المحرر موضوع: عامر موسى الشيخ في الخامسِ والعشرين(2) ........  (زيارة 1167 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


عامر موسى الشيخ في الخامسِ والعشرين(2)


هـــاتف بشبــوش


في ذلك الزمن المرير لم نكن نفهم ماجد لماذا يرتدي هذا الزي ولا هو ربما ، لكن الأحداث تتوالى ، فتجعل منا قادرين على فهم حقيقة هذا الشاب المثير للجدل بالأمس وغدا واليوم ، فنفهم أن الأمر بإرتداء هكذا زي هو الهروب من خوف قد جثم على صدر ماجد دون أن يستطيع البوح به لأحد من أصدقائه ، وتلك هي الطامة الكبرى ، ماجد لايستطيع التفوه أمام الآخرين بما حلّ به وبعائلته فراح ينشد الحرية  بطريقة أخرى عن طريق صرخة الملابس قبل أن يختنق من التعسف والأضطهاد والخوف من رجالات الأمن ، وهذا أضعف الأيمان لدى الشاب الوسيم ماجد .
الكبت هو أساس أمراضنا وعللنا كما ورد في خطابات كل من شوبنهاور وفرويد اللذين عاشا في نفس الفترة الزمنية وتطابقت افكارهم في بعض المجالات فيما يخص غريزة الموت والكبت  والرغبة واللذة . ولذلك تفجرت كل هذه الطاقة لدى ماجد في أول عبثية له فجاءت على هذا الشكل الهيبي ، أي ان ّ ماجد إنقاد الى العبث الذي تبناه شوبنهاور الفيلسوف الشهير الذي له الأصداء الكثيرة في الأدب والفكر ، والذي ساهم في الفلسفة النسبية لماركس ونيتشة وفرويد.
هذا التصرف في نيل الحرية جعل ماجد باقيا على قيد الحياة حتى الآن ، باقيا فنانا بارعا ويجسد الآن فضح النظام البعثي المجرم في اكثر من عمل مسرحي كي يشفي غليله مما أصابه من حيف وضيم وهذا بحد ذاته ذكاء كبير من قبله في هذا الباب ، والذي جعل منه أن يتجاوز مرحلة خطيرة عاشها بين ملاحقة رجال الأمن له ، كادت أن تطيح به هو الآخر فيلحق أشقاءه على درب الشهادة لاسامح الله  .
يستمر بطل الرواية ماجد في روايته وبوحه المؤلم فيتذكر أخاه وصفي الذي هو الآخر وسيم ( على فكرة هذه العائلة كلها ذات وجوه وسيمة ، الرب أعطاهم هذه الخصلة ) ، يستمر ماجد في بوحه فيوصلنا الى حفل زفاف أخيه الأكبرالشيوعي الطيب الذكر ( محمد ) في عام 1983 في الخامس والعشرين من أيلول ، وفي هذا اليوم يدخل خفية الشيوعي الهارب من بطش النظام البعثي ( وصفي) ، هذا الشاب رغم الخطورة التي يتعرض لها لكنه لم يثنه ذلك من حضور حفل زفاف أخيه ( محمد) ، فكانت هذه مفاجأة كبيرة لماجد بينما هو يرفع صحون الحلاوة . ثم يغادر وصفي حفل الزفاف وبعد ساعات يُداهَم البيت من قبل رجال الأمن حيث انهم عرفوا بقدومه عن طريق المخبرين السريين أنذاك وما أكثرهم .
ينقلنا ماجد الذي إتخذ دور شهرزاد في القص الجميل هذا ، الى العيد وكيف كان يأخذ مصروف أخوته الصغار وحين يعلم اخوه الكبير المرحوم ( قاسم) فيوبخه على ذلك فيقول ماجد :
(وهما يبكيان بدموع مخلوطة بما جادت به الانوف تتخللها شهقات وكلمات غير مفهومة تندب ضياع العيديات في غياهب جيبي) ..
 تلك كانت أياما جميلة رغم مايشوبها من أحزان متوالية ، هذا هو الطفل العراقي عبر الأزمنة والأنظمة الجائرة في حين انّ الطفل الدنماركي هو الأساس بالدرجة الأولى من ناحية الرعاية الإجتماعية ، يُصرف له راتب شهري منذ ميلاده حتى موته ومهما إختلفت الظروف  .
تنقلنا الكاميرا الروائية الى ماجد وبوحه وهو في الجيش وحرب الخليج وماهي العقوبة التي تلحق بالجندي لو انه غادر الثكنة العسكرية هاربا :
(كان النظام يهيّئ الخلفيات العسكرية لهذا الأمر.... آمراً جنديا مغلوبا على أمره بإطلاق رصاصة على الهارب يتم دفع سعرها من أهله )..


