المحرر موضوع: الشاعر المغربي أحمد لوغليمي وزهرة الأرطانسيا  (زيارة 1394 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خالد جواد شبيل

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 70
    • مشاهدة الملف الشخصي


الشاعر المغربي أحمد لوغليمي وزهرة الأرطانسيا
خالد جواد شبيل

قبل عام ونيّف كتبت سلسلة مقالات " من الساكورا الى الهايكو .." وكنت قد خصصت الحلقة الثالثة عن تجربة الهايكو لدى الشعراء العرب ابتداءً من جذورها في الستينات، كتجارب خجلى فردية الى ما وصلت إليه الآن من شيوع وانتشار بين تجارب الشعراء الذين مدّونا بفيض من تجاربهم المتفاوتة وفقاً للفروق الفردية والتجارب الشخصية لهم، ولاحظت زحف قصائد الهايكو على قصيدة النثر، وزدت أن عدداً من "شعراء النثر" قد يمم وجهه نحو الهايكو، ووجدت بعضاً آخر قد اقتحم عالم الهايكو الشعري ممارسة و ترجمة ومن الصنف الأخير هو الشاعر المغربي أحمد لوغليمي..
.. 
ويومها حسبت أن الشاعر لوغليمي في عقده السادس أو السابع، وذلك لنضج تجربته الشعرية، ولتعدد نشاطه الكتابي شعراً وترجمة، ونشره في أمهات المجلات الثقافية الأوربية، وكذلك العربية!
ولد الشاعر أحمد لوغليمي عام 1971 في مدينة بني ملال التي تتوسط المغرب على حافة جبال الأطلس، ولا شك أن هذه المدينة الحديثة الجميلة باخضرارها وبساتينها وحدائقها ومساقط مياهها واعتدال مناخها ونقاوة هوائها، وطيبة ناسها قد فعلت فعلها في خاطر شاعرنا لوغليمي وأرهفت أحاسيسه وشحذت ذائقته الجمالية، فأصبح متلقياً لجمال العربية ومجيداً اللغة الفرنسية (هو مزدوج اللغة) حيث ستتسع دائرة أفكاره ونظرته الجماليه من محمول هاتين اللغتين..فيذهب إلى إيطاليا ليمارس نشاطه الثقافي وليتعلم الإيطالية ويشتغل بالترجمة مترجماً من وإلى: الفرنسية والإسبانية والإيطالية ناهيك عن لغته الأم العربية..
ترجم ترجمات لأعمال أدبية هامة منها "حرير" و" عازف البيانو" للروائي الإيطالي الساندرو باريكو المولود عام 1958 في مدينة تورينو (الأولى ترجمها أيضاً فوّاز طرابلسي).. ترجم مجموعة من الهايكو الياباني، وهذه المجموعة الشعرية " رسائل حب إلى زهرة الأرطانسيا" الاولى له، صدرت عن دار "الغاوون" البيروتية عام 2010 ب 144 صفحة، مع تصميم معبر يعكس بحذاقة محتوى هذه المجموعة، للفنانة مايا سالم. باختصار أن لوغليمي له قدم في الشعر الأوربي وقدم ثانية في الشعر الياباني والقدم الثالثة هي الأفعل وهي ممتدة جذورها سابرة أعماق الأدب العرب، وآخر نشاط له هو مساهمة في لقاء المغرب "موكب الهايكو" في تموز الفارط.   
ولا بأس أن أقتطف مما كتبت عنه في " من الساكورا ..إلى الهايكو العراقي|" في الحلقة الثالثة؛ وقد وعدت أن أتوقف معه وقفة خاصة:
 "الشاعر المغربي أحمد لوغليمي هو الأكثر تميزاً وهو من القلائل الذين خصصوا ديوانا لشعر الهايكو، والهايكو عنده لا يكون مجرد اسم بل هو الأكثر مقاربة من بين زملائه للياباني لدرجة أن مفردات الطبيعة اليابانية حاضرة في شعرها لاسيّما زهورها، وما يؤكد زعمنا هو أن ديوانه الصادر من دار غاوون في بيروت موسوم ب " رسائل حب الى زهرة الأرطانسيا" وزهرة الأرطانسيا Hortensia flower(حرف الهاء لا يُلفظ بالفرنسية) هي زهرة مركبة متعددة الألوان بالأزرق والوردي والأبيض منتشرة في اليابان وكوريا والصين جنوباً إلى إندونيسيا . تتسم أشعاره أيضا بالجودة وحسن الصقل والإحكام معنىً ومبنىً وهاكم بعضاً من ديوانه الذي احتوى على مائةِ وثمانٍ وعشرين مقطعِيَّة من الهايكو:
 استحياء:
لشدّة الأزهار
عدلتُ عن
عبور الغابة.

قمر البركة:
القمر في البركة
تبعثره
 ضفدعة.

غفلة:
نطراتي
 تُدهش شقائقَ النعمان
 في طريقها إلى الكرز.

