انها كنيسة الله و كنيسة الشعب؟
بقلم يوحنا بيداويد
1 أيلول 2018
كانت السنوات الأخيرة من اسوء السنوات في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية بسبب الاتهامات الكثيرة والخطيرة التي وجهت لها، بالأخص في قضية التحرش الجنسي بالأطفال، وقبل بعض سنوات قضية غسل الأموال ومن قبلها عملية سرقة وتسريب مذكرات الطوباوي يوحنا بولص الثاني من قبل مساعديه وغيرها من الملفات والمشاكل الداخلية غير المعلنة.
لقد كُتبَت العديد من المقالات والبيانات والتقارير الصحفية حول هذا الامر كما أجريت الكثير من المقابلات مع ذوي العلاقة و المتهمين. يجب ان نعترف بالحقيقة ونقولها في العلن ان بعض هذه الاتهامات مع الاسف صحيحة وتم الاعتراف بها من قبل المعتدين (ألقائمين) بها شخصيا، لكن الحصة الأكبر هي ملفقة وموجهة من قبل جهات سياسة معادية ضد الكنيسة، هدفها الأول اسقاط الكنيسة لا سامح الله او اضعافها وفي النهاية زوال قوتها وزعزعة مكانتها بين المجتمع كي يفقد المؤمنين الثقة بها، ومن ثم تبتعد الناس من الايمان المسيحي بسبب الشك في مصدقيه العاملين فيها.
نعم هناك أخطاء حصلت وتحصل في المؤسسة الكنسية (اقصد الجزء الإنساني منها) كغيرها من المؤسسات الإنسانية العالمية اليوم على سبيل المثال مثل رؤساء الحكومات والمحافظين و ومدراء البنوك ورؤساء الجامعات ورؤساء المحاكم وقادة الأحزاب السياسية الى مستوى الموظفين العاديين، الى مستوى المدرس الذي يبيع أسئلة الامتحانات.
لا يمكن لاحد أيضا ان ينكر مثل هذه الخيانات حصلت عبر التاريخ على مستوى الامبراطوريات والسلاطين والملوك بحيث لا يمكن ان نستثنى منها واحدة، كذلك حصلت في الكنيسة في الماضي وتحصل في الحاضر وستحصل في المستقبل، لكن بسبب حجم الكنيسة وقدسيتها وقوتها ونظامها الصارم ونقاوة رسالتها اصبح للبعض كراهية ضدها!!، فأصبح لديهم الرغبة في تكبير وتضخيم الأمور ضدها، أيضا هناك من له النية الصافية هدفه إيقاف أصحاب هذه الممارسات الخاطئة في الكنيسة وتقديمهم للمحاكم كي ينالون حقهم، والبعض الاخر وهم الأكثرية يرغبون في تشويه سمعة الكنيسة بصورة متعمدة واللبيب يفهم الإشارة.
لهذا طلب الطوباوي مار يوحنا بولص الثاني طلب الغفران عن كل اساءات حصلت في تاريخ الكنيسة ككل، من محاكم التفتيش وقبلها وبعدها الى تبرئة اليهود من دم المسيح.
الان أدعوكم الى قراءة مختصرة عن تاريخ اقوى دولة مدنية حديثة، التي تأسست على مبادئ حقوق الانسان الا وهي الولايات المتحدة، فترى لحد يوم امس، نلاحظ ان الاتهامات موجه الى الرئيس ترامب وفريقه في تزوير النتائج وتسريب ملفات شخصية مس كلينتون لتشويه سمعتها والتلاعب بنتائج التصويت مثلا، بالإضافة الى مقتل ثلاثة أعظم رؤساء لها في التاريخ ابراهم لينكولن (1865) والرئيس وليم مكينلي (1901) وجون كندي (1963) ومحاولات فاشلة لقتل الرئيس روزفلت وريغن(1981) واكثر من عشرة محاولة أخرى ضد رؤساء الاخرين، من يتحدث عن هذا التاريخ الأسود وغيرها من الجرائم ليس فقط أمريكا، بل في العراق او في البلدان العربية؟!.
