المحرر موضوع: الى صديقي وأخي جعفر  (زيارة 808 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل متي اسو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 926
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى صديقي وأخي جعفر
« في: 08:02 11/03/2019 »
الى صديقي وأخي جعفر

لا ادري ما الذي حدا بي لكتابة هذه الرسالة ... ربما ‏لاشتياقي لك ولبقية الاصدقاء .. ربما لاشتياقي الى بغداد ‏الحبيبة ...‏
‏ كنا مجموعة‎ ‎من الاصدقاء الاوفياء لبعضنا البعض رغم ‏اختلافنا في الافكار.. اختلاف يصل حد التنافر احيانا ، ‏كما في حالة ابو فهد الماركسي وابوغزوان القومي الذي ‏كان يحمل مسدسا ونحن في عصر صدام ، لم نأبه إن كان ‏الرجل يعمل في الامن او في المخابرات .. لأنه كان ‏صديقا عزيزا متنوّرا ولا يبخل في مشاركتنا في نقد ‏النظام ...‏
‏ كانت تجمعنا تلك الالفة الحميمة ، وننتظر الخميس او ‏الجمعة كي نلتقي في مقهى الزهاوي او في مقهى حسن ‏عجمي للنطلق بعدها الى مكان لطيف لنتحاور ونحن ‏نحتسي " ما حرّم الله " ...  لم يكن الخمر إلا حجّة ‏للجلوس معا ومبادلة الافكار ...‏
وربما اكتب اليك لاقول لك وللاصدقاء اني لم اتغيّر ...‏
نعم ، اني انتقد الاسلام واهاجم الاسلاميين ، لكن حاشا ان ‏اكره المسلمين .. واني على يقين انك تفهمني ... لم يدر ‏بخلدنا يوما من ان الظروف ستجبرنا الى تغيير احاديثنا ‏من القضايا الاجتماعية والثقافية الى الحديث عن مآسينا  ‏وفضح ما تفعله بنا الاحزاب الاسلامية !!!..‏
‏ اهذا ما آلت اليه الامور ؟ ... اهذا كان مستقبلنا ؟..‏
‏ لكنك تعرف يا اخي جعفر ، لم يبق في بغداد من اقرباءنا ‏الكثيرين  أحد ..لماذا يا جعفر ؟  انهم يضطهدوننا ‏ويهجّروننا ، وهم يلاحقوننا الآن حتى في بلداتنا وقرانا ‏‏... ‏
ولحسن حظي كنتُ  اول المغادرين .. غادرتُ في وقت ‏الصنم البعثي لأن الامر لا يحتاج الى ذكاء لمعرفة ‏المصير ...‏
حاولتم اقناعي ببيع البيت والانتقال الى الكرخ لاكون ‏قريبا منكم إذا وقع ما لم يكن في الحسبان ... لكنني كنتُ ‏واثقا مما سيقع ، وخائفا عليكم ايضا ,‏
‏ هل تتذكّر بيتنا بحديقته الفارهة التي تزيّنها  ساحة ‏صغيرة لكرة السلّة ؟ . كنا نجلس جميعا في الحديقة ‏لاحتساء العرق و البيرة بعد ان أعلن صدام عن صحوته ‏الايمانية وأغلق محلات الشرب .. خميس عندي وخميس ‏في بيت المرحوم صديقنا الكاتب غازي الاحمدي الذي ‏اختطفه السرطان اللعين من بيننا ...‏
هل تذكر يوم كنا جالسين في حديقة المرحوم غازي  ‏وداهمتنا مْزنة من المطر في ذلك المساء من اواخر ‏الصيف ؟.. فاسرعنا ننقذ مشروبنا ومزّاتنا ونلوذ بالطرمة ‏الواسعة ؟
كان معنا اربعة ضيوف في ذلك اليوم ، اثنان منهم من ‏الفلوّجة أخافوا الاخ غازي من ان ينفذ " عرقه " لكثرة ما ‏شربوا..‏
و كمعظم العراقيين ، كانت احاديثنا لا تخلوا من السياسة ‏ولا من الجنس ... ثم القى احد الضيوف الآخرين السؤال ‏القنبلة : " لماذا العرب متأخرين ؟ " ...تململ الجميع في ‏محاولة لتجنب الاجابة ... لكن الرجل أجاب على سؤاله ‏بنفسه فقال : " ان الاسلام هو الذي أخرّنا ، لاني لا اعتقد ‏ان الالماني او الامريكي او الانكليزي افضل وأذكى من ‏العربي ، لكن العربي مقيّد ومبتلي في دينه ..لو لم يأت ‏النبي لاصبحنا في نهاية المطاف مسيحيين ، ولكان حالنا ‏الان مثل بقية العالم المتقدم "..‏
‏ اراد الضيفان من الفلوجة الاحتجاج ، لكن التأييد جاء من ‏جميع الاخرين ... في ذلك الوقت لم تكن العولمة ووسائل ‏الاتصالات الحديثة موجودة ، لذا كان الكلام في مثل هذا ‏الشأن مبكرا علينا .,.. لم يكن من بين الحاضرين الذي ‏كان عددهم يربو على العشرين غير مسيحيان اثنان ، أنا ‏والاخ المهندس نمير .‏
‏  بعد ان جاءت " مكرمة الريّس " بالتغاضي عن تقديم ‏المشروب في بعض الاماكن ، اخذنا نذهب الى نادي اتحاد ‏الادباء في ساحة الاندلس او الى نادي الفنانين في الكرخ ‏او نادي التعارف للأخوة الصابئة في متنزه الزوراء او ‏نادي الاخاء التركماني في شارع فلسطين ... كنا نناضل ‏من اجل البقاء !!!‏
كان لقائي معك  شبه يومي ، كنتُ ازورك احيانا في ‏شارع المتنبي ، وندردش والاخ بسام معنا ونحن نحستي ‏ذلك الشاي العراقي الذي لا زال طعمه عالقا في حلقي ، ‏لكنك كنتَ تصّر على ان نتناول الكباب اولا من المحل ‏القريب من شارع الرشيد .. ذلك الكباب الفريد في نكهته ‏‏...‏
أتذكر كيف تعرّفتُ عليك بعد ان تم تعيينك في وزارة ‏التربية ؟ ... كنتَ آنذاك بعثيا نشطا ، لكن سرعان ما ‏توطّدت الصداقة بيننا بعد ان رأيتك مختلفا ... أغاض ذلك ‏الاخ سعيد الذي كان يحمل افكارا ماركسية وهو من سكنة ‏الاعظمية !!! ،  كان الوحيد الذي يجبرنا على التحدّث ‏معه بلغة " الفشار " لان لسانه كان " زفرا " رغم طيبة ‏قلبه ومحبّته للآخرين ... همس في اذني وهو يلومني : " ‏لك ... اخيرا سقطت ، شعندك تروح للكافتيريا دائما ويّا ‏هذا البعثي ؟ " ... اجبته : ان هذا الشاب يختلف ... أجاب ‏‏: " ها ...الولد مختلف " ، وأخذ يتلو ما سمعه من عادل ‏امام ...وكان حدسي في محلّه ، لقد تركتَ الحزب وهو في ‏عنفوان امجاده ( طغيانه ) وأخذتَ تنتقده وتهاجمه بعد ان ‏اتضحت لك نواياه ... ذلك لانك انسان ...‏
هل تتذّكر تلك الانسانة الرائعة في الوزارة التي بادلتك ‏الحب ؟ ... أحببتُها انا الآخر حبا اخويا وهي تحكي لي ‏عن آمالها معك ... هل تتذكر عندما جاءت معك ، ومعها ‏شابة من قريباتها ، الى جامعة المستنصرية ؟...كيف ‏يمكن نسيان تلك السويعات الجميلة التي قضيناها نحن ‏الاربعة معا في ساحات او نادي الجامعة !!‏
لماذا لم تتزوجها يا جعفر؟,,, كانت الدموع تملأ مقلتيها ‏وهي تقول لي انها ستغادر الوزارة الى احدى الثانويات ‏لانها لم تعد تستطيع تحمّل العيش مع ذكريات ضائعة ... ‏لم تكن الوحيد الذي ترك حبيبته... المصير الغامض وانت ‏مجنّد لحراسة " البوابة الشرقية " ... الضائقة المالية ‏وأزمة السكن ... احد زملائنا ذهب الى " بائع اللبلبي " ‏الذي كان يعمل امام الجامعة بعد ان سمع ان له شقة ‏للايجار ، لكن لسوء الحظ كان الرجل قد اجّرها  ..وبعد ‏فترة ترك هو الآخر حبيبته... العشرات والعشرات كانت ‏لهم نفس الحكاية ...‏
يبدو ان مشروع صدام " القومي " ( السلطوي ) أعماه ‏عما كان يحصل لفتياننا وفتياتنا ...‏
وكان ان تزوّجتَ بعد مدة من الزمن من احدى قريباتك ‏التي كانت تملك بيتا وهي وحيدة اهلها ...‏
يا جعفر ، انهم يحدثوننا عن " القسمة والنصيب " .... ‏يحدثوننا عن " القدر المكتوب " على جبينك ... انهم ‏يكذبون علينا يا جعفر... هم الذين يصنعون أقدارنا... ‏وانت لست الوحيد ... أسأل جميع الشباب والشابات عما ‏اصابهم من الاحباطات في احلامهم ومشاعرهم ‏وعواطفهم ... لكن هناك الالاف الذين لم يعد بإمكانهم ‏اخبارك ، لانهم وجدوا صمتهم وراحتهم الابدية في حفرة ‏ما في ساحة المعركة ، او في مقبرة الطائفة ... او في ‏المقابر الجماعية ...‏
أتذكر يا جعفر عندما اتيتُ لزيارتك في البيت ومعي ابني ‏الصغير الذي لم يكن عمره قد تجاوز الثانية عشرة ؟ كنتَ ‏قد تزوجتّ ولك ابنة أصغر من ابني بسنة او سنتين ... ‏جلسنا نشرب الشاي ونأكل الكيك ... همستُ في اذنك : " ‏سآخذ ابنتك هذه لابني عندما يكبران " ( استعملتُ عمدا ‏لغة الشرقي الفجّة وهي – آخذها-) ... ابتسمتَ وقلتَ لي : ‏‏" والله لا مانع لدي إذا أحدهما اراد الآخر "... قلتُ كي ‏اغيضك : " طبعا ما عندك مانع عندما يتحوّل ابني ‏للاسلام "....قلتَ لي : " يتحوّل الى الاسلام ، تتحول هي ‏الى المسيحية ، يضل هو مسيحيا وتبقى هي مسلمة ، هذا ‏شأنهم " ...... إستغربتَ جدا عندما قلتُ لك ان القانون ‏يجبر المسيحي الى التحول الى الاسلام في مثل هذه ‏الحالات  اعتمادا على القرآن ... وأخيرا قلتَ لي : " اني ‏مرتاح الآن ... لأن احد اقاربي تزوج من مسيحية فهاج  ‏اهلها وهددوا بقتلها ، حزنتُ ان اجد من بين المسيحيين ‏من يتصرف بعنصرية مثل الكثير من المسلمين .. لكني ‏الان اعطيهم الحق ، انها مسألة الكرامة .. لماذا لا يحق ‏للمسيحي ما يحق لاخيه المسلم ؟ .. والله لم اكن اعرف ‏ذلك ابدا "...‏

يا صديقي جعفر ، فهمتُ من تلك المحادثة البسيطة أمرا ‏في غاية الاهمية ، ان ثقتي بالمسلم الجيّد لا يمكن ان ‏تتزحزح .  لكن هذا المسلم ، مهما بلغت ثقافته وانسانيته ‏وتعاطفه ، لا يعلم عمق مأساة اضطهادنا حتى في قوانين ‏بلداننا ... اني لا الومك يا جعفر ، فالانسان الطيّب مثلك ‏لا يمكن له ان يتصور ان مثل هذا الاجحاف قد ترسّخ ‏حتى في قوانينا ..‏
إن كنتَ انت ، والذي ينطبق عليه وصف " عث الكتب " ‏لكثرة ما تقرأ ، لا تدري حجم مصيبتنا ، فما بالك ‏بالآخرين ؟ ... ‏
كان أخي جمال ، الذي هو الآخر كان قد اصبح صديقك ، ‏آخر من ترك بغداد ... في الايام الاولى بعد سقوط الصنم ‏، استطعتُ الاتصال به للاطمئنان ... سألته عن احوالهم ‏‏... اجابني بنبرة من الحزن والاندهاش : " لم اكن اتصوّر ‏ابدا ان اجد الكثير من العراقيين بهذا السوء ، ظهر معدن ‏هؤلاء بعد غياب السلطة ، وهناك من أصبح اسلاميا فجأة ‏‏".....‏
خابرتكَ بعدها لأطمئن عليك ...  قلتُ لك : " اني اريد ان ‏أسألك ".... لكنك لم تدعني ، قلتَ لي : " اخي متي ، اني ‏اعرف ما ستسألني .. الناس هنا تخبّلت ... أطمأنك اني لن ‏اتغيّر "...‏
كل ما ارجوه يا جعفر ان يعي شبابنا حجم الخراب ومقدار ‏الكذب والنفاق والفساد التي تمارسه الاحزاب الدينية ، كل ‏ما اتمناه ان يتولّى زمام الامور اناس طيبون من امثالك .. ‏اتمنى ان تعود فتياتنا كما كنّ ايام المستنصرية والوزارة ، ‏عفيفات واثقات من انفسهنّ ، ليتحررن  ويهجرن النفاق ‏الذي فُرض عليهن من حجاب وغيره...‏
يا جعفر اخي ، بحجة المحافظة عليهن ، انهم يستغلّونهن  ‏بحيل شرعية .‏

‏ " اني مشتاق وفي نفسي لوعة " .‏

متي اسو

‏ ‏
‏ ‏
‏ ‏