المسيحية ليست الحل مثلما فشل الاخوان في جعل الاسلام هو الحل
أوشـــانا نيســـانقرأت المقال الذي نشره الاستاذ ألياس متي منصور وعنوانه " هل أصاب غبطة مارلويس ساكو كبد الحقيقة؟ لدي ملاحظات أرجو منه ان يتقبل أرائي ولربما يرضى لاحقا باعادة النظر في بعض المسميات والوقائع التاريخية التي تحمل معاني سلبية.
بادئ ذي بدأ يجب القبول، أن عملية طرح المقترحات البناءة أو الطروحات المقبولة والبديلة تسبقها بعض الاستعدادات النظرية والتجارب التي اثبت الدهر نجاحها، لتكون مقبولة لدى المتلقي أو القارئ الكريم. ومن الزاوية هذه تبقى طروحات الاستاذ ألياس بحاجة الى المزيد من البحث والتقصي والتحقيق قبل الانحياز الى مقترح "المكون المسيحي" الذي طرحه غبطة بطريركنا مار لويس ساكو. أذ بدون شك ان غبطة البطريرك مارساكو يجتهد ليلا ونهارا في سبيل أيجاد القاسم المشترك الذي يجمع شرائح هذا الشعب الذي تنخره تبعات الهجرة المفروضة على ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري لاكثر من عقود خلت. ولكن المقترح أي مقترح يجب أن لا يؤسس على مجرد النتائج السلبية لسياسة الامر الواقع "دي فاكتو"بل يجب أن تتجاوزتخوم الواقع المر وتحديدا المجريات التاريخية وما يجري هذه الايام في العراق الجديد عراق ما بعد الطاغية من تفاعلات سياسية موروثة تعوزها عقلية سياسية غير مؤزمة.
فالاضواء التي سلطها الاستاذ منصور على خلفياتنا العرقية والكنسية وتحديدا رواد الحركة القومية الاوائل، مثلما لم تكن مهنية قطعا بالقدر نفسه لم تكن تاريخية مطلقا. حيث التاريخ يذكرنا أن رواد حركتنا القومية وعلى رأسها أشور بيت خربوط، نعوم فائق، فريدون أتورايا وفريدون نزهت، لم يدعيا بالسريانية يوما خلال تاريخ نضالهم القومي رغم احترامي للتسمية السريانية، بل تجاوزوا بأفكارهم القومية الجامعة جميع أسوار الكنائس والمذاهب. حيث يخبرنا التاريخ كيف نجح الملفان نعوم فائق ورفاقه في تأسيس أول تنظيم سياسي جامع في الاغتراب وهو" المنظمة الاثورية الديمقراطية " عام 1957، تسامت المنظمة بحق فوق جميع أسوار التسميات والمذاهب الدينية عموما. وللتاريخ نذكر، ان الكلدان ولربما بسبب انتمائهم للمذهب الكاثوليكي وارتباطهم بدولة غربية وهي روما، لم تختمر النخوة القومية ضمن عقلية المؤمن الكاثوليكي حتى سقوط الصنم في العراق عام 2003.
أذ على سبيل المثال لا الحصر، ان الكلمة التي تلاها المرحوم أغا بطرس في مؤتمر فرساي للصلح عام 1919، بهدف الدفاع عن حقوق شعبنا التاريخية في وادي الرافدين وبالتالي تحقيق الوعود التي وعد بها الاستعمار البريطاني والفرنسي ابان الحرب العالمية الاولى، ألهمتها طروحات المغفور له نيافة مطران سعرد أدي شير، بعدما أعدم وقطع راسه من قبل العثمانين المجرمين بسبب أعتراضه على نهج الامبراطورية العثمانية وحملاتها الوحشية في ابادة الوجود المسيحي عموما في أناضول. هذا الشعب الذي نعته مطران سعرد للكاثوليك في كتابه ب "كلدوأثور"، ان دل على شئ فانه يدل على قربه من مصدر القرارضمن الامبراطورية العثمانية التي لم تفرق يوما بين حز رقبة الكاهن او المواطن الاشوري وبين شقيقه الكلداني يوما، هذا اولا.
