المحرر موضوع: كارل ماركس في العراق الحلقة الخامسة عشر  (زيارة 775 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فرات المحسن

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 336
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كارل ماركس في العراق الحلقة الخامسة عشر


بدا النعاس يطرق عينيه ولكن الأحاديث المختلطة بين السجناء ومثلها ما يسمعه من أصوات عالية تأتي من خارج غرفة السجن كانت تضفي صعوبة على محاولاته.
***
مثل المرات السابقة دخل حانة ترير للمشروبات.كان يتأبط مجموعة أوراق وضعها داخل كراس بغلاف اخضر داكن. كان على موعد مع أحدى صديقاته الجديدات. أيضًا كان يشعر بشيء من المسؤولية تجاه هذا النادي بعد أن أصبح رئيسًا مشاركًا فيه، ولم يكن فقط حبه للشراب الدافع الأوحد لوجوده ومشاركته في النادي، وإنما الألفة وروح الشباب والنقاشات المستفيضة في شتى مجالات الحياة وبالذات الفلسفية منها. هبط السلم محاذرًا يتكئ بيده على الجدار المطلي بلون قهوائي غامق. درجات السلم دائمًا ما كان يحاذرها وهي مصدر قلق له، صغيرة ضيقة تربك الأقدام حين الهبوط عليها أو تسلقها. وصل عند الباب الداخلي للحانة ودخل وسط الصالة. دخان السجائر يغطي الكثير من ملامح المكان، ولم تكن الأنوار تكفي لتبيان ما يحويه الحان. عند الزاوية البعيدة جلست مجموعته. كان يكبرهم جميعًا ببضع سنين ولكن من بينهم من هو ناضج وعقلاني ويقدم الكثير من الرؤى والشرح الفلسفي بسلاسة ومقدرة يحسد عليها، ومنهم من يمتلك ملكة شعر حقيقية. اليوم جميعهم ينتظر منه أن يقرأ قصة قد أكملها حديثًا ووعدهم بذلك. حياهم فتهللت أسارير الجميع. جلس وسطهم وطالع الوجوه النظرة وهي تحدق به، كانت فتاته مثلما أعتاد عليه تنظر نحوه خلسة بين فينة وأخرى، ود لحظتها أن تلتقي عيناهما ليدعوها للجلوس جواره، ولكن الحياء كان يسيطر عليها. كان صاحبه أدولف روتنبرغ يراقب حديث العيون هذا وتعلوا وجهه ابتسامة رضا ثم غمز بعينه لصاحبه وأحنى رأسه إلى الأمام.
 فتح كارل ماركس كراسته قائلاً سوف أقرأ لكم قصتي الجديدة التي عنونتها بالعقرب وفيليكس. ران على الجميع الصمت، ويخال وكأن الدخان قد توقف عن الحركة أيضًا في انتظار قرأته للقصة. لم يطلق بعد جملته الأولى حين ضج المكان بأصوات غريبة وصراخ لم يفقه ماركس منه على ما يدل أو على من  تنادي تلك الأصوات. كانت هناك قامات رجال ترتدي ملابس سوداء وأقنعة تتسلل من الباب لتنتشر في أنحاء الحانة. كانوا يحملون أسلحة رشاشة وسيوف، دون مقدمات راحوا يطلقون الرصاص على الجميع. رائحة الدخان والموت بدأت تطغي على المكان فأصبح كل شيء أسودَ كالحًا لا يرى فيه غير ومض أطلاقات الرصاص، لحظتها كان أبو بشير يقف عند نهاية السلم يتكئ على أطار الباب ويوجه رجاله ويحضهم على قتل الجميع.
سلط أبو بشير نظره عليه ثم سحب مسدسه وسدد نحوه مباشرة، سمع صوت الاطلاقة ولاحقت عيناه مسارها فصرخ بأعلى صوته ولكنه شعر وكأن حنجرته قد تيبست مثل أرض بور عطشى، أراد التحرك تحاشيًا لمسار الرصاصة ولكنه لم يستطع الابتعاد وبقي مسمرًا مكانه وكأنه قد كبل بسلسلة حديد ثقيلة.
ــ يمعود..هاي شبيك.. أكعد.. أكعد مو خبلتنا.. هسه أحنا أطباكات وهلمرة أجيت أنته... أكعد!

