المؤامرة
يظن الكثيرون بأن رفض " نظرية المؤامرة " معناه رفض وجود مؤامرات سياسية على ساحة الصراعات السياسية المحلية او الاقليمية او الدولية ... وهذا خطأ فظيع ...
عندما نرفض " نظرية المؤامرة " ، فإننا نقصد بتلك النظرية ااذي إخترعها وأوجدها العالم العربي والاسلامي تحديدا ، مفادها ان الغرب يستهدف " العرب والاسلام " في دينهم وفي قوميتهم وفي اقتصادهم طوال الوقت . وان هذه المؤامرة ، في نظرهم ، قائمة منذ قديم الزمان ومستمرة الى ابد الآبدين ....
ان الذين يحلو لهم ان يسمّوا العلاقات الامريكية السعودية مثلا بـ ( التحالف ) يتغاضون عن حقيقة ان السعودية تنشر وتروّج في مؤسساتها الدينية التي تتمتع بمنزلة سياسية رفيعة لـ " نظرية المؤامرة " ، وملخصها ان الغرب يستهدف الاسلام ... وهكذا نجد ، انه رغم العلاقات الاقتصادية الجيدة بين دول الخليج والغرب ، إلآ ان شعوب هذة الدول تكّن كرها شديدا للغرب الى مرتبة القيام بنشاطات ارهابية ضدّه ... وكذلك الحال في باكستان وفي تركيا الآن رغم إصرار البعض على تسمية هذه الدول بحلفاء الغرب .
" نظرية المؤامرة " هذه ، تعني ان الدول الغربية لا عمل لها ولا هم سوى حياكة المؤامرات على المنطقة العربية والاسلامية تحديدا ....
الذي إستفاد من هذه النظرية ( نظرية المؤامرة ) هو الاسلام السياسي في المقام الاول ، وكذلك الحركات القومية ، لأنها كانت الوسيلة الناجعة في استقطاب الجماهير الفقيرة من اجل مآربها السياسية ... كانت وسيلة ناجحة في ذر الرماد في عيون الطبقات الكادحة بتحويل انظارها عن المطالبة والنضال من اجل حقوقها المشروعة ومن ثم استغلالها سياسيا ... ان اكثر الناس تطرفا دينيا في مصر مثلا هم اولئك الفقراء الذين يعيشون في " العشوائيات " او في المقابر ... ان " جهاد وصراع " هؤلاء المساكين موجه فقط ضد اخوانهم في الفقر من الاقباط !!! .. وهكذا نسمع كل يوم عن حرق مساكن الاقباط وكنائسهم .
الذي إستفاد من " نظرية المؤامرة " هم الحكام الطغاة الذين أجادوا في استعمالها في تعبئة الغوغاء والانتهازيين و في قمع شعوبهم وتخوين المعارضة وسحقها .
ومن المؤسف جدا ان نجد من بين الحركات التقدمية ايضا من يؤمن بـ " نظرية المؤامرة " لسببين فقط ، أولهما كان بسبب الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي ، وثانيهما هو فشل هذه الحركات في قيادة الدفة السياسية في بلدانها بسبب " قصر النظر " في سياستها وليس بسبب آخر ...فشلت بعد ان كانت الجماهير الى جانبها ... وكانت " نظرية المؤامرة " عُذرا تُخفي به إخفاقها .
وهكذا... فإننا عندما لا نؤمن بـ " نظرية المؤامرة " ليس معناه إننا ننكر وجود مؤامرات قائمة على قدم وساق بين " المافيات السياسية " في الداخل وفي علاقاتها مع دول الجوار او مع جهات اجنبية ... وهذه متغيّرة بتغيّر الظروف ,
هذا هو مفهوم الواقع ، والذي يختلف جذريا عن مفهوم " نظرية المؤامرة " التي تعني " إننا قوم مستهدفون طوال الوقت من أقوام آخرين " ....
لكننا ، رغم اعترافنا بالمؤامرات التي تُحاك في الداخل ، لا ينبغي ان نضع كل تحرك سياسي ، مهما كان نوعه أو غرضه التكتيكي ، في خانة " المؤامرات " ...
كي أوضّح ذلك ، سأضرب مثلا ... لا شك ان الاخوة الاثوريين " الاشوريين " يخطّطون على كافة الاصعدة من اجل توجّهاتهم القومية ... لكني ، رغم شجبي لتلك التوجهات ، فاني لا استطيع ان اضع ما يفعله الاخوة الاشوريين في خانة " المؤامرة " ضد بقية المسيحيين ... لأنه ببساطة يهدف الى " احتواء " بقية المسيحيين ولا يهدف الى انهاء او حتى النيل من الوجود المسيحي .
لكن التخطيط على الاستيلاء على البلدات المسيحية والمضي في التغيير الديمغرافي هو " المؤامرة الكبرى " بعينها ، لأنه ، وببساطة أيضا ، يستهدف الوجود المسيحي ... وعلى المسيحيين التوحد وايجاد حلا لذلك ..
ان بقاء سهل نينوى مع محافظة نينوى او ربطه بأقليم كردستان يجب ، يجب ، يجب ان يتم اقراره على مبدأ واحد لا غيره ... من هي الجهة التي تتعهّد " رسميا " بإزالة التغيير الديمغرافي ....
اناشد الاخوة المسيحيين ان يتناسوا كرههم ( الشخصي او السياسي ) ضد هذا وذاك ...عليهم ان يركّزوا على شيء واحد فقط .... الذي يحقّق لهم إعادة خصوصية المناطق المسيحية هو الجدير بالاتفاق معه ...
نحن لا نبكي على قوميتنا .... بل على وجودنا ....