المحرر موضوع: حرّية المعتقد: ضوء على وضعية المسيحيين في المشرق العربي  (زيارة 2082 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1287
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني



حرّية المعتقد:
ضوء على وضعية المسيحيين في المشرق العربي

د. عبد الحسين شعبان*



   مدخل
   للحرّية الفكرية موقع مهم في منظومة الحقوق الأساسية للإنسان، وخصوصاً الحقوق المدنية والسياسية ، فبعد حق الحياة والعيش بسلام ، الذي هو حق مقدس لا يمكن الحديث عن أي من الحقوق دون توفّره ، هناك أربعة حقوق وحريات أساسية هي: الحق في الرأي والتعبير والحق في الاعتقاد والحق في التنظيم والحق في المشاركة.
   وقد أخذت بهذه الحقوق المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنظّم حقوق الإنسان، وهو ما نطلق عليه اسم "الشرعة الدولية " ونعني بها: "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " الصادر في 10 كانون الأول (ديسمبر) العام 1948 وما بعده " العهدين الدوليين حول الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"  الصادران عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 واللّذان دخلا حيّز التنفيذ في العام 1976، وغيرهما من المواثيق والمعاهدات الدولية.
   ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة   وما أعقبه من تقنينات وإضافات تطويراً معاصراً لما بدأته الثورة الفرنسية منذ ما يزيد على قرنين من الزمان (العام 1789)، وقبلها ما تضمنه الدستور الأمريكي العام 1776 بخصوص حقوق الإنسان وبشكل خاص الحقوق والحرّيات الأساسية والذي أعقبه الدستور الليتواني  الذي صدر قبل الدستور الفرنسي بنحو أربعة أشهر، يوم كانت ليتوانيا تضم بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وأوكرانيا وأجزاء مهمة من بولونيا وتعتبر من الدول الأوروبية الكبرى.
   ولأن موضوع بحثنا يتعلّق بحق الاعتقاد، الذي كرّسته المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لذلك سنعتمدها أساساً في هذا البحث، وقد أكّدت على أن " لكل شخص الحق في حرّية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق ، حرية تغيير دينه أو عقيدته وحرّية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتهما، سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة".
   وحرّية المعتقد أو حرّية الضمير أو الحرّية الدينية تقع ضمن مبدأ " حريّة الفرد في الحياة الخاصة"  أي حق الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية أو ضمن "مجموعة ثقافية في الحياة العامة"، وحقها في إظهار دينها ومعتقداتها وشعائرها الدينية، سواء بالتعليم أو بالممارسة أو الاحتفال ويشمل المصطلح الحقوقي حرّية تغيير الدين أو عدم اتباع دين.
   ويثير مبدأ حق الاعتقاد إشكالات دينية وقانونية ومجتمعية عديدة في العالمين العربي والإسلامي، وأقصد بذلك "الحق في تغيير الدين أو عدم الإيمان بدين محدّد"، إذْ يواجه من يُقدِم عليه أو يجاهر به أو يدافع عنه "بالردّة والارتداد" وأحكامهما، وتلك التهمة هي أقرب إلى "عقوبة مسبقة" تصل إلى أغلظ الأحكام، سواء على الصعيد القانوني أم على الصعيد الاجتماعي في إطار الموروث والتقاليد والعادات السائدة، وبهذا المعنى فإن مفعول المادة 18 المشار إليها سيكون معطّلاً بالكامل، وخصوصاً في البلدان التي تحدّد "دين الدولة"، وتفسّر الخصوصية الثقافية بما يخدم هذا التوجّه.
   وهكذا يصبح الدين أحياناً مصدراً للنزاعات والحروب وحجب حق الاعتقاد والتعبير، ومجالاً للتوتّر والاضطراب بقدر كونه فضاءً لجلب الأمل والطمأنينة للإنسان الذي هو بحاجة إليه روحياً ونفسياً. وكان النضال من أجل حرّية الاعتقاد والحرّية الدينية مستمراً منذ قرون من الزمان، وعانت الأمم والشعوب والعالم أجمع من حروب وإبادات وتصفيات ونزاعات لقرون من الزمان لأسباب تتعلّق بادعاء الأفضليّات والحق في احتكار الحقيقة والنطق باسمها.