كان أبو جعفر يهز جسد كارل ماركس بقوة ويطلب منه الاستيقاظ ولكن ماركس لم يكن يشعر بما يدور حوله وقد نز العرق غزيرًا من جبهته. فتح عينيه ليرى وجه أبو جعفر قريبًا منه وهو يناشده أن يستيقظ.
ــ هاي أنته بأول يوم وبديت تتخبل بنومك لعد من يمر عليك جم شهر شلون... ميه بالميه تلحك ويطكن عدك كومة فيوزات.. أكعد عمي أكعد وسمي باسم الرحمان.
ــ كان حلمًا مزعجًا.. إلى هناك لحق بي أبو بشير وعصابته.
ــ ما تكلي منو هذا أبو بشير؟
ــ هذا هو وجماعته.. هم من اختطفونا.
ــ بيا منطقة؟
ــ لا أدري فأنا لا أعرف المناطق.
ــ وما لزموه الشرطة؟
ــ لا أدري؟
ــ أشو أني ما أصدك أنته ألماني.
ــ لماذا لا تصدق؟ أقسم لك أني ألماني.
ــ شكلك وحتى من تحلم جنك مثلنه أحنه العراقيين.. نتخبل وننرعص من نحلم وعياطنه يوصل الذاك الصوب.
ــ يختلف البشر بطبيعة أحلامهم، ولكن بشكل وأخر هم حالمون في صحوتهم ونومهم.
ــ عمي أحنه العراقيين من الكماط والكوابيس تنام على قلوبنا.. جعفر أبني بساعة ما جابته أمه تكول جنه ذيل أبو بريص من ينكطع.. مرعوص ويخض بروحه وعشر دقايق ما يثبت. عوفنا من هذا.. كلي أنته متزوج؟
ــ نعم متزوج وعندي أبناء بس زوجتي متوفية.
ــ وأهلك هسه وين عايشين؟
ــ في لندن.
صاح أحد السجناء الجالس في الزاوية البعيدة وكان يراقب ويستمع لحديث أبو جعفر مع ماركس.
ــ حلو طلع كرخي وساكن بالرصافة... وبعد شويه راح يكول عندي عماتي ساكنات بفرنسا.. هاي شلون دبرها الأخ.. يابه وروحه الخالي أذا هذا ما طلع طاك عده فد جم كويل أني مو أبن أبويه، دشوف شلون يباوع وشلون يحجي.. جان بالحلم يرفس رفس أني كلت راح تطلع روحه. همزين أنته أبو جعفر لحكت عليه.
ــ علينه بتاليها وخلوه خطيه يجوز صدك متعذب والخوف بعده بقلبه.
ــ زين الشرطة خوب ما ضربوك لو هانوك.. تره أخونه أبو معتز.
وأشار بأصبعه نحو رجل يرتدي كنزة صوفية وقميص أبيض وبنطال رمادي ويجلس القرفصاء جوار باب الغرفة.
ــ أستاذ أبو معتز ميهتم بالحر لأنه يشتغل بحقوق الإنسان وصارله تسع تشهر معتقل ويوميه يأكل فلقة من الشرطة لئن يتعيقل بروسهم ويتوعدهم بعقوبات شديدة، يكول راح تجيهم من منظمة العفو الدولية شنو يابه، لآن همه ديخرقون حقوقه الإنسانية، وجماله ليهسه أهله ما يدرون وين هو مسجون ومحد سأل عليه.. هاي شلون واحد يشتغل بحقوق الإنسان وينشمر مثل هذي الشمرة.. وخطيه بعده مصدك أنو المنظمات الدولية راح أداعي بيه.
ــ عيوني حجينا أبو جعفر هاي المنظمات عده هوايه شغل.. فد يوم تشوفني بالتلفزيون وراح أجيب طاريك وأعرض مشكلتك.. تره داعيك مو هين وهذوله الشرطة راح فد يوم اراويهم منو أبو معتز واردلهم الصاع صاعين.
هكذا أجاب أبو معتز وهو يعتدل في جلسته ويتناول كتابا من تحت وسادته.
ــ عمي هسه أنته دير بالك على روحك.. وتعرف تره هذوله الشرطة هم مساكين.. مأمورين مو بيدهم.. شتكول أخونا ماركس؟
ــ حول ماذا؟
ــ عن هذولة الشرطة تره هم مساكين.
