ما لـَـــم ْ تقـلــــهُ العصفــــــــوره
شوكت توساصديقنا العزيز جان, حكت لكم العصفورة عني ما حكته بجملة قصيره ثم طارت , وما عليّ الآن إلا أن ألبي طلبك ( غالي والطلب رخيص) لكن ليس قبل ان تعذرني عن كثرة كلامي وطول مقالي ,هذا من ناحيه, ومن ناحية أخرى, كم كنت اتمنى الاقتراب فرسخا من صفة القدير التي استخدمتها العصفوره في وصف هوايتي الرياضيه, تلك كانت امنيه , انما كل ما ربطني بكرة القدم كان هوايه احببتها وعاشت معي مثلما تعيش مع الكثيرين , وجنابكم الكريم يعلم جيدا بأن القلـّه من صبية العراق وشبابه شذوا عن غيرهم في حب الرياضة , خاصة كرة القدم التي تحتل حيزها المتميز في القلوب .
لو بدأتُ حكايتي بمرتع واماكن لهو طفولتي المبكره, فإن ضيق الأزقة المحيطه بكنيسة مسكنته في الموصل كانت تتسع لألعابنا البريئه مع اطفال بيوتات بيداويذ, وعبدوني ,و بهنو وعيسى ابونا وموسى شكوانا وأخرين جاوروا جدران كنيسة المسكنته في أواسط خمسينات القرن الماضي .
عرفتُ كرة اللعب لأول مره , يوم كانت عباره عن كتلة قطع ملابس مهمله نكورّها ونلفها باشرطه مطاطيه من تيوب اطارالدراجة كي تكسبها حركه مطاطيه, لعبنا بهذه الكره في الازقة وفي الروضة التابعه لكنيسة مارتوما ( المسماة وقتها بالمدرسه التهذيبيه) , وروضة القديس عبدالاحد حيث كنا نلقي بها على بعضنا فتتلقفها الاكف والاقدام , لم أتعرف على الكره التي نعرفها اليوم الا عند دخولي مدرسة شمعون الصفا في العام 1956 عام العدوان الثلاثي على مصر, ولأني لم أكن يومها قد أكملت السادسه, رفض مديرالمدرسه المرحوم سعيد ججاوي قبولي في المدرسه , لكن حرص المرحوم والدي على عدم تفويت عام , لجأ الى محكمه مختصه وبشهادة اثنين تم تعديل عمري باضافة بعض الأشهر ليتم قبولي.
مدرسة شمعون الصفا التي تاسست عام 1855 , من المدارس العريقه التي خرّجت آلاف التلاميذ , يقول الاستاذ بهنام سليم حبابه في واحده من مقالاته : ((كان عدد التلاميذ المسجلين منذ سنة 1926 في سجل القيد العام 4760 . وان اول تلميذ سجل منذ ذلك التاريخ عبد الاحد متي الريس(القوشي). اصبح بعدئذ محاسب مديرية طابو الموصل . كما داوم ابنه ايميل في المدرسه)).
كانت كرة المنضده والطائره اللعبتان الاكثر رواجا في المدرسه لصغرالمساحه التي تحتاجها واللتان كانتا تقتصران على طلبة الصفوف المتقدمه ,اما نحن الصغار, فكانت متعتنا اما بالتفرج أوبجلب كرة القماش خفية الى المدرسه لللعب في فناء المدرسة اثناء الفرصه الطويله , مما كان يثير غضب المعلم المكلف بمراقبة ساحة المدرسه اثناء الفرصه لما كنا نسببه من ضجيج وزحمة التراكض, فكان المرحوم الأستاذ جميل قير يهددنا اما بضربات العصا, او بحرماننا من تناول وجبة التغذيه المدرسيه في اليوم التالي.
كان يوم الخميس آنئذ يوما وطنيا نرتدي فيه زي الكشافه لأداء تحية رفع العلم وترديد النشيد الوطني مع موسيقى وعزف كمان المعلم المرحوم يعقوب أسي ,وحال انتهاء مراسيم التحيه ننصرف بكراديس منتظمه اشبه بالعسكريه الى صفوفنا , تلك كانت فعاليه عدا كونها وطنيه وانضباطيه, الا انها ساهمت في ترويض النفوس على حب الرياضة المقرون بحب الوطن .