عامر موسى الشيخ في الخامسِ والعشرين(2) ........
بعد الخسارة الفادحة للجيش العراقي يبدأ الجنود بالهرب من ثكناتهم في البصرة وما جاورها بين العبدلي وأم قصر ، حيث يهرب ماجد وأصدقاؤه من وحدتهم بعد رؤيا الموت المحقق أمامهم لو بقوا هناك في ثكناتهم ، أضف الى ذلك الى عدم وجود قناعة لدى الجندي العراقي في القتال ، حيث يشعر الجندي بأنه يدافع عن نظام بعثي قمعي يترأسه صدام وعائلته ، تلك العائلة التي أوصلت العراق الى هذا المآل المتردي الذي لازلنا ندفع ثمنه حتى اليوم .
الكاميرا البانورامية تدور الى ذكريات مؤلمة على لسان شهرزادي يبوح به ماجد حيث حرب الخليج وخسارة الجيش العراقي أمام قوات التحالف وهروب جنوده وضباطه بحالة لم تشهد لها جيوش العالم المنهزمة مثيلا على مر التأريخ . جنود فزعون أضناهم الجوع والخوف تاركون ثكناتهم المميتة فيسلكون الطرق الصحراوية التي تؤدي هي الأخرى الى الموت في حال الضياع وفقدان البوصلة ، رتب عسكرية لجنرلات ومارشالات رميت على الطرق في أضخم إهانة للجيش العراقي . جنود سبعة بقيادة ماجد الجندي الذي يكون لهم دليلاً في تلك الطرق المقفرة الموحشة ، ولو إنه يرفض أن يكون قائدهم لما في القيادة من أعباء كثيرة وانطلاقا من قول البيركامو الكاتب الفرنسي الشهير (لاتمشِ ورائي انا لستُ قائدا ولاتمشِ امامي أنا لستُ تابعاً امشِ بجانبي وكن صديقي) . الجنود بصحبة ماجد يهربون خوفا من موت محقق في ساحات الوغى الرهيبة ، ورغم كل ذلك أمامهم فرق الأعدام التي نصبها الأوغاد لكل من يترك ثكنته ، يعني الموت أمامهم والموت وراءهم فأين المفر ، وما عليهم سوى الإستمرار . يستمرون قاطعين الطرق حيث حريق الآبار النفطية مستمر بسحبه الكثيفة ، ينشطر رفاق الهروب السبعة الى فريقين ، ثلاثة منهم يسلكون الجانب الأيمن قاصدين أم قصر حيث المنفذ إلى البصرة من ثم الناصرية حتى السماوة ومن هناك إلى الديوانية حيث أهل رفاق ماجد وروار. في وصف رائع من قبل الروائي عامرحيثُ يضيف لمحةالتراجيديا والبؤس وكل معاني الحزن على هؤلاء الجنود الضائعين في لجة الصحراء القيضية اللاهبة فيقول :
(هم ليسوا يعقوب بن إسحاق الكندي أو أبا نصر الفارابي  ولا أبا علي بن سينا رواد الفلسفة المشائية عند العرب المتأثرين بمدرسة أرسطو المشائية الساعية لنثر التعاليم وسط اثينا وصولا إلى ملعبها ، لا مطلقا ، هم تائهون , ضائعون ، يريدون الوصول إلى ملعب الميناء حتى يشعروا بأنهم وصلوا إلى مدينة فيها حياة ليقولوا : نحن مازلنا نمارس التنفس في هذه الحياة ، اللا حياة )...
إصرار ماجد على الوصول الى إيثاكاه ( سماوته) كان يأتيه من ذكراه الى إخوته الذين غيبهم نظام بعثي قمعي ، فلابد له إذا ما وصل أن يسحق ببسطاله النتن تلك الرؤوس التي تسببت بغياب إخوته الشيوعيين ( كاظم ، ووصفي ) ، هي إرهاصات تأتي من المقولة الشائعة التي تتردد في هكذا مواقف عصيبة( يوم المظلوم على الظالم أشد ) ، أو إنطلاقاً من مقولة شوبنهاور( الإنسان الغاضِب يلعب دور الغضب والطَـَموح يلعب دور الطُـُموح ، وسط عالم مخيب للآمال حيث الرغبات التي لاتشبِع) .