ــ نعم .. جهاز الشرطة اخترعته السلطات البرجوازية ليس ردًا على تفشي الجريمة بقدر إدراكها لتزايد الحشود الجماهيرية السياسية وبالذات المؤازرة للطبقة العاملة الذي باتت تهدد مصالحها الاقتصادية. سلطة البرجوازية في مسعاها هذا تضع نصب أعينها مهمة مراقبة الطبقة العاملة والتدخل في صلب إدارتها، مثلما اخترعت التعليم لتثبيت مفاهيمها وقيمها وسط المجتمع من خلاله، وهناك الكثير مما تقدمه الرأسمالية لقولبة المجتمع ووضعه على خطى خياراتها.. ولكن الحتمية التاريخية تقول إن للطبقة العاملة كلمة ومفاهيم أخرى وهي التي تنتصر في نهاية المطاف.
ــ يمعود على كيفك وين رحت وين وديتنه أحنه تره ما عدنه شغله بهاي السوالف.. دور وجهك ونام وأجفينه شرك.. عمي هسه محبوس على سالفة قجق يم الحاكم هينه.. داعملك واحد تدبر يم القاضي وبواسطة العشيرة تفض بجم دفتر.. عركة وبيه مجاريح ومفاشيخ.. دفتر دفترين نطلع بعدهن ونشتم هوه ربك.. سوالف السياسة ما تجيب غير الفاينات وكطعان الأرزاق.. وتعال وأثبت كون أنته ما عندك شغل بيه.. نام خالي نام.. أني كلت هذا الصماخ بي بلوه.. طلع شايل بلاوي.
ــ حجي أبو جعفر وروح الوالدة العزيزة تره هذا فيوزاته طاكات ومشخوط بالكامل.. عوفه لتبتلي.. تره هسه يكوم يغرد بعد أكثر... وتصير بينه دكة ما تنحجي، بشكل ذاك العهد، نطلع كلنه مشتركين لأن أحنه جنه نستمع أله وما خبرنه عليه وتعال هلمره خلص روحك.
ــ لا عمي راح ذاك الوكت بس مثل هذي السالفة لا كفه طين.. وأحنه ما عدنه خلكه.. شنو برجوازية شنو طبقه عاملة.. أشو العراق من شماله الجنوبه كل الناس بيه فد سوه.. كله تركض والعشه خباز.. وتسعة وتسعين بالمية من العراقيين يبجون ويلطمون من الصبح لليل وأمورهم لاكفة طين، ليش هو أكو برتواجية لو ما أدري شنو.
ــ هذا ليس حقيقًا..
ــ شنو قصدك.. شنو المو حقيقي؟
ــ قولك بأن الجميع سواسية وليس هناك فرق بين الطبقات.
ــ عمي أنته ليش متنام وتعوفنه.. أي هسه أنته منين الله جابك؟
ــ عزيزي أو الأحرى أعزائي جميعا.. إن تاريخ أي مجتمع حتى هذه اللحظة ليس سوى صراعات طبقية.. حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة مختصرة ظالمون ومظلومون، وهم في تعارض دائم، خاضوا ويخوضون حربًا متواصلة، تارة معلنة وطورًا مستترة، حربًا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، أو هلاك كلتا الطبقتين.
ــ يا يابه.. يا بويه.. يمعودين رحمه لأجدادكم تعالوا طلعوا الهذه قبل ما يخبلنه.. صارلي سنة ونص بالتوقيف وراسي يوميه يريد ينفجر من طنين الذبان وهوسة المركز، هلمرة جبتولنه واحد مخبل ومستوي.. ويحجي سوالف ما نفتهمه.
صرخ أحد السجناء بعد أن استمع لما تفوه به كارل ماركس، وراح ينادي على الحرس الواقف جوار الباب أن يأتي ويأخذ ماركس بعيدًا عن غرفة الحبس.
ــ هاي شبيكم يمعودين تره يبين عليه حباب ويريد يسولف.. ما بيه شي.. خوب ما ضربله لو أعتده على واحد.. خلوه خطيه يدردم.. الحجي بفلوس لو مو بفلوس.
ــ عيوني أبو معتز شنو أحنه عايزين لغاوي، حتى يجي هذا الطباكات يفرغ لغوته براسنه. نسيت ذاك الشهر من جابولنه واحد كال أنو هو أستاذ بالجامعة وهم خرط براسنه أسبوع كامل تالي أبأول راشديين طلع يبيع جكاير وشخاط يم جامع الخلاني.
ــ أي ولله صحيح هذا همين بعد راشدي وجلاقين من عريف أحمد راح يبين من يا مله.