   ويعتبر أول اعتراف دولي شامل بحرّية الديانة والحق في المعتقد هي تلك التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صيغ على أساسه " العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" ، وتم إنشاء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في العام 1993 للإشراف على تنفيذ ما ورد فيه.
   وقد أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً في العام 1981 بعنوان "القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد" ويشمل هذا الإعلان على:
   1- حرّية الفكر والوجدان والدين والمعتقد.
   2- حرية الفرد في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
   3- الحق في إظهار الدين والمعتقد عن طريق العبادة وإقامة الشعائر وفي التعليم والاحتفال.
   4- عدم جواز تعريض أحد للإكراه أو الإخلال بحرّيته في أن يدين بدين ما أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
   5- لا يجوز إخضاع حرّية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلّا للقيود التي يفرضها القانون.


المسيحيون وحق الاعتقاد
   كيف يمكن في ظلّ هذا المدخل والمقاربة النظرية التي تتعلق بحق الاعتقاد، الحديث عن حقوق المسيحيين في الاعتقاد في الواقع العملي، سواء على الصعيد القانوني أم في الممارسة اليومية، ناهيك عن التعامل المتساوي والمتكافئ من جانب الدولة وأمام القانون والقضاء، خصوصاً وأن العديد من الدول العربية والإسلامية حدّدت دينها الرسمي، بعبارة "الإسلام دين الدولة الرسمي" أو حين نصّت دساتيرها على "الشريعة الإسلامية " وأحكامها باعتبارها "مصدراً أساسياً" أو "المصدر الأساس" في التشريع وينبغي عدم مخالفة أحكامه.
   فأين موقع المسيحيين والخصوصية الثقافية في مثل هذا التقنين؟ وكيف يمكن التواؤم بين المادة 18 من الإعلان العالمي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والنصوص الدستورية التي تحدد دين الدولة والمصدر الأساسي في التشريع ؟
   وبالطبع فثمة زاوية نظر مختلفة إزاء مبدأ المساواة والحق في المشاركة السياسية وتولي المناصب العليا دون أي تمييز  بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو اللغة أو اللون أو الأصل الاجتماعي كما تقضي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي وقعت عليها العديد من البلدان العربية والإسلامية، وإن تحفّظت على بعضها أو بعض موادها، وبين هذه النصوص التي تحتاج إلى تكييف بحيث لا يحدث الأمر نوعاً من التحلّل إزاء الالتزامات الدولية أو المواثيق والعهود ذات الطابع الكوني وبين الخصوصية الوطنية والثقافية، وهذه الأخيرة يمكن أن تكون عامل رفد وإضافة ، وليس عنصر تعارض وتعاكس، مثلما ينبغي للنصوص الدولية أن تكون ذات أفق أوسع وأكثر رحابة لاستيعاب الخصوصية ، وليس عنصراً سلبياً لفرض الهيمنة والاستتباع.
   وثمة أسئلة أخرى ذات دلالة من قبيل: هل يمكن أن يكون مسيحياً رئيساً للدولة في بلد عربي مثلاً (باستثناء لبنان) أو البلدان الإسلامية الأخرى، فما بالك إذا كانت امرأة مسيحية؟ أليست الشراكة والمشاركة في تولّي المناصب العليا حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، لا تتحقّق المساواة دونه، فلماذا إذاً يتم التمييز بشأن هذه القاعدة، أيتعلق الأمر بحق الاعتقاد أو الانتماء الديني؟ أليس حق الاعتقاد هو الآخر ركناً من أركان الحرّيات والحقوق الأساسية الأربعة بعد حق الحياة والعيش بسلام ودون خوف؟ وإلى مَ سيفضي التنكر لهذه الحقوق والحرّيات؟ وعلى مَ ستنعكس تبعاتها، لاسيّما المتعلقة بالهويّة الوطنية؟ وكيف السبيل للتوافق بين الانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الدولية وتعطيل حق الاعتقاد؟ ألا تترك تلك ازدواجية في المعايير وتناقضاً وكيلاً بمكيالين؟
    هذه الأسئلة وغيرها نطرحها وهي بحاجة إلى حوار ونقاش جاد وهادئ وعلى قاعدة حقوق الإنسان ، يمكن أن يسهم فيه الأكاديميون ومراكز الأبحاث والدراسات، وكما يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تعقد حوله موائد مستديرة ويستطيع الإعلام أن يشارك فيه، كما لا بدّ من مساهمة رجال الدين، في إطار المشترك الإنساني والهدف هو التقريب ووضع ضوابط قانونية تنسجم مع المعايير الكونية من جهة، وتراعي الخصوصية والهوّية المحلية من جهة أخرى، ولاسيّما حين يتم ربط ذلك بالحداثة وبالتطور وسمة العصر.
