المحرر موضوع: الأزمة العراقية الراهنة الطائفية، الأقاليم، الدولة  (زيارة 851 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأزمة العراقية الراهنة
الطائفية، الأقاليم،  الدولة

د. عبد الحسين شعبان *

•   مقدمة
أعادت الأزمة الراهنة الإشكاليات الأساسية التي عانت منها الدولة العراقية منذ الاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق العام 2003، وخصوصاً موضوع الطائفية السياسية التي أصبحت ظاهرة متفشّية في مفاصل الدولة العراقية وأروقتها، بل إن التقاسم الوظيفي الطائفي والإثني أصبح السمة الأبرز للحكم ما بعد الاحتلال.
ولم تستطع الدولة على الرغم من مرور 13 عاماً على الاحتلال من حلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتربوية والصحية والبيئية، وما يتعلق بالبطالة والضمان الاجتماعي والمتقاعدين، بل إن هذه المعضلات تفاقمت على نحو شديد، وازدادت تعقيداً ممّا عمّق  الأزمة السياسية، وأضفى عليها بُعداً شعبياً أخذ بالاتّساع، خصوصاً وقد ترافق ذلك باستمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وعدم حلّ مشكلة المياه التي أخذت بالتفاقم، مما سبّب أمراضاً وأوبئة عديدة، ومنها انتشار مرض الكوليرا.
لقد قامت العملية السياسية على صيغة المحاصصة الطائفية- الإثنية، التي وجدت ضالّتها في تأسيس مجلس الحكم الانتقالي في تموز (يوليو) العام 2003، خصوصاً بتخصيص 13 عضواً منه لما سمّي بالشيعة و5 أعضاء لما سمّي بالسنّة و5 أعضاء لممثلي الكرد وعضو واحد لمن اختير ممثلاً عن التركمان وعضو واحد باسم الكلدو آشوريين. وعرفت الدولة الجديدة التي تأسست على أنقاض الدولة القديمة التي قامت في عشرينيات القرن الماضي، باسم "دولة المكوّنات"، التي ورد ذكرها ثمان مرّات في الدستور. أما "دولة المواطنة" التي كان العراقيون يتطلّعون إليها  بعد انقضاء حقبة الحكم الشمولي، فقد اختفت مدلولاتها وتضبّبت معانيها، لاسيّما بعد تأسيس نظام المحاصصة.
إن ذلك يمثّل جوهر الأزمة بجميع فروعها وأجنحتها. وإذا كان الاحتلال صائراً إلى زوال مثلما كان متوقّعاً، فإن خطر الطائفية ظلّ ينخر في جسم الدولة العراقية، ويحفر في كيانها بمعول مسموم، وإذا ما استمرّ على هذا المنوال فإن عملية الهدم والتآكل ستصل إلى أساساتها، وبالتالي ستؤدي إلى انهيارها.
كان الدستور المؤقت (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية) الذي صدر في عهد الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر (13 أيار/مايو 2003 - 28 حزيران (يونيو) 2004) في 8 آذار (مارس) العام 2004، تكريساً وانعكاساً للصيغة الجديدة لتوازن القوى وقد قام نوح فيلدمان القانوني الأمريكي المناصر لإسرائيل بإعداد صيغته الأولى، مثلما عمل الخبير الأمريكي بيتر غالبرايت في وقت لاحق على صياغة بعض المواد ذات الطبيعة الإشكالية، والتي اعتبرت ألغاماً قابلة للانفجار في أية لحظة، لأنها تشكّل مصدر خلاف واختلاف وليس مصدر اتفاق وتوافق.
وبدلاً من أن يكون الدستور القاسم المشترك الأعظم الذي تلتقي عنده الإرادات المختلفة للقوى والأحزاب والمنظمات السياسية والجماعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات المصالح المتنوّعة، فإذا به يصبح هو بالذات تعبيراً عن الإشكاليات والصراعات التي عانت منها الدولة العراقية ما بعد الاحتلال، وهذه كلّها تنطلق وتصبّ في صيغة المحاصصة التي اعتمدتها، وفي النزاع حول تمثيل هذه الجماعة أو تلك لتتحدث نيابة عن هذه الطائفة أو تلك أو تمثل جزءًا منها، وذلك عبر الإستقواء بالمحتل والحصول على الامتيازات، خصوصاً من جانب أمراء الطوائف، وليس بوسائل إقناع أو بنفوذ حقيقي سياسي أو فكري أو اجتماعي.
