ديك الوالي
كان يا ما كان في حاضر الزمان , كان هنا و هناك و لا زال مدينة واليها يحكم شعبه بقبضة من حديد , كان الناس في تلك المدينة يخشون الوقوف امامه , لا بل كانوا يتحاشون حتى ان يذكروا اسمه , فقد كان جلادا" , قاسيا" لا يرحم .
روي عن ذلك الوالي انه كان يملك ديكا" جميلا"مدللا" , يحبه و يرعاه كاحد ابناءه ان لم يكن اكثر . كان لذلك الديك صوتا" مجلجلا" , قويا" , حادا" تقشعر منه الابدان , كان كعادته ينهض كل صباح و قبل بزوغ الشمس , يأخذ مكانه فوق احد ابراج القصرالعاليه متبخترا" مغرورا" بذيله الذي يشبه ذيل طاووس بري انيق , كيف لا و هو الديك الوحيد في المدينه و هو من حاشية الحاكم الواحد الاوحد . يبدأ بصياحه المعهود كما كل صباح , و على صوته يستفيق اهل المدينه , هذا متذمر و ذاك منزعج و اخر يكيل الشتائم للحاكم بهمس لئلا تسمعه زوجته فتشكوه فيلقى مصيره . كان ذلك الديك مصدر ازعاج للمدينة باسرها . بقي الحال على حاله و اهل المدينة يعانون الامرين , صوت صياح الديك الاميري من جهه و قسوة الامير الحاكم و بطشه من جهة اخرى .
ضاق اهل المدينة ذرعا" بهذا الديك و بصوته المقزز النشاز ولم تعد لهم قدرة على تحمله اكثر فاتفقوا على ان يتوسلوا حاكمهم عله يستجيب فينقذهم منه .
تجمهر الناس امام احد اسوار القصر حيث يلتقون حاكمهم كما في كل مره , وقفوا صامتين , خائفين من هذا اللقاء الذي يختلف كليا" عن ما سبق, و ما ان اطل عليهم من شرفته العاليه حتى انطلقت زغاريد النسوة و علت اصوات الرجال , عاش الامير , عاش الامير , عاش الامير . حياهم بكلتا يديه ثم بدأ الكلام بنبرة ناعمة ماكرة مل الشعب من سماعها كاسطوانة مشروخة , كالعاده انهى كلامه بسؤاله العقيم عن ما يشغل الناس او يعكر حياتهم في هذه المدينة المغلوبة على امرها .
يا صاحب الزمان , صاح احدهم , لنا عندك رجاء و طلب , فاعطنا الامان و أأذن لنا بالكلام , اجابه الحاكم , تكلم و لك الامان . قال الرجل يا سيدي ما نحن بحاجة الى شي بفضل الله و فضلك و لكننا سئمنا من سماع صوت ديكك كل صباح , أما تأمر باسكاته لينعم اهل المدينة بنومتهم ساعة الضحى , اجابه الحاكم , لك ذلك , لن ادعك تسمع صوت هذا الديك مرة اخرى و أمر بذلك .
تفرق الجمع فرحا" بما انجزه فقد زال هذا الكابوس المسمى بديك الوالي , تلك الليله نام الجميع و هم في نشوة انتصار باهر على ديك مشاكس , استفاقوا صباح اليوم التالي دون اي يسمعوا نغمات النشاز.
نام اهل القرية في الليلة الثانيه لكن صباحهم لم يكن كما ارادوه فقد افاقهم صوت صاخب لصياح الديكه من كل حدب و صوب ,كيف لا و قد خلت الساحة لهم بهد غياب ديك الوالي الذي كان كالغصة في حلوقهم , أما الان لم يعد هناك من يخرسهم و يعيدهم الى قنهم كالدجاج, فبغياب كبير الديكه تظهر انصاف الديكه .
ندم اهل المدينة على ما فعلوا و راحوا يتوسلون الحاكم ليعيد ديكه المدلل الى مكانه من جديد , فصوته النشاز افضل من الفوضى العارمه التي خلقتها الديكه في المدينه , فامر الحاكم , وكان لهم ذلك ...سكتت جميع الديكه الا ديك الوالي .
من له اذنان للسمع فليسمع .