المحرر موضوع: خلاسية نجفية داغستانية في فضوة المشراك " النجف " ، تتبختر عليه !!  (زيارة 692 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ذياب مهدي آل غلآم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 337
    • مشاهدة الملف الشخصي
خلاسية نجفية داغستانية في فضوة المشراك " النجف " ، تتبختر عليه !!
ذياب مهدي آل غلآم
همسات من ذاكرة عاشق عراقي نبيل :
للتو رجعت من بغداد ، هذا قبل خمسين عام مضى ، الأهل كالعادة بالترحيب والقبل والأمل والدعاء بالحفظ والمستقبل الوضاء ، وانا قلبي دليلي بلهفة المشتاق للقاء ، غيرت ملابسي ، تعطرت بعطر (كرستيان ديوور الفرنسي) وعبر اعكود البراك مخترقا شارع الصادق ومن ثم سوق الكبير ، سوق الصفافير ، شارع زين العابدين ... بايات ثلاثة ( درجات ) حتى انزل الى عكد يؤدي بي الى فضوة المشراك ، يارب هل وصلت الآن ؟ الأنتظار اعنف من نار جهنم حكما ، المهم بعد انحراف عكد السوق يسارا ، بيوتات وشناشيل نجفية ، عبقة بالبخور ورائحة زفرة السمك من علوته على يميني الآن انحرف اكثر يسارا .. آوف انها الفضوة وهذه عيادة الدكتور محمود صفوت ، الموعد عند الباب ، عيوني ترحل كل يوم ، وروحي تطوف بالمشراك ، فضوته ! تك تك الساعة مع النبض تكتكه عشاق ، متى يهل القمر النجفي من اصول داغستانية ؟ ذيبان عاشق من ذاك الزمان . بحثت كثيرا لم اجد من يمنحني فكرة ما ! الاطراف الاربعة داخل سور النجف ( المشراك ، البراك ، العمارة ، الحويش ) فضوتان فقط ؟ فضوة المشراك وفضوة الحويش ؟ اما لا في طرف العمارة ولا في البراك هناك فضوة !؟ قلبي بلهفة الغريق لسباح جذر تائه لينقذه من الغرق او من هذا الحريق .. أنا بنتظارك مليت ! أم كلثوم تناغيني ؟ فضوة المشراق ، فضوة العشاق وشيء عنها ... باحة وسط الطرف كأنها رأس اخطبوط باضرعه الممتدة من شرق الطرف حيث السور القوسي وخلفه المقبرة والى شارع الطوسي وزين العابدين ، اضرعه "اعكوده ودرابينه" احيانا تسمى بأسماء وجهائه او من كان اول قاطنيها ، انها فضوة المشراك : هذا عكد الجبل او عكد الرفيع ، وهذا عكد آل الشريف وآل حدوود ويسمى العكد العريض ثم عكد حسين الظاهر وعكد بيت الروازق وآل البهاش ثم عكد المستوصف وعكد الزركاني ولآل كمونه عكدهم ويأتي عكد مدرسة المهدية وعكد بقر الشام وعكد السقاية ، وايضا اتذكر هناك عكد الأعرجي ثم عكد السكله ( السماجه ) والفضوة يتصدرها عكد صفوت ،ولبيت الحارس عكدهم ثم درعية حاجي مغيض وسوق الخضره اوعكد السيف ومن ثم عكد الصفافير وهذه الاضرع التي تتصل بالفضوة نهاياتها بشوارع السور ، زين العابدين ،  وشارع الطوسي ..
إن أهم ما يميز المرأة هو أنوثتها و لذا على المرأة أن لا تنسى الإهتمام بأنوثتها وإن أخذت على عاتقها أموراً مختلفة . فقد خلقت النساء لكي يكن جميلات دائماً مفعمات بالجاذبية جالبات للفرح و السعادة لكل من حولهن موقع فخر لذويهن واخوتهن موضع حب من الاطفال و الازواج وإن الصفات الرجولية لا يمكن أن تزين المرأة ..
وأتذكراً : عن المرأة النجفية وانثاي الخلاسية من اصول داغستانية ...
