المحرر موضوع: كارل ماركس في العراق الجزء الخامس والعشرون  (زيارة 774 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فرات المحسن

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 336
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

كارل ماركس في العراق الجزء الخامس والعشرون

 عندها عاد ماركس إلى رقدته وقد شعر بشيء من الاطمئنان وراح ينتظر بزوغ فجر يوم جديد.
 تضاربت الأفكار في ذهنه، فها هو الآن في وضع قلق وغير مطمئن ولكن في نفس الوقت يشعر بأنه وجد بعض الحماية جراء  تعاطف له ما يبرره، ولكنه وفي حقيقة الأمر يأتي بالذات على حساب شخصيته. فوصمة الجنون للأستاذ قادر وجدت طريقها لتستلب شخصيته الحقيقية عند هؤلاء، ولكنها في الوقت نفسه تؤشر لفترة مظلمة وقاسية استلبت من الناس حتى عقولهم. فالعنف والجنون باتتا صنوين لمرحلة امتدت طويلا، ولم تكن شططًا عابرًا في حياة الكثير من العراقيين، وحين يتحدثون عنها، يصفونها بشتى المسميات لا بل كانت ومازالت عندهم ظاهرة مثلت نموذجًا فريدًا للقسوة والظلم، حتى وإن واجهتهم كل تلك المشاكل والصعوبات في الراهن من الوقت، فإن هناك غالبية لا تريد أن تذهب لمقارنة الماضي بالحاضر، وتصر على أن الحاضر هو نتاج ذلك الماضي وتلك حقيقة بائنة، وقسوتها لا تنكرها عين منصف. ولتفسير العنف والقسوة المجتمعية، نجد أن الماضي له من السطوة والتأثير الكثير. فالصفات العدوانية والعنيفة لها جذورها وتربتها التي تغذت منها، ولكن لا يمكن أن تكون خاصية إنسانية. فهؤلاء الناس لو أتيحت لهم فرصة حياة متجددة إحيائية تطورية ويرفع عن كاهلهم عبء التهديد النفسي وكبت الحريات والعوز المادي، ولو كانوا في وضع مريح يسمح لهم بالتفكير العقلاني، لتغيرت الكثير من طباعهم وقدموا ما يشي لقيمتهم الإنسانية الحقيقية. ولكن مع انعدام كل هذا، فالمواقف الشخصية والثبات والنفرة من التغيرات يشخص عندهم ظاهر ويرسم في إدارة الظهر للعالم وتفريغ العوامل الذاتية في فورات غضب وانفعالات فجائية وعناد في المواقف، ولم يأتِ ذلك اعتباطًا وإنما جاء بسبب الشعور بالتهديد المسلط دائمًا عليهم.أيضا عوامل القلق وفقدان الحريات مما يربك التوازن الوجودي لديهم، ويبعدهم عن حقيقتهم كشعب يعد من أولى شعوب الأرض وبناتها في هذا العالم.
      ***