يجب ان لا ننسى أيضا عشرات بل مئات الانقلابات والبطش ومذابح دموية بين افراد العائلة الواحدة بسبب المال والسلطة او الكرسي أشهرها انقلابات أولاد على ابائهم واخوتهم مثل سلاطين الدولة العثمانية وبالأخص محمد الفاتح ، وفي الزمن الحاضر ما حصل خلال عشرين سنة الأخيرة في امارة القطر من ثلاث انقلابات متتالية قام بها الابناء ضد آبائهم!! وكذلك السعودية ومصر وغيرها. اما العراق لا حاجة لنا بذكر الرؤساء الذين تم قلتهم بالانقلابات من مجزرة في قصر الرحاب بعائلة الملك، الى صدام حسين ومهندس التغير النظام السابق احمد الجلبي. هذه الجرائم لا يتحدث عنها الاعلام بسخرية مثلما يسخرون من الكنيسة، حيث يتم ذكرها في الاعلام بصور خفيفة بدون اكتراث وبصورة هامشية بينما يحاول أعداء الكنيسة تكبير صورة الخلاف بين قداسة البابا واحد سفرائه حول قضية أحد كرادلة واخطائه.
اذن الكنيسة مؤسسة إنسانية كغيرها من المؤسسات يمكن ان تصرف أحد أعضائها خارج نظامها او اخلاقيات العمل فيها فلا يعني ان كل المؤسسة فاشلة او مجرمة، لننظر مئات الإنجازات والمواقف الإنسانية التي كان للكنيسة في التاريخ لصالح الفقراء والإنسانية، قصدي لننظر الى عطاءات الكنيسة في التاريخ من حيث حماية الإرث التاريخي للأمم وتأسيس الجامعات والرهبانات والمستشفيات وحملات تقديم الادوية وتلقيح الأطفال في بدالية القرن الماضي وغيرها من الثمار والاعمال الإنسانية. كما يجب ان نعترف بحقيقة ساطعة منذ فجر التأرجح، ان الخيانة كانت من شيمة الانسان الأول الى اليوم (ادم وحواء وقصة التفاحة، هابيل وقابيل، واسحق وعيسو، ويوسف واخوته، يهوذا وزوجة ابيه، داود .......الى هيردوس ومقتل أطفال بيت لحم، الى حصار أمريكا ضد أطفال العراق وغيرها الى جرائم الدواعش ضد الأقليات وسبي نسائهم، الى حملة التي تقوم الميلشيات الكردية في قامشلي ضد المسيحيين. إذا العمل المشين ضد القانون الوضعي او الأخلاقي او الضمير الانسانية غير مقبول لكنه يحصل مع الأسف رغم تنديد الجميع به.
في الختام نقول ان الكنيسة هي الشعب المؤمن بتعاليم المسيحي، هناك من نذر نفسه لخدمة المذبح والاعتناء بتعليم الروحي والإنساني للمجتمع وهم قلة قليلة الان يدعون بالاكليروس او الكهنة لهم مؤهلاتهم ، وهناك من هو مؤمن وملتزم بهذه القواعد الايمانية.
يمكن ان يحصل الخطأ من قبل أي انسان مسيحي او غير مسيحي، مؤمن او غير مؤمن، مسؤول او غير مسؤول، لأنه انسان وفيه الغرائز كما هي عند بقية الحيوانات. من المهم جدا ان نساعد الخاطئ الواقع تحت نفوذ الغزيزة ان يتخلص منها ونشجعه على انه لا يقع مرة أخرى ونساعده ليتشفى. ولنتذكر مقولة المسيح لليهود عن المرأة الخاطئة:"
من منكم بلا خطيئة ليرجمها يو 8/7).
لكن يجب ايضا من يخطأ ان ينال جزاءه حسب القانون الوضعي والاخلاقي.