المحرر موضوع: قصة قصيرة أنا والجنّي  (زيارة 918 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قصة قصيرة أنا والجنّي
« في: 06:48 19/04/2017 »
قصة قصيرة
                            أنا والجنّي
             
                                            كريم إينا
كانت جدّتي تحكي لي عن جنّيات أيّام زمان وما يعتريني من خوف أثناء النوم لذا كنتُ أنامُ بحضنها كي أشعرُ بالأمان لأنّ جدّتي كانت تملكُ دبوساً توخزُ به أياد الجنّيات الليّنة الناعمة الملمس،تقابلنا معاً عندما سحبَ حبلَ سرّتي داخلَ السرداب الجنّي وأنا للوهلة الأولى،كنتُ طفلاً،أرفرفُ كالفراشة الناعمة عندما يزهو بها المكان،لمّا وقفتُ أمامهُ وهو يخرجُ من مصباح علاء الدين السحري ناداني،ربّما خفتُ منهُ فشختُ على ملابسي البيضاء،فرميتُ بنفسي بينَ تفاصيل لحيته الرمادية لأعرفَ مدى إنفعاله وتردّده اللامحدود،عندما فتحتُ عيوني تيقّنتُ مدى إشعاع قوّته اللامتناهية،عرفتُ حينَ ذاك أنّهُ يسبقني بآلاف السنين الضوئية نحو المستقبل وبالرغم من أنّي قصير القامة لا أستطيع أن ألمسَ شعرة رأسه،إلاّ أنّه إنحنى أمامي وعاملني بلطف ورقّة، وجعلَ حجمي الصغير يكبر أمامهُ،فبالغتُ في الغرور،وإعتقدتُ أنّي أصبحتُ سيّدهُ،فروحهُ بيدي متى ما شئتُ أفركُ الفانوس عند الحاجة وكنتُ أرددّ مقولتي المفضّلة"وقل للجنّي أسكن الآنَ أنتَ ملك يدي"،وظلّت صورة الجنّي تتراءى في مخيلتي وأصبحت مدّة طويلة بيني وبينهُ،حتى يكادُ الزمان والمكان لا يسعا حدود ذاكرتي وأنا لا زلتُ أحسّ بأنّه ما زالَ يتذكّرني،وشاءت الصدف أن نلتقي ثانية،ولكن هذه المرة في مكان بعيد وبزمان مغاير،وما أن نظرتُ إليه وهو أيضاً يبادلني نفس الشعور ترانا ينكرُ واحدنا الآخر،وكأنّنا لم نلتق،وقفتُ أمامهُ نظرتُ إليه بعين مختلسة رغم الصمت الرهيب الذي ينتابني وأنا واقفٌ أمامهُ،أشعرُ ببعض العنفوان زفرتُ بعمق وقلتُ لهُ: يخالُ لي أنّكَ سحرَ هذا الكون الذي ليس لملكه إنقضاء. أيّها الجنّي المحبوس إلى الأبد،لا شيء يحتويك غير هذا المصباح الذي يصوّرُ تاريخ حياتك... بقيتُ أبحثُ عن لغز يُبهرني كخرافة الملاحم ولكنّي إكتشفتُ مدى خيبتي أمامه. أيّها الجبّار بلا منازع،لا شيء يُقاس بعظمتك وسحرك. أمامك تظهرُ صور مراهقتي وأنا أتحدّى الحياة ما زلتُ أحيطُ روحي بمتاهات وهمية وأنا أظهرُ نفسي فيها بدور البطل الذي سيظلّ الأسمى وضوءهُ الأنقى،وكلّما تمرّ الليالي أكتشفُ ضعفي أمامهُ ملىء بالخيبة والخذلان،صوتٌ ناداني من داخلَ المصباح عبرَ موجة قصيرة عدتُ إليها لأستمعها ثانية وفي رؤيتي حدسٌ عميق من الرهبة،فضؤبتُ بيديَ على المصباح... وأنا أشعرُ بالوحدة اليتيمة مع جنّيّ،لأنّه حلمي ومنقذي يحقّ لك أيّها الماردُ أن تسخرَ منّي وأن تمارسَ السلوك الذي تبتغيه،فعندما أنظرُ بالمرآة ينعكسُ الصباح بصورة المساء،والشرايينُ ما زالت تخفقُ بلون العقيق،يعجزُ لساني عن وصفه،يُخيّلُ إليك وأنّك بداخل المصباح كالسطح الهلامي الذي ينتشرُ بمجرّد الملامسة،فتتحوّلُ أعضاؤكَ إلى أشكال هندسية بلا حدود وتعلو رغوة زفيرك العبق الذي يُدغدغُ خلايا جسمي اليانعة. يهبني شعورٌ غير عادي كبات مان... أتذكّرُ سحرهُ وزبدهُ المنزلق،ربّما يمنحني السعادة والإمتنان. أعشقكَ لأنّكَ ذكريات طفولتي وقصص ألف ليلة وليلة التي كانت تقصّها علينا ميَلدا زوجة عمّي.أنظرُ إليكَ وأنا واجمٌ في روعتك وجمالك عملاقٌ أنتَ،لأنّك تسترسلُ ذاكرتي وتعرضها كشريط سينمائي ممتع. تهبُ لي نسمات عبيرك فتتناثرُ شعيراتُ لحيتكَ الرمادية كموج مسترسل في وسط البحر،إيّاكَ أن تطلبَ منّي شيئاً!.. عندما أكتشفُ أنّ الأيّام التي مرّت بك غيّرت تاريخ مولدك الحقيقي،أصبحتُ أنا أتحكّمُ بأحلامك المتبخترة،بواسطة الفانوس مع رشفة واحدة تظهرُ أمامي لتتباهى وتسجّلُ ما أحتاجُ إليه من الإنجازات والأسمال الضائعة. أنتَ الكل في الكل،ألا تُعلنُ عن عجزك أمامي لتفوّقي وتحكّمي بمحطّات حياتك،أنا أعرفُ بما تفكّر،أشعرُ بكَ وبسطحيّة إدّعائكَ الساحر. كما ترى يا جنّي... أنا أرى نفسي فيكَ تكمنُ في طغراب ذكائكَ،ولكن سلوككَ العنفواني يعانقني يبعثُ بي روحَ الدعابة،وخفّة الحركة،فأرى النور في عينيك. عندما تمدّ ذراعيكَ لي تصبحُ هيئتي مميّزة،تتراقصُ مع ذاتك المائعة،في كلّ وقت قدماي تسيران إليك دُونَ وعي بدون مقاومة،كيفَ السبيل لأتحرّر من سحرك؟. غمرني الجنّي بحنانه فتذوّقتُ طعمهُ المالح وتناسيتُ قدميه الإسفنجيتين اللتين تتمطّى هنا وهناك وكأنّهُ البحر أتى ليبتلعني فأصبحُ جزءاً صغيراً يرتمي نحو القاع دُونَ مقاومة. ولكنّي لم أستسلم. إستعدتُ رباطة جأشي كمحاولة لتثبيت أقدامي جيداً في القاع والبدأ بالنفخ بوجه الرمال. ربّما بقيتُ زمناً طويلاً هكذا ولكن عندما نزعتُ عن وجهي المياه،إستدرتُ نحوهُ وبكلّ ثقة قلتُ له:شكراً لك أيّها الجنّي... الآنَ فقط إكتشفتُ قوتكَ الكبرى،إحترامي لكَ وعشقي لكَ أرجو أن لا ننسى بعضنا البعض وأن لا يكونَ الأوان قد فات لأتعلّم منكَ نفحةً صغيرة تساعدني في إسعاد الناس.