المحرر موضوع: ما هو الخوف؟ بحث إجتماعي  (زيارة 1906 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فؤاد زاديكه

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ما هو الخوف؟ بحث إجتماعي
« في: 23:03 03/09/2005 »
ما هو الخوف؟



لاشك أنّ موضوع بحثي هذا ليست له علاقة مباشرة بكتاب الروائي الأمريكي "مايكل كراتين" المسمّى "ستيف اوفر فير" ويعني (دولة الخوف) وهو بالتأكيد ليس ترويجاً لهذا الكتاب الذي وضع على لائحة أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة الأمريكيّة، بل هو يتناول موضوعاً حياتيّاً يمسّ كلّ فرد منّا وله علينا مخاطر شديدة إنْ لم نتمكّن من التعاطي معه كما يلزم.



إن الخوف حالةٌ شعوريّةٌ تنتابُ الإنسان عندما يحسّ بخطر ما يواجهه دون أنْ تكون له مناعةٌ ضدّه أو سبيلٌ لمقاومته. وقد يعظمُ هذا الشعورُ عندما يكون الإحساسُ بالخطر أعظم وأقوى وكلّما زادتْ درجةُ الإحساس بهذا الخطر زادَ الخوفُ لدى الإنسان أكثر وقد يصلُ فيها إلى مرحلة العجز الفكريّ وهذا العجزُ إمّا أنْ يقوده إلى شلل في الإرادة وفي معنويّة الجسد فيعلن عن استسلامه لهذا الخطر معلناً عن إقراره بأنّه القضاءُ الذي لا مردّ له والحكمٌُ الذي لابدّ من تنفيذه، دون أنْ يُبدي استعداداً لأيّة مقاومة أو يبذل جهداً حقيقيّاً في مسعى للتغلّب على هذا الشّعور ومحاولة كبحه، وهذا المنحى بالطبع سلبيّ قد يدمّر حياة المرء برمّتها إذ يقوده شعوره هذا بالضعف والإحباط وضيق الحيلة إلى أنْ ينفّس عن كلّ هذا الشّعور بالضّيق إلى التزام سلوك شائك يعاقبُ فيه من خلاله نفسه والآخرين في غير حدود المعقول والمنطق، وإمّا أنْ يقاوم بكلّ ما يملك من سبيل وهذا هو المنحى الإيجابي.

إنّ الخوف هو من بعض رواسب الماضي التي استقرّت في تربية عقلنا الباطن، وهو ناجم كذلك عن سيل ممارسات اجتماعيّة متراكمة عبر مسيرة مرحلة طويلة عملت جذوراً لها في أعماقنا ووقعنا أسرى لها دون أنْ تكون لنا إرادة في ذلك.

إن الخوف يجعلنا نفقد الإحساس بالأمن والطمأنينة والهدوء ويدخل إلى نفوسنا قلقاً واضطراباً وعدم استقرار ولدى إحساس المرء بالخوف تتملّكه حالات نفسية وجسدية ظاهرة على سلوكه وطبيعة تصرّفه فهو يعرق وتزداد ضربات قلبه شدّة وسرعة ويتنفّس بصعوبة وربما يقوم بحركات لا إراديّة تنمّ عن عدم مقدرة على التركيز ويشعر أيضاً بضيق في الصّدر مع وجع في الرأس يصاحبه بعض الدّوار وقد ترتفع درجة حرارة جسمه في حال شعوره بالخوف أو هو يشعر بالبرد وإلى غير ذلك من أعراض تظهر بشكل واضح على جسده وسلوكه.



قيل لو أنّ الفأر لم يخف لما استطاع العيش، ويقصد من ذلك أنّه سيكون قد ذهب فريسة سهلة للقط الذي يتربّص به الفرص والخوف إنذار للمرء لكي يحاول اجتياز خطر محدق أو يتلمّس طريقاً لتجاوز موقف صعب يتعرّض له، ومن الطبيعي أن يخاف المرء لكونه كائن بشري يتعامل مع الواقع وهو في تماسّ مباشر مع جميع ما في هذا الواقع من مخاطر وأهوال تتهدّد حياته وتنذر بنهايته.

