الأبجدية في مراحلها التاريخية 7
الجزء السابع
بقلم: ميخائيل مموأصول الأبجدية
ان حياة الإنسان في عالمنا المتحضر بمرتكزات آليات التقنيات الحديثة يعتمد اللغة في كافة العلوم والمعارف ومناحي الحياة في ديناميكيتها، فاللغة هي مصدر ما توصل اليه الإنسان بتطورها المرحلي المتعاقب منذ الاف السنسن، لحد ما بلغ مجموعها ما يزيد عن الستة آلاف لغة متفاوتة بين ثنايا شعوب العالم التي ترادفت في المعنى الإنساني وإختلفت لفظاً في تسمياتها. وهذه دلالة على تواصلها ما بين الماضي والحاضر ولما يخفيه المستقبل بين الأجيال المتوالية. لذا فإن الحاضر اللغوي ـ شئنا أم أبينا ـ ورثناه عن الماضي، مستمداً من اللغة الصورية في العهد السومري والقبطي، فالمسمارية الآشورية والأوغاريتية المسمارية المتطورة في اللاذقية المدعمة والمؤكدة بثلاثين حرفاً مستقلاً، إضافة لمن إعتمد المسمارية في تلك الفترة، كالعيلاميين في المناطق الجبلية من آسيا الصغرى والحيثيين الذين هم مجموعة من القبائل ومن ثم الفينيقية (22 حرفاً) إلى ما بين القرنين العاشر والحادي عشر، فالآرامية المستمدة من الفينيقية والعربية (22 حرفاً) التي أضيف لها ستة حروف نطقية مناسبة لأصوات الألفاظ المختلفة التي هي (ثخذ ضظغ)، وكما هي مرتبة حسب الترتيب الأبجدي في الآشورية / السريانية وباقي الساميات (حسبما تصنف وفق النمساوي شلوتزو عام 1871) أي أبجد هوز حطي الخ لتلحق بعد قرشت وتصبح الحروف العربية 28 حرفاً.. علماً بأن أصوات اربعة حروف منها ما عدا (ضظ) لا وجود لها في الآشورية، حيث أن الحروف الأربعة الباقية اعتمدت في الآشورية كلواحق للأبجدية المسماة بالروادف مثلما في العربية بفعل تأثير حالات ورودها في المفردة من حيث السكون والتشديد وقواعد أخرى، وذلك بوضع وإضافة نقطة تحت الحروف المركبة في كلمة " بگدكپت (ܒܓܕܟܦܬ) أي الباء والـ (گ) الجيم المصرية والدال والكاف والـ (پp ) والتاء، لتلفظ ( ڤ = و أو v ، غ ، ذ ، خ ، ف ، ث)، وحين تشذ عن ذلك توضع نقطة فوقها لتلفظ كما هي وتسمى بالمقشاة أي نطقها الإعتيادي. علماً بأن العربية تفتقر الى حرف (p) الموجود في الآشورية، وإفتقار الآشورية لحرف الفاء في الأبجدية ليعوض بوضع نصف قوس مصغر أو الشبيه بالهلال تحت ( ܦp = ) بالشكل التالي: (ܦ̮). وفي الخط المعروف بالسرياني المستحدث يتم تعويض القوس بنقطة فوق الـ (ܦܿ) لتلفظ بصوت الفاء. وزيادة على ذلك تضاف في الآشورية أيضاً علامة ( ̰ ) تحت (گ ܓ) باللفظ المصري ليطابق صوت الجيم "ج" وتسمى تلك العلامة الرمزية بـ "المجليانا"، وبنفس العملية مع الكاف (ܟـ الأولية والمتوسطة و ܟ الآخرية) لتعطي صوت (ch) الإنكليزي الذي تفتقره العربية. وذات العلامة فوق الزاي والشين ( ܙ ، ܫ ) لتعطي صوت (television) إضافة لصوت حرف (v) الإنكليزي بوضع نقطة تحت الباء الآشورية (ܒܼ) لإعتماد ذات الصوت، بالرغم من قلة المفردات المطابقة لأصوات الحروف الثلاثة، وللضرورة فقد تم إضافتها لتتناسب مع الكلمات الدخيلة في الآشورية بحكم المعايشة الزمنية المتواصلة وروابط الجوارفي حدود ذات المناطق.
من خلال هذا العرض الموجز لا نعني استثناء العديد من النظريات وما لا يحصى من البحوث والمؤلفات التي عالجت منشأ الأبجدية أو الألفبائية مثلما تسمى في اليونانية واللاتينية (Alpha-Betta) من صوت الحرفين الآولين، والتي لم يُؤكَد صحتها من اللغويين الباحثين والخبراء الآثاريين، رغم ما يوعزه الباحثون اللغويون من إختلافات في الرأي عن مصدرها الأساسي. وبما أن أطوار الكتابة لقد مرت بمراحل مختلفة لا بد من الإشارة لها بإيجاز والتي هي:
1. الكتابة التصويرية أو الصورية. 2. الكتابة الرمزية. 3. الكتابة المقطعية. 4. الكتابة الصوتية. 5. الكتابة الأبجدية الألفبائية.