ماجد وهو في عمق مخاضه وخلاصه من الدكتاتور والعسكرتارية أثناء هروبه من ساحات الوغى  مع الخوف الفظيع من إمكانية عودة الدكتاتور من جديد ، لما في الحالة الضبابية عن العراق ومصيره ، نرى ماجد يتمتع بذاكرة قويه وحنين الى إخوته الذين إنتقلوا الى العالم اللامرئي نتيجة الظلم والسياسة اللعينة فاستشهدوا ، وها هواليوم يتذكرهم ويريد أن ينال من مجرميهم بشتى الوسائل وهذا بحد ذاته هو الكبوت الرهيب الذي أصيب به اغلب العراقيين الشرفاء نتيجة الضغط النفسي من جراء سياسات هوجاء. ، لكننا نرى ماجد يتحرك بفعل ماقاله شوبنهاور ( إن الإنسان سليم العقل هو بالتحديد ذاك الذي لايحتاج الى النسيان ) ، وهذه حقيقة فرويدية ( الصحة الحقيقية للعقل تكمن في كمال الذاكرة ) ، ولذلك ماجد إستخدم الذاكرة كصنارة أراد بها صيد أولئك من تسببوا في قلقه وعدم راحته وقتل أخوته . هذه الحالة تسمى الفلاش باك أي الرجوع الى الخلف عن طريق الذاكرة ، حصلت مع سلفستر ستالون في الفلم الشهير رامبو حين يسرّح من الجيش ويجد نفسه عاطلاً عن العمل فيتذكر مافعله هناك ويلعن كل من تسبب في تشويهه من الداخل فيقوم بالإنتقام تعبيراً عن حقده وعطالته ، رغم ان الفلم يظهر البطولة الأمريكية بشكلها الإنساني المغاير لقباحتها الحقيقية .
ماجد يصل السماوة بعد إن يتذكر كل شخوصها بدكاكينها وطرقها الشائعة وأصدقائه ، فيصرخ مع نفسه من شدة فرحه حين الوصول ( أنا حي في السماوة) ، يعني هو موجود ، مازال يفكر في هذا الكون الظالم والمرير رغم كل المستحيلات التي مرت به وأصبحت طي الماضي ، وعليه أن يستعد لمرارات اخرى في هذا الوطن المبتلى حيث تبدأ الإنتفاضة عام 1991.
(انها نهاية الحرب ، مع بداية لحرب أخرى ، انها الانتفاضة ، انه الهروب الجماعي إلى ذات الصحراء ، الى المخيمات المشيدة في الارطاوية ورفحاء ، الجنود الاسرى عادوا ، الاهل هربوا ، الحرس الجمهوري قمع الجنوب ، قمع الناس ، الباقون ، اما شَيبة ، او قتلى في المقابر الجماعية) ...)

مع كل هذه الآلام يتذكر ماجد تلك الضحكات العالية لأخيه ( كاظم...يوسف عرب) في تلك الأيام السبعينية ، وكأنها لازالت تدور في البيت مع كل الهواء الداخل في رئتيه ، ضحكات غير آبهة بالخطر المحدق به ، ضحكات كانت تفزع لها أمه فتذهب لتتأكد إذا كان الزقاق يخلو من رجال الأمن . كاظم المناضل الشيوعي يهرب الى الناصرية وهناك يكمل الدراسة الأعدادية حيث ينام في سيارة رف روسية عاطلة ويعمل كي يقيت نفسه ، ثم يدخل الجامعة التكنلوجيه التي يتركها بعد مطاردته من قبل الأمن الى الكاظميه حيث أكثر الشيوعيين المطاردين هناك ( جمال وناس ، جودي ، زهير عمران ، خالد ديبس ، محمد وروار ، باقر ملك) . بعد هذه يترك بغداد ولم يره أحد سوى أنه قال لماجد مودعا إياه :( سيأتي اليوم الذي تعرف فيه لماذا انا على هذا الطريق ، يا ماجد ان المسيحي يمكن ان يصبح مسلما ولكن المسلم لا يمكن ان يتحول مسيحيا ، يا ماجد اريدك ان تكون كذلك ، قالها ، ورحل).
ينقلنا البوح الشهرزادي على لسان ماجد الى ( وصفي) الأخ الأصغر من كاظم وأكبر من ماجد ، كان هو الآخر مناضلا منذ إن كان عمره سبعة عشر ربيعا ، يدخل الادارة والأقتصاد 1981ويبدأ نشاطه مع الكثير من الطلاب ( محمد جعاز، موفق صبحي ، ناجح صدام ، طلال محسن ، ناجي الصفار وسامي الجبلاوي وغيرهم) .النشاط السري لوصفي في بغداد ولقاؤه مع الشهيد عبد الحسين كحوش ، وبصفته حلقة الوصل بين أهله وكاظم أخيه في الشمال الذي كان يقاتل مع الأنصار الشيوعيين هو الذي قاده الى حبل المشنقة وهو في عمر الثالثة والعشرين . الأنصار كلمة أطلقها ايضا اليوناني الشهير ( كزانتزاكيس) في روايته المسيح يصلب من جديد على الثوار الذين كانوا يقاتلون الظلم في أعالي الجبال .
