المحرر موضوع: من بعقوبة البرتقال والنضال  (زيارة 1207 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ebrahim al-khiat

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 48
    • مشاهدة الملف الشخصي
من بعقوبة البرتقال والنضال

 إبراهيم الخياط



مساء الأربعاء 9 نيسان 2003 وبعد أن شاهد أهالي بعقوبة عبر البث المباشر للقنوات الإيرانية ، مشهد سقوط تمثال الدكتاتور وسط بغداد ، خلت شوارع المدينة الوديعة المقهورة (بعقوبة) من مظاهر السلطة الباغية . إذ أقفلت دوائر المخابرات والأمن والشرطة المحلية أبوابها، وانسحبت شرطة النجدة والمرور من نقاطها ، وتبخر المحافظ ومعيته ، فضلاً عن الانسحاب المخزي لأفراد وطواقم حزب السلطة ، الذين اختبأوا وهم بكامل قيافتهم وتسليحهم المدجج! وراح يتندر عليهم أهل الحسجة بالقول أنهم " لازمين عدّة "، وهذا تعبير شعبي شرعي يطلق على النساء في أول ترملهن ، إذ يلزمن البيوت دون براح . وهذا حال عناصر السلطة منذ ليال عشر بنهاراتها!
وسرت شائعة تحتمل التصديق بأن المجرم " مزبان خضر هادي " الهارب أصلا من منطقة الفرات الأوسط ، قد هرب من "بعقوبة" يوم 9 نيسان متخذا مكانه في تابوت على مشبك إحدى السيارات ، مخافة انتقام الشعب الحابس لغضبه.
ولما بان صباح الخميس 10 نيسان وبعد الثامنة صباحاً بقليل، استبيحت دوائر الدولة المنهارة وأول الأهداف كان أسواق بعقوبة المركزية، التابعة لوزارة التجارة. فما كان من أهالي المدينة الشرفاء ، وعلى رأسهم الشيوعيون ورجال الدين وجمع من الشباب الطيبين ، إلا أن  يحولوا دون النهب والسلب ، مستخدمين العصي والأعواد وصيحات النخوة العراقية الأصيلة ، بوجه بعض من عناصر الشرطة وثلة من فدائيي الدكتاتور الناهبين ، وهم يرتدون ملابسهم المدنية ، وتتبعهم مجاميع من الذين شملوا بعفو الطاغية سيء الصيت ، وأشتات من الناقمين والمسحوقين.

ما ان تقدم الغروب حتى تكونت لجان شعبية بمبادرة ريادية من الشيوعيين ، للدفاع عن الحارات السكنية والأهالي والبيوت في وسط البلدة ، وفي ناحية بهرز، وفي قرى شفته و  الهويدر بشكل خاص ، بعد توفر السلاح بيد الناشطين الشيوعيين ورجال حسينية بعقوبة.
في يوم الجمعة 11 نيسان تداول الشيوعيون مع أصدقائهم وتشاوروا ، وجرت لقاءات عديدة بينهم لجمع قواهم في مقر علني . وكما تقول تجارب الحياة فضلاً عن الأدبيات السياسية : إن الحرية تؤخذ ولا تمنح ، لذا اتفقوا على فتح  مقرهم في اليوم القابل.
وتماما كما اتفقوا أثناء تجمعهم على كورنيش خريسان ، فقد تم اختيار مقر لحزبنا الشيوعي في بعقوبة يوم السبت 12 نيسان ، وتلألأت اللافتة المضاءة بالحروف الحمر يوم الأحد 13 نيسان ، بهمة شيوعية مشهودة.
وكانت جماهير حزبنا الشيوعي ينافسون بهمّتهم أصدقاءه ، وأصدقاؤه ينافسون أنصاره ، والأنصار ينافسون رفاقه ، والرفاق ينافسون قادته الميدانيين.
وأردف المقر المذكور بمقرين آخرين حيث صار مكان الاول في حارة شعبية قرب جامع الشاهبندر والثاني في محطة بعقوبة ، ثم جاء دور الثالث في منطقة بعقوبة الجديدة.
توالت زيارات جماهير حزبنا مع جموع غفيرة من أبناء شعبنا المكافح الصابر، وقام رفاقنا بإحضار موقد مع  أوان للشاي ، وتبارى للتواجد في المقرات الفتية - نهاراً وفي الواجبات الليلية - شيوخ أجلاء كانوا قد تعلموا في مدرسة حزبنا ألف باء السياسة والأخلاق والطيبة ومعهم شبيبة لم يكملوا سن العشرين بعد..
وعقب مبادرة حزبنا العلنية قامت الأطراف الوطنية والدينية الأخرى بافتتاح مقارها ، ولتكتسي ( بعقوبة الخير ) حلّة من ألوان الطيف السياسي العراقي.
وشهدت " بعقوبة " وناسها الطيبون بادرة أخرى للشيوعيين ، إذ قامت مفرزة مسلحة من رفاقنا - وبعد ساعات من افتتاح المقر العلني لحزبنا يوم الأحد 13 نيسان -  بالتوجه إلى نصب الدكتاتور المقام في مدخل المدينة من جهة بغداد ، وقامت بإنزاله وسط فرحة ومؤازرة أبناء شعبنا الجذلان ، فالكل يصفق، وحتى قامت السيارات المارة بإطلاق منبهاتها لهذا العرس الجميل ، فقد انهارت الدكتاتورية ، والشعب السجين كسر زنزانة العراق..
ويعلم أهل بعقوبة من أقصاها إلى أقصاها بأن رفاقنا - وهذه مأثرة تُحسب - قد خرجوا من بيوتهم في المدينة واخذوا زمام المبادرة المتفانية بأيديهم هم  ، ولم تدخل الدبابات الأمريكية إلى بعقوبة سوى مرة واحدة ، ولمدة ساعة واحد ، وذلك غربي طرق المدينة الجنوبي ، حيث قامت بتفتيش قصر رئيس أركان جيش الدكتاتور، المجرم إبراهيم الشيخ ، ثم انسحبت وبقيت المدينة الخضراء بيد ثوارها من المشارب كافة..
وتبقى الصورة البهية التي أشرقت يوم السبت 19 نيسان ، حين وصلت مئات النسخ من جريدة " طريق الشعب " الى مدينة " بعقوبة "  في عددها الجديد / الأول بعد سقوط الدكتاتور. فتشممت الأنوف الكريمة طيب الحقيقة ، وتكحلت العيون المنتظرة لمرأى الطائر ملوّن الجناح ، واخضرت الأكف وهي تلامس الجريدة.
ووزعوها وهم يرددون الأغنية السبعينية الشهيرة " وسلمتهم يمّه  يمّه آخر أعداد الجريدة " فبعض دمعت عيناه ، وبعض رسم قبلاته على اسم الجريدة وآخرون - من فرحتهم - قدّموا للرفاق أقداح العصير، وكثيرون حتى من أعضاء القوى السياسية الأخرى جاءوا إلى مقراتنا للحصول على نسخ من الجريدة الحمراء الأثيرة ، التي ولجت ببشراها البيوت العطشى ، والمقاهي الحزينة ، ودكاكين بعقوبة ....... بعقوبة التي ضمّت الشيوعيين في أحداقها وبين آس نهرها ، من زمن الوجد إلى زمن الوجد.

بعقوبة - 20/4/2003