفاته, وبعد انتهاء حكم صدام حسين الذي كان يمثل مانعاً رئيسياً من ظهور الفكر النيلي (القصدي) إلى العلن, فعقدت بعض الندوات والأمسيات التي تتناول فكره فساهمت إلى حد ما في انتشار أفكاره واجتيازها حاجر الحدود شيئا فشيئا لتصل إلى العديد من الدول العربية و الأقليمية.
       من آثاره ومؤلفاته (اللغة الموحدة), الذي بحث فيه اللغة ومشكلاتها, ولكنهُ أسس فيها نظرية جديدة قائمة على مبدأ (القصدية) في الإشارة اللغوية, بين الدال والمدلول, ويكشف سُبيط عن وجود قيمة معنوية للأصوات قبل التركيب في الألفاظ, وهو كتاب في الدلالة والأصوات, يؤسس فيه عالم سُبيط لنظرية قصدية في علم اللغة العام تفند المبدأ الاعتباطي للعالم اللغوي فردنا ندي سوسير (ت1913م) وتكشف عن معاني الحروف وقصدية الإشارة اللغوية, والقصدية مصدرها (قصد), ونقل ابن منظور قول ابن جني في لسان العرب 12/114: أصل (ق/ص/د) ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء, ولعل أكثر الباحثين المحدثين تناولاً لهذا الموضوع هو جون سيرل الذي قال: كلمة القصدية كلمة غير محظوظة, ومثل كثير من الكلمات غير المحظوظة في الفلسفة, نحن ندين بها للفلاسفة الناطقين بالألمانية, توحي الكلمة أن القصدية بمعنى التوجه, يجب دائماً أن تكون مرتبطة بالقصد, بمعنى النيّة, مثلما أقول مثلاً: إّنني أقصد أو أنوي الذهاب غلى السينما الليلة) العقل واللغة والمجتمع(1).
      وقد ذكر سُبيط في مواضع متفرقة من الكتاب الدوافع التي أدّت إلى تأليفه والتي منها (تجريد الاعتباطية من سلاحها الفعّال في خلق الاختلاف والتناقض اللغوي والفكري) (المصدر اللغة الموحدة. عالم سُبيط .ص7). أتسمت طريقة عرضه للموضوعات بأسلوب السؤال والجواب في عدد من المباحث وكان الغرض من ذلك إيضاح الفكرة بلا تعقيد, كما استعان بالرسوم في شرح حركة الصوت الذي تحدث عنه, وذكر ألفاظاً انكليزية وأخرى روسية بغية إيجاد مفهوم موحد بين اللغات, ووضع قاعدة صوتية لكل مبحث صوتي ينتهي منهً.
      وإن المنهج القصدي في اللغة, يفسر نشوء للغات وذلك من خلال الجمع بين ظاهرتين الأولى هي استعمال تسلسل معين عند قوم و استعمال غيره عند آخرين لأداء نفس الفكرة والثانية استعمال تسلسل معين عند قوم ما لإشارة إلى أكثر من فكرة و بالجمع بين الظاهرتين و بين الظواهر الاجتماعية يتمكن من تفسير نشؤ اللغات .
      أما مؤلفه الثاني فهو (النظام القرآني, مقدمة في المنهج اللفظي), وهو كتاب يبحث في أسس المنهج اللفظي للقرآن وقواعده, ويناقش فيه قواعد النحويين وآراء المفسرين, ويعتبر من أهم الكتب التي تناولت علوم اللغة ومنهجيتها, والمنهج اللفظي منهج تحليلي لآيات القرآن الكريم, ولهُ أسس وغايات ومبادئ وطرائق مختلفة عن مناهج التفسير, وأهم غاياته الكشف عن النظام الداخلي للقرآن وفتح الأبواب للمعرفة القرآنية لتحل محل المعرفة التجريبية. واستفاد سُبيط من القراءات القرآنية في توجيه الدلالة اللغوية في مستواها الصوتي, والصرفي والمعجمي والنحوي, ورَجح بعض القراءات على غيرها معتمداً القراءة الأكثر توافقاً لمنهجه القصدي, ولم يلتزم القراءة السبعية وحدها بل أخذ بقراءات شاذة, مع العلم أن عالم سٌبيط لم يذكر في مؤلفه هذا مصادر القراءات ولم يذكر أصحابها.