لذا فإن المرجح لأسسها الأولى وفق أغلب الخبراء هوجنوب وادي الرافدين ومصر. في وادي الرافدين، استناداً للكتابة السومرية والآشورية البابلية المسمارية في نهاية الألفية الرابعة ق.م. التي توصل لحل رموزها مجموعة من الألمان ومنهم على وجه الخصوص العالم كارستن نيبور 1756 الذي راحت اتعابه أدراج الرياح، ليأتي بعده الشاب غروتفند المولود عام 1775، وكان يدرس اللغة اليونانية في مدرسة ألمانية، حيث استطاع أن يتوصل لفك رموز سبع علامات من خلال كلمة "ملك" المتكررة في الألواح السومرية، لتكون المفتاح الذي اهله لحل ما دُوّن آنذاك بالخط المسماري، فتم عرض ما توصل اليه على أكاديمية العلوم بمدينة غوتنغن الألمانية سنة 1802. كما وكان لدور الإنكليزي هنري لايارد أهمية متميزة بالعثورعلى مواقع كنوز الآثار الآشورية في مناطق مختلفة وإكتشاف العديد من الآثار والألواح أو الرقم الطينية الفخارية وخاصة في نينوى ومكتبة آشور بانيبال التي احتوت خمسة وعشرين ألف لوح مسماري، لتضاف إلى خزائن أرشيف ماري بعددها البالغ أكثر من عشرين ألف لوح مسماري، وأرشيف منطقة إيبلا في سوريا على ثلثمائة ألف لوح مسماري أيضاً، وفق المعجم المسماري للغات الأكدية والسومرية والعربية لمؤلفه نائل حنون عن بيت الحكمة ببغداد 2001، وأصول الحرف الليبي لمؤلفه عبد العزيز الصويعي. والأساس الآخر لنشأة الأبجدية كما بينا آنفاً في مصر، استناداً للكتابة الهيروغليفية المقطعية التي فك طلاسمها الفرنسي جون ف. شامبوليون وهو في العقد الرابع من عمره، بواسطة مقارنتها بالنص اليوناني بأن الكتابة المصرية رمزية وصوتية في آن واحد، بحيث ساعد اكتشافه فهم المصادر والوثائق لتاريخ مصر القديم.
ولكي نكون أكثر مقربة من حل رموز الكتابة المسمارية، رغم اختلاف الباحثين في آرائهم ، ننقل فيما يلي ما صدر عن قسم الآثار بكلية الآداب لجامعة بابل لإستاذ المادة أحمد مجيد حميد الجبوري فيما تم تدوينه.
( بدأت الخطوات الأولى لحل رموز الخط المسماري من خلال الزيارات والرحلات التي قام بها الأوربيون إلى الشرق ، فلهم يعود الفضل في نقل آثارنا إلى أوروبا والتعرف عليها من قبل علمائهم ، وهكذا بدأت المسيرة الصعبة والطويلة لمعرفة الكتابة المسمارية وحلّ رموزها.
كان أول أولئك الرحالة الذين قاموا بزيارة الشرق هو التاجر الايطالي بترو ديلا فاليه الذي زاره إطلال مدينة برسيبوليس في إيران، فعثر على أجرة مكتوبة بكتابة مسمارية، كما استنسخ بعض الكتابات وقام بنشرها في أوروبا.
لقد مرّت محاولات حل الكتابة المسمارية بمراحل عديدة ومن قبل أشخاص كُثُر، كان من أقدمهم الباحث تيسكن الذي استطاع في عام 1798م قراءة أربع علامات من كتابات برسيبوليس العاصمة الأخمينيه التي نقلها العالم الألماني نيبور إلى أوروبا عام 1765م والتي تألفت من 42علامة، كما وتوصل تيسكن إلى معرفة إحدى العلامات المتكررة في النص وهو المسمار المائل الذي يفصل بين الكلمات وتمكن من إثبات أن هذه النصوص تمثل ثلاث لغات مختلفة، وأعقب هذه الخطوة نجاح الباحث الآثاري مونتر في سنة 1802م بالبرهنة على كون كتابات برسيبوليس تعود إلى السلالة الأخمينية وأن لغتها مشابهه إلى لغة الكتاب المقدس المعروف ب (زند أفيستا)، كما استطاع إن يحدد العلامات التي تؤلف كلمة ملك ، وهذه الخطوات ساعدت كثيرا في التوصل إلى حَلْ هذه الكتابة ،وأكد بأن تلك النصوص في حقيقتها نصا واحدا ولكنه مدون بثلاث لغات مختلفة .
جاء من بعدهم كروتفند العالم الألماني الشهير الذي يعود له الفضل الحقيقي في إيجاد المفتاح الذي لولاه لما حلّت رموز الخط المسماري ووضع اللّمسات الحقيقية الأولى لعلم سمّي فيما بعد بعلم الآشوريات ASSYRIOLOGY).
وما كان يستوجب في بحثنا أن نتوسع أكثر مما هو عليه بعرضنا المقتضب، إلا أنه استثنينا ذلك، فضلاً عن الإطالة أو الإطناب الممل أو الإيجاز المخل، بغية قدح شرارة الإنارة لقرائنا عن هذه اللمحة الإيضائية والتوضيحية من بني شعبنا ومن يطمح في إثراء معلوماته، رغم وجود ما لا يحصى من الدراسات والأبحاث الخاصة بنشأة الأبجدية بلغات مختلفة.
وفي حلقتنا القادمة سنسلظ الضوء على حرفي الضاد والظاء في اللغة الآشورية المعاصرة.