بقلم الكاتب والصحفي الكردي السوري فراس محمد
بعد أيام سيغادر الأستاذ جورج غرزاني إلى أستراليا.. وهذه من الأشياء التي تحز في نفسي كثيراً ولا أريد تصديق ذلك حتى الآن..
وكوني صديقاً مقرباً منه، حيث عشنا سنوات معا في المكان ذاته –مدينة اربيل- ستكون شهادتي فيه مجروحة، بحكم تلك العلاقة..
من يعرف جورج غرزاني عن قرب يعرف حجم الخسارة التي سيحدثها غيابه..
تجده عنيداً عندما يتعلق الأمر بقضيته السريانية وبكل الحقائق حولها، وهو المعروف بعدم قبوله بأنصاف الحقائق او بالحقائق المشوّهة المروّضة، المفروضة بأمر الواقع..
مدافع عنيد عن قضيته، مثابر من أجلها حد الإرهاق، لا يساوم عليها، بل على العكس، يخسر أي شيء من أجلها.. وكشاهد عيان أستطيع أن أقول بأنه كان سيكسب كثيراً ولكنه بقي كما هو لم يتزلف او يتملق، او يحابي أحداً على حساب كرامته وحرية قراره ومواقفه..
وكلّي يقين لو ان الشعب السرياني امتلك مجموعة –بتلك الروح- لديهم هذا الحماس والنشاط والمثابرة لوجدنا نوراً في نهاية النفق المظلم..
أشعر الآن بالكثير من الغبن والخذلان حين يخسر -إنسان رائع مثل الأخ والصديق جورج - رهان البقاء في أرضه بسبب قسوة الظروف، التي لم نعمل جميعاً على شروط تذليلها ومواجتها..
كلنا معنيون بتلك الخسارة الباهضة، وخاسرون نحن من حيث لا ندري، حين نفقد ذلك التنوع الجميل في اللغة والثقافة والمعتقد.. لأننا لا نكتمل إلا معاً كلوحة لا تتجزأ
وكبوح متأخر .. أجدني بعد خمس سنوات بعيداً عن مدينتي أفكر بتلك الصباحات الجميلة في الآحاد حين أستفيق على أصوات أجراس الكنائس، وحين أزور الكنائس والأصدقاء في الأعياد مهنئاً..
لا أعرف كيف أستعيد تلك الذكريات، وأنا أحظى بخسارة جديدة وكبيرة بفقدان صديق عزيز لا يعوّض..
سأفتقدك جداً صديقي ، ولن أودّعك أو ألوح لك.. سأنتظرك هناك على أعتاب مدينتي، حيث ستطلق أحفادك ليحلقوا كفراشات ربيعية في تلك الحقول ..