إلى الأستاذ فؤاد قزانجي المحترم استجابة لدعوتكم لمعرفة المسيحية
الجزء الأول : المسيحية ليست ديانة
الأستاذ فؤاد المحترم تحية عطرة وبعد ...
مبادرتك الجميلة جداً تدل على انك باحث يفتش عن المعرفة لذلك سأوجز لك المسيحية من خلال بحثي عن شخصية معلمها وربها يسوع المسيح ... لذاً سيكون هذا الجواب المختصر خارج عن السياقات الروتينية مستعيناً بكتابي (( هكذا عرفت المسيح )) الذي لا يزال في طور استكماله والذي أتكلم فيه عن تجربتي الخاصة مع الرب يسوع المسيح ومسيرتي معه .
توضيحي للبشائر ( الأناجيل ) الأربعة وعن كُتّابها الذي واحداً منهم فقط ينتمي للرسل الاثني عشر وهو الرسول يوحنا ضمت بشارة الإنجيل ليوحنا الرسول أيضاً سفر الرؤيا ، لهذا فإنجيل ( بشارة ) يوحنا يصنف على انه الإنجيل الحِكَمي ( الفلسفي ) أما البقية ( متى ومرقس ولوقا ) فهم من تلاميذ الرسل بطرس وبولس ومرافقيهم في البشارة واناجيلهم تصنّف على انها اناجيل إزائية .
1 ) المسيحية ليست ديانة : ولم يؤسس الرب يسوع المسيح ديانة على الإطلاق والدليل على ذلك عدم وجود شريعة خاصة وبذلك فلا وجود لتصريف لتلك الشريعة بينما نجدها في اليهودية والإسلام ... لذلك تصنّف المسيحية كعقيدة تنتمي لمؤسسها السيد المسيح تتمحور حول شخصه ..
موضوع الشريعة بالنسبة للسيد المسيح محسوم . ( لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة وتعاليم الأنبياء . ما جئت لأبطل ، بل لأكمل ) ولشرح هذا الموضوع يجب ان نمر قليلاً على ما هي الشريعة التي جاء السيد المعلّم ليكملها ؟ إنها ( الشريعة التي انزلت على موسى ) وهنا لابد ان نتحدث قليلاً عنها . نبذة مأخوذة عن كتابي ( الوصايا العشرة ) .
وللكلام عن الشريعة يجب ان نذكرها :
1 ) أنا الرب إلهك .. لا يكن لك آلهة سواي .
2 ) لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ولا تسجد لها ولا تعبدها .. لأني انا الرب إلهك .
3 ) لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً .
4 ) أذكر السبت وكرسه لي .
هذه تجسد ( الوحدانية )
5 ) اكرم اباك وامك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك .
6 ) لا تقتل .
7 ) لا تزن . ( لا تخون )
8 ) لا تسرق .
9 ) لا تشهد على غيرك شهادة زور . ( لا تكذب ) .
10 ) لا تشته بيت غيرك ، لا تشتهي امرأة غيرك ولا عبده ولا جاريته ولا ثوره ولا حماره ولا شيء مما له . ( لا تشتهي مقتنى غيرك أي لا تطمع ولا تحسد ) .
إذاً الشريعة تحتوي على ( 10 ) وصايا الأربعة الأولى تعتمد العلاقة بين الله والإنسان الـسادسة لغاية العاشرة تعتمد العلاقة بين الإنسان وأخيه الآخر ، أما الـخامسة ( اكرم أباك وامك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك ) فصنّفتها على انها همزة الوصل بين العلاقتين . ( وتعتمد ) هنا تعني ( تنظيم ) .
صَنَفتُ القسم الأول من الشريعة على انه من ( الثابت الخاص ) وهذا الشكل من العلاقة يعتبر كميثاق عهد ( لا يمكن تأويله ولا تغييره مهما اختلف الظرف الذاتي والموضوعي ) أي ( باختلاف الزمان والمكان والتطوّر الحاصل في الوضع البشري الإنساني في كافة مجالات الحياة ) أما ما يخص القسم الثاني من الشريعة فيصنّف بأنه ( الثابت العام ) وتعني ( الثابت في كونيته وبنوده قابل للتصريف في أحكامه ) ( يتطوّر نسبة للظرف الذاتي والموضوعي للإنسان والمجتمع ) . إذاً ما هو الذي لم يأت الرب يسوع المسيح لينقضه ؟ هو القسم الأول من الشريعة . وما الذي جاء ليكمله ؟ هو القسم الثاني منها . نفهم ذلك من المقارنة التي وضعها الرب يسوع المسيح ( سمعتم انه قيل لآبائكم : لا تقتل ، فمن يقتل يستوجب حكم القاضي . أما انا فأقول لكم ... وسمعتم انه قيل : لا تزن . أما انا فأقول ... وقيل من طلّق أمرأته ... وانا أقول ... وقيل أحب قريبك وابغض عدوّك أما انا فأقول .... وقيل لا تحلف اما انا فأقول ... ) ولو لاحظنا أن ( قيل لكم .. ) التي يرددها الرب يسوع في كل مقارنه تصنّف من باب ( تصريف الشريعة لتنظيم الحالة الاجتماعية لشعب الله وحسب الظرف الذاتي والموضوعي ) أي ان التصريف يتأثر بالظرف الذاتي ( تطوّر الإنسان ) والموضوعي ( التطوّر المجتمعي ) فمثلاً تصريف القتل جاء بمفهوم ( حكم ) ( العين بالعين والسن بالسن ) وتصريف الزنا جاء بمفهوم ( حكم ) ( الرجم ) وهنا سنؤكد على الـ ( أُكمل ) ، جواب حكم الرجم ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر ) وللزانية ( إذهبي ولا تخطئي .. ) ( غفران بشرط عدم العودة للخطيئة ) ... أما ( وانا أقول .. ) هي باب الإكمال لما تخلل من شوائب أدخلت على الشريعة من خلال تصريفها .
خلاصة الشريعة المسيحية وروحها هي ( المحبة ) : هي في جوهر قوله ( أحب الرب إلهك بكل قلبك ، وبكل نفسك ، وبكل عقلك ، هذه هي الوصية الأولى والعظمى والوصية الثانية مثلها : أحب قريبك كما تحب نفسك . على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء ) فالوصية الأولى تقوم مقام ( الثابت الخاص .. وهو العلاقة بين الله والإنسان ) أما الوصية الثانية فتقوم مقام ( الثابت العام ... العلاقة بين الإنسان وأخيه الآخر ) هاتان العلاقتان ( ترتبطان ربطاً جدلياً ) أي ( لا يمكن الفصل بينهما ) لأنهما تشكلان مع بعضهما الفكر المسيحي وتُرِك تصريفها حسب التطوّر الإنساني والمجتمعي .... من هنا نتيقّن بأن ( المسيحية عقيدة متطوّرة تعتمد تطوّر الإنسان والمجتمع ) لهذا قيل عن المسيح أنه ( موجود الأمس واليوم وغداً ) كذلك قال عن نفسه أنه ( الطريق والحق والحياة ) وقال ( ابي يعمل وانا أيضاً اعمل ) وهنا العمل إشارة على مرافقة وقيادة الإنسان لحياة أفضل والأفضل لا يكون إلاّ من خلال تطوّر الفكر البشري نحو إنسانية راقية متكاملة .
للموضوع بقية ... الرب يبارك حياتكم جميعاً
حسام سامي ... 11 / 1 / 2017