   والأمر له علاقة بمستوى التطور الثقافي والفكري وقبول الآخر والاعتراف بحقه المتساوي والمتكافئ، خارج منطق الاستعلاء والتسيّد المسبق: "أغلبيّة" و"أقليّة" وخارج منطق "الأفضليّات" و"ادعاء امتلاك الحقيقة" والنطق باسمها، وهذا يعني الّا مبرر عددياً في السيادة بحكم الحجم وليس واجباً الاستتباع للسبب ذاته، علماً بأنها مسألة تتعارض مع قيم حقوق الإنسان الكونية، ناهيك عن الزعم بالمفاضلة على أساس الدين.
   ومنطق المشاركة والحق في الاعتقاد يقتضي عدم تعريض أي شخص لمساءلات وتبعات جزائية أو مدنية بسبب دينه أو تغييره أو التبشير به والدعوة له، وممارسة شعائره، وهي تشمل تحريم جواز قتله أو اعتقاله أو منعه من الزواج أو حرمانه من أولاده أو من الميراث أو الوظيفة العامة أو العمل أو أي حقوق أخرى، وهذه التفاصيل ينص عليها العهدين الدوليين المشار إليهما.
   وإذا كان هذا الأمر نظرياً فثمة عوائق وعراقيل عملية تقف بوجه، بل تحدّيات شديدة فهناك 57 دولة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بضمنها 22 دولة عربية (أعضاء في جامعة الدول العربية) تتحفّظ على هذه الصيغة، وهي تمثل نحو ثلث أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 دولة، وحتى بعض النصوص العمومية التي وردت في مواثيق عربية أو إسلامية مثل " حرية التفكير والعقيدة والدين" أو " عدم جواز تقييد حرية الإنسان ... إلّا للقيود التي ينص عليها القانون".. أو غير ذلك فإن تطبيقاتها تأخذ منحى آخر ، وخصوصاً في ظل احتدامات مجتمعية وتوترات دينية وشحن طائفي، وأحياناً تصل عقوبة المرتد إلى الإعدام إذا ثبت تعمّده وأصرّ بعد استتابته  .
هل المسيحيون أقليّة؟
على الرغم من أن منطق " الأقليّة" و"الأغلبيّة" مرفوض لما يمكن أن يرتّبه من اعتبارات تتعارض مع قيم حقوق الإنسان، ناهيك عن الأفضليّات وادعاء امتلاك الحقيقة وبالتالي الحق في التسيّد وفرض الهيمنة، نتساءل هل المسيحيون " أقليّة" وإذا ثبت الأمر عكس ذلك فكيف يمكن معالجة هذا الموضوع، علماً بأن منطق "الأغلبيّة" و"الأقليّة" نفسه هو مسطرة غير صالحة للقياس في هذه المسألة بالذات، حتى وإن انطبق على حقل السياسة والانتخابات والبرلمانات، لأنه لا يمكن المفاضلة بين دين وآخر، كما أن المفاضلة لا ينبغي أن تتم على أساس الدين، خصوصاً إذا كانت فردية، بل أساسها الكفاءة والنزاهة والإخلاص والوطنية، ومع ذلك نناقش هذا الأمر لتفكيك القاعدة التي يستند إليها البعض في التجاوز على حق الاعتقاد وعلى مبدأ المساواة الركن الأساس في المواطنة.