بعد احداث مؤامرة الشواف في اذار 1959 , تدهورالوضع الأمني في الموصل ليصبح قتل المرء اهون من ذبح دجاجه ,مما اجبر الاف العوائل المسيحيه على مغادرة المدينه الى بغداد والبصره والى قرى سهل نينوى من ضمنها بلدتي القوش التي أعادنا الوالد اليها بعد ان غادرها برفقة المرحومة جدتي (والدته ) وشقيقه المرحوم يلدا وشقيقته المرحومه آنو في 1929 بسبب ظروف ما بعد وفاة والده المبكر(جدي) .
في 1960 التحقت بالصف الخامس في مدرسة العزه/القوش في عهد مديرها المرحوم الاستاذ ياقو شكوانا ,أما معلم الرياضه اضافة الى تدريسه مادة العلوم (الاشياء والصحه), كان المرحوم الاستاذ حبيب صادق شدا المعروف بنشاطه وحبه للرياضة , مع ذلك لم يكن حال الرياضة في مدرسة العزه مختلفا عن مدرسة شمعون الصفا , لكنه إختلف في ثانوية القوش التي انتقلت اليها عام 1962 , حيث اللاعبين وتعدد الفرق الرياضيه في عهدة 0الاستاذ بطرس قاشا) معلم رياضه مواظب ومهتم بكرة القدم و الطائرة والسله و المنضده وبألعاب الساحه والميدان كركض المسافات وقفزالزانة والعالي والعريض والثلاثيه ورمي القرص والرمح والثقل, حيث انتعشت الرياضه في فترة ادراة المرحوم منصورأوده واهتمام الاستاذ بطرس المنسب لتعليم الرياضه في الثانويه بعد انتقال المدرب بهنام فتوحي , والاستاذ بطرس حي يرزق اطال الله في عمره ما زال من مشجعي الرياضه في القوش ويمارس الخفيف منها حفاظا على لياقته وصحته .
كان اغلب لاعبو كرة القدم في ثانوية القوش من أبناء قرية الشرفيه, ظاهره تبدوملفته للانتباه لو قورن عددهم القليل بتعداد الطلبه من ابناء القوش, لست متأكدا إن كان وراء تميّزهم هذا لياقتهم البدنيه الناتجه عن قدومهم الى المدرسه ورجوعهم قاطعين مسافة عشرة كيلومترات اما مشيا او بركوب الدراجات الهوائيه , ام هناك اسبابا اخرى ,المهم من بين لاعبي كرة القدم الذين أتذكرهم في الثانويه ,برخو اوشانا (حاليا كاهن ), ويونان ايليا وشقيقه, واللاعب يوئيل درياوش واخرون لا اتذكرهم لانهم كانوا اكبر سنا ً, اما اللاعبين من قطعي وصفي , كان صديقي العزيز الذي أفتقده دائما, المرحوم الدكتور الآثاري دانيال اسحق ( الملقب منـّو) الذي وافته المنية في لندن قبل سنوات , وهكذا الصديق الشاعر ميخائيل ورده الذي علاوة على اهتمامه بكرة القدم ,كان من الماهرين والموهوبين في ألعاب الساحة والميدان على مستوى ثانويات المحافظه والعراق ,فقد حقق في احدى مشاركاته عام 1966 تسلسلا مرموقا في بطولة ثانويات المحافظات بركضة ال 5000 متر, كما أتذكر ايضا أشقاء اللاعب يوئيل درياوش, شموئيل وجبرائيل وفيليب من ضمن فريق كرة القدم , وهكذا اللاعب المرحوم دانيال خاميس وشقيق له لا اتذكر اسمه , اما الصديق العزيز اللاعب يوخانيس شمعون من سكنة عين بقره , فقد تميز رقم قصر قامته بنشاطه وحيويته , إضافة الى اللاعبين ازريا كوركيس واسحق لاجين وسخو يوسب .
