المحرر موضوع: في الدول المتخلفة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً متى تَحِل ثقافة دولة محل ثقافة ثورة في الحُكم ؟  (زيارة 1452 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
في الدول المتخلفة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً متى تَحِل ثقافة دولة محل ثقافة ثورة في الحُكم ؟
خوشابا سولاقا
الثورة بمفهومها الفلسفي ومنطقها الفكري ووفق كل الأعراف الفكرية والسياسية هي عملية تغيير جذري للواقع القائم الذي تتحكم فية مصالح أقلية مهيمنة ومتسلطة ليزيدها ثراءاً وتسلطاً على حساب بؤس الأكثرية المظلومة والمغلوبة على أمرها الذي يزيدها فقراً وبؤساً وشقاءاً وخضوعاً بغرض تحويله من حالة تنعدم فيها المساواة والعدالة الاجتماعية بين طبقات وشرائح المجتمع الى حالة مغايرة كلياً في معاييرها الانسانية والاجتماعية ، حالة أفضل من الحالة السائدة في تلبية حاجات وتحقيق طموحات وتطلعات الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية المتضررة من الواقع القائم في الحياة الحرة الكريمة التي تليق بإنسانية الانسان ، وإذا حصل خلاف ذلك تكون الثورة قد فقدت مضمونها الاجتماعي ومعناها الثوري بالمعنى الصحيح ، أي بالأمكان تسميتها في هذه الحالة " باللاثورة " إن صح التعبير من النواحي الفلسفية والفكرية والسياسية والاجتماعية وحتى اللغوية ، وهذا الذي حصل في أغلب بلدان العالم المعروف بالعالم الثالث التي حكمتها أنظمة عسكرية سلطوية اغتصبت الحكم فيها عن طريق الانقلابات العسكرية الدموية في غفلة من الزمن تحت واجهات ويافطات وشعارات شوفينية قومية أو دينية أو الأثنين معاً أو بدعوات تحررية وطنية زائفة ومنافقة وأقامت من خلال ذلك  لنفسها أنظمة بثقافة دولة استبدادية فردية وديكتاتورية قمعية ظالمة استَعبدتْ عن طريقها شعوبها خير استعباد حيث كان هدفها الأول والآخير هو البقاء والأستمرار لأطول فترة ممكنة على كرسي السلطة للأنتفاع من أمتيازات السلطة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الشخصية والعائلية ، وسعت مثل هكذا دولة لتوريث السلطة بعد رحيل الجيل الأول من الأباء الى الجيل الثاني من الأبناء والأحفاد ، كما حدث في الكثير من الدول العربية والشرق أوسطية والأسلامية لتتحول بذلك من نظام الفرد الأستبدادي الحاكم الى النظام الثيوقراطي - الأبوي القريب جداً مما كان سائداً في النظام الأقطاعي الملكي
 ، وهذا الشيء ذاته أو ما هو قريب منه حدث في بلدان العالم الثاني أو ما كان يُعرف بالعالم الأشتراكي في أوروبا الشرقية والأتحاد السوفييتي وخارجها عندما تحولت قيادات أحزابها الثورية بعد وصولها الى السلطة بعد الثورة البلشفية في روسيا ودول المعسكر الأشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية من قادة ثوريين الى ملوك وقياصرة من غير تتويج رسمي وأسست لنفسها امبراطوريات بأنظمة ثقافة دولة استبدادية