ويظلّ السؤال حائراً، ولاسيّما بعد موجة التطرّف الإسلاموي، وخصوصاً تلك  التي أعقبت ما أطلق عليه "الربيع العربي": فهل المسيحيون أقليّة؟  وما المقصود بذلك؟ وما يتوجّب عليه موقفهم؟ وتمتد هذه الأسئلة لتحتوي على إشكاليات راهنة من قبيل : هل كان إذاً  خريفاً على المسيحيين رغم كل التباساته وتباين زوايا النظر إليه؟ وماذا سيبقى منه إذا افترضنا  أنه يمكن أن يحقق أهدافه وإنْ بعد حين، فقد صادفته العواصف الهوجاء وتعرّض لمنعرجات حادة، فكيف به وهو يستثني مجموعة ثقافية لها حضورها الفكري والمعرفي والديني والاجتماعي والاقتصادي على صعيد الوطن العربي كلّه؟
ونعيد صياغة السؤال بشكل آخر:هل يولد الربيع والخريف في يوم واحد؟ ثم كيف يمكن أن يجتمع النقيضان، فالربيع يعقب الشتاء، في حين أن الخريف يعقب الصيف؟ وبعد كل هذا هل يمكن أن يكون الربيع للمسلمين العرب فقط، في حين يكون خريفاً للمسيحيين العرب وللمجموعات الثقافية الأخرى؟ أليس في الأمر ثمة مفارقة وإجحاف، فكيف سيكون "الربيع العربي" ربيعاً حقيقياً، إنْ لم يكن ربيع المواطنة وربيع الحقوق والحرّيات؟ ربيع الجميع وليس ربيع فئة أو طائفة أو دين على حساب الآخر، لدرجة أن إعلامياً كبيراً سبق له أن رحّب بثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 المصرية، اعتبر ما يشهده العالم العربي اليوم ليس "ربيعاً عربياً" وإنما سايكس بيكو جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه.
 لعلّ زاوية النظر الخاصة بالمسيحيين قد تختلف عن غيرهم، وإنْ كان الاختلاف كما أحسب مؤقتاً أو ظرفياً، وإذا كان العالم  العربي يحتاج إلى ربيع حقيقي للتنمية والديمقراطية والمساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان والحكم الصالح، فهذا لا يعني أن مثل هذا الربيع سيأتي كما نتخيّله شفافاً وأنيقاً وخال من المنغّصات، لأن الأمر يتعلّق بصراعات على السلطة والمصالح والنفوذ، وبالطبع ستظهر فيه نقاط معتمة، وأخذ ورد، وتقدّم وتراجع، ومثلما هو الربيع معتدل؟ لكن  تصادفه بعض العواصف وأحياناً  تصاحبها أمطار وسيول وانهيارات، هكذا هي الطبيعة، ولا نريد التشبيه، وقد يكون ما حصل للمسيحيين هو جزء من الجوانب السلبية التي ألحقت ضرراً مضاعفاً بهم فوق الضرار السابقة بما فيها التمييز، خصوصاً بصعود تيار الإسلام السياسي والإسلاموي منه بشكل خاص وهو الأمر الذي لم يقلق المسيحيين وحدهم وإنما أقلق المشهد العربي الراهن برمّته وربما المسرح الدولي أيضاً.
وهنا لا ينبغي إهمال ما تعرّض له المسيحيون، بل لا بدّ من أخذه بنظر الاعتبار،  فالاتجاهات الإسلاموية أو الإسلامية وبعضها المتطرّف والمتعصّب قد تصدّرت الواجهات حتى وإن كان الأمر بطريقة " تسليم المفتاح" على حد تعبير محمد حسنين هيكل في لحظة من لحظات تبرّمه من هيمنة "الأخوان المسلمون" والاعتراف الغربي الأمريكي بهم، وإنْ كان لم يأتِ قبولاً بحق ولا إعجاباً ولا حكمة، لكنه لتأجيج الفتنة بين المسلمين  .
وكان باكورة عمل بعض القوى الإسلامية أو السلفية هو التهديد بإقصاء المسيحيين أو استهدافهم عملياً أو التصدي لطريقة حياتهم وعيشهم، بما فيها استخدام العنف ضدهم، وهو الأمر الذي حاولت بحثه، خصوصاً بالارتباط مع إشكاليات التغيير والتنوّع الثقافي والعلاقة مع الآخر، في إطار مبادئ المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان.
وقد ازداد الأمر تعقيداً بعد تمدّد "مشروع داعش"، خصوصاً بعد احتلال نحو ثلث الأراضي العراقية بعد سيطرته على الموصل في 10 حزيران/يونيو 2014 ونحو ثلث الأراضي السورية واعتماد "الرقة" عاصمة للخلافة: ورغم هزيمته في العراق وتحرير الأراضي العراقية في نهاية العام 2017، فإن جيوبه وبقاياه لا تزال تقوم بأعمال انتحارية وتفجيرية كما إن خلاياه النائمة لا تزال تتحرك، سيّما وأن هزيمته الفكرية والسياسية لم تتحقّق بعد ولا يزال فاعلاً في سوريا على الرغم من الخسائر التي مني لها، والأمر يحتاج إلى تجفيف منابعه الثقافية والمالية وإعادة ترميم البيئة الحاضنة له، خصوصاً بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية بإيجاد فرص عمل وتعمير المناطق المدمّرة وإعادة النظر بالمناهج الدراسية والتعليمية وبالخطاب الديني ومكافحة التعصّب والتطرّف والعنف وغير ذلك.