ولكي نتمكّن من التقليل من مخاطر هذا الخوف على الإنسان وجب علينا أن ندرك جيّداً ما هي أسباب الخطر؟ ومن ثمّ ما هي أنواع الخوف؟ وكيف يمكن التعامل مع كلّ ذلك من خلال التدريب وصقل العقل والنفس والجسد على المقدرة على التحمّل والتغلّب على هذه المصاعب التي تتمثّل في هذه الأخطار؟

هناك خوف يحسّ به المرء ممّا حوله وما يعترض طريق حياته ونستطيع أن نجمل ذلك في التالي:

* الخوف من الأعداء: كان هذا ومنذ قديم الزمان معهوداً وجارياً فللإنسان أعداء من البشر ومن غيرهم، فهو يظلّ يعتقد أنّ هناك خطراً ما يلاحقه أو يتربّص به وعليه تلافيه والتحسّب له.

* الخوف من الحيوانات: وهذا أيضاً قديم مع قدم وجود الإنسان فالحيوانات كانت عدو الإنسان الأول وهو لكي يستطيع مقاومتها والتغلّب عليها استخدم حيلا وصنع أسلحة وطرق تمكّنه من اتقاء شرّها ومقاومتها وأحياناً التغلّب عليها.

* الخوف من الحرب: وهذه أيضاً قديمة منذ وجد الإنسان فالحروب كانت أزلية وهي لا تزال وسوف تستمرّ لطالما وجد الإنسان ووجدت معه المصالح والخلاف في وجهات النظر والرؤية إلى الحياة بين الناس.

* الخوف من الإمتحان: يوجد كثير من الناس يخافون الإمتحان ورهبته وحتى "نابوليون بونابرت" أعظم فاتح في التاريخ كان يفضّل أن يخوض عدة معارك من أن يخوض امتحاناً واحداً.

* الخوف من الرئيس في الشّغل: وهذا يعاني منه عدد غير قليل من الموظفّين أو العمّال.

* الخوف من الشعور بالغربة: وهذا يكون لدى الأشخاص الذين يغادرون أوطانهم وبلدانهم إلى أماكن أخرى، ويستوطنون بلداناً أخرى يكون لديهم الاحساس بالغربة والمجهول الذي ينتظرهم. وهذا النوع من الخوف يزول مع حسن التأقلم والتعرّف على الوسط الجديد.

* الخوف من الطبيعة وكوارثها: وهي يوميّة تقريباً وتحصل في أماكن مختلفة من العالم على شكل هزّات أرضيّة أو زلازل أو فيضانات أو عواصف ثلجية أو انهيارات بركانيّة أو سقوط طائرات أو انفجارات من أي نوع.

* الخوف من الأعمال الإرهابيّة: وهذه لم تكن قديماً معروفة وقد وجدت لأسباب اختلاف العقائد أو المذاهب وربط الدين بالسياسة وتسخير الدين لأغراض شخصية تهدف إلى بلوغ مراتب أو إقرار دعوة ما وإلى غير ذلك، وهذا النوع من الخطر يكون مفاجئاً وسريعاً غير متوقّع أو منتظر على غرار ما حصل في البرجين العالميين في نيويورك وغيره من الأماكن في أنحاء مختلفة من العالم.

* الخوف على مصير الأولاد ومستقبل الأسرة: ويكون هذا النوع من الخوف طبيعيّاً ومشروعاً فهو يسعى لا إلى التدمير بل إلى البناء واختيار السلوك الأفضل من أجل تحسين ظروف المعيشة أو العمل على زيادة نسبة الدخل وغيره.

* الخوف من المرض: وهذا النوع من الخوف يكون فطرياً لدى الإنسان وهو أيضاً مقبول وغير ضارّ .

* الخوف من رفض المجتمع للشخص: لسبب علّة توجد فيه أو قصور أو عجز من نوع ما يجعله يشعر بالدونيّة ويخشى الاحتكاك بالآخرين لكي لا يصير محط سخريتهم وهزئهم.

* الخوف من عدم الإتفاق الزوجي: وهذا لا يشمل فئة عظيمة من المجتمع بل الفئة التي لا تستطيع التعامل مع الحياة الزوجية بما يلزم من الحنكة والحكمة والتعقّل والصبر.

* الخوف الإجتماعي : وهو ما يسمّى بالرّهاب (الجزع الشّديد) وله مخاطر شديدة وعظيمة إن لم يتمكّن المرء من إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوزه.

* الخوف من رواسب الماضي: في أن تعود وتؤثر سلباً على حياة الشخص من جديد، فيظلّ يعيش في قلق مستمرّ.

* الخوف من الوقوع في الخطأ: وهذا النوع من الخوف يظهر بوضوح لدى الأشخاص الذين يصعب عليهم القبول بالهزيمة أو ألإقرار بالفشل وهم يريدون أنْ تكون تصرّفاتهم مدروسة وخططهم مضمونة النتائج لكي لا يتعثّروا وهذا النوع من الناس تكون الحساسية لديهم مفرطة وهم يعملون المستحيل كي تكون أعمالهم ناجحة ومضمونة وأكثر ما يخافونه هو الفشل.