    في مؤلفه (النظام القرآني) تنوعت طريقته في الاقتباس ما بين النقل الحرفي للنصوص, والنقل بالمعنى, وقد نقل آراء من دون أن ينسبها إلى مصادرها, ففي صفحة 73 قال: غَّيرَ المفسرون الترتيب في هذه الآية فزعموا أن الأصل في الآية 75 من سورة الأنفال هو (وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى ببعض), لكنه لم يذكر لنا واحداً من هؤلاء المفسرين, ولا مصطلحات نحوية أطلقها ارتجالياً متسرعاً تندرج تحت مسمى (قواعد). لكن الكتاب يكشف عن الآراء اللغوية المتنوعة وإبداع عالم سُبيط في طريقة عرض الموضوعات ومعالجة المشكلات اللغوية, ويعتبر من المجددين في هذا المجال في كثير مما سجله من معلومات ولم يكن مقلداً لمن تقدم من علماء اللغة.
      ومؤلفه الثالث (الحل القصديّ للغة في مواجهة الاعتباطية), يتضمن الكتاب موقف المنهج اللفظي من المباحث الاعتباطية في النحو والبلاغة, وناقش فيه سُبيط آراء بعض العلماء في هذا الميدان, والكتاب هو مشروع يُؤسس لعلم لغةٍ جديد قائم على القصدية المناقضة للمبدأ الاعتباطي للغة الذي قال به سوسير , وقد (نبه عالم سُبيط الباحثين في أغلب الموضوعات التي تناولها في الكتاب على ضرورة إعادة النظر في موضوعات اللغة والبلاغة ومناهج البحث اللغوي)(2), لكن من المؤاخذات على الكتاب إن طريقته في الاقتباس والإحالة متنوعة, فهو تارة يذكر المؤلف من دون ذكر المصدر وتارة يذكر المصدر من دون ذكر مؤلفه, لكن مؤلفه سُبيط قد وفق فيه (في الجمع بين الأسلوب النظري والتطبيق العملي من خلال عرض الشواهد القرآنية والحديثة أو ضرب الأمثلة)(3), كما استعمل سُبيط (بعض الرسوم والأشكال الهندسية لغرض توضيح الموضوع أو الفكرة)(4), مع هذا الكتاب يكشف لنا التنوع الثقافي لعالم سُبيط والإطلاع الواسع على مصنفات العلماء, مما جعله قادراً على مناقشة بعض الآراء. ومصطلح القصدية مصطلح واسع المفهوم ودلالته تمتد إلى الحقول المعرفية باجمعها, ولا ينحصر في الاستعمال الوظيفي للغة فقط. أما الاعتباطية فهي نقيض القصدية في كل شيء.
      ومؤلفه الرابع (النظام القرآني, المدخل إلى نظام المجموعات) وهو عبارة عن قراءة جديدة ودراسة تفصيلية للمجموعات الصغرى والكبرى التي ذكرها القرآن الكريم, اقتصر في هذا الكتاب سُبيط على النصوص القرآنية التي استدل بها على صحة تقسيم المجموعات وخصائصها, مع بعض الأحاديث النبوية, كما اعتمد في مؤلفه هذا أسلوب التحليل والاستقراء في ضوء النظام القرآني من أجل بيان المجموعة الكبرى والصغرى وسمات المجموعات القرآنية.
      أما مؤلفه الخامس (الحل الفلسفي بين محاولات الإنسان ومكائد الشيطان) وهو عبارة عن تحليل فلسفي جديد من خلال مناقشات متخيلة في عددٍ من الجلسات, متخذاً صيغة الحوار والسؤال والجواب.
      ومؤلفه السادس (ملحمة كلكامش) عبارة عن دراسة جديدة للملحمة في ضوء النص القرآني والروائي والعلمي, وهو سلسلة التطبيقات للمنهج اللفظي القصدي على وفق المنهج التاريخي والجغرافي, ومن النتائج التي توصل إليها المؤلف (أن شخصية كلكامش ليست أسطورية وإنما حقيقة منحها الله المعارف العلمية التي عجزت عنها عقول البشر في تلك الحقبة التاريخية, والدليل على ذلك استطاع كلكامش الانطلاق إلى الفضاء الخارجي مستعملاً السرعة الفائقة بآلاتٍ معينة)(5), كما تحدث فيه عالم سُبيط عن احتساب فرق الجاذبية, وأوصاف غابة الأرز المسماة بغابة الأشجار السخرية, وعن رمزية عشتار في الملحمة, و(رمزية الثور السماوي, والرمزية في شخصية (إنكيدو), وتحدث عن الُمات الثابتة للشخصية في النص الملحمي)(6), كما تناول شخصية كلكامش في تاريخ العراق القديم, وناقش العلامة قارء الطين طه باقر في قضايا تتعلق بمرموزات الملحمة.
      ومؤلفه السابع (أصل الخلق وأمر السجود) وهو بحث قرآني علمي فلسفي عن أطوار الخلق والترقي قبل آدم وعلاقاته بالسنن الكونية والشجرة التي أكل منها آدم, والكتاب يعتبر كرؤية جديدة في المفاهيم الإسلامية في ضوء المنهج القصدي.