وكان من نتائج مشروع داعش إعادة  خلط الأوراق مجدداً في المنطقة، على الرغم من قيام التحالف الدولي لمكافحته، وصدور عدّة قرارات من الأمم المتحدة تدين التنظيم وهي تذكّر بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، والتي كان من نتائجها احتلال أفغانستان والعراق وما تركته تلك من ذكريات مأساوية لا تزال قائمة وماثلة للعيان، والأمر يحتاج إلى سياسة طويلة الأمد والاستثمار في الإنسان ذاته.
المسيحيون: أخطاء شائعة
نظرياً هناك خمسة أخطاء كبرى تنطوي على تصنيف المسيحيين كأقليّة في أوطانهم:
الخطأ الأول يتجاهل كون غالبيتهم عرب، والعرب " أكثريّة" في بلدانهم، وإنْ كنتُ، لا أميل إلى استخدام مصطلح "الأقليّة" و"الأكثريّة"، بالنسبة للمجموعات الثقافية: القومية والدينية والسلالية واللغوية، حتى وإن استخدمتها الأمم المتحدة ، لأنني أعتقد أنها مصطلحات تصلح لتوصيف القوى والتجمّعات السياسية والكتل البرلمانية، ولا تصلح لتوصيف التنوّع الثقافي، أو "المجموعات الثقافية"، وهو الأمر الذي توقفت لمعالجته لما له من دلالات وانعكاسات على مجمل النظام السياسي ومبادئ المساواة والمواطنة.
الخطأ الثاني هو السعي لفصل المسيحيين عن عروبتهم، إذْ أن أغلبيتهم الساحقة تعتبر الرابطة العروبية وهي رابطة حقوقية ووجدانية وانتماء إنساني واجتماعي، بل هي الحبل السري الذي يربطهم بأوطانهم وبشركائهم في الوطن الواحد، فهم والمسلمون وغيرهم ينتمون إلى الرابطة العروبية.
والخطأ الثالث هو استصغار دور المسيحيين، في إطار نظرة موروثة سائدة تارة لعددهم، وأخرى لدينهم، وثالثة للامتداد المسيحي في الغرب، ورابعة التشكيك بولائهم، بل أن البعض يعتبرهم طابوراً خامساً، لاسيّما  في الأزمات، وتفسّر دعواتهم للحداثة والتنوير أحياناً وكأنها أدوات "خادعة" وواجهات للنفوذ الغربي، وهناك من يعتبرهم خلايا نائمة، يمكن توظيفها حسب الطلب والشروط والحاجة.
وتهمل هذه النظرة ما لعبه المسيحيون من دور ريادي على مرّ التاريخ في هذه المنطقة، فقد سبقوا الإسلام في سكنى هذه المنطقة، بل أن أصولهم تمتد إلى ما قبل ذلك بكثير، حيث أبدعوا في حضارتها وثقافاتها وتفاعلاتها لاحقاً، سواءً مع شعوبها الأخرى أو مع الهجرات الوافدة إليها.
الخطأ الرابع هو محاولة عزل المسيحيين الحاليين عن "حركة التنوير" التي ساهموا فيها، لا سيّما السعي لتحديث مجتمعاتنا، فضلاً عن المشروع الحضاري الراهن الذي ساهموا في بلورته، للانعتاق من نير الكولونيالية ولإحراز الاستقلال والتحرر والتنمية والاصلاح والديمقراطية والانبعاث الحضاري والوحدة الكيانية، وكانوا باستمرار جزءًا فاعلاً في هذا المشروع، بل أنه لا يمكن تصوّر وجود هذا المشروع دون مساهمة لأبناء الديانة المسيحية أو للمتحدرين منها، بحكم دورهم التنويري التقدمي.
