المحرر موضوع: محنة المثقفين في العقود الأخيرة  (زيارة 1330 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2495
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

محنة المثقفين في العقود الأخيرة


بقلم يوحنا بيداويد
بقلم 13 تشرين الثاني 2018
ملبورن- استراليا


تمر شريحة المثقفين في كل انحاء العالم في محنة كبيرة في العقود الأخيرة في ظاهرة غريبة في التاريخ، حيث أصبحوا اقلية بين مجموعة كبيرة، في عصر السرعة والتغير المضطرب غير المنتظم في مصادر الثقافة اوالمعرفة، الذي طغى في العلاقات البشرية. على الرغم من سهولة الوصول الى المعلومة الصحيحة عن طريق محرك كوكل وغيره من المصادر والمكتبات المحملة على الانترنيت، الا ان سهولة استخدام الأجهزة الالكترونية وكثرة Apps وتطبيقاتها جعلت من كافة الاعمار ينتقلون من عالم الواقع الى عالم الخيال والتبحر فيه عن طريق القصص والأفلام والتطبيقات الوهمية والغرق او الضياع فيها.

ان هذا الوضع الفوضوي غير المنتظم، هذا الفيضان في المعرفة والإنتاج والتغير في شكل السلع وجودتها وسهولة ادارتها، قلبت موازين الاستقرار في المجتمعات في كل مكان من العالم، حيث جعلت العالم يصبح قرية صغيرة، لكن هذا التغير الإيجابي لم يكن بدون ثمن، بل كانت ضريبته عالية جدا، فجلبت نوع من الحرية والاستقلال للفرد المفرط بصورة فجائية، بحيث اصبح لكل فرد الامكانية على التحدي والدفاع والتصريح او ابداء موقفه بكل حرية في أي قضية، فكانت النتيجة حصول بيئة عالمية جديدة تتصارع مع البيئة المحلية القديمة في كل مجتمع أينما كان،  على الرغم من انتماء هذا الفرد الى مجتمع ما لخ خصوصيته وتقاليده وقيمه وعاداته ومبادئه واخلاقيات التي تنظم علاقات افراده في الحياة اليومية والتي كان الاستقرار مقياس سعادته اكثر من المال!!.

من الأمور المهمة التي اثرت هذا البيئة الجديدة على حياة الفرد والمجتمع وجعلته يتصارع وأحيانا يتخلى عن البيئة القديمة هي:
1-   رغبت معظم الناس الهجرة (بصورة اعمى) الى المدن للبحث عن الوظيفة او العمل او إدارة عمل خاص بهم لهذا نرى نسبة البشرية التي هجرة من الريف الى المدن هي أكثر من 50%، مع العلم في المدينة هناك ظروف قاسية جدا مثل الفقر والمرض ومشاكل العصبات والمخدرات والقمار والانحلال الأخلاقي.

2-   جعل اطلاع الناس على اسواق المالية والبورصات وأسعار العملات من النظام الاقتصادي في وضع غير مستقر ومقلق، لا تساعد الفرد على اتخاذ القرار بسهولة (هذا ما نلاحظه في سوق العقارات على الأقل)، بسبب اعتماد الاسواق والبنوك وفائدتها على رغبة أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار والتي هي السبب الرئيسي المخفي لمعظم الصراعات الدولية بصورة او أخرى.


3-   المعرفة الالكترونية وفرت فرص كبير للأشرار للاطلاع على كيفية القيام بعمل اجرامي او اعمال إرهابية وكذلك نشر الأفكار المتعصبة الظلامية التي تعادي تطور المجتمع ككتلة واحدة متفقة على قوانين ومبادئ عادلة او قد تؤدي الى انحلال اخلاقي وانحراف جنسي للأطفال.

4-   خلق مسافة غير متناهية بين افراد المجتمع الواحد بحيث اصبح الموبايل الخطر الأول على التفكك الاجتماعي، حيث لم يعد للناس الوقت للاستمتاع  في الحياة، من خلال المشاركة في الحديث مع افراد عائلتهم والتباحث في الشؤون العائلية والاستمتاع بحياة الاجتماعية، فاصبح كل شخص مستقل (ملك) في عالم الفضاء الالكتروني متخليا عن كل شيء يعود للبيئة القديمة (التقليد والعادات والقيم والأخلاق والتعاليم الدينية والطعام والملابس وطريقة الاحتفال في الأعياد....الخ)


5-   في بعض الأحيان أدى انعزال الفرد على ذاته على اصابته بمرض التوحد، أي التغرب عن الواقع اوالتفكير بطريقة غير واقعية او عملية لهذا نجد نسبة الانتحار في الدول المتقدمة عاليا جدا بسبب الإحباط التي يصيب الفرد، بعد شعوره بهزيمة امام المشاكل الاقتصادية (اي الشعور بالعدمية) التي تؤدي الى مشاكل عائلية واخلاقية والانحراف والجريمة والقمار ....الخ. هذا الحالة طبعا وصلها المجتمع الغربي بعد ان تشيء الانسان مثل اي مادة او سلعة اخرى رغم معارضة مؤسسات كبيرة!!