ولم يتورّع هؤلاء من استخدام العنف والحشود الجماهيرية الهائلة التي تذكّر بعصر المداخن في فترة الثورة الصناعية في أوروبا، بهدف كسر إرادة الآخر وفرض نمط ديني أو مذهبي على الحياة العامة وعلى المجتمع ككل. وبالطبع فإن مثل هذا الأمر لم ينشأ في فراغ، فقد كان له ردود فعل أقسى وأشدّ أحياناً، وهكذا أخذت دائرة العنف تتّسع لتشمل الجميع، وخصوصاً بانتعاش بؤر للإرهاب، التي تغذّت بتفاعلها مع جهات خارجية إقليمية ودولية ولأهداف مختلفة.
ولكي يتم تمويل عمليات الإرهاب والعنف، لجأت الكثير من القوى إلى استخدام موارد الدولة لمصالحها الخاصة، الشخصية والحزبية، سواء عبر سرقات منظمة أو هدر المال العام أو توظيفه في غير مواقع التنمية، ناهيك عن أصحاب الحظوة من الأبناء والأصهار والشركاء في إطار عمل غير مشروع.
وهكذا أصبح الفساد مؤسسة قائمة بذاتها وتستطيع تحريك الوضع السياسي سلباً أو إيجاباً طالما هي تتحكّم بالملايين من البشر الذين يعانون من البطالة وشظف العيش والأميّة والتخلّف مع ضخّ الكثير من الأوهام الطائفية ضد الآخر، الغريب المُريب، الخصم والعدو الذي يستحق الاستئصال. وبالطبع فالفساد لا يقتصر على شأن معين، بل يشمل الإدارة السياسية والاقتصاد والاجتماع والثقافة والمجتمع المدني وتزوير الشهادات والاحتيال والرشا وغير ذلك، لدرجة زكّمت الأنوف.
ولم يستثنِ الفساد أحداً، بل حاول لفّ الجميع بشرنقته، خصوصاً وأن المال السائب يغري بالسرقة كما يُقال، لاسيّما في ظل اخترام مؤسسات الدولة وحلّ الجيش والأجهزة الأمنية وعدم وجود مساءلة أو محاسبة إزاء هدر المال العام أو التلاعب فيه.
ويعتبر الفساد الوجه الآخر للإرهاب، كما أنه ليس بعيداً عن مخرجات الطائفية والتقاسم المذهبي- الإثني، وقد أغرى الفساد جميع الكتل والأحزاب والقوى على الانخراط فيه، والتستّر على منتسبيها وأتباعها، ولهذا فإن خطره امتدّ إلى أجهزة الدولة بكاملها والعديد من المنظمات والهيئات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، التي هي الأخرى ضعفت يقظتها إزاء غول الفساد ومخالبه.
ومن المظاهر الأخرى للأزمة العراقية وخلفياتها، هو ضعف الشعور العام بالمواطنة والعودة في الكثير من الأحيان إلى صيغ ما قبل الدولة، سواءً الطائفة، أو الجماعة الإثنية، أو الدين أو العشيرة أو الجهة أو المنطقة، وذلك للاحتماء بها والاختباء خلفها، طالما لا تستطيع الدولة حمايتها وتأمين الحدّ الأدنى من وظيفتها في ضبط الأمن والنظام العام وحماية أرواح وممتلكات المواطنين، وتلك هي الوظائف الأولى والأساسية للدولة، وأية دولة لا تستطيع القيام بذلك، فلماذا إذاً هي دولة!؟.
لقد ساهمت الطائفية السياسية في انهيار هيبة الدولة ومعنوياتها، لاسيّما وأن بعض الأطروحات والتوجّهات السياسية وضعت "المرجعية" الدينية المذهبية، فوق الولاء للدولة، بما فيها تداخلاتها الخارجية، والأمر لم يقتصر على المؤيدين لهذه "المرجعية" وهي تمثّل مجموعة من رجال الدين المتنفذين في النجف وأتباعهم الذين يسائلون ولا يُسألون، بل شمل خصومهم أيضاً، الذين يتسابقون معهم أحياناً في الحصول على صكوك المباركة لوظائفهم أو مواقعهم أو امتيازاتهم.
إن ذلك يعني إخضاع مرجعية الدولة لمرجعية غير دستورية، في حين إن جميع المرجعيات سواءً كانت دينية أو سياسية أو حزبية أو اجتماعية أو عشائرية ينبغي أن تخضع إلى الدولة التي لها صفة العلوية والسمو على غيرها من المرجعيات، بما فيها حق احتكار واستخدام السلاح والفصل في الحكم بين الأفراد وبينهم وبين الدولة، وبدون إخضاع المرجعيات الأخرى إليها فلا تصبح والحالة هذه دولة.
وإذا كان الدستور ملغوماً وفيه الكثير من العيوب والمثالب التي تستوجب تعديل نصوصه أو إلغائه  لسنّ دستور أفضل، لكن ذلك لا يلغي وجوده القانوني وعلويته والاحتكام إليه وفقاً للنظام السائد، حتى تتوفر فرصة مناسبة، يتمكّن فيها الشعب العراقي من اختيار ممثليه في أوضاع سلمية وطبيعية وآمنة، وخصوصاً بوضع حدٍّ لظاهرة الإرهاب والعنف والفساد.

البحث كاملا انفر الرابط التالي
http://uploads.ankawa.com/uploads/146679160291.pdf