في قرية (سويلة مش) في السليمانية كان كاظم( يوسف عرب) قائدا لمجموعة من الأنصار تقاتل ضد عصابات البعث ، وفي نفس الوقت كان وصفي في بغداد يخطط لإغتيال صدام حسين مع الشهيد عبد الحسين كحوش .
يُلقى القبض على كاظم ( يوسف عرب)في سويلة مش بعد أن يحاصر هو ومجموعته ، يعذب ، يُقطع لسانه فيبصق بوجه الجلاد ليكون البصاق مضمخا بالدم  تقلعُ عينه الأولى ثم الأخرى وهو يبصق مرة أخرى بوجه مجرميه حتى أمطروه بوابل من الرصاص فيموت ضاحكاً باسماً مستهزئاً صارخا بهم (إننا لانرهب الموت /ولكن ياجميع الأصدقاء / ياجميع الشرفاء/إرفعوا أصواتكم من أجل شعبي/إننا نطلب من أعمالكم /صيحة حبٍ ورصاصة ....سعدي يوسف) .
يموت كاظم فتنتهي صفحة النضال المدوية في الخامس والعشرين من أيلول لكن صفحة الذكريات باقية عبر الأجيال لاتمحى مهما مرت الأعاصير ، يموت كاظم وفي نفس اليوم تشاء الأقدار أن يتم عرس الآخ الأكبر ( محمد)  في العام  1983وكأنّ الحياة تقول بلسان حالها : ( أنا لن أتوقف... هناك موت وهنا ميلاد )، والموت نهاية بيولوجية فحسب ..... لكن الحياة تستحق التخصيب والتخليد ، فيا أيها الأوغاد إن أردتم إطفاءنا فنحن باقون . يدفن كاظم في سفوح الجبال ، على يد إمرأة كردية وهي أم لصديق كاظم ( آراس) الذي صعد هو الآخر الى سماء الشهادة ، فتدفنهم سوية وتترك مسافة لقبرها لو ماتت في قادم الأيام ، فيكون كاظم مطمئنا هانئا في نومه الأبدي بين الأم وإبنها ، ما أروع هذه البطولة وما أعظم هذه الأم التي حفظت هذه النهاية البطولية بدفنها الكريم . يموت كاظم وهو يحاكي الإنسان في عشقه واحتراقه ، يموت الميتة الجميلة التي تليق بجمال وجهه وزرقة عينيه ، يموت ثائراً ويسقطُ واقفا باسما هادئاً كهدوء بطل الفلم السوفيتي( الحرية تلك الكلمة الحلوة) . ومن يزور قبر الشهيد كاظم اليوم سيراه يصرخ بالورد وبدع الورد وجمال الورد . و سيرى ماقاله الكاتب الإنكليزي الشهير شكسبير مُجَسدا بشكلٍ جلي (الهدوء المقدس الوحيد هو هدوء الموتى ) . فمابالنا إذ نرى هدوء الموت لثائرٍ تصرخُ عيناه بزرقة السماء ، ألا وهو ( يوسف عرب)  .
 وصفي وروار كان يتخذ بيتا مقرا له في مدينة الثورة مع رفيقة قد إستشهد زوجها على أيدي رجال الأمن ثم بعد ذلك في بيت أم نصير في اليرموك ، المرأة الشجاعة التي أحبته مثل إبنها ، لكن أصابع الخيانة قد أوقعت بوصفي عن طريق إمرأة أخرى كانت معه في درب النضال السري :
(المرأة التي اسمها (نادية) الشقراء زوجة الرفيق قد قطعت موعدا مع وصفي عند الساعة السابعة صباحا امام مستشفى اليرموك غدا من أجل التهيؤ للقيام بالهجمة ، حيث سيمّرُ صدام من ساحة التحرير عابرا جسر الجمهورية ليصل إلى القصر الجمهوري  ، وقبل التحويلة التي في بداية شارع الزيتون  ستتم عملية تفجير العبوة الناسفة على رتل صدام حسين عند مدخل العلاوي) ...

