المحرر موضوع: قصة الكاتب الذى رقد  (زيارة 433 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل اولـيفر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 546
    • مشاهدة الملف الشخصي
قصة الكاتب الذى رقد
« في: 18:37 23/06/2017 »
قصة الكاتب الذى رقد
Oliver كتبها

إستيقظ الكاتب فجراً كأن صوتاً دعاه أن ينتبه فإنتبه. وجد نفسه يتحدث مع الله فترك نفسه تستكمل الحديث دون تدخل منه.يسمع نفسه تقول : معك يا رب ما للأيام حساب.لم يحضر الصباح إلا من نورك و لم يأت المساء دون أن يتكلل بنجومك.كل الأيام عندى كانت مِنحتك.ظللت استمتع بمواهبك الليل و النهار.الليل لك صرت تكلمني و النهار لك صرت أكلمك فحديث العمر أنت.
كل الأفكار كانت تقصدك.كل الأسرار كانت عليك ترتكن. حجر الزاوية أنت لى.بمراحم الصباح سترت ضعفاتى و بمراحم المساء غسلت آثامى.فأنا مولود مراحمك .ثمرة صباحك و مساءك.ليس لجميع خلائقك ما أنعمت علىً من نعمك.ميزتنى لك عجباً و أنا لست إلا بك أتميز.
أراد الكاتب أن يعترف بما فى داخله فإعترف: لم أقِل عن أعتى الخطاة خطية.لم أرتفع عن الذين إلى الهوة إنحدروا.عشت مجتهداً يفشل كثيراً و يصيب قليلاً لكن وجهك كان قدامى كل الأوقات فتتلاشى الخطية بأوجاعها و ألثم من حبك المتجسد ما يحييني.فأرتفع إلى مجد لم يكن هدفى و إلى عمق لم يكن في مخيلتي فأنا ما كنت سوى رجل عند قدميك منطرحُ أرتجى شخصك معى.
كنت أفتح دفترى و العقل خاوٍ فإذا بك تبعث الأفكار تتراقص قدامى كفريق متماسك الأيدى.كنت سخياً على بما أفكر و فيم أفكر.حتى فى ضعفاتي أعطيتني من فكرك لأقوم و قد قمت و سقطت و قمت و سقطت و ها أنا في يديك سواء قمت أو سقطت.لأني من بين السقوط و القيام أشبع من مراحمك و عليها وحدها أستند وأتكل.كم جائتي الكلمات التى حين أقرأها أعرف أنها منك وليست مني.تجمعها أنت لى من حيث لا أعرف و من حيث لا أقصد .تتجمع الكلمات كالقلادات فوق أعناق الكتابة.أقرأها و أتأملك لأنك وحدك أعطيتني إياها و عندك غيرها ما لا يحصى.
و عن عمل الله فى كتاباته قال: كم مرة علمت كم أنا متهاوٍ فسندتني بجرأة و قوة.صرت شجاعاً ايما كان من أكتب ضده أو معه. لولا قوتك ما كنت هكذا متجاسراً.أو صرحت بمن أنتقد.أو أوجعت أعداءك أو حاورت مخاصميك.كم مرة أعطيتني مع الكتابة كل ما يلزم للكتابة .خلقت لى صمتأً أسكنه.و فضاءاً يسبح فيه الفكر بغير حدود.و مكاناً لا يعرفه سواك. تأتني فيه و آتيك فيه و أعيش لك و تعيش معي و كأنه ليس سوانا فى الوجود.لقد قدستنى بوجودك مراراً لا أعرف عددها.بها عشت منشغلاً حتي متي فتحت فاى أجد فمى يكلمك.فى النوم معك أقضى نعاسى و فى الصحو معك أنت إحساسي فأكتب لك كما أكتب بك و لا أدر ماذا فعلت بى يا الله.
كم مرة جعلتنى أكتب في بطمس ثم أخذتني لأكتب فى أورشليم.كم مرة ضغطت الأوجاع على القلم فأنتجت أنت بها من لوحاتك المبهجة.كم مرة كتبت و دماء شهداءك تسقى الكلمات معانيها و كم مرة كتبت و المرارة كانت تسقيها .كم مرة كتبت لك من عوز فى الوقت و الجهد و الأيام فإذا أنت تعطني بسخاء عوض العوز سخاء لا يفرغ.