* الخوف من كسر قيود العادات المتسلّطة و البالية: وهذا النوع من الناس يكون متحرّراً في وعيه ومتطوّراً في نمط ثقافته ويضع نصب عينيه تغيّير ما يراه غير منطقيّ أو عصريّ في أفكار اليوم السائدة.

* الخوف من الأهل: وعلى الأغلب يكون خوف الأولاد من ذويهم وأولياء أمرهم ولهذا النوع من الخوف نواحي إيجابيّة تدفع إلى محاولة تجنّب الخطأ والسلبي ونواحي سلبيّة قد تدفع إلى تحدّي إرادة الوالدين وكسر رغبتهم في تمرّد يعلن الشخصية التي يريدون أن يتمّ الاعتراف بها، وهنا يكمن الخطر المحدق من الإنزلاق والتخبّط والضّياع.

* الخوف من الديمقراطية: وهذا النوع من الخوف جديد فهو يعني خوف القادة السياسيين المتحكّمين في القرار السياسي من خوفهم على أن تودي الديمقراطية وممارستها بهذه السلطة المستبدّة وهي من نتائج العولمة وهي ضروريّة جداً ويحتاجها الجميع، إذ أنه لا كرامة ولا حرّية ولا وجود بدون ديمقراطيّة حقيقيّة يستطيع الناس من خلالها ممارسة حقّهم في الحياة والتعبير والممارسة دون أية ضغوط أو قيود مكرهة.

* الخوف من الموت: وهذا النوع من الخوف هوأعظم أنواع الخوف فالموت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تجنّبه أو تجاوزه فهو مصير حتميّ لجميع الناس ولا يستطيع الإنسان قهره.

* الخوف من الآخر: وهذا أيضاً قد يكون من ولادات العولمة لكنه منطقيّ ومن الواجب التعامل مع الآخر على أساس التعايش السلمي والسليم المقبول لا على أساس الرفض ومحاولة الإلغاء لهذا الآخر عملا بمبدأ الحوار مع الآخر وليس الصراع الذي ستكون فيه كفّة الغلبة للأكثر رسوخاً وثباتأً وقوّة ومصداقيّة وهو بالطبع الانفتاح والمحاورة والنقاش لا العكس.

* ظاهرة الخوف من الظواهر الموروثة: كالأمراض الوراثية أو غيرها.

* الخوف من الاعتداء: أي أن يتمّ الاعتداء على الشخص من آخرين وهذا يدلّ على ضعف من نوع ما تتمثّل به هذه الشخصيّة فلا تشعر بالثقة بالنفس ولهذا فهي لا تأمن الآخرين وتتحذّر منهم.

* الخوف من اللصوص وهذا خوف مرحليّ ووقتيّ وغير دائم.

* الخوف من الوحدة: لكون الإنسان كائن اجتماعيّ بطبعه.

* الخوف من الأقوى.

* الخوف من عدم الاستعداد: وفيما كنت أقرأ على مسامع زوجي ما كتبته بهذا الخصوص عن أنواع الخوف لفت انتباهي جملة بل سبباً منطقيّاً فاهتْ به حين قالتْ: "هل تعرف ممّ أخاف"؟ فاستغربتُ وسألتُ نفسي هل تخاف من سبب لم آت له على ذكر؟ قلتُ ممّ؟ قالتْ:"أخاف أن أقضي وتأتي نهايتي – وهذا طبعاً ليس ما يخيف – بل أن لا أكون قد هيأتُ نفسي لتلك الساعة" عرفتُ حينها أنّه توجد بالتأكيد أنواع أخرى كثيرة من الخوف لم آت على ذكرها كلّها.

كانت هذه أهم أنواع الخوف التي عرفها الإنسان عبر مراحل التاريخ، والآن علينا أن نحاول معرفة السبل والوسائل الكفيلة بأن تجعل المرء قادراً على تجاوز هذه الأنواع المختلفة من الخوف وذلك بالعودة إلى تجارب ونتائج توصّل إليها باحثون وخبراء اجتماعيون ونفسيون.