وديكتاتورية قمعية مقيتة ساد فيها الفساد المالي والأداري وسرقة المال العام والأثراء الفاحش للنخب السياسية الحزبية الحاكمة على حساب إفقار وبؤس وشقاء واستعباد الطبقات الفقيرة من الشعب مقابل تأمين لها الحياة البسيطة بأبسط شروطها الانسانية ، حيث ظهرت حقيقة هذا الواقع واضحة للعيان بعد الانهيار الدراماتيكي لهذه الأنظمة الفاشلة في وقت قصير في نهايات القرن الماضي ببروز طبقة ثرية رأسمالية ضخمة ولدت من رحم الطبقة الحاكمة في السابق التي تعاطت الفساد ، طبقة فاحشة الثراء تنافس في حجم رأسمالها وتأثيرها أثرى أثرياء العالم وقد وضح حجم وتأثير الفساد الذي كان مستشرياً في النظام السوفييتي السابق ميخائيل غورباشوف آخر رئيس للأتحاد السوفييتي في كتابه الموسوم " البيروسترويكا " كنموذج  صارخ .
هذه الأنظمة  التي أنتجتها القيادات العسكرية الأنقلابية في معظم دول العالم الثالث والقيادات الحزبية الثورية في جميع الدول الأشتراكية في العالم الثاني أنتجت سلطة دولة استبدادية ديكتاتورية قمعية ظالمة وليس دولة المؤسسات الدستورية يحكمها القانون المدني ذي النهج الديمقراطي ، أي أنها أنتجت دولة سلطوية أي بمعني أنتجت دويلات داخل الدولة السلطوية كما باتت تسمى اليوم " بالدولة العميقة " ، المولود الشرعي لظاهرة الفساد لفرض واستمرار سطوة واستبداد وهيمنة الحاكم بأمره باستعمال كل وسائل القوة القسرية المتاحة من خلال الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية لمصادرة إرادة الشعب واخضاعه لأرادته ولحماية واستمرار حكمه السلطوي وبالتالي حماية مصالحه الحزبية والشخصية وليس بناء دولة مؤسسات دستورية يحكمها القانون حيث يكون لكل مؤسسة من مؤسساتها ولكل سلطة من سلطاتها قانونها الخاص بها يحدد مهامها وواجباتها وصلاحياتها وحقوقها تحت سقف الدستور الذي يشكل المرجعية القانونية الوحيدة للفصل بين السلطات كما هو الحال في الدول الديمقراطية الحديثة التي أمّنَتْ وتُؤمن الحياة الحرة الكريمة لشعوبها بأقصى ما يمكن في كل مناحي الحياة بحسب مواردها المالية المتاحة .
هذا يعني أن الثورة أي ثورة حقيقية بعد أن تنجز التغيير المطلوب في طبيعة النظام القائم بالأساليب الثورية ووضع أسس النظام الجديد سياقات عمله ، على قادتها أن تبدأ بالأنسحاب التدريجي من ساحة السلطة بوضع الأسس الكفيلة لبناء دولة المؤسسات الدستورية المدنية الديمقراطية وترسيخها تدريجياً للعبور من مرحلة ثقافة الثورة الى مرحلة ثقافة الدولة وليس العكس أي تحويل ثقافة الثورة الى ثقافة ديكتاتورية الدولة السلطوية من خلال الأجهزة الأمنية والمخابراتية لأستعباد الشعب ومصادرة إرادته وكبح صوته وخنق حرياته .
الدولــــة
