كنت شغوفاً لأكتب رسالة النصر للشعب العراقي وللقوات المسلحة الباسلة بالفرحة الكبرى عند القضاء على زمرة داعش الفاسدة وهي ليست فرحة العراق وحسب بل كل الدول العربية التي تقف بوجه الإرهاب الداعشي والدولي. لكن الصاعقة والصدمة هزت كياني، وإذا بمجلس النواب اثبت الطائفي الحضيض في 22/10(اليوم الثامن من المعارك)، باتخاذه قراراً جائراً ظالماً بحظر المشروبات الكحولية بكافة أنواعها (بعد إضافة مادة جديدة) يمنع استيراد وبيع وتصنيع في قانون واردات البلديات. وصوّت عليه بالإجماع والقرار ليس في وقته. بينما هناك ألاف من الملفات المهمة منذ سنوات نائمة في الرفوف لم يُتخذ عليها أي قرار. جاء القرار متزامناً والمعارك على أشدهّا لتحرير الموصل. كان الاجدر ب (نواب الطائفية؛ الشيعية، السنية، الكردية) دراسة الخطط ووضع برامج، ماذا بعد التحرير (وهو الأهم) من إعادة اعمار وبناء وعودة المهاجرين والنازحين وتوفير الخدمات لهم بكافة انتماءاتهم خاصة المسيحيين والايزيديين والتركمان والشبك والطوائف الأخرى. المادة 2 من الفقرة ب، ج؛ تقول: (لا يجوز سنْ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. لا يجوز سنْ قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة من هذا الدستور. القرار يخالف الفقرتين التي تشير الى ضمان كامل للحقوق الدينية للجميع في حرية العقيدة والممارسة الدينية (المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين). القرار يعتبر تضييقاً للحريات الشخصية. لِمَ الكلام المعسول لمسؤولون السلطة الثلاث فهُم عندما يصرحون ويدعّون (بأننا نحترم وندافع عن الأقلية). حضارة وتاريخ العراق جذورها واصالتها مستمدة من هؤلاء (الأقلية). العراق منذ نشوء الدولة عام 1921وصدور أول دستور ولغاية آخر دستور 2005 لم ترى (الأقلية) تضييقاً ظالماً متعسفاً للحريات الشخصية مثل هذا القرار. قانون السياحة العراقي يقول: يتيح لغير المسلمين فقط العمل في هذه التجارة (حصراً بالمسيحيين والايزيديين والصابئة لكن الأخير لم يمارسها)، بعد 2003 جرت أول حملة ضد بيع المشروبات الكحولية في البصرة حين أحرقت ودمرت المحلات وقتل البعض من أصحابها، الحملة قادها مقتدى الصدر. ثم توسعت الى المحافظات الجنوبية، ثم في بغداد حصلت فيها انفجارات وكسرت المحلات في مناطق الغدير وساحة الربيعي والكرادة والكرخ. وهاجمت قوة عسكرية يوم 3/9/2012 محلات بيع المشروبات والنوادي الليلة واغلقتها بعد الاعتداء على أصحابها وروادها. يومها طالب النائب المُعمم في لجنة الأوقاف البرلمانية (على العلاق) بتشريع قانون لمكافحة المشروبات الكحولية. وإذا بخطيب صلاة الجمعة في كربلاء (صدر الدين القبانجي) حثّ الحكومة على اتباع سُنة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقال ما فعلته القوة العسكرية أمرٌ صحيح. داعش شوهت صورة الاسلام بنفس الاسلوب من الآيات والأحاديث، اذن ما الفرق بينهما. انها لسخرية حقاً والسخرية الأكبر سكوت الرؤساء الثلاث للسلطة. لقد قدمت النصوص الدستورية في الدول الإسلامية صياغات متعددة بشأن الشريعة تعد من مصادر التشريع. فكلمة المصدر الرئيسي أساس للتشريع هي أكثر المعاني اقتراباً من معنى المصدر الرئيسي للتشريع، ولو اخذنا نموذج من الدول الإسلامية الكبرى: (إيران) جاء: الإيمان بالله الرحيم (لا إله إلا الله) وتفرد بالحاكمية والتشريع، المشروب