إنّ الشعور بالانهزاميّة يضعف الثقة بالنفس ويقلّل من روح الإبداع الفكري والروحي لدى الشخص لذا كان لزاماً علينا أن نشجّع أنفسنا ومنْ يقعون ضحية أي نوع من أنواع هذا الخوف فالشجاعة كفيلة بأن توجد حلولا، لأنها تقوّي الإرادة والتي تلعب دوراً هامّاً بهذا الخصوص.

علينا أن نقوّي الناحية الدينيّة و الروحيّة لدى الأشخاص لأنها سلاح ذو حدّين وهو نافع جداً ومريح، كما علينا أن نختار المواجهة لا الهروب فهي السبيل الأفضل للوصول إلى الحلّ فالهروب يعقّد المشكل أكثر ممّا هو.

أن نعمل على التفكير بهدوء لا بانفعاليّة تفسد علينا عملية البحث عن الحلول، كما أن الإصرار لدى الشخص على المقاومة يضعف من فرص تمكّن الخوف من السيطرة على نفس الإنسان.

زيادة الشعور بالثقة بالنفس وإقحام هذه النفس في معترك العمل بشجاعة في تصدّ متواصل كفيل بإنجاح المسعى. كما أن تبادل الخبرات والتجارب بين الناس في هذا الخصوص يساعد هذا الآخر على حسن التصرّف والتمكّن من النجاح، وعلى المرء أن يسخّر كلّ ما يملك من قوى عقليّة وفكرية في سبيل تجاوز هذه الحالة. أن يتأكّد من أنّه ليس الوحيد الذي تعرّض أو يتعرّض لمثل هذا الخطر بل أنّ هناك كثيرين ممّن عانوا ووقعوا في هذا المشكل وهذا يخفّف لديه الشعور بالعجز ويقوّي إرادة التصميم وعدم الاستسلام.



إنّ الإنسان كائن بشريّ وهو بالطبع سيخضع لعملية تطوّر معقّدة ومستمرّة فعليه أن يسعى إلى التأقلم مع الحالة الجديدة وأن يحاول التصدّي للعوائق والمعوّقات التي قد تعترض طريق استمرار هذه العملية من التطوّر لتسير وفق منهج وممارسة يكفلان لها النجاح.



أما متى نظرنا إلى ظاهرة الخوف دينيّاً فإننا نلاحظ أن تاريخ جميع الديانات حافل بهذا الخوف الذي نبّه إليه الأنبياء والرسل وحذروا من مغبة الخضوع له والاستسلام لسلطانه، وأكدوا جميعاً أنّ الرجوع إلى الله والثقة به معيناً سوف يخفّف من هذا الخوف ويدخل الراحة والهدوء إلى النفس البشرية، وقد وردتْ أياتٌ كثيرة في الكتاب المقدّس تتحدّث عن الخوف أو تشير إليه ومنها: "لا تضطربْ قلوبكم ولا ترهبْ" قال يسوع لتلاميذه حين أدركوا أنّه سيذهب إلى عذاباته ويسلّم لأيدي البشر وسيتركهم وحدهم. يوحنا 27:14 ويقول أيضاً لتلاميذه "أقول لكم يا أحبائي لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون بل أريكم ممّن تخافون، خافوا من الذي له سلطان أن يلقي في جهنّم... نعم أقول لكم من هذا خافوا" لوقا 12 ويقول في مرقس 36:5 "لا تخف آمن فقط" وذلك عن الإبنة التي ماتت وليس رجاء من شفائها. وفي لوقا 32:12 "لا تخف أيها القطيع" وفي سفر الرؤيا قال ليوحنا الحبيب حين وجل وخاف: "لا تخفْ أنا الأول والآخر" وفي بولس الرسول في غلاطية يقول: "أخاف عليكم" وفي متى 10:28 "لا تخافا اذهبا وقولا لإخوتي" عندما ظهر للنسوة وهنّ خائفات وفي بطرس الرسول يقول: "فسيروا زمان غربتكم بخوف الله".

أمّا في القرآن الكريم وعلى لسان بعض رجال الدين المسلمين جاء في قوله تعالى: "فلا تخافوهم وخافون إنْ كنتم مؤمنين" وقال: "ولمن خاف مقام ربه جنّتان" ويقول أبو سليمان: "ما فارق الخوف قلباً إلاّ خرب" وقال أبو حفص النيسابوري: "الخوف سراجُ القلب" وقال إبن تيميّة: " الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله" وقال عثمان الحيري: " الخوف هو الدرع عن الآثام ظاهراً وباطناً".

