المحرر موضوع: ماذا تبقىّ من علمانية البعث  (زيارة 744 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 453
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ماذا تبقىّ من علمانية البعث
نعرف أن الولاءات والالتزامات والمبادئ الحزبية تتغير مع تغير الزمان والمكان والظروف المُحيط بكل هذا. فمثلاً نشاهد شخص شيوعي ماركسي  في بدايته ثم ينقلب الى يميني متُطرف ، وآخر كان يساري يحمل لواء الثورة، ويُنظر لها في كل توجهاته وافكاره ثم فجأة ينقلب الى محافظ  ملتزم. وهذا متداول ومعروف في عالم السياسة ويعتمد أيضاً على المناخ  والجوّ السياسي الذي يُحيط بهذا البلد أو ذلك. ولكن الغريب حقاً أن حزب ذوُ منظومة علمانية كبيرة وتوجهات يسارية  تحمل في طياتها فكر لأبرز المنظرين للعلمانية من شعراء وكتاب ومفكرين في حقبة الستينيات والسبعينيات ومتلاها ، تنحرف أنحراف كبير ، وتنجرف بشكل سريع الى هاوية التطرّف. وذلك ما حدث لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث تمْ تفريغ محتواه وأيدلوجيته وفكره من العنوان الرئيسي وهو الاشتراكية الى عنوان آخر بعيد كل البعد عن مساره العام. وهذا ما لم يحدث لأحزاب كبيرة  واجهت الفشل والإخفاق في مسيرتها، ولكن ظلت ملتزمة بنفس السياق ،كالحزب النازي الألماني والحزب الشيوعي السوفيتي الذين حافظوا على أيدلوجيتهم وتوجهاتهم  مع تحطم عجلاتهم  وأنحسار مدهمْ ، ولكن ظل الفكر كما هو. حين وصل البعث الى سدة الحكم في العراق سنة 1968 كان هناك رهان قوي على انه سوفة ينجح لتوجهاته وتطلعاته الليبراليّة، والتي كانت سائدة في ذلك العصر بشكل كبير، حيث كان المواطن العادي يُشاهد تجلياتها في كل زاوية من الحياة العامة. فدورّ السينما تعرض أفلام ذات مغزى ادبي عميق، والبارات متواجدة بكثرة  والنوادي الليلية تفتح ابوابها الى ساعات الفجر الأولى. والضابط والمحامي والطبيب والأديب والمهندس يستمتع هو وعائلته من خلال نقاباتهم نواديهم التي كانت تعطي الكباب مع البيرة في جو يتسم بالانفتاح . وفِي مناهج التعليم خاصة المرحلة الابتدائية، آي مرحلة التأسيس للطفل ، حيث وضع المفكر القومي الكبير ساطع الحصري كتاب القراءة الخلدونية التي لم يحتوي على آي ذكر ديني ، لا أسم محمد ولا مكة ولا المدينة ولا قريش، بل يذكر التاريخ انه كان رافض بشدة تشييد مدارس دينية على الأقل حين كان مسؤول في وزارة المعارف. وفي الكليات والجامعات كان هناك توجه يساري سائد.
فِي المقابلة الاخيرة مع البعثي الكبير عبد الباقي السعدون سنة 2015 قال ( في سنوات السبيعنيات صدرت تعليمات مباشرة من صدام حسين تنص أن على الرفيق البعثي أن يحتسي الخمر ولا يصلي ،باستثناء عزت ابراهيم الدوري وذلك لأسباب صحية). الغريب في الامر كيف تحول كل هذا الى أقصى درجات التطرّف الديني والقتل والارهاب،  حيث لا يخفى على احد أنخراط عدد كبير من الرفاق بمستوى عضو فرقة فما فوق في صفوف التنظيمات الإرهابية خاصة في المناطق السنية كالموصل والرمادي مع داعش والقاعدة وجبهة النصرة وغيرهم . السؤال الأصلي ليس على صعيد الأفراد فهذا أوضحناه في بداية المقال،  ولكن الأهم على صعيد منظومة الحزب ككل، الذي كان في وقت ما يمسك بزمام بلدين العراق وسوريا. وربما قائل يقول أن رياح  التغيير هبتْ مع انطلاق الحملة الإيمانية سنة 1994 التي دعا أليها صدام حسين ، ولكن هذه تظل مرتبطة بحالة مرحلية مشروطة بظرف خاصّ تطلبت  هكذا رؤية. بعبارة أدقْ نقول ، كيف أن حزب بأكمله يختزل منضوره الثقافي تحت مظلة العلمانية وينزوي ثم يفشل في تطوير أدوات الهيمنة الثقافية كغطاء لإرجاع منظومة الاشتراكية التي نادى به طوال أعوام من مسيرته الطّويلة !. وهكذا فلم يبقَ شيء يتكئ عليه البعث الان بعد أن فشل بشكل كبير في بلورة بديل للرؤى والأفكار اليسارية ، وأصبح  محكوم  بقيادة تُنادي بالسلف الصالح والوهابية  والطرق الصوفية والدروشة. ففقد بالتقادم كل خصائصه التي نشأ عليها، وخطّ مفكرين علمانيين كبار أدبياتها، مستلهمين قواعدهم من الثورة الفرنسية.  في كل الأحوال أنتهى بريق الامس بسلسلة من الإخفاقات كانت كفيلة بمحو كل الماضي وجعله يضمحل ويزول مهما حاول البعض تجميل الصورة.