مقابل قائمة أسماء ابناء الشرفيه هذه وهي القليله من كثير , لم يكن في فريق ثانوية القوش لكرة القدم سوى لاعبين او ثلاثه من ابناء القوش لم يستمرا في مشوارهم , وهذا ما أكده الاستاذ بطرس بولص قاشا ,من ضمن هؤلاء الثلاثه كان الصديق الاستاذ منصور بطرس (بيجو) احد المواظبين على التدريب والمشاركه , والصديق المنهدس الاستاذ عبد يوسف بوداغ, (التقيته مؤخرا في سندياغو) الذي شاركنا التدريب مرتين او ثلاث ونتيجة لاصابته ترك الكره,كما اتذكر ايضا مشاركة خاطفه للصديق الاستاذ صبري اسطيفانا(حاليا في القوش) لم يستمر بعدها, معنى ذلك ان فريق ثانوية القوش في الستينات عندما كان يشارك في دوري ثانويات الاقضيه والنواحي , لم يضم اكثرمن لاعبين من ابناء القوش بينما البقيه كانوا من قرية الشرفيه .
في العام 1968 بعد تخرجي من ثانوية القوش, انتقلت للدراسه في جامعة الموصل /كلية الآداب ,حيث اختلاف اجواء المحيط كليا ً والمتعلق منها بمستوى اهتمام الجامعه وكلياتها في النشاط الرياضي وحدة المنافسات التي كانت تتطلب المزيد من التدريب والالتزام لدرجة إشغال الطالب عن دراسته ,لم تنحصر هوايتي في كرة القدم, فقد ازداد ولعي بكرة المنضده في الكليه بسبب جودة المناضد ونوعية المضارب الراقيه علاوة على مجانية اللعب ,اما بخصوص كرة القدم, فقد بدأت منذ السنه الأولى أشارك تدريبات فريق الكليه بعد اقتناع المدرب (يونس) بقابليتي وبفضل تشجيع اصدقاءعرفتهم عن كثب في القسم الداخلي و في الكليه , كالصديق واللاعب رمزي نوري البياتي والصديق المرحوم اشمائيل زيا , واللاعب وليد ولسن , والصديق كوركيس يوسف, فاصبحت العب كمدافع , وعندما استلم المرحوم الاستاذ كامل مشاط مهمة تدريب الفريق (خريج المانيا )المتوفى منتحرا كما شيع فيما بعد ,كان لطيبة هذا الرجل وسمو اخلاقه تأثيرا محفزا على التزام اعضاء الفريق بالتدريب ,وبسبب جهوده تسلق مستوى فريق الكليه الى درجة المنافس المقتدر .
بدليل أن فريقنا في دوري الجامعه عام 70_71 , فاجأ الجمهور بالمستوى الذي قدمه في مباراته ضد فريق كلية الهندسه الذي كان يحمي شباك مرماه السيد روج نوري شاويس ,( اصبح نائبا لرئيس وزراء العراق الجديد ), لن انسى الهدف الجميل الذي سجله المهاجم رمزي نوري في مرمى السيد شاويس نتيجة مناوله سريعه التقطها رمزي مستغلا بذكاء تقدم حارس المرمى قليلا عن مرماه , فرفع رمزي الكرة فوق قامة السيد شاويس الطويله ليسجل هدفا رائعا .
و في مبارة اخرى لفريق كليتنا مع كلية الاداره والاقتصاد عام 1971, كان ابن عمي سعيد توسا, الساكن في اربيل ,قد اتى للجامعه لزيارتي , لم اعلم بقدومه , كان احد الطلبه قد ابلغه باني في الملعب, فجاء يتفرج لحين انتهاء اللعبه , حصل اثناء المباراة أن كلفت بتنفيذ ضربه ,و بدلا من ان اضرب الكره بقدمي ,ضربت نتوءا ترابيا لم انتبه له ,فتسبب في كسرمشط قدمي , والمفاجأه الجميله كانت عند رؤيتي ابن عمي داخل الملعب يتفقدني ويساعدني على نزع الحذاء , ثم اصطحبني و صديقي رمزي البياتي الى باب لكش (بيت سيد توحي) المعروفين بتجبير الكسور, لكني لم اكتسب الشفاء الا في القوش على يد المرحوم المجبـّركريم ياقوندا .