ثانيا يذكر الاستاذ متي في مقاله، "علينا ان ننقاد للعقل، ونعمل من اجل تحقيق ما يفيدنا، ما يوحدنا، ما يحقق اهدافنا لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولملمة وتضميد جراحات أبناء شعبنا ... وبدلاً من توحيد الجهود وانتخاب مرجعية سياسية مخولة، تعمل وتتفاوض وتنطق بأسم أبناء امتنا المنكوبة والمغلوب على امرها" . الواضح أن السيد ألياس وضع اصبعه على الجرح النازف وكشف علنا عن السبب الرئيسي وراء فشل حركتنا القومية في توحيد أبناء شعبنا تحت خيمة وتسمية واحدة. بمعنى أخر فشلت الحركة في تحقيق الحلم والهدف النبيل لرواد الحركة القومية التي انبثقت قبل أكثر من اثنا عشر عقدا من الزمان، يدكر الاستاذ في نهاية مقاله.
ولكن يبقى التساؤل التاريخي:
وهل ننتظر طروحات رجالات ديننا المسيحي في سبيل أنقاذ ما تبقى من الوجود والكرامة لابناء شعبنا داخل الوطن، أم يفترض بنا كعلمانيين ومثقفين أن نستفيد من طروحاتهم ومقترحاتهم وعلى رأسها طرح غبطة البطريرك مار ساكو من خلال الاسراع في انتخاب مرجعية سياسية وليس "مذهبية" مخولة بموجبها يمكن لنا طرق جميع أبواب مصادر القرارات السياسية داخل العراق الجديد وفي أروقة المنظمات والجمعيات الدولية الحريصة في الدفاع عن حقوق الانسان والشعوب المغلوبة على أمرها؟
حيث للحق يقال، أن الشهداء التي ضحت بها كنيسة المشرق بشقيها( الاشورية والكلدانية) في سبيل التشبث بأرض الاباء والاجداد، يفوق شهداء حركتنا القومية بجميع تسمياتها ومشاربها السياسية عموما. فالتاريخ يذكر كيف نجحت الشعوب المسلمة وحركاتها الاسلامية المتشددة وعلى راسها تنظيم داعش الارهابي، في اغتيال كبار رجالات ديننا بضمنهم البطاركة واسكات أصوات ونداءات معظمهم واخرهم المطران بولس فرج رحو كبير أساقفة الكنيسة الكلدانية بالعراق.
ثالثا: رغم التفسيرات التي ساقها الاستاذ الياس حول نهوض أمتنا من جديد بعد سقوط نينوى 612 ق.م وبابل 538 ق.م اي قبل 2628 عام، فان التاريخ يحفظ في ذاكرته، كيف اندمج شعبنا وبجميع تسمياته ضمن كنيسة واحدة وهي كنيسة المشرق منذ القرن الاول للميلاد، أي قبل أن تنجح روما في تحويل جزء كبير من أبناء شعبنا الى الكثلكة بدايات عام 1553، لا لاعتبارات الايمان الكاثوليكي وحده كما يفترض، بل لاعتبارات أهم وفي مقدمتها ضرورة شق صفوف هذه الكنيسة التاريخية العريقة وهي كنيسة المشرق والتي وجدت في ساليق قطيسفون لاكثر من 313 عام، قبل أن تتحول العاصمة روما الى المسيحية. والدليل على حرص روما على ضرورة تمزيق وحدة كنيسة المشرق، هو الاصرار على عدم نعت الكنيسة الكاثوليكية في وادي الرافدين بالكنيسة الكاثوليكية اسوة ببقية الكنائس الكاثوليكية في بلدان الشرق الاوسط بل نعتت البطريرك ب" بطريرك للكلدان الكاثوليك أو بطريرك بابل للكلدان". وان مجرد اصرار غبطة البطريرك الكاثوليكي في العراق على تفضيل المؤمن العربي المسيحي في القادسية، بغداد أو البصرة أوحتى المسيحي الفارسي أوالتركي على مؤمني كنيسة المشرق التي جمعتنا لاكثر من الف عام، هو الاصرار على رفض جميع جسور التلاقي والاندماج والتكامل من جديد.