وجاء في الأمثال الشعبيّة: "الخوف يقطع الجوف" و "خاف من الذي لا يخاف الله" و " كان في قلب الشعب مخافة الله" و "فلان يخاف من ظلّه" و"الخوف نصف المرجلة" و "اللي يخاف من العفريت يطلع له" و " من خوفو على عيالو صابر على اللي يجرالو" و " الهزيمة مع السلامة غنيمة"

وكثيرٌ غيرها من الأمثال من مختلف شعوب العالم تحدثت عن الخوف وعن مضارّ هذا الخوف متى تمكّن من الإنسان فهو سيقود إلى الموت الفكري والعقلي والجسدي والروحي بإقرار الاستسلام المريع.



توجد هناك أنواع أخرى من الخوف تندرج تحت مسمّيات "التخويف" و"التخوّف" و"الترهيب" و "الإرهاب" و "استخدام العنف" كطريق لإدخال الخوف إلى قلب الإنسان ومن ثمّ السيطرة عليه بعد شلّ قدرات تفكيره العقليّة بوضعه ضمن إطار من الضغوط الهائلة التي لن يكون باستطاعته اختراقها أو التغلّب عليها فيكون الخضوع وهذا ما تلجأ إليه السلطة السياسيّة لفرض قرارها وتثبيت سلطتها، وهذا السلوك هو أداة قمع غير أخلاقيّة يذهب ضحيّتها أبرياء أو من لهم رغبة في إعلان الرأي أو الإعراب عن الرفض لواقع معيّن أو قرار سلطويّ ظالم.

الخوف من المجهول برأيي هو أفظع هذه الأنواع فالإنسان بفطرته يسعى إلى استجلاء الآتي ويحاول تهيئة نفسه لاستقبال هذا الآتي المجهول بما يضمن له راحة فكريّة واستقراراً جسدياً ونفسياً! هذا ما يأمله ويطمح إليه جاهداً، وكذلك الخوف ممّا قد يجلبه له هذا المجهول لما هو غير متوقّع أو محسوب وعلى الأغلب يقود بنمط التفكير لدى الإنسان إلى الناحية السّلبيّة، ولو نظر بإيجابيّة إلى الموضوع بحدّ ذاته لما وجد هذا الشّعور من الخوف بل كان تلاشى سريعاً متى وجد!



أمّا الخوف من الوحدة والعزلة فهو أيضاً ليس بالأمر الهيّن أو السّهل فالأشخاص الذين يسيطر عليهم مثل هذا الشّعور قد يصابون بالإحباط، وهذه الحالة النفسيّة قد تقود إلى نتائج خطيرة جداً كالانتحار أو الجنون وغير ذلك، ولأن المرء بطبعه إنسان اجتماعيّ يرغب في الإلفة والتحابب والأنس وفي الرغبة في مشاركة الآخرين في مختلف مجالات الحياة، لذا فهو يصاب بخيبة أمل متى غلب عليه مثل هذا الشعور ويكون هذا على الغالب لدى الناس الذين يصابون بأزمات من نوع معيّن وتتقدّم بهم السّن فلا يعودوا قادرين على ممارسة نمط حياتهم السابق ونشاطاتهم الاجتماعيّة المتعدّدة، وهذا أيضاً أمر ليس هيّناً البتّة.
فالشعور بالوحدة لدى هذا الشخص على أنّه الوحيد دون سواه في هذا العالم الواسع يفتح عليه أبواب مواجع لم يكن ليرغب لها أن تفتح، ولا تزال العادات الاجتماعية لدينا والارتباط الأسري على وضع حسن بخلاف الناس هنا في أوروبا وأمريكا، فالترابط الأسري يكاد يكون لديهم معدوماً، ومتى أدركت المرء الشيخوخة - وهو لم يكن يحسّ بوجودها - أحسّ بأن كلّ شيء قد انهار وهذا ليس بالطبع أمراً عامّاً بل هناك بعض حالات لا تندرج تحت هذه الوضعية ولكنّها نادرة!



الخوف من الأقوى والسلطان والأكبر هو أبشع أنواع الخوف وأكثرها تحطيماً لإرادة الإنسان والضغط على أحاسيسه وأفكاره والتقليل من شأن شخصيّته فلا يعود يحسّ بأنه قادر على التفاعل أو عمل أيّ شيء فتذوب هذه الشخصيّة وتتقزّم إرادته فلا يعود يشعر بأهميته في المجتمع وكأنه لم يعد له دور يذكر!

الخوف حالة صعبة ويلزم التعامل معها بالحكمة والتعقّل والدّراية لتقليل مضارّها.

www.fouadzadieke.de

ألمانيا في 25/3/2005 م