ومن الطرائف الاخرى التي صادفتني ,كانت في احدى مباريات كرة السله بين فريق كليتنا وفريق كلية الزراعه, وبسبب قلة الاحتياط, ناداني المدرب المرحوم كامل المشاط لتهيئة نفسي للدخول بدلا من احد اللاعبين ,كان طلبه غريبا لكني لم استطع رفض تنفيذه, فدخلت الملعب وفي غضون دقائق قليله ارتكبت خمس فاولات ليتم اخراجي . وفي مناسبه اخرى كانت في ركضة البريد ضمن العاب الساحة والميدان , وبسبب غياب احد العدائين, طلب المدرب مني المشاركه, لكني هذه المره ساهمت مع زملائي العدائين في تحقيق المرتبه الثالثه من بين سبعة مجموعات.
وفي العام الاخير من دراستي الجامعيه, تم ترشيحي احتياط رابع ضمن فريق منتخب الجامعه, ولكن لم يتسنى لي المشاركه والسبب كان في طلب الوالدين رحمهما الله, والحاحهم على وجوب نجاحي وتخرجي في الدور الاول بخلاف ما حصل في السنوات الثلاث الماضيه ,فما كان مني الا الابتعاد عن الرياضه وعن بقية المشاغل للتفرغ للدراسه فقط, فتحقق للوالدين ولي ما اردناه في الدورالاول ثم سوقت بعدها للخدمه العسكريه سنه كامله , و بعد تسريحي 1973تم تعييني مدرسا في شقلاوه فمارست فيها هواية القدم والمنضده مع طلبة الثانويه بشكل رغم محدوديته وتواضعه الا انه أسعدالطلبه ومدرس الرياضه السيد محمد علي السماك .
في العام 1972, كان قد تم تاسيس نادي القوش الرياضي بجهود الخيرين من محبي الرياضه والفن والثقافه , لذا كنت اقضي جزء من عطلة الصيف في التردد الى النادي الذي نجح في خلق واقع شبابي جديد في المجال الرياضي والفني والفكري , فكانت لعبة الشطرنج ضيفة جديده استقبلها الشباب وأحبوها بفضل ذوي الخبرة فيها.
في العام 1976 _1977 انتقلت وظيفيا من شقلاوه الى محافظة نينوى , ولنفس الاسباب(السياسيه) التي بموجبها صدر منع السفر بحقي ضمن مجموعة اسماء اخرى في القوش, نـُسبتْ للتدريس في ابتدائية قرية خورسيباط لمدة عامين , ورغم بعدها عن محل سكني في القوش, كنت اركب باصين بكلفة 160 فلسا ذهابا وايابا , مما منحني فرصة المشاركه في نشاطات النادي ليتم اختياري مدربا لفريق كرة القدم في النادي لفتره لم تتعدى السنه , حيث لم تنفك سلطات البعثيين يومها من محاربة النادي وايجاد الحجج لتجميدنشاطاته وإغلاقه بسبب ما كان يشاع عن تصاعد النشاط الشيوعي الشبابي فيه, الى ان تم اغلاقه بعد انهيار المسماة بالجبهه الوطنيه, فخمدت الحركه الرياضيه في البلده نتيجة تفرد اتحاد الشباب والطلائع التابع للبعث في ادارة الشؤون الرياضيه , انقطعت بعد ذلك عن الرياضه خاصة بعد زواجي, عدا مشاركات قليله جدا مع طلبتي في ثانوية تللسقف التي انتقلت اليها لاحقا, الآن وقد كبرنا , لم يعد يسمح العمر باكثر من رياضة ركوب الدراجه والذهاب مره اومرتين في الاسبوع الى مركز رياضي لاجراء تمارين الحفاظ على اللياقه .
أدناه احدى صور فريق نادي القوش الرياضي في العام 1978 .
الواقفون من اليمين:شوكت توسا مدرب الفريق, سمير حكيم, بافل بللو, فارس عوديش, نجمان شبو, ماجد شوكت, جلال حكيم, نوئيل عوديش مشرف النادي /ثم الجالسون من اليمين: ثائر وزي, فارس روفا , شوقي حيدو. فوزي بتوزا, نبيل كريش, كريم بتوزا والمرحوم رباح رمو.
بكل ممنونيه أتمنى ان اكون قد لبيت طلبكم صديقنا العزيز جان يلدا .
حكاية العصفوره وطلبكم من وراء القصد