حنين ُ العودة بنا الى كهنوتيات العصور المظلمه ظاهرة عاقه لم تعد تطاق
شوكت توسا ســُميت بالمظلمه , خلافا لأولئك الواهمين بأن خلاصهم وفردوسهم معلّق بنور الأنواط والأوسمه التي نالتها المؤسسه الكنسيه عندما تسلطّت على تفاصيل الحياة كما فعلت في اوربا العصور الوسطى , يوم كان التعلم والتثقف حكرا على رجال الدين و طبقة النبلاء ولم يك نصيب العامة المؤمنين أفضل من نصيب العبد الذي تربى على جهل كل الأمور إلا من ثقافة تأدية ما يريده منه الإقطاعي النبيل والخشوع الخانع امام ما تمليه عليه سلطة الدين الروحيه ,فتحكمت باقداره ذلة التبعيه وقوة شعوذات الغيبيات الخارقه التي اعتمدتها السلطه الدينيه من اجل فرض نفوذها للتحكم حتى في خصوصيات وطرق تفكير هذا الإنسان. كانت بحق وحقيقه غـُمـّة ٌ سوداء خيمت قرونا ً طويله فوق سماء اوربا لم تــُزح ولم ينبلج النور , الا بمشاعل النخبه الواعيه التي أشعلت الظلم مصابيحا ً للأجيال ,فعاد للانسان مقامه وأعطي للدين حقه كمجرد قصه شخصيه بين المخلوق وبين ما يؤمن به دون وسطاء, هكذا استبدلت القوانين المجحفه بأخرى معتدله ارضت الناس ثم الخالق .
بقراءه متأنيه لبعض تغريدات بابا الفاتيكان الحالي , يستشف المرء منها فلسفة عابره لسذاجة الايمان المقولب , والهدف منها استرداد هيبة الانسان المستلبه وإصلاح العقليه التي اختزلت واجباتها الروحيه في ادارة صراع العقائد المتناسله وتفقيس المذاهب وتعدد التفاسير كي يصح على اساسها ضرب مناوئيهم بجريرة الهرطقه والالحاد , قد لا يتقبل العقل المقولب مثل هذه الفلسفه(البروتستانتيه) التي منها انبثقت فكرة دعم حكم السلطه الزمنيه العلمانيه بتحريرها من كابوس سلطة البابا اللامحدوده التي تجاوزت مهمة الخادم لشعبه المؤمن , فبدعم السلطه الزمنيه انطلقت الشراره بأتجاه تطبيق نظرية فصل الدين ( كسلطه روحيه) عن الدوله ( اي السلطه الزمنيه) التي قضّت مضاجع الظالمين بإسم النبل والدين لكنها اشفت غليل سواد المتهمين جورا بالهرطقه والالحاد , فانفتحت أفاقا لحقوق سبق و طمستها كبسات الناهين عن المنكر من اصحاب الفكرالذي ما زال معشعشا في عقلية المؤمن الشرقي وعلى اساسه ينظر الى المنتمي لغير دينه او مذهبه كنظرته الى الملحد الذي لم يلحد هو أصلا , لكن رؤيته لمتطلبات التعايش البشري قادته الى مطالبة رجل الدين بعدم استغلال درجته في تلويث نقاء وسكينة الروحيه المفترضه في هياكل ومعابد الصلاة .
مطالبتنا من رجل الدين بتقنين خطابه الديني , ليس المقصود منها ترتيش طريقة تدخله في السياسه ولا هي اعترافا بحاجتنا الى خطابه في مراحل تحقيق تحريرنا النوعي من ثقافات وقيود ساهمت مؤسسته الدينيه في ترسيخها , والامثله على ذلك لا تعد ولا تحصى لو خضنا بتاريخ ظهور الاديان ودورها في تفريق البشر وتقسيمهم الى ملل ونحل ثم إقحامهم في حروب تحت ذريعة الدفاع عن الدين والمذهب .
ما يخصنا في كل ما ادرجناه أعلاه , هو التعريف عن كثب بنمط خطاب كبار رجال ديننا المسيحيين مدى العقد والنصف المنصرم في العراق. حيث قلما (اشدد على كلمة قلما) شهدنا خطابا دينيا جامعا بنقاء وفلسفة المسيحيه الحقه إلا وكانت صبغته تاجيج المعتقد المتمذهب وحشره في الشأن السياسي ( القومي على الأغلب)من منطلق ان من حق رجل الدين قول كلمته في السياسه كما قال غبطة البطريرك ساكو .