لكنّ هذا لن يتم إذ تشي به الفتاة الشقراء مثلما وشت بعبد الحسين كحوش وفتاة أخرى إسمها وصال ، ففي السيارة حيث تواعد معها للقيام بإنجاز مهمة الأغتيال يطوّق من قبل رجال الأمن ويلقى القبض عليه ويرحل الى الشعبة الخامسة وهناك يلاقي البطل الشهيد عبد الحسين كحوش ، وأثناء التعذيب الرهيب يُطلب منه أن يعترف كي يُخفف الحكم عليه كي يعيش الحياة بما فيها من مغريات لكونه صغير السن ، لكنه يرفض وكأنه يتذكر ذلك الشخص (الذي حُكم عليه  بالجلوس على أسفين فقال للقضاة ، سوف اُخترق ولكن هذه مجرد حادثة وسوف نواصل نقاشنا في الأبدية .... الشاعرالأرجنتيني الشهير بورخيس ). يعذب ويضرب ويركل و تقلع أظافره يسيل الدم من جسده العشريني ، جسده الطري والمعافى ، أمام سجانيه المتعطشين للدماء كما قالها يوما أحد النازيين ( الدم عصيرُ مميز) ، وآخرُّ يقول ( إنّ الحياة نفسها لايمكنها أن تتنفس بدون أذني)  فما أقبحكم أيها الأوغاد ، أيها المصاصون . وفي لعبة محكمة قذرة ، يجهّز وصفي الشقي القوي البهي ليعدم في ليلة عيده الواحد والثلاثين من آذار في العام 1984 في القباء المخيف بعد وقفة بطولية صامدة أكبر بكثير من عمره البالغ أنذاك الثالثة والعشرين ، يستشهد الفتى الصغير والجميل وصفي ومعه حاصل العالم الذي لايُطاق ، يموت لينشد أغنية المناضل المعذب ، يموت وكأنني أتخيله يُردد على شفتيه ( أتطلّع بسعادة الى موتي )، وما بوسعي سوى أن أقول على هذا الموت الفتي والتراجيدي الهادر لوصفي الوسيم ( يازمان...... غريب يازمان).
تشاء الأقدار أن يكون عامر موسى كاتب الرواية في مصر لأغراض الدراسة في عام 2016 فيسمع بخبر إستشهاد الأخ الثالث لماجد وروار وهو المقدم اليساري( علي وروار) يستشهد وهو يقارع أيضا كما ( كاظم ووصفي) فلول البعث الدواعش بعد إن إرتدوا أقنعة الدين .
كلمة أخيــــرة:
أستطيع القول انّ الروائي عامر إستطاع أن يرسم لنا فنتازيا ذات قدرية عظيمة في سرده الروائي ، تلك القدرية التي لها شأن عظيم بين موت الأخوين وأعراس تخصهم بالصميم ، حيث يتزامن موت المناضل كاظم ووار مع عرس أخيه محمد في الخامس والعشرين من أيلول . ويتزامن موت المناضل وصفي وروار مع عيد الحزب الشيوعي الذي جاد بنفسه من أجله ، حيث يعدم في ليلة الواحد والثلاثين من آذار . فهذه بحد ذاتها رسالة الى الطغاة من ان ّالحياة تستمر مع الحب ، مع الأفراح والتناسل مهما نشرتم الذعر والموت .
هناك رسالة أخرى في الرواية مفادها : إذا أردت أنْ تقتل مخاوفك عليك بتدوينها ، فكان الخوف بالنسبة لماجد سجنا رهيبا قيّد كل حركاته وإبداعه ، لكن اليوم , ومانقرؤه في هذه الرواية  فهو إعلان من ماجد من انّ تلك المخاوف الجاثمة على الصدر قد أطلق عليها رصاصة الرحمة لحظة كتابتها والى الأبد رغم إنها جاءت متأخرة .
كما وإنني أرى من خلال مارسمه لنا الروائي الجميل عامر حول مصير الإخوة الثلاثة ( كاظم  ، وصفي ، علي ) إنهم ماتوا واستشهدوا جميعا في أرضٍ غريبة ، بقعة بعيدة عن ديارهم وميلاد صرخاتهم الأولى ( السماوة) ، ماتوا ناضحين تلك الغربة الأليمة والفراق العظيم ، ماتوا لكنهم أصبحوا أكثر حياة ً بعد مماتهم  ، ماتوا وكأنهم يجسدون ما أراده الثائر البوليفي ( جيفارا) حين يقول :
(لايهمني أين ومتى سأموت بقدر مايهمني أن يبقَ الثوار يملؤون العالم ضجيجا كي لاينام العالم بثقله على أجساد الفقراء والبائسين المظلومين) ).

عراق/دنمارك