      ومؤلفة الثامن (طور الاستخلاف, الطور المهدوي) دراسة في القوانين للتطور البشري في ضوء الحل القصدي للغة, وبين المؤلف المقصود بطور الاستخلاف استناداً إل الحل القصدي للغة, وصر عالم سُبيط من خلال المؤلف بأنهُ تم استبعاد المتكلم أو صاحب النص بصورة كاملة وأصبح النص ملكاً للمتلقي بوجهه وبالطريقة التي يريدها, وأنهى المقدمة بقوله: (لا يعتبر كتاب الطور المهدوي مجرد بحث لغوي أو قرآني معتاد, بل هو رؤية جديدة لتطور الجنس البشري وحتمية بلوغه المرحلة الفائقة من وجوده على الأرض بارتباط وثيق مع المشيمة الإلهية ولذلك فهو ينطوي على ملامح كثيرة لعلم الاجتماع والنفس والفلك والطبيعة والفلسفة والقصديّة الجديدة, فضلاً عن البحث اللغوي في وحدة موضوعية متجانسة محكمة مستخلصة من النص القرآني كنص كلي)(7).
       ومؤلفه التاسع (المبحث الأصولي بين الحكم العقلي للإنسان وحكم القرآن) بحث في موضوعات أصول الفقه الإسلامي برؤية قرآنية جديدة قائمة على مبدأ النقض لبعض المفاهيم القديمة, وقد اقتصر سُبيط على الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية , التي احتج بها لتثبيت قواعد أصولية وفقهية, وقد احتج بها لمسائل اصولية وفقهية علاوة على الاستدلال لصحة المنهج اللفظي.
      أما نتاجهُ العاشر فهو تحت عنوان (الشهاب الثاقب) يبحث في العقيدة الإسلامية من خلال شروح لبعض الفقرات من نصوص نهج البلاغة والرد على أحمد الكاتب فيما يخص العقائد الإسلامية, ومؤلفهُ الحادي عشرة(رحلة الكشف عن النظام القرآني) وهو بحث عن قصة سُبيط مع القرآن وكيفية معرفته للمنهج القصدي.
      ومؤلفه الثاني عشرة (المحاضرات القصدية) وهي مجموعة محاضرات كتبها سُبيط تطبيقاً للمنهج القصدي, وفي هذا المؤلف نقد لغوي لظاهرة الترادف والتقديم والتأخير في الألفاظ والمجاز في اللغة, وتقدير المحذوف والعشوائية في تقدير عُوّد الضمائر, وتجسد هذا النقد من خلال عرض نصوص قرآنية لكل ظاهرة وموقف القائلين بالاعتباط اللغوي من هذه النصوص, ومن ثم تقديم الحل القصدي لدلالتها بعد عرض الإشكالات اللغوية التي وجهها للذين خالفوه المنهج, وقد تطرق في الكتاب إلى الاعتراضات التي وجهت إلى الحل القصدي للغة كالقول بأنّ : (تحديد قيمة مسبقة لأصوات ومن ثم الألفاظ إنما يحجم دلالة المفردة ويضيّع المرونة التي فيها حسب علم اللغة المعمول به الآن)(8). ومن الشواهد في هذا المؤلف كانت مقتصرة على النصوص القرآنية ولم يستعن بموارد ثقافية أخرى. ونتاجه الثالث عشرة (طب القرآن), وهو بحث في آيات الاستشفاء ومواردها.
      وأخيراً مؤلفه (نجم القرآن المبين) بحث في فضائل الإمام علي. وقد صدرت أخيراً دراسة في مؤلفات عالم سُبيط اللغوية (اللغة الموحدة, الحل القصدي للغة, الحل الفلسفي, النظام القرآني)للباحث عبد الحسين موسى وادي, وقد صدرت جميع مؤلفات عالم سبيط عن دار المحجة البيضاء في بيروت بطباعة أنيقة.
     
المصادر
1-    جون سيرل. العقل واللغة والمجتمع ص128/129.
2-    عالم سبيط النيلي. الحل القصدي للغة ص236.
3-    عالم سبيط النيلي. الحل القصدي للغة ص62.
4-    عالم سبيط النيلي. الحل القصدي ص24.
5-    عالم سبيط النيلي. ملحمة كلكامش . عالم سبيط النيلي. ص9.
6-    عالم سبيط النيلي. ملحمة كلكامش ص33.
7-    عالم سبيط النيلي. الطور المهدي ص15.
8-    عالم سبيط النيلي. المحاضرات القصدية ص80.