من اجل تقريب صورة هذا الدور, سأطرح امثله لتصريحات مسجله و أخرى مرئيه لبعض كبار رموزنا الدينيين لا يتحمل وضوحها اي تنعيم او تبرير حتى في تشبثنا بردات فعل الاشخاص المدنيين مثقفين وطنيين كانوا او ساسه قومين علمانيين , لان تقييمنا لخطاب رجل ديني بدرجة اسقف من خلال مقارنته بكلام اي شخص دنيوي كلام لا يقبله العقل , من الجائز والممكن ان نعتمد ما قاله ميكيافيللي في نقد او تقييم كلام سياسي مدني , ولكن نعتمد ماذا لتقييم كلام ( ما ينلبس عليه ثوب ) صادر عن رجل دين بدرجة الاسقفيه التي يمتلكها توما داؤود مثلا ,نحن حتى حينما نعاتبه او نطالبه بتقنين خطابه كونه رجل دين , فذلك اضعف الايمان ازاء خطورة كلامه التحريضي الذي يكاد يعود بالضرر على امته المسيحيه , كل ما نطق به مطراننا السرياني لم يوحي الى كونه رجل دين حامل للواء رساله جوهرها المحبه والايثار, لا بل كان ظهوره بمظهر العاجز والفاقد للحجة واضحا جدا حتى في التوفيق بين اعتراضه ( السياسي القومي) , وبين رسالة المسيح السمحاء . فجاء كلامه مؤذيا لابناء شعبه المسيحي .
المصيبة اننا ازاء حاله هي ليست الأولى , بل لدينا العديد من قبيل عشوائيتها وخطورتها , فعلى سبيل المثال, في حزيران 2005 كتب غبطة زكا عيواص الأول , بطريرك السريان في العالم , مقالة نشرتها جريدة النهار اللبنانيه تحت عنوان " الاسلام والمسيحيه تكامل تاريخي في بناء الحضاره العربيه" , يقول فيها غبطته:( نحن كشعب عربي واحد, دم العروبة يجري في عروقنا..., لنرفع راية العروبة عاليا) .
ثم وعلى خطاه , تكرم المطران متي روهم رئيس ابرشية السريان في الجزيره السوريه مقلدا بطريركه قائلا ((.. السريان عربا ً ينتمون الى قبيلة تغلب العربيه)), يا ترى كيف يكون الهراء ؟ كلام من نصدق ؟ هل نصدق كلام الذين اعتبروا السريان عربا ام كلام المطران توما داؤود الذي اعترض من لندن واتهم السيد يونادم كنه بتهميش الحق القومي للسريان؟.
نعم كارثتنا تتعاظم عندما يأتينا الخطاب السياسي ملفوفا بدراعة الدين والمذهب , تلك لعمري ظاهره سيظل الدفـّاع لثمنها هو الشعب الرازخ تحت وطأة مثل هذه الجنجلوتيات التي يدافع البعض عنها مع الاسف , ففي عام 2006 على سبيل المثال, وضمن لقاء لقناة عشتار عام 2006 مع المرحوم الكاردينال عمانوئيل دللي بطريرك كنيسة الكلدان في العالم , أفتى غبطته فتوته المشهوره قائلا : إن الكلداني الذي يقول انا اشوري فهو خائن, وإن الاشوري الذي يقول انا كلداني فهو خائن ايضا . لا ادري خائن لمن؟ لمسيحيته ؟ أو َ هل من تبرير انساني او نص انجيلي لمثل هذه الفتوه ؟ كم بذرة محبه زرعتها فتوة بطريركنا ليس بين المسيحيين العراقيين, بل بين ابناء كنيسته الكاثوليكيه الكلدانيه التي تضم الألاف من الاشوريين ؟
اما ما شاهدناه وسمعناه في فيديو محاضرة المطران سرهد جمو التي وصف فيها ابناء تلكيف وبقية القرى المجاوره لنينوى بالبهليين لو قالوا عن انفسهم بانهم كلدان !! فهي من الغرابة بحيث سرعان ما انقلب على فتوته وأطلق دعوته المسماة بالنهضة القوميه الكلدانيه التي اتضح سرها وهدفها .
ما زلنا وهدفنا من التذكير بهذه الامثله هو تقديم الادله التي تبرر دعوتنا الى تقنين الخطاب الديني وتنقيته من شوائب السياسه المشوِهه للمقدسات , لذا ارتأينا في اختتام مقالنا التعليق قليلا حول حديث غبطة البطريرك ساكو في لقائه على قناة الشرقية في حزيران 2016 . ادناه رابط اللقاء لمن يود مشاهدته.