لم يتمن النجفيون أكثر من أن يستطيعوا إلباس بناتهم أجمل الثياب ، وقد أعتبروا أن الملابس الجميلة تفرض على الفتاة السلوك الحسن و المعتبر، و كان ذوقهم في الثياب رفيعاً، فلا وجود لإضافات بدون معنى، أو ألوان فاقعة قبيحة المنظر، لقد كانت رهافة الحس الجمالي موسومة في كل أزيائهم ... انها النجف الجمال والبهاء والمدنية حين كانت النجف !؟ كن يتمخترن في المعاطف الثمينة وعليهن أحزمة من الجلد المذهب بشيرازة الكلبدون الذهبي عبارة عن خيوط دقيقة من معدنية ذهبية وفضية مجدولة مع خيوط للزينة . إضافة إلى الأحذية الجميلة المطرزة... و من مظاهر الجمال كانت القامة الفارعة المشدودة ، والرقبة الطويلة الجميلة إضافة إلى الخصر النحيل والأقدام والكفوف الصغيرة مع أصابع رقيقة وأظافر طويلة ، بياض في البشرة مع بعض الإحمرار الوردي و الجبين العالي و الحواجب الضيقة والعيون البراقة الجميلة فاتحة اللون أو لوزية و غامقة مع أهداب كثيفة ، أما الأسنان فصغيرة بيضاء ناصعة في فم ضيق ... وكان على الفتيات أن يمشين بمنتهى الرشاقة والخفة والاناقة ، هذه مواصفاة حبيبتي الداغستانية نعم وهكذا المرأة النجفية تربية سراديب ومحبة وحنيه ، وعندنا مقولة بيت بدون مكتبة وامرأة حنونه ، بيت بدون نافذة ولا رازونه للضياء !؟ كانت الفتيات النجفيات يتحدثن بكل تواضع واعتزاز، ولم يكن لجمالهن ما يشبهه منذ القدم . فوجوههن بمنتهى كمال التقطيع ، قامات ممشوقة أياد واقدام صغيرة ، لقد كانت حركاتهن ممتلئة بعزة النفس والثقة ... هذه حبي داغستانية من ذاك الزمان ؟ إن كل من يتاح له أن يرى النساء النجفيات سيقر بأنه يوجد بينهن من ذوات الجمال الذي لا يستطيع الناظر إليه إلا أن يبقى أسير هذا الانبهار !! لقد كان من أهم متطلبات هذا الجمال الانثوي الباهر أيضاً الشعر الطويل الأسود أو الكستنائي حيث كان يجدل في ضفيرتين تمتدان على طول الظهر وتصلان أحيانا إلى الركب .. ومن الملاحظ أن ترك الشعر طليقاً منساباً بدون جدائل لم يكن مقبولاً غالباً ، كما أن قص الشعر يعتبر إهانة بالغة ومعرض سخرية عند بعض العوائل النجفية ...
الوقت عصراً ، تباطأت قدماي والآن عند عيادة د. محمود صفوت دخلت استفسر ، لحيلة ما ؟ وخرجت انتظرها ، من احد العكود : جاءت معللتي بالوجد والود وبكل الغنج وعلى شفتيها اشرقت إبتسامتها كالهلال اذا اطل ، ضحكتها برتقالية اللون ، جاءت هودج الزفة ، صواني الفرح في ليلة الدخله ، شموع الخضر مابين موجه وموجه تتغفه ، ناقه وآناقه وملاحة ، مهرة نجفية جامحة في حقول العنبر حين الحصاد ، لا اعلم قلبي كعصفور انتفض من الرقاد ، تتعاجل نبضاته وفي لحظتها كنت كطفل ينتظر الحلوى او عيدية العيد ، جاءت معذبتي بالوصل ! وخلفها درعية حاج مغيض ، وأتخذنا عكد اخر هي تتهادى في ميشتها ، وانا الحارس الأمين اعد خطواتها وانظر كيف اتزنت قدميها على كعبها العالي ، عبائتها الحريرية حين مسيرها تعزف موسيقى ، عناقها مع الجسد ، قلت هودج وبين حين وحين احصل على لفتة غزالية بكل اشتهاء ، وعدينا العد ، الآن نجتاز شارع الطوسي ، حزام السلطان او منطقة التوديع وعلى يميني حمام الطوسي وباب المقبرة او درب كربلاء القديم ... وصلنا للمكان الخاص للقاء ، وكان اللقاء ! قالوا : جنة موعوده ، وفيها ما فيها ؟ ضحكنا معا ، آي جنة هذه ؟ وانا اعيشها الآن بكل معناها العقلي والعاطفي ! وبكل فنطازيتها خلاسية داغستانية ساحره ، كأنها تنورالحبايب ، تفور وتفور والتأوهات وآهات والشبق الثائر كاجنحة الزرازير وهي ترسم بهجتها في فضاء بساتين جدول النجف عند البحر ، ننظر لها معا ونحن في التيهان ! مالي والجنة الآخرى ، فاليوم لي وغداً بظهر الغيب وبالأمس كنت في بغداد قد ولى ... كأن الليل اسدل ستائره علينا ، حان وقت الذهاب فلقد دق جرس العودة ، بنات النجف والتربية وما الوقت المسموح به للخروجهن من البيت وبحجة ما ؟ ومن ثم ساعة العودة ؟ ابعدت المسافة مابيننا ، لكني تابع وحارس أمين ، عرجت من عكد ركنه مسجد السقاية ، بحدود 100 متر انحرفت لعكد على يمينها ، ثم دربونتين وعكد آخر يفضي للفضوة ومنه الى بيتها ذو الشناشيل الجميلة والشبابيك الملونة بالزجاج المركب على زخرفة خشبية عند الشبابيك ...النجف مدينة الضياء ، رفعت بيديها عبائتها الى الاعلى حينما وصلت الى باب بيتهم وقفت إلتفتت ، لا احد في الآفق سواي بالبعد المتفق عليه ، اعادة رفع عبائتها الى الأعلى تنورتها المارونية ارتفعت اكثر من ركبتيها ، يارب شهقت رغم اني قبل قليل كنا لا نعرف من منا جسد للآخر .. تصبحي على ياسمين ، اسرعت الخطى لحد الآن لم تطرق الباب ، وصلت بلهفة الغريق ليد تنقذه من هذا اليم او لماء يطفئ هذا الحريق ، وبهمسات مجنونه وعيون تطفح بكل البشائر وشفتين تنضحان برتقال " تصبح على خير ذيبان " واشاره من يدها ، الليلة نحكي بالتلفون ، باي حبي ... رجعت على موعد مع اصحابي الساعة الآن 9 وبعض دقائق ، نحن على موعد بأمسية نلتقي فيها كل خميس حيث يعودون الطلبة من مشاغلهم التعليمية ، وغدا الجمعة ( الكسله ) ، تم الجمع المبارك وذهبنا الى حيث نروم بيت عند منعطف في بدائة شارع الستين " حي السعد " كانت ليلة وما احلى ليالي النجف ، شيخنا يجلس اليوم معنا ، هو لا يحتسي الخمرة مطلقا لكنه جليس وسمير حميم رغم انه من اساتذة الحوزة فلسفة ومنطق لكنه تمتع بالروح الشبابية ، ليس اكبر منا إلا بسنوات ونحن نجله ونحترمه كآخ كبير ومرشد ومعلمنا ايضا ، للخمرة نكهتها ، بحبة الحلوه ، واليانسون ، او بنكهة الفاكهه حيث الويسكي " دنبل وبلاك اند وآيت " والبيرة العالية التخمير والجودة فريدة ومعها شراب دهوك ، وما طاب ولذ من المزمزات خضرائها وكرزاتها لبلبيها والباقلاء يابسه وطرية ... شيخنا تنحنح ورفع بيده " النزجاري " دف كبير من الرق تحيطه حلقات نحاسية تعطي تطريب واصوات حين النقر والضرب عليه ... شيخنا وبصوته الرخيم والترنيم يتهدج كأنه في ملكوت الوجد والود ، كأننا في حومة الدراويش ، شيخنا بدء بالنقر على الدف ...وقلوبنا تصعد مراجف للدف ؟ وعلى الطور الملائي الذي يحاكي طور الشيخ كاظم القابجي رحمه الله ، وهو طور نجفي خاص بأسمه ، الآن شيخنا يسمعنا من شجن ولحن ونغم شعرا صوفيا للشهيد الحلاج :
يانسيم الروح قولي للرشا
لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا
إن يشا يمشي على خدي مشا
روحه روحي ، وروحي روحه
إن يشا شئت وإن شئت يشا
************
قرنفلاتي