اذ لو تركنا التاريخ القديم جانبا وامعنا النظر في بنود وفقرات الدساتير الوطنية العراقية، لظهر لنا واضحا غياب كل ما يتعلق بحقوق أو وجود الشعب الاشوري أو الكلداني أو حتى السرياني بأستثناء بعض الحقوق الثقافية التي صدرت للناطقين بالسريانية كما ورد في قرار مجلس قيادة الثورة العراقية منذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى عام 2009. وعلينا جميعا أن نعرف جيدا، أنه لا الاشوري ولا الكلداني ولا السرياني لوحده قادر على تحقيق حقوق شعبنا وكسب الاعتراف الوطني المشروع من دون التوحيد والعودة الى القواسم التاريخية واللغوية والعرقية وحتى الدينية المشتركة التي تجمعنا.
حيث مجرد نظرة بسيطة على الازمة السياسية المعقدة التي تعصف بانتظام بقواعد النظام السياسي اللبناني الذي وجد منذ عام 1943 ولحد تعاظم دور حزب الله اللبناني واصراره على الشغور الرئاسي في لبنان لاكثر من 29 شهر، تكفي لتحثنا على الاسراع في الالتفاف حول ثوابت شعبنا وامتنا المسيحية وذلك من خلال تجاوز جميع الخلافات والموانع التي زرعتها الانظمة الدكتاتورية في عقلية العديد من ابناء شعبنا بمن فيهم النخبة المثقفة للطرفين. وللتأكيد على قولنا هذا يجب الاعتراف، انه لا التسامح المسيحي للمارونين ولا الهوية المسيحية للرئيس اللبناني نجحتا في ايقاف زحف قوى الشر والظلام ضد اول واقدم نظام سياسي ديمقراطي وجد في بلدان الشرق الاوسط. والسبب بأعتقادي هوحرص زعماء الطوائف والمذاهب اللبنانية المسيحية على تقاسم النفوذ والامتيازات فيما بينها "عربيا"، بدلا من العودة الى الاصل الفينيقي بهدف ترسيخ دعائم الدولة الفينيقية "المسيحية" في لبنان وليس الدولة العربية.
وفي الختام يجب أن نعترف، أنه لا يوجد شعب أو عرق في تاريخ وادي الرافدين القديم اسمه سرياني. عليه أستغرب كثيرا حين يكتب السيد ألياس، " لقد حملوا التسمية السريانية ، عما سُريايا ( الشعب السرياني)، او أمتا سُريّتا منذ القرون الاولى للمسيحية وحتى يومنا هذا". صحيح نجحت أجهزة النظم الشوفينية العربية في كل من العراق وسوريا ولبنان في نعتنا بالسريانيين أو المسيحين لتثبيت كذبة عدم الانتماء وترسيخ سياسات تزويروتشويه تاريخ المنطقة، ولكن كتب التاريخ تقول عكس ذلك تماما. في حين يجب أن يعترف الاشوري قبل الكلداني، أن أصل المشكلة باعتقادي تكمن في خوف الزعامات الدينية والدنيوية الكاثوليكية من أنفراد القيادات الحزبية الاشورية بالقرارات المصيرية لابناء شعبنا داخل الوطن، كما نسمع بانتظام، الى جانب أصرار النخب الكاثوليكية داخل الوطن وخارجه على العزف بمناسبة أوبغيرها على وتر الاقلية والاكثرية الكاثوليكية في العراق.
ومن المنطلق هذا تقتضي الضرورة تجاوزجميع الخلافات المذهبية والايديولوجيات الحزبية من خلال دعم القيادات السياسية الرائدة أوالدينية النزيهة لكنائس شعبنا من دون تمييز، بهدف الالتفاف حول المرشد الديني المقتدر أو الزعيم الحزبي الذي ينجح ولو مرة في طرح كل ما يجمعنا قبل فوات الاوان. أملا أن ينجح البطريرك مار ساكو أن يكون قدوة للجميع وجامعا لكل الاشوريين الكلدان والسريان من خلال انتخاب مرجعية سياسية جامعة يتسع صدرها لكل سياسي أو مثقف من مثقفي شعبنا الكلداني السرياني الاشوري بدون تمييز.