فحسب النظرة الانتقائية، فإن الراهن ليس استمرار للماضي، أما الحاضر فلا علاقة له بالتاريخ، وإذا كانت المساهمة المسيحية فعّالة وإيجابية في التاريخ المعاصر، فإن الاتجاهات الإقصائية ترى أن حاضرها مختلف، لاسيّما  الدعوة إلى المساواة والمواطنة وتكافؤ الفرص والحداثة وقيم حقوق الإنسان، وهذه أمور تختلف عن النضال ضد الكولونيالية والانعتاق من نيرها وإحراز الاستقلال، لأنها تتعلّق بموضوع المشاركة وإدارة الحكم وبالمسألة الديمقراطية، تلك التي يحترز منها كثيرون، حتى وإن لم يخالفوها علنياً.
أما الخطأ الخامس فهو يتعلق بإنكار مساهمة المسيحيين في نضال أمتهم وشعوبها، لا سيّما بصعود التيار الإسلاموي أو الإسلامي المتطرّف، وهو تيار استئصالي شمولي واحدي إطلاقي، ليس بحق المسيحيين فحسب، بل بحق مسلمين يختلفون معه في الرأي والتوجّه، ويعتقد المتطرّفون والمتعصّبون من التيار الإسلامي، السلفي أو الأصولي، أن على المسيحيين الانصياع وعدم المطالبة بالحقوق المتساوية والمواطنة المتكافئة، لأنهم "ذميون" و"لا ولاية لذميّ"، وبالتالي فإن المساواة التامة ليست ممكنة، وإذا ما أرادوا البقاء في "دار الإسلام" وتأمين حمايتهم، فما عليهم الاّ القبول بدرجة أدنى من المواطنة، أو مواطنة تابعة، أي ناقصة أو مبتورة، ولا ترتقي إلى الحد الأدنى للمعايير الدولية وللقواعد الدستورية المتعارف عليها في الفقه الدستوري.
هذه الأخطاء الخمسة الأساسية ، التي تم التعبير عنها في رسائل واضحة أو مستترة، معلنة أو مضمرة، علنية أو سرّية، شكّلت المشهد الأكثر احتداماً خلال السنوات المنصرمة، ولاسيّما في بعض البلدان التي فيها الوجود المسيحي كبير ومؤثر، ولاسيّما في مصر وسوريا والعراق ولبنان وغيرها. أما في فلسطين المحتلة فإن الوجود المسيحي تعرّض للاستئصال على نحو ممنهج ومدروس منذ قيام " إسرائيل" العام 1948، والأمر يتعلق بمحاولة صهيونية لإظهار الصراع باعتباره صراعاً دينياً: يهودياً - إسلامياً، وليس صراعاً وطنياً على الأرض والحقوق، بالنسبة لجميع الفلسطينيين بغض النظر عن ديانتهم.
لعلّ بعض المتعصّبين لم يقرأوا تاريخ المسيحيين العرب في المنطقة، وإن كانوا قد قرأوا التاريخ فإن قراءتهم مغلوطة أو إغراضية أو قاصرة، فقد كان المسيحيون باستمرار يضعون الانتماء الوطني والعروبي " القومي" فوق انتمائهم الديني، مع اعتزازهم  بتاريخهم وثقافتهم وخصوصيتهم، سواءً كانوا متدينين أو غير متدينين، مثلهم مثل المسلمين، لكنهم في الوقت نفسه لا يشعرون بأنهم كاملو المواطنة مثلهم، حيث عانوا من التمييز واللّامساواة والتهميش الشيء الكثير، قانونياً ومجتمعياً، ولسبب مختلف عن أسباب إقصاء أو تهميش الآخرين لنزعات استبدادية، وذلك ما يتعلق بنزعات استعلائية تعصبية باسم الدين أو تستخدمه وسيلة للهيمنة.
ومن باب النقد الذاتي يمكن القول أن ثقافة استعلائية ترسّخت لدى أواسط واسعة من المسلمين، وخصوصاً لدى التيارات الإسلامية والتقليدية بشكل عام قوامها التمييز ضد المسيحيين، وقد لعب الموروث السلبي والتقاليد البالية والنظرة الخاطئة إلى الآخر دوراً في الترويج لمثل هذه الثقافة، فضلاً عن قراءة مؤدلجة ومخطوءة للتعاليم الإسلامية، دون النظر إلى المشترك الإنساني، وثقافة التعايش السلمي بين الأديان والقوميات والسلالات واللغات المختلفة والمتنوعة.