بمفهومها الشامل والمتعارف عليه بل والمجمع عليه من قبل فقهاء الفكر والقانون والسياسة وعلم الاجتماع في أرقى أنظمة الحكم في أكثر دول العالم المتحضر تقدماً وديمقراطيةً هي مؤسسة خدمية تسعى الى تقديم أفضل الخدمات المختلفة للشعب وبأقصى قدر ممكن من المساواة لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع على أساس الهوية الوطنية من دون التمييز بين مواطني الشعب على أساس الأنتماءآت والخصوصيات الفرعية بكل تنوعاتها ، وعلى أن يتم ذلك في الأطار العام للدستور الوطني للبلاد وفق قوانين تُشرع لتصميم الهيكل التنظيمي لها من حيث توزيع السلطات الرئيسية ، ومن ثم سن أو تشريع قوانين خاصة لتفصيل هيكلية كل سلطة من السلطات الرئيسية التشريعية والتنفيذية والقضائية والهيئات المستقلة وتحديد مهامها وواجباتها وصلاحياتها التنفيذية والقانونية وحقوق منتسبيها لضمان التوازن بين مكونات الشعب بمختلف انتماءآتهم وفق معايير الكفاءة والنزاهة والأخلاص والأمانة الوظيفية والولاء الوطني في مختلف مناحي الحياة بدأً بالتربية والتعليم والضمان الأجتماعي والصحة والخدمات البلدية كافة كالماء الصالح لاستعمالات الانسان والكهرباء ونظام الصرف الصحي وحماية البيئة الوطنية من التلوث ومكافحة الفساد في مؤسساتها بكل أشكاله وملاحقة الجريمة بلا هوادة وتأمين الأمن والأمان للمجتمع وصيانة وحماية سيادة استقلال البلاد من خلال تأسيس أجهزة أمنية وعسكرية مخلصة وحرفية وفائها للوطن فقط وضمان حرية الرأي والنشر والصحافة ووسائل الأعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة وضمان مع تقنين حرية نشاطات مؤسسات المجتمع المدني وفق القانون الذي يحدد مصادر وطبيعة تمويل نشاطاتها وذلك لحماية أمن البلاد من الأختراق من قبل جهات مخابراتية أجنبية تعمل تحت واجهات منظمات خيرية وإنسانية التي تسعى على استغلال تلك المؤسسات في الحصول على ما تبتغيه من معلومات لها مساس بالأمن الوطني .
أي أن الدولة في نهاية المطاف لتكون دولة بكل معنى الكلمة يجب أن تكون قاضي العدل الذي يحكم بالعدل وفق مبدأ الثواب والعِقاب وهذا ما يجعل الدولة مؤسسة ذي كيان وشخصية معنوية راسخة قائمة بذاتها لا تتغير بتغيير الأشخاص القائمين على  إدارتها .
في ضوء ما تم عرضه حول المفهوم الفلسفي والفكري والقانوني لكلٍ من الثورة والدولة ومقاربتهما مع وضع العراق الحالي سوف نجد أن الدولة بمعناها المذكور غائبة عن الوجود بسبب تسييس كل شيء في الحياة السياسية العراقية وفي المقدمة منها تسييس القضاء عملياً بامتياز ، وهذه الظاهرة الخطيرة أفضت بالضرورة الى غياب سلطة القانون وبالتالي غياب الدولة الراشدة صاحبة الصوت الأعلى في العراق وسيادة ثقافة الثورة الذي يعتمد أصلاً على القوة المسلحة التي تمتلكها الأحزاب السياسية المتنفذة والمهيمنة على القرار العراقي المتمثلة في الفصائل المسلحة بعناوينها المختلفة نيابة عن سيادة ثقافة الدولة ، وأن العراق في ظل هذا الواقع بات أسيراً لقواعد وضوابط منطق وثقافة الثورة يتم إدارته وفق هذا المنطق وليس وفق منطق وثقافة الدولة .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 7 / ث2 / 2018 م