https://www.youtube.com/watch?v=HhhWFSE5W6Y في هذا اللقاء تشعب الحديث فتبينت لنا محدودية خبرة غبطته في حبكة قول كلمته في السياسه , وهو القائل من حق رجل الدين ان يقول كلمته السياسه, لكنه اخفق في تقديمنا ككلدواشوريين سريان بالصوره التي تتطلبها عقيدتنا المسيحيه , بالمناسبه انا استغرب من اهتمام قناة الشرقيه السنيه العروبيه بشأننا الديني المذهبي وبتسمياتنا القوميه ,مهما يكن, من حق غبطته كما هو حق غيره ان يصف ممثلينا بالفاشلين مضيفا على ذلك رفضه تشكيل قوات نظاميه خاصة بشعبنا للدفاع عن ارضه وتاريخه وحتى قيمه الدينيه , من دون ان نسأل غبطته عن مقومات الممثل الناجح في عراق اليوم, فالفشل ليس مقتصرا على ممثلينا , ولكن هل فعلا هناك اشتراطات دينيه معينه تحدد شكل وتوقيت الدفاع عن النفس و الارض والدين في حاله كحالة عراق اليوم؟ ليتنا كنا قد سمعنا او قرأنا بأن غبطته سبق و قدم صيغة حل او مقترحا عمليا لانقاذ شعبنا ومنع وقوع النكبه التي حلت به, كي نتهم وننتقد الممثل الذي اهمل مقترحه ولم يعمل به, ان الذي حل ّ ببلداتنا وساكنيها سببه غياب الاجهزه والهيئات الدفاعيه الرسميه مضافا اليها ممانعة الأوصياء لفكرة حماية انفسنا بأنفسنا لاننا اهل ذمه ضعفاء في نظرهم, فتخلى عنا الاوصياء ( جيشا واحزابا وبيشمركه) وجرى لنا ما جرى .
احترامنا لدرجة غبطته له ما يبرره دون شك , فمثلما سبق و وصفناه بالكاريزمه بناء على تصريحاته المبكره الداعيه الى التآلف والتوحيد , يحق لنا ايضا الاعتراض على حجم الكلمه التي يحق لرجل الدين قولها في السياسه ( غبطته قال ذلك ) بالشكل الذي يربك افكارنا ويخيب آمالنا المبنيه على الخطاب الديني الجامع ,لم يكن هناك اي انسجام بين كلمته في السياسه وبين دعواته التوحيديه المبكره , لا بل تناقضت والنزعه الوطنيه التي إعتدنا سماعها من غبطته , لذا ليس غريبا ان يستهجن المرء تسارع دخول غبطته بهذا الشكل في ماراثون التسابق مع مسؤولينا السياسيين وممثلينا في تبني مشاريع ستسحبه عاجلا ام آجلا الى اطلاق تصريحات تفتح عليه أبوابا لا تليق بمقامه , ولأن المعروف عنه تكرار رفضه لفكرة التدخل في السياسه, يا ترى من الذي يحدد سلامة و فائدة هذه الكلمه التي ستقال بالسياسه , وهل هناك ما يمنع تمددها صوب فرض خطوط العمل في السياسه ,لنفترض تأييدنا لمشيئة غبطته في قول كلمته في السياسه كما تفضل, لكن ألا يتطلب قولها حنكة ودرايه لدرء شعبه المسيحي ورابطته الفتيه من اي ضرر او خدش, وهل للرابطه مصلحه او فائده من تكرارالقول وعبر وسائل الاعلام بان تعداد الاشوريين في العراق لا يتجاوز العشرة الاف؟ او القول بانه لا يوجد اشوريين في سهل نينوى, في حين غبطته اوضح لمقدم البرنامج باننا شعب بيثنهريني واحـــــــــــــــــد مؤكدا ذلك بشرحه لكيفية اكتساب ابناء كنيسة المشرق للتسميات القوميه وشارحا صعوبة التأكد من انتساب الكلداني (جينياً) الى سلالة نبوخذنصر وهكذا انتماء الاشوري الى سلالة اشور وسنحاريب , اذن علام اثارة الارقام وتقسيم المسيحيين على اساس انتسابهم للتسميات القوميه ؟ هل هكذا تتحقق الألفه بين المسيحيين ؟ ام ان في ذلك دعم معنوي اوسياسي للرابطه الكلدانيه وهي في بدايتها؟ عذرا , صياغة الكلام بهذا الشكل لا يعزز الألفه بين ابناء كنيسة المسيح , بل الفرقه والمشاحنات ستزداد عندما يصف غبطته فئه من مؤمني مسيحييي الكنيسه العراقيه ( الاشوريين) بالتعصب ويمتدح فئة أخرى( الكلدان) كونها غير متعصبه وبسبب ثقافتها الواسعه اعتادت الوقوف مع الجانب الحكومي ولا شان لها بالمسأله القوميه , بصراحه مثل هذا الكلام يحتاج لاكثر من علامة استفهام وتعجب امامه.
ولأننا نحترم رجال ديننا جميعا, كونهم يمثلوننا روحيا, ولكي يرحب بهم اينما حلوا ونزلوا , عليهم تقنين كلامهم بإبعاده عما يربك مؤمنيهم و يغوّش مهمتهم الروحيه.
الوطن والشعب وراء القصد