مسموح للأقليات الدينية ويمنع على المسلمين وفرض غرامة قاسية. في السعودية دين المملكة الإسلام ودستورها كتاب الله وسُنة ورسوله. في مصر تشريعها، دين الدولة الإسلام لديها شروط حظر تقديم وتناول المشروبات الكحولية تشمل أيام الاحتفالات الدينية، شهر رمضان وليلة الاسراء والمعراج ويوم المولد النبوي ورأس السنة الهجرية ووقفة عرفة، وذلك احتراماً لمشاعر المسلمين. في النظام السابق (زمن صدام)، عراقياً من عائلة الشيخلي حصل على التقاعد وكان موظفاً في بنك الرافدين وأصبح أكبر تاجر للبيرة في بغداد وكان جاري في المنصور، وعراقي آخر من عائلة (الدليمي) تاجر المشروبات وله محل مشروبات في بغداد الجديدة وكان يصدر الويسكي الى إيران وكنت اجهزه بالمواد الثانوية (الغطاء والليبل والقناني والكارتون) ويعبئها ب (ويسكي محلي)، وكان مكتبي في ساحة الواثق (تجارة عامة استيراد وتصدير)، هذا الحدثان لم يكن خلفهما كتل دينية. نواب المجلس الطائفي يعرفون يقيناً ان زراعة الخشخاش الافيون باتت منتشرة في ديالى بمناطق بهرز والخالص والسعدية وبلد روز وقرة تبه في محافظة ديالى ومزارع الخشخاش الممتدة على طول نهر الفرات قريباً من الديوانية. ناهيك عن تجارتها، صرح الوكيل السابق لوزارة الداخلية (كاظم إبراهيم) ان العراق أصبح بيئة آمنة لتجارة المخدرات وان البصرة والعمارة اصبحتا مخزناً كبيراً لأطنان من المخدرات الآتية من إيران. أسألكم؟ ما علاقة التشريع إذا كان أساس أو مصدر، هل المشروبات الكحولية هي لدرء المفاسد؟، ثم من يحدد الحلال والحرام، الله؟ ام الآية (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)؟ تعلمون جيداً بعد حملة البصرة لمقتدى الصدر الكتل الشيعية هي التي اخذت ترعى المشروبات الكحولية وسعرها ارتفع خمسة اضعاف، علماً ان البصرة ومناطق الجنوب اخليت من المسيحية. في بغداد، عناصر من الكتل الشيعة هي التي اخذت ترعى بيع الخمور والكحول وتحمي صالات القمار والنوادي الليلية الفاخرة مقابل مبالغ خيالية، ومن هم روادها؟ لنقرأ الآية 25 من سورة المطففين التي نزلت بعد سورة العنكبوت وهي آخر سورة نزلت في مكة: (يُسقون من رحيق مختوم)، الرحيق من أسماء الخمر وهو ضرب من الطيب، خالص لا شوب فيه. فسرّها ابن كثير: (الرحيق من أسماء الخمر أي يسقون من خمر من الجنة. وفي (الميزان في تفسير القرآن ج25) فسرت: (الرحيق شراب صافي خالص من الغش بأنه مختوم). وفي تفسير الجلالين: (ان أهل الصدق والطاعة لفي الجنة يتنعمون، على الاسرة ينظرون الى ربهم، والى ما أعد لهم من الخيرات، ترى في وجوههم بهجة النعيم، يسقون من خمر صافية محكم اناءه، آخره رائحة المسك، وفي ذلك النعيم المقيم فليتسلق المتسابقون، وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عين الجنة تُعرف لعلوها ب (تنسيم)، عين أعدت ليشربها المقربون ويتلذذوا بها). اما تفسير ابن مسعود وابن عباس فسروها: (أي تسقون من خمر الجنة). مَنْ فسّرَ هذه الآية!!؟ يا نواب الخراب؛ لقد خربتم ودمرتم الوطن، قتلتم، وسرقتم الملايين من الدولار، وهَجّرْتم من المسلمين والمسيحيين والايزيديين والصابئة وغيرهم. وأخيراً اهنئ من الأعماق النائبين جوزيف صليوة وعماد حنا على هذه الوقفة الشجاعة والبطولية مع اخوانهم النواب العراقيين الوطنيين الشرفاء، فهؤلاء الفاسدين اليوم في محكمة الزمن.
الباحث/ ســــمير عســــكر