لم تعلمنى فقط كيف أكتب بل أنت معلم كل كاتب كيف يعيش ما يكتب .كيف تصبح الأفكار جزءاً من شخصه.عضواً فى كيانه.تكون له صديق طوال الحياة و يكون لها أب كلما إحتاجت الكلمات إلى أب.أعطيتني ما يلزمني لأنسكب قدامك بجهلى و تنسكب بنعمتك معرفتك.فإذا ما رأيت نورك القادم يا أب الأنوار أستنير فأنفض الجهل و أستقبل نعمة النور و أسير كالأسير فيه.
إنني أكتب عنك الآن.عن يدك في حياة كاتب.عن صوتك غير المنقطع كمن يمليه .عن فكرك و مراجعتك لتقل لى أكتب هذا و لا تكتب ذاك.أكتب عنك أنك مزقت الكثير مما كتبته و ألغيت الكثير أيضاً لأنه لم يروقك.و أمسكت بيدى تعلمني ألف باء المحبة و السماء.فأخذت حروفك أنت.و جدلتها بيدي المرتعشة.صارت لى صليباً حيناً و تاجاً حيناً آخر.كم كنت تحكمنى و هذا ما يفرحني.
غير أنني أتذكر حزيناً حين كتبت من نفسى فأعجبت كتابتى الناس لكنها لم تروقك.وبخني روحك فإرتضيت و إمتثلت.يومها أعطيتك وعدى أن أتبعك حين أكتب ما دمت تتقدمنى.أنت تنازلت و تقدمتني كثيراً .كنت رغم آثامي أقرأ من عينيك ما تنتقي لي من فكر و تعبير.حتي أنني لا أنس تعبيرات وجهك و تعبيرات صوتك و تعبيرات كلماتك فعشت منذهلاً بكل تعبيراتك.تعلمت منك أدباً سماوياً.
أنا الكاتب الذى رقد هنا.لم يكتب للناس إلا أحبكم و لم يكتب إلا عن محبة الله.أنا أوقع بإسمى أن لغتي كانت مستعارة و أن كلماتي كانت من المسيح مقتبسة.و أن تأملاتى بدأت من حيث لا أعرف و كتبها القلم من غير رأيي.تركت إرثى كله لرجل يكتب مثلى.يعيش مثلى.فنحن توأم عشنا فى أزمنة مختلفة.و أمكنة مختلفة.تركت له ما أملك و هو لم يطلب.لكنني طلبت منه أن يأخذ ما عندى ليكتبه بقلمه. فكما أخذت مجاناً أعطه مجاناً ما أخذت.لأني أعرف أن الكلمات لا تموت.و الكاتب لا يموت.و الفكر لا يموت.فإذا كان الفكر حب فإن المحبة فوق الكل لا تموت.
إنتبه الرجل من حديث نفسه التلقائى مع المسيح.أراد أن يختم ببضع عبارات لعله يضع لنا من خبراته شيئاً .أمسك ورقة و دون كلمات قصيرة قال فيها : لا تفكروا كيف رقد الرجل كيف أو أين عاش.فقد عاش فى دنياه ما هدأ.نبض قلبه كان الحنين للوطن.حيث الرقاد كان حتمياً  لمَعبرِه رقد غير متردد راجياً شوقه فى السماء.أودع نفسه لمن صنعها.و رقد.هذا ليس موت بل حياة.ما كنت أعرفها إلا حين كتبت الآن عنها.هذه وصيتي لكم و حياتى.من رآها فليقل صلاة لهذا الرجل
 وصيتى لمن يكتبون : أقول أتركوا القلم في يد الله يكتب لهم.هذه وحدها الكتابة ذات ثمر.هي قدام الناس كتابة و قدام الكاتب نفسه قراءة يقرأها قبل الناس و يتعلمها فهو لم يكن يعلم عنها الكثير.مع أن الناس ينسبونها إلي كاتبها أما أنت ايها الكاتب فإنسبها غلى الله الذى أودعك الموهبة و ألهمك الفكرة و أغناك فى التعبيرات.فيا كل كاتب إعط فكرك لله يملأه أفكاراً من عنده.إعط لغتك لله و خذ لغته.إعط قلبك لله و خذ منه قلباً آخر جديداً يتسع لكل الناس و القضايا و الأمنيات و يكتب فيجد الجميع راحتهم في قراءة ما يكتب و معايشته كذلك.قال الراجل هذا و طوى قصته فى ورق سماوى اللون أودعه فى يد كاتب صديقه.أغمض عينيه و سافر.