6-   في كثير من الأحيان يتم تنظيم محاضرة فكرية او طبية او ثقافية او فنية او في أي مجال(مثلا هنا في مدينة ملبورن) نرى عدد الحضور قليل جدا هنا في المهجر، وإذا قارن عدد الحضور او المهتمين نجد نسبتهم قريبة 0.001 من سكان المجتمع، وهذه المصيبة كبيرة للمجتمع، لاننا نعرف ان المثقفين هم الشريحة المؤثرة على قرار المجتمع بصورة مباشرة او غير مباشرة، لان لهم الامكانية اختيار الطريق الافضل،  او الخيار الأفضل، بسبب المعرفته العلمية او أي الثقافية لدى هذه الشريحة.

7-   بصراحة اشعر ثقافة المجتمع ومعرفته بالأولويات المهمة في الحياة بصورة عامة في هذا الزمن هي اقل ما كانت في الماضي، بحيث اشعر ثقافة اليوم تقود الى الجهل والضياع في بعض الأحيان أكثر ما تؤدي الى الاطلاع وتساعد الفرد على تحقيق سعادته وسعادة عائلته وبالتالي استقرار مجتمعه.

في الختام
فعلا نجد اليوم المثقفين مكبلين الايدي، عديمة التأثير او قيادة المجتمع (خاصة عندنا المهاجرين)، لان التركيز عندنا هو على تحقيق الارباح وجني الاموال، على اساس ان المال يحقق الاطمئنان والضمان، لهذا من الحكمة ان يتثقف الناس على المعرفة الصحيحة المبنية على النظام الهرمي، اي  كل حجر له علاقة بالاحجار المحيطة به وكلهم يشكلون جسد او شكل الهرم، كذلك من المهم ان يعرف الناس ليس كل ما موجود في المواقع الالكترونية او ينشر فيها هو مفيد للاطلاع او مشاهدته.

 اذن المعرفة يمكن ان نشبهها هنا مثل سد مياه كبير، فلا بد من وضع حواجز ومفاتيح للسيطرة عليه والا عملت هذه الكمية من الماء في حالة اندفاعها في وقت واحد، فضيان كبير اغرقت محيطها وقلعت كل شيء.




غير متصل فارس ســاكو

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1036
  • الجنس: ذكر
  • اذا رايت نيوب الليث بارزة فلا تظنن ان الليث يبتسم
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأستاذ الفاضل يوحنا بيداويد المحترم
تحية طيبة
مقالتكم اثارت موضوعا يندرج ضمن الصراع بين الأجيال وهنا ينبغي الاتفاق على التعاريف قبل المناقشة فما كان يعنبر تعريفا صحيحا في الماضي للثقافة وماهية المثقف لم تعد كذلك اليوم . لقد اشرت في مقالتك الى التغيرات الكبيرة التي شهدها المجتمع واعتقد ان هذه التغييرات تخضع لمبدأ النسبية بمعنى ان كل حالة لا تقارن بالماضي وانما بواقعها ومحيطها .
نعود الى مفهوم  " الحاجة أم الاختراع " فلا أظن انا استخدامنا للموبايل يناقض احتياجاتنا فنحن لم يعد لنا احتياج الى الجلوس جلسات عائلية على الشاي المخدر على الصوبة النفطية بل حاجتنا تغيرت الى استخدام الانترنيت فَلَو لم يكن الانترنيت يلبي احتياجاتنا الجديدة لما استخدمناه . وسأعطيك مثالا بسيطا : انا خطي جميل في الكتابة من كثرة ماكتبت بالعربية يوم لم تكن حاسبات ولا برامج وورد اما اليوم فلم تعد الحاجة الى ان اكتب بخط يدي ولم تعد كتابتي الجميلة ذات فائدة بل صار الطلب لا يتم قبوله اداريا اذا لم يكن مطبوعا حتى وان كان خط كاتبه جميلا وصار التفنن في الكتابة يعتمد على القدرة في استخدام برنامج الوورد فبرنامج الورد صار هو القلم بينما الحاسبة صارت هي الورقة التي يتم الكتابة عليها !
وخلاصة الكلام ان الأمور تؤخذ بنتائجها وليس بغاياتها او بدئياتها! فلا معنى لمناقشة موضوع ليس محل اهتمام سوى نخبة لن يسمع لها احد ولن يكترث برأيها أحد !
مع تحياتي

غير متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2495
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ فارس ساكو
شكرا لمروركم
المناقشة ماتت لان كما قلت اصبحت مجدية
اعلن شرائح والمؤسسات التي تسير على النظم القديمة الهزيمة بسبب هذا المرض (الشعور بالعدمية) الذي اصيبت به الحضارة نفسها به.
اما بخصوص المبدا  الذي ذكرت الحاجة ام الاختراع اظن الاضطراب الموجود لا يترك الناس الشعور بالحاجة الحقيقية.
على اية حال نحن نحاول نشخص ونقول ما نعتقده يحتاج الى الدفاع .
مع تحياتي
يوحنا بيداويد