نعلم جميعا بأن يسوع المسيح ( كان ) ولعصور طويلة يعني الكثير بالنسبة لكل مسيحي مهما أختلف مذهبه وطائفته، لا بل أكثر من الكثير بكثير، لأنه كان يعني الحياة ذاتها والطريق المؤدي إليها، وأنه كان يؤمن به عن قناعة تامة دون ان يرغمه أحد على فعل ذلك، فجعل من المسيح بسبب أقواله وأفعاله وتضحيته من أجل الجميع هدفا مركزيا في حياته يحاول الوصول إليه مسترخصاً كل شيء من أجله.
ويمكننا أن نرى ونلمس هذه الحقيقة في ملايين القديسين والشهداء والأبرار الذين ضحّوا بكل غالٍ ونفيس، وحتى بحياتهم الأرضية وأعز مايملكونه فيها من أقارب وبنين وسلطة وثروة وجاه من أجله وأنهم لم يَشكّوا لحظة واحدة بالوعود التي قطعها لهم بحياة أبدية أفضل، ولن يجدوا طريقا آخر يقودهم الى هذه الحياة إلاّ به لأنه هو القائل :
«أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي. " (يو 14: 6).
هذا ماسار عليه المسيحيون منذ فجر المسيحية الى أيامنا هذه، وكانوا مؤمنين بأن يسوع ، الذي غلب الموت بقيامته من الأموات وصعوده الى السماء وجلوسه عن يمين الله الآب، هو هو بالأمس واليوم وغدا والى يوم القيامة، لذلك لايمكن لأي قوة أرضية - مهما عظمَتْ - أن تفصل المسيحي الحقيقي عن محبة المسيح.
يقول الرسول بولس بهذا الصدد :
مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ (رو 8: 35) .
إذا لم يكنْ بمقدور كل هذه الأمور أن تفصلنا عن محبة المسيح، فهل هناك من بإمكانه أن يفصلنا عن المسيح ومحبته ؟
نعم ، نحن أنفسنا من بإمكانه أن يفصل أنفسنا عنه من خلال عدم إيماننا بوعوده التي قطعها لنا، وتشكيكنا بقدرته على تحقيقها ، وهذا يقودنا الى التشكيك بألوهيته ووجود الله أصلاً، الذي كشف سره يسوع نفسه (الله الأبن والأقنوم الثاني) من الثالوث الأقدس (الآب والأبن والروح القدس) الذي هو الله بالمفهوم المسيحي .
لستُ هنا بصدد الحديث عن الله وقدرته اللامتناهية، من أكون أنا لأضيف شيئا الى عظمة التفاسير التي أتي بها القديسون واللاهوتيون الكبار؟
قد يضحك البعض ممن يعتبرون أنفسهم مسيحيين -من الذين أغراهم تبحّرهم في العلوم، أو تأثروا بمذاهب وعقائد أرضية، أو أغوتهم السلطة والمنصب والمادة والحياة العصرية - من هذا الكلام ويعتبرونه ساذجاً وأصبح شيئاً من الماضي، إلا أن هذا لاينفي وجود مئات الملايين من المؤمنين المسيحيين المنتشرين في شتى أنحاء العالم ،ومستعدين للشهادة من أجل المسيح ووعوده وتعاليمه لأيمانهم بأنه معهم كما كان يتجول بين أتباعه الأوائل على الأرض وسيبقى معهم أيضاً مهما تعرضوا للضيق والظلم لأنه صادق في كل كلمة نطق بها.
ونحن نعيش هذه الأيام المباركة وننتظر ميلاد يسوع ، لانقول بأن يسوع يتجدد كل سنة لأنه (هو هو)، ولكنه يمثل ولادة ( حياة روحية ) جديدة لمحبيه وكل المؤمنين به ، ويجدد الوعد بملكوت الله للجميع، ويمنحهم فرصة جديدة للتفكير بتقويم كل أعوجاج في حياتهم الروحية.
وبهذه المناسبة السعيدة وبعيدا عن الأحتفالات والمآدب والسهرات، هل سأل كل واحد منا نفسه السؤال التالي :
ماذا يعني يسوع المسيح لي ؟
جاك يوسف الهوزي
corotal61@hotmail.com