وما يلفت نظر القاريء أن الشاعر أحمد لوغليمي حرص على وضع عنوانات لكل مقطعية هايكو وبذلك سيسهل على القاريء الدخول الى فحوى النص واستبطان المعنى.
ومن خلال اطلاعي على معظم الشعراء الذين اشتغلوا بترجمة الهايكو ومارسوه بلغتهم الأصلية قد ظهر "التناص" واضحاً بشكل أو آخر، وقد شاب هذا المفهوم كثير من النظرة السطحية حيث اقترن بالأذهان بالمقابسة والتضمين.. وأحسب أن التناص وإن قارب المعنيين السابقين إلا أنه يتميز بالموضوعية و التداخل والتفاعل بين شتى الأنظمة الأدبية بدون قصدية أو انتقائية، حتى أنه يمكنني الزعم بأن لا نص بدون تناص!
امتاز الشاعر أحمد لوغليمي، بأنه يطرح الهايكو بانسيابية ولغة شفيفة ولكنها تبدو لي كبحيرة صافية تسبب لقارئها توهماً في عمقها لتقارب القاع مع السطح، وبذلك يبدو الهايكو عنده مُركباً، بسياق ظاهر جميل يثير المتعة في مساقه الموسيقي الكامن في عذوبة الألفاظ وحسن مؤداها، وكذلك من ناحية المعنى غير المرئي الذي يتطلب اختراق المعنى واستبطانه:
طائر الطنّان:
متأملاً طائر الطنّان،
الواقف في الفراغ
 أتعثر!
وهذا الطائر يحرك جناحيه بمئات الذبذبات في الثانية، فينبعث صوت الطنين، وبهذه الحركات يبدو معلقاً قرب الأزهار يمد نحوها منقاره الطويل ليمتص الرحيق.. لاشك أن منظره سيربك الرائي إن لم يُسقطه!!
عدوى:
أمن شدّة الخردل
تشحبين،
آشجرة الميموزا؟!
هي شجرة بقلية أفرو- آسيوية لها زهور صفراء جميلة ولها أشواك، هي الأكاسيا نفسها إن شئت، ما هذه المفارقة بينهما وإن كان اللون واحداً، بينا لون الخردل حرّيف في طعمه وحاد في رائحته!
حلم باذخ:
أوه... ثمرة العلّيق،
تحلمين كثيراً بالحُمرة،
حتى تسودّين!
أهو الطمع المفرط! صوّر لنا الشاعر المرأة التي خدعتها المرآة بثمرة الفراوله التي لا تني تزداد حمرة وبهاء وحلاوة.. بانتظار فتى أحلام  أسطوري لا يأتي حتى يُذهب الزمن نضارتها!!
بلاهة:
قيضٌ
فزّاعة
ترتدي معطفاً
هناك قول من المأثور العربي يضاهيه أو يضاده والنتيجة واحدة: في الصيف ضيعت اللبن!! إنها المفارقات الحياتية ولا شك!
 سأمرّ سريعا على مقطعيات متنوعة حتى نعطي فكرة جلية عن هايكو الشاعر أحمد لوغليمي:
نجمة سينما:
أمزع عنها قبّعتها،
كنجمة سينما
زهرة الأوكالبتوس
------
حيرة:
أيتها الفراشة،
التائهة في موسم محل
كيف أصنع لك زهرة؟
-----
حياة:
أناسٌ يموتون
أناس يولدون
زهرة الربيع يانعة!
-----
استئناس:
عزلة عميقة
أدنو من شجرة البرتقال المُزهرة،
حيث تدندن نحلات.
------
استيقاظ:
جُلّنار.. جلنار
يستيقظ الرّمان
في صباح الشجرة
----
صداقة 1:
عنّي بشوكك،
أيها الورد،
أنا صديق.
----
صداقة 2:
أسرق من أمامها سنبلةً،
لاتقول شيئاً،
الفزاعة.
-----
في حقل يقطين:
في حقل يقطين،
رأس الفزّاعة،
 يقطينة!
----
لو:
لو أني بلّوطة،
لولدت، بقبعة!
أحسب أنني وأنا أقرأ متأملا فن الهايكو لدى الشاعر المغربي المبدع أحمد لوغليمي، وكأنني أقرأ أنطولوجيا شعر الهايكو الياباني وأن أساطين الشعراء اليابانيين حاضرون: باشو، بوسون،  ميستو، كيوشي، سوسيكي جوشو... بل أراني أجد الأخيرين يابانيين قلبا وروحاً.. وذلك للدفق الطبيعي وللمفردات التي عمر بها الهايكو الياباني، ولحسن التلميح والقدرة الكبيرة على شدّ القارىء الفطن وشحذه وإشغاله بالتأويل والتأمل... سؤال لشاعرنا الجميل أما كان لعناصر الطبيعة المغربية الساحرة بمفرداتها وفصولها ومعانيها أن تثري الهايكو لديك لنلمس روحاً مغربيا عبقاً؟.. تحية لك.
رام كم هنغ
16 ت1/اوكتوبر 2016