فتح ماركس عينيه على سعتهما وهو ينظر إلى صديقه إنجلز الجالس جواره على ذات تخت المقهى الذي أتخذه سريرا. كانت مفاجأة غريبة ولكنها أدخلت السرور والارتياح لقلبه وشعر وكأن الحياة ردت إليه لذا قال بنشوة وفرح غامر.
ــ ما الذي أتى بك يا صاحبي؟
ــ استلمت رسالتك وعرفت أنك في مأزق كبير ففكرت أن أقدم لك المساعدة قدر ما أستطيع.
ــ آه كم أنا بحاجة إليك في هذا الظرف العصيب. لم أكن لأعرف من أين سوف يأتيني العون لأهرب من هذا الكابوس الذي تلبسني. يا صاحبي كم أنا فرح بوجودك، دائمًا أجدك جواري وأنت تضع معي خطة خلاص هذا العالم، وتشاركني حتى في همومي ومشاغلي الشخصية، أنا جد فرح بوجودك أيها الرفيق الباسل إنجلز.
ــ لم أمنع نفسي من المجيء إلى هنا والبحث عنك، فقدري أرتبط بقدرك وبتنا صنوين في هذه الحومة. لا فكاك عن بعضنا البعض. أليس ذلك صحيحًا رفيقي العزيز؟
ــ نعم أيها الرفيق.. كنت أنت سندي وصاحبي وأيضًا ملهمي في الكثير من المواضيع.
ــ صديقي ورفيقي ماركس أنت من أكتشف قانون تطور التاريخ البشري وهذه الحقيقة البسيطة والواضحة دائما ما كانت تخفيها وتشوش عليها هيمنة الايدولوجيا، وهي إن الإنسان يجب أولا أن يأكل ويشرب ويجد المأوى والملبس قبل أن يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة والعلم والفن والدين.ألم تلاحظ هذا هنا في العراق.
ــ أعرف هذا عزيزي إنجلز وما مجيئي إلى العراق غير محاولة لسبر غور حركة وتطور التاريخ البشري واكتشاف الحقيقة المتعلقة بالصراع الطبقي وطبيعة وسائل الإنتاج في هذا البلد العجيب الغني بإفراط والفقير بذات المستوى ونفس الوقت، ولكني تعرضت للتشويش وأدخلت في دوامة صعبة ولم تعد لدي قدرة لتلمس وتتبع الأحداث والتطورات، ولم أجد طبقة عاملة بالمعنى الحرفي والاحترافي للكلمة، وأيضًا تختفي بشكل مشوش البرجوازية ومثلها وسائل الإنتاج. لذا فطبيعة الصراع الطبقي مشوشة ومتداخلة بشكل غريب لن يستطيع المرء تفسير الكثير من وقائعه اليومية أو مسالكه ومآلاته بعمومها. ولم أجد عندهم  إنتاجًا للوسائل المادية الحقيقية الضرورية للعيش، فهم يعتمدون على استيراد كل شيء، ولم أحصل على مؤشرات لدرجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف هذا الشعب فالسلطة تعتمد الريع النفطي في مجمل الاقتصاد. أيضًا وهذا ما شوش علي وأربكني، فقد أدخلني من استدعاني، في مآزق عديدة وصلت في بعضها حد التهلكة لا بل الموت المحقق.
ــ حتى لم تستطع أن تدرك وتطلع على حقبة تشكل الأساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة والمفاهيم الشرعية والفن وحتى الأفكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب، والتي على ضوئها تفسر الكثير من الأحداث، وكان من الممكن أن تنفعك في قادم الأيام.
ــ لا يا صديقي إنكلز، لم أكن في وضع مستقر وفاجأتني أحداث وضعتني في حالة تقترب من الضياع، أنت تتذكر كيف تسنى لي اكتشاف القانون الخاص بالحركة الذي يحكم نمط الإنتاج الرأسمالي لعصرنا والمجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الإنتاج، وأيضًا لفائض القيمة الذي سلطت الضوء عليه وهو لب المشكلة ووضعت الحل لما عجزت عن حله جميع الأبحاث السابقة من لدن الاقتصاديين البرجوازيين وكذلك النقاد الاشتراكيين. ولكني في نهاية المطاف لم أجد أو أشاهد أو أتلمس هنا ما يسعفني لمعرفة كيف يتولد في هذه العشوائيات الكثيرة المنتشرة في طول العراق وعرضه فائض القيمة ولم أجد اقتصادًا يمكن للمرء دراسته واستخلاص نتائج منه. تصور يا رفيقي، حتى الرؤية لدى السلطة والمجتمع حول توزيع الثروة ونظام الاقتراض الحكومي غير عملي وأيضًا غير منصف، وتنعدم الأسس لنظام الضرائب والحماية الكمركية وتوزيع الدخول، واعتمدت هذه الطرائق في جانب منها على العنف الوحشي، وتستخدمه سلطة الدولة أي العنف المنظم والمركز في المجتمع بغية إنماء عملية تحويل أسلوب الإنتاج المشوه السابق الذي سمي ظلما بالاشتراكي، وتقليص مراحل الانتقال إلى نمط الاقتصاد الرأسمالي. وهنا نرى إن العنف ذاته أصبح قوة اقتصادية وولد من رحمه مافيات مدججة بالسلاح.
ــ ولكن أين منظمات المجتمع المدني من كل هذه الفوضى؟
ــ هنا مربط الفرس يارفيقي، فأنت تعرف وربما فاتنا تطوير مفهوم رأس المال الاجتماعي هذا الذي كان علينا بحثه بشكل تفصيلي، فقيمة وفعاليات العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة، له الأثر الكبير في تحقيق الأهداف الاقتصادية، فرأس المال الاجتماعي ركيزة أساسية للعلاقات الاجتماعية وهو الذي يتألف من شبكات اجتماعية ومشاركات مدنية وعادات مشتركة لها تأثير على إنتاجية المجتمع والفرد، وهنا فإن المجتمع يعوزه الكثير ليخلق مثل تلك الشبكات والسبب هو تخلف أنماط في شبكة التشكيلات....
شعر ماركس بلكزة قوية عند قدمه فوثب من نومته وفرك عينيه فوجد أبو داوود وأبو رجب يقفان جواره ويبتسمان له.
ــ أكَعد عمي أكَعد... الدنيه صبح والشمس صارت بنص السما وأنته رايح بسابع نومه. خلينا نفتح على باب الله.
ــ لم أنم طوال الليل.
ــ هسه جنت نايم وأتدردم جنك بعدك بالكلية وتحجي محاضرة للطلاب. صار ساعة أحنه واكفين يمك نسمع سوالفك. أي مو خبلتنه.
هكذا قال أبو رجب وهو يسحب مع أبو داوود التخت ليضعاه جوار الآخر ويخرج ماركس من بين المقعدين.
ــ خالي آني سمعته.. هذا عود صدك جان أستاذ. يرطن رطينه ما افتهمت منه كلشي.. هاي شلون جانو الطلاب يفتهمون.. عملية تحويل أسلوب الإنتاج المشوه، عود شنو هاذي.. هاي تسطر أكبر واحد.
ــ هوه أني شنو كَلتلكم.. هذا أستاذ عبد القادر جان ينحلف برأسه وبعض الطلاب يعبدو عباده.
ــ يابه إذا جانو يفتهمون شنو يكَول.. لعد ينجرلهم أذن وحقهم من يحبونه. بس سمعته يحجي بالقيمة.. تره يمكن خطيه ديفكر ومشتهي مركَة قيمة.. والله لخاطر هذا الرجال راح أوصي أم داوود تسوي قيمه أوباجر اجيبله سفرطاس كامل.. ثواب لروح الموته.