غير متصل سامي ديشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 941
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأخ خوشابا سولاقا المحترم

مقالتك هذه، شرحت بها بالتفصيل العلاقة بين مفهوم الثورة والدولة،  ومؤسساتها القانونية وطريقة عمل الأحزاب المتنفذة وهيمنتها على القرارات، وتحجيم القانون في غياب سلطة الدولة.

ما تقوله هو عين الصواب لسببين رئيسيين: الاول ، ما نراه ونسمعه عن العراق يتطابق كليا مع ما كتبته . والثاني، لأنك في الخط الأمامي وعلى مرأى من كل ما يحدث في العراق.

الفقرة الاخيرة لمقالتك، سبَكْتَها سبكاً محكماً وأعطيتَ فيها زبدة افكارك، ولخّصتَ فيها بكل اقتدار محتوى مقالتك. تقبّل تحياتي ...

سامي ديشو-استراليا

غير متصل هنري سـركيس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 976
    • مشاهدة الملف الشخصي

الاستاذ العزيز خوشابا سولاقا المحترم
تحية طيبة
استاذ العزيز. بناء الدولة يحتاج عددا من الاسس اهمها واولها وجود نظام سياسي مستقر لتداول السلطة قائم على دستور معترف به ومقبول من الشعب بجميع مكوناته، لان النظام السياسي هو اهم ما يتم الاتفاق عليه وبناؤه قبل ان يستقر الوطن وهذا الشيء نفتقر اليه منذ سقوط النظام البعثي. وكما يقال النظام السياسي هو كوضع القطار على السكة الحديد لا يمكنك ان تسير بالقطار او بالوطن اذا لم تضعه على السكة او الطريق الصحيح هذا اولا.. وثانيا كما اعلم وتعلمون بان الفلسفة الراغماتية من الفلسفات المادية الحديث، التي تؤكد على المردودات والنتائج الايجابية من الافكار، اذ ترى بان العقل يحدد هدفه حين يقود صاحبه الى العمل الناجح، فالفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة، اي الفكرة التي تحققها التجربة، والا يقاس صدق القضية الا بنتائجها العملية، وان معيار الحقيقة هو العمل المنتج وليس الحكم الفاسد. وبالتالي اذا ما اسقطنا مفاهيم هذه الفلسفة على سلوكيات الحكومات والساسة في الوطن، سنجد بان هناك غيابا تاما لهذه النظرية في فلسفة الحكومات العراقية وخطابات الاحزاب السياسية العراقية، لاسيما على الساحة السياسية الوطنية، فهذه الحكومات والاحزاب السياسية افقدت للثوابت الوطنية الشاملة التي تمكنها من الخروج من النفق المظلم التي ترزح تحت وطاته منذ سنوات خلت ولا تزال،بلغة وخطاب سياسي براغماتي، يظهر عمق وتاريخ العراق الحضاري وموقعه الجغرافي وهويته الوطنية، ودوره السياسي في المنقطة، بعيدا عن الاصطفافات المذهبية والطائفية والقومية والصراعات الداخلية. ولهذا الحكومات الحالية والقادمة وايضا الاحزاب السياسية العراقية، احوج ما تكون اليوم والغد والمستقبل الى هذا الخطاب وهذه الفلسفة على الصعيدين الداخلي لانتشال الوطن مما هو فيه. وبالتالي استاذ العزيز النظام السياسي في الوطن منذ سنوات لم يعد خطرا على مستقبل الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية، بل خطرا على العراق بذاته بسبب طيش ورعونة سياساته الداخلية الفاشلة التي لا يمكن له الا وان يعرض الوطن للخراب كما يحدث اليوم، لان السياسات الخاطئة والغير مسؤولة هي التي فتحت باب الجهنم على الوطن، ولا خيار امام هؤلاء وسياساتهم سوى الاستبداد والفساد او تدمير الوطن.وختاما انا اعتقد ان غياب عنصر المنافسة السياسية الشريفة، وبسبب ضعف تطبيق القانون وسيادته وبسط سلطته على الجميع، وايضا فشله في توفير الخدمات الاساسية للشعب هذا ادى بدوره الى كوارث مختلفة متعددة عصفت بضلالها على الوطن ابقته متراجعا ومتخلفا عن الركب والتطور.وتقبل مروري مع فائق محبتي اخوكم
هنري

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ samdesho المحترم
تقبلوا محبتنا الأخوية مع أطيب وأرق تحياتنا الصادقة
 شرفنا مروركم الكريم بهذه المداخلة الرائعة والتي وضعتم من خلالها الأصبع على الجرح بما قلناه واستهدفناه في المقال فيما يخص علاقة ثقافة الثورة بثقافة الدولة حيث ثقافة الثوررة كل ثورة تنتهي بولادة دولة ديكتاتورية استبدادية وقد تصل الى دولة فرد بينما من المفروض أن تنتهي بثقافة دولة التي تؤدي في النهاية الى تأسيس لدولة المؤسسات الدستورية والقانونية المدنية تنتهي بدولة ديمقراطية تسود غيها المساواة والعدالة الاجتماعية وليس العكس كما وضحنا ذلك في مقالنا وأن لا تكون ملك أو وسيلة بيد السياسيين لقمع الشعب ومصادرة حرياتهم وارادتهم ...
شكراً لكم لمتابعاتكم الدائمة لما نكتبه وننشره في هذا الموقع الكريم وهذا إن دل على شيء وإنما يدل على مدى سمو ثقافتكم الفكرية ونضج وعيكم السياسي وحرصكم الكبير على مصلحة الشعب والوطن ونحن ممتنين لتقييمكم الرائع للمقال ... دمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام .

                       محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الكاتب السياسي المتألق الأستاذ هنري سركيس المحترم
تقبلوا محبتنا الأخوية مع خالص تحياتنا الصادقة
شكراً على مروركم الكريم بمقالنا بهذه المداخلة الثرة ، كما ونشكر لكم مروركم الدائم بكل ما نكتبه وننشره في هذا الموقع وهذا الموقف أعتبره تكريماً ومحبة منكت لشخصنا ونحن بالمقابل نبادلكم مشاعر المحبة والأحترام والتقدير ، بالتأكيد كل ملاحظاتكم تبقى موضع احترامنا وتقديرنا ونعتبرها إثراءً لما نكتبه .... دمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام ................ محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد