على ضوء تصريح غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو حول المرجعية الدينية والقومية:
---------------------------------------------------------------------------------------
أين العلة و رأس البلوة؟؟
أبرم شبيراأصبح موضوع الحديث عن مرجعية موحدة دينية أو قومية لشعبنا في العراق الشغل الشاغل لجميع التنظيمات والمؤسسات الدينية والقومية والسياسية لكونها خيط الوصول إلى وحدة الخطاب المسيحي والقومي الذي هو السبيل الأمثل للمطالبة الموحدة لحقوقنا الدينية والقومية في العراق. ولكن من الملاحظ بأن كل المحاولات المخلصة لم تصل إلى إية نتيجة على أرض الواقع، وصرخات أبينا السامي الكردينال البطريرك مار لويس روفائيل ساكو نموذج مخلص وواضح في هذا المجال والتي جميعها لا تقع إلا على آذان طرشاء. أنظر الموقع الرسمي لبطريركية بابل للكدان:
https://saint-adday.com/?p=29226 وكذلك موقع عنكاوه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,929169.0.htmlإذن ما السبب وأين هو رأس البلوة لهذه الأزمة في عجزنا عن إيجاد مرجعة دينية وقومية موحدة؟ وبإختصار شديد، نجد رأس البلوة في ثلاث محاور،، وبعضها سبق وأن تطرقنا إليها في كثير من المناسبات ولكن يبدو بأنها أيضا وقعت على آذان طرشاء:
الأول:: عندما تكون الأمة غير موحدة ولا يستطيع أبناؤها أو من يمثلهم الوصول إلى الحد الأدنى من المصلحة المشتركة ويبقوا منقسمين، تكون هذه الأمة عرضة لسرقة حقوقها من قبل الغير ونهبها بشكل مباشر أو غير مباشر وعن طريق وكلاء لها، وهي بديهية تنطبق على واقعنا الحالي. فهناك أكثر من جانب، خاصة غير المباشر، وعن طريق وكلاء للذئاب الكبيرة لإبتلاع حقوق شعبنا في العراق. وموضوع "الكوتا المسيحية" المفتوحة لهؤلاء الذئاب صورة واضحة ومكشوفة لهذه السرقة. والأنكى من كل هذا وذاك هو أن هؤلاء الممثلين للكتل والأحزاب العراقية الكبيرة "غير المسيحية" الذين وصلوا إلى الكراسي البرلمانية عبر الكوتا المسيحية نراهم هم أكثر صراخاً وعويلاً عن ضرورة وحدة أبناء أمتنا أو وحدة وضمان ممثلي الكوتا المسيحية في البرلمان لتحقيق مصالح أمتنا، وهي في الحقيقة لا تعدو أكثر من غطاء لتبعيتهم لأجندة هذه الأحزاب الكبيرة. ولما كانت هذه الأحزاب وبشكل عام غير متفاهمة لا بل متصارعة للحصول على مواقع أكثر قوة في البرلمان العراقي فأنه من الطبيعي أن يكون وكلاءهم "المسيحيين" غير متفاهمين لا بل متصارعين من أجل نيل حظوة أكثر عند أسيادهم الكبار. فلا غرابة عندما تكون الذئاب حارس القطيع فالمصير واضح كما هو واضح في وضعنا الحالي في العراق فيما يخص الكوتا.
الثاني: لو لاحظنا بنظرة مقارنة بين وضع شعبنا في العراق قبل عام 2003 و بعده وحتى اليوم، نرى بأن تقسيمات شعبنا أستفحلت والصراع أحتدم أكثر فأكثر بينهم وتحديدا بعد عام 2003. والسبب الرئيسي هو البلوة الكبيرة التي أظهرت مغريات مفعمة ومحشوة بالمنافع الشخصية والتحزبية تمثلت في الكرسي اللعين الذين خصص للمسيحيين في البرلمان وفي حالات أخرى لكرسي وزاري أو عضو في مجلس محافظة. من هذا المنطلق وسعياً لحصول قطعة من الكعكة، إن لم يكن الطمع بكل الكعكة، نشأت أحزاب سياسية وتكتلات وتنظيمات عديدة بعد عام 2003. ولضمان بعض من هذه التنظيمات حصة مقبولة من هذه الكعكة وجدت الارتماء في أحضان الذئاب الكبيرة سبيلا لذلك، أو بالأحرى وجدت الذئاب الكبيرة فرصة لقضم كرسي برلماني أو أكثر من حصة المسيحيين عن طريق خلق كيانات "مسيحية" لتقوم بمهمة القضم هذه وتزيد من حلاوتها في البرلمان العراقي. إذن رأس البلوة وعلة العلل هنا هو الكرسي اللعين الذي ينفث روائحه المغرية والمزكية لأنوف وكلاء الذئاب الكبيرة. فمن المؤكد عندما نتخلص من فايروس الكرسي فحتماً سيتعافى جسم الأمة من أعراض هذا الفايروس. وهو الأمر الذي طرحناه، أي إستقالة البرلمانيين المسيحيين من البرلمان العراقي والكراسي الحكومة والإدارية الأخرى ورفض الكوتا. فعندما كان يجلس على هذه الكراسي أكثرية من أبناء شعبنا الخيرين قبل بضعة سنوات، ولكن اليوم وكلاء الذئاب المفترسة هم الذين يمثلون الأكثرية، لذلك لا نتعقد بأن مثل هذا الطرح سيكون مقبولا لديهم بل رفضه أمر محتوم لأن البقاء على هذه الكراسي أمر يخدم أسيادهم أكثر مما يخدم أبناء شعبنا. إذن يبدو بأن مثل هذا الطرح هو أمر متأخر لأن المتربعين على كراسي البرلمان يرون في موضوع إستقالتهم من البرلمان ضرب من الخيال أن لم يكون نوع من الجنون.
الثالث: الجهل: موضوع آخر سبق وأن تطرقنا إليه وأكدنا فيه بأن المقصود بالجهل ليس الإفتقار إلى الشهادات العلمية والثقافة العامة بل هو غياب المصلحة القومية وحتى الدينية المشتركة لأبناء شعبنا من فكر وممارسة تنظيمات شعبنا القومية والكنسية. والعلة في هذا الغياب هو طغيان المصلحة الخاصة والتحزبية على المصلحة العامة. وإليكم بعض النماذج:
- الكوتا المسيحية: نجد بأن معظم الذين يؤمنون بهذه الكوتا بأنها السبيل الأمثل لتحقيق المصالح الخاصة والتحزبية خاصة بعد أن يتربع المرشح المسيحي على الكرسي البرلماني. ونحن نعرف، لا بل الواقع يفصح جلياً بأن نظام الكوتا فاشل وغير نافع لشعبنا لأنه شرع من قبل نظام رجاله أصلاً لا يؤمنون بالديموقراطية الحقة ولا يعترفون بالغير المختلف. والعلة هنا هي أن معظم أن لم يكون جميع المعنيين بالشأن القومي متمسكين بنظام الكوتا رغم ثبوت فساده وإستغلاله من قبل الذئاب الكبيرة. والأنكى من كل هذا نرى البعض يضرب الأخماس في الأسداس ساعياً لإصلاح الكوتا الميتة ويحاول بعث الحياة فيه عن طريق تعديله بحصر التصويت بالمسيحيين فحسب. وحتى ولم تم هذا الأمر، أي حصر الإقتراع بالمسيحيين فقط، كما حصل فيما يخص البرلمان المركزي فأنه يبقى أمره سيان لا محال من إستغلاله من قبل الغير وعن طريق المسيحيين أنفسهم. فالحقيقة الواقعية تقول بأن هناك مسيحيون أعضاء في الأحزاب غير المسيحية أو هم مؤيدون لهم فأنه من المؤكد سيصوتون للأحزاب المصنوعة من الذئاب الكبيرة أو المرتمية في أحضانها. أضافة إلى ذلك فإن الظروف الإقتصادية البائسة لبعض المسيحيين سيستجيبون لإغراءات الذئاب الكبيرة لعل منفعة تأتيهم من التصويت لهذه الذئاب. والأشمل من كل هذا هو أن الواقع الفعلي أثبت زيف الإنتخابات خاصة الأخيرة وحرق صناديق الأقتراح وهي كلها أمور من السهل جدا على الذئاب الكبيرة أن تزور نتائج التصويت على مرشحي الكوتا وتحولها إلى صالح وكلائها. إذن لا مهرب من نظام الكوتا إلا برفضه خاصة من قبل المعنيين الخيرين من مسؤولي شعبنا القوميين والكنسيين.
- الإتفاقيات والتحالفات: لا شك فيه بأن الخيرين من أبناء شعبنا أدركوا بأن الإتفاق والتحالف على الحد الأدنى بين أحزابنا السياسية ومؤسساتنا الكنسية والقومية لتشكيل مرجعية مسيحية أو قومية هو السبيل الأمثل لتحقيق ما يمكن تحقيقه من المصلحة العام لشعبنا في العراق، كما بينًا في أعلاه. ولكن العلة هي أن جهل معظم إن لم يكن جميع المعنيين بالأمر في أسلوب التفاوض والتباحث أدى بالنتيجة إلى إستحالة تحقيق المرجعية المطلوبة أو التضامن أو الإتحاد. لنأخذ بعض الأمثلة الواقعية في هذا السياق:
- قبل سنوات وبعد إنتقال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع إلى الأخدار السماوية وقبيل إنتخاب بطريرك جديد لكنيسة المشرق الآشورية، فتح باب الحوار مع الشق الثاني للكنيسة، أي الكنيسة الشرقية القديمة وسادت أجواء إيجابية بحيث أصبح أمر وحدتهما قاب قوسين. غير أنه تم إفساد هذه الأجواء بعد أن أرسلت الكنيسة الشرقية القديمة شروطها المسبقة إلى كنيسة المشرق الآشورية كأساس ثابت لا جدال فيه للوحدة بينهما. وهو أمر يوضح الجهل المطبق في التباحث لتحقيق الوحدة بين الطرفين لأن الشروط المسبقة تكون دائماً وأبداً غير مقبولة من قبل الطرف الآخر وهذا ما حصل عندما أعلن بأن هذه الشروط المسبقة مرفوضة جملة وتفصيلها من قبل كنيسة المشرق الآشورية. فالشروط المسبقة هي بمثابة شروط مفروضة على الطرف الآخر وتعبير عن سطوة وقوة طرف على الطرف الآخر أي هي بمثابة ميزان غير متساوي بين القوي المنتصر والضعيف الخاضع وهو أمر لم يكن مقبولا إطلاقا من قبل كنيسة المشرق الآشورية فوصل الأمر إلى طريق مسدود بسد عالي من الجهل وعدم المعرفة بشروط التفاوض والتباحث بين الطرفين. والحال لا يختلف كثيرا عن مساعي البحث عن الوحدة أو التقارب بين الكنيستين الآشورية والكلدانية.
- قبل سنوات تم تأسيس مجلس الطوائف المسيحية في العراق شمل كنائس كبيرة وراسخة القدم وبمؤمنين كثر وبهيكلية إكليرية تراتبية واضحة وفي قمتها البطريرك مع طوائف مسيحية صغيره وبمؤمنين بعضها لا يتعدى أصابع اليد ومن دون تراتبية إكليرية غير وجود قس على رأس المجموعة. وفي حينها كتبنا بشكل مفصل عن هذا المجلس وبينًا بأنه قائم على أسس خاطئة لأنه لا يمكن إطلاقا أن يكون مثل هذا المجلس ناجحاً والعضوية في تركيبته لم تحدد المسؤوليات والواجبات طبقا لحجم وإمكانية كل عضو في المجلس. لم يستطيع المؤسسون لهذا المجلس من التفريق بين الطائفة، كمجموعة من المؤمنيين والكنيسة كمؤسسة دينية حضارية تاريخية. فكان قرار غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، أكبر كنيسة في العراق ومن جوانب عديدة، قرارا صائبا عندما أنسحبت كنيسته من المجلس. والحال نفسه بالنسبة لما كان يسمى بـ "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" الذي جمع بين أحزاب كبيرة وجماهيرية وعريقة كالحركة الديموقراطية الاِورية وأحزاب حديث العهد ولا يتعدى أعضاءها أصابع اليد ومن دون تحديد المسؤوليات والواجبات حسب حجم وقوة كل واحد من أعضاء التجمع الذي هو أساس كل تنظيم ناحج وإلا فمصيره الفشل كما هو الحال مع التجمع.
فلو أخذنا بعض الأمثل العالمية لوجدنا بأن سبب فشل عصبة الأمم التي تأسست بعد الحرب الكونية الأولى يعود بالدرجة الأولى شمولها للعضو القوي المسيطر مع العضو الضعيف الخاضع وعدم إعطاء وزن يليق بالقوى العظمى مما تعرضت العصبة إلى الإستغلال من قبل هذه القوى وبالتالي فشلت وأدى ذلك إلى حرب عالمية ثانية. بعكس منظمة الأمم المتحدة التي تعتبر كمنظمة عالمية أكثر نجاحاً وإستقرار وذلك لكونها أعطت للأعضاء الأقوياء مسؤوليات وحقوق مختلفة عن غيرهم من الأعضاء والذي تمثل في حق الفيتو للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. من هذا المنطلق كنًا في حينه أقترحنا تشكيل مجلس أعلى لبطاركة كنائس المشرق في العراق ليكون المرجعية المسيحية لكل الكنائس في العراق، ولكن أيضا وقع على آذان صماء. والحال أيضا مع مقترحنا في تشكيل مجلس أعلى للكلدان والسريان والاشوريين ليكون مرجعية قومية وسياسية، الذي كان بمثابة "في المشمش" حسب قول المصريين عند بعض المتشائمين.
- التسمية المركبة: أكثر البلاوي والعلل تأتي من سوء فهم التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون" لشعبنا في العراق. أولا: قبل كل شيء نؤكد تأكيداً قاطعاً بأنه صحيح القول بأنها ليست الحل الأمثل لتسمية أمتنا في هذه المرحلة ولكن بنفس التأكيد لا يوجد أحسن منها في المرحلة الراهنة لأن الظروف الحالية تفرض عليها هكذا حل طالما كل التسميات المفردة، الكلدان والسريان والآشوريون، لم تحصل قبول الأكثرية. ثانيا: التسمية المركبة تشمل كل التسميات الحضارية لشعبنا ولم تستثى أحد منها ولا تهمش أي واحد منهم، إذن فلماذا الرفض؟. ثالثاً: يخطاً جدا من يعتقد بأن هذه التسمية هي تسمية جديدة لأمة أو لأمة لا وجود لها أصلا. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأنها مجرد طرح سياسي ومنهجي وكسبيل لوحدة أساس الخطاب السياسي القومي للمطالبة والحصول على حقوقنا في الوطن طالما الأسس القومية مشتركة لكل التسميات، هذا من جانب، وفي نفس الوقت فلكل واحد من أبناء هذه التسميات الحق في الإعتزاز بتسميته المفردة وإعتبارها مرجع إنتماءه الجمعي ومن دون تحقير أو إهانة التسميات الأخرى من جانب آخر.
هذه بعض العلل والبلاوي التي أبتلينا بها وبسببها عجزنا عن الوصول إلى مرجعية موحدة دينية وقومية، وهي بمثابة كشف العل والمرض والمطلوب منًا جمعياً إيجاد الدواء الشافي لا المهدئات القصيرة الأجل، وهو العمل الواجب القيام به خاصة من قبل مؤسساتنا الكنسية والقومية المخلصة والمستقلة والبعيدة عن الإغراءات المادية والمناصب القاتلة لوحدتنا الكنسية والقومية. قد يكون وصف المرض والعلة سهلاً ولكن إيجاد الدواء صعبا. ولكن مع هذا لنشبه حال عجزنا عن إيجاد مرجعية دينية وقومية بمرض خطير، كالسرطان، الذي لا دواء له في الوقت الحالي غير المسكانات وإطالة الحياة ولكن من جانب آخر العلماء والأطباء لا يستكينون إلى الراحة بل يعملون ليل نهار لإيجاد الدواء لهذا المرض القاتل. والحال نفسه معنا يجب أن لايستكينوا نشطاء أمتنا المخلصين من الإستمرار في البحث وإيجاد الدواء المناسب لشفاء أمتنا من قلة المناعة في إيجاد المرجعية المطلوبة في هذا الزمان الظالم.