وهناك شواهد إيجابية كثيرة في تاريخ العلاقات الإسلامية – المسيحية، ابتداءً من دستور المدينة الذي أبرمه الرسول لتأسيس المجتمع الإسلامي الجديد، حيث ضمن فيه حقوق الأديان والتكوينات الاجتماعية، بإقراره بطبيعتها التعددية ، ومروراً بالعهدة العمرية العام 15 هجري يوم رفض الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي تسلّم مفتاح القدس من البطريرك صفرنيوس، الصلاة في كنيسة القيامة لكي لا يقال أنها أرضاً إسلامية، وأصدر قبل ذلك "تعهداً من جانبه باحترام أرواح وممتلكات وحقوق المسيحيين وطقوسهم وشعائرهم"، وصولاً إلى فتح القسطنطينية، حيث أصدر السلطان محمد الفاتح رسالة إلى سكان اسطنبول (الأستانة) الذي كان غالبيتهم من المسيحيين، منحهم فيها حقوقاً أساسية قوامها الأمن والسلامة الشخصية وحفظ المال والعرض وتأدية الطقوس الدينية.
وليس بعيداً عنه مقاومة مسيحيي الشرق العرب للغزو الفرنجي لبلاد العرب (مسلمون ومسيحيون) وهو الغزو الذي بدأ بتاريخ 29 أيار (مايو) 1453  .
المسيحيون سواء كانوا عرباً أو غير عرب، فهم قبل العرب والمسلمين في بلدانهم جزءٌ من أوطانهم، ومثلما يدافعون عن استقلالها وحقوقها وحرّياتها فإن لهم خصوصيتهم أيضاً، لاسيّما  حقهم في ممارسة طقوسهم وشعائرهم بحرية تامة، في إطار ما يسعون إليه من إقامة دولة مدنية تضع مسافة بين الأديان وتعتمد مبادئ المواطنة والمساواة. وإن تاريخهم منذ عهد الاستقلال وقيام الدولة العربية الحديثة يوضح على نحو جلي أن جوهر مطالبهم يتلخّص باحترام الخصوصية الإنسانية، والتعامل معهم كمواطنين على درجة واحدة من المساواة، بينهم وبين غيرهم من أبناء الوطن باعتبارهم" مواطنون لا ذميون"  حسب تعبير الإعلامي والمفكر المصري فهمي هويدي و"مواطنون لا رعايا"   وفقاً لكتاب الباحث والمفكر المصري خالد محمد خالد، دون محاصصات أو اقطاعيات أو دوقيات، لأن شعورهم العام هو الانتماء الوطني العروبي، بل أن بعضهم يعتبر نفسه جزءًا من الثقافة العربية- الإسلامية، خصوصاً وأن الإسلام هو حاضن العروبة.
   وساهم المسيحيون، ولاسيّما على المستوى الفكري في مشروع التحرّر من الهيمنة العثمانية، إضافة إلى المستوى العملي – التنظيمي، حيث حفظت أديرتهم وكنائسهم كتب التراث العربي، مثلما حافظوا على اللغة العربية وآدابها، وكانوا هم من يتولّى تدريسها، وذلك في معارضة للعثمانيين الذين كانت هوّيتهم " القومية التركية" هي الغالبة، في حين كانت هوّية المسيحيين العربية، هي العنصر الحيوي في حياتهم وثقافتهم، مثلهم مثل المسلمين العرب.
قد يكون مفيداً التذكير بكتب التنوير العربية المسيحية المعاصرة في مواجهة سياسة التتريك، إضافة إلى الصحف العربية التي صدرت في المهجر خلال القرن ونيّف الماضي، وهي تدلّ دلالة كبيرة وواضحة على دورهم المتميّز والريادي على هذا الصعيد، إذْ لا يمكن تصوّر تحقق مثل هذا العطاء دون الحضور والمساهمة الفعّالة للمسيحيين وهو ما دفع إعلامي يمتلك قلماً رشيقاً وجملة أنيقة لجرد العطاء المسيحي على نحو مكثف، فقد ذهب علي الصراف بعد عناء ومواصلة، لطرح سؤالٍ بسيطٍ في شكله، عميقٍ في جوهره وهو: لماذا يُظلم المسيحيون ويعاملون بتمييز وتنتقص من حقوقهم الإنسانية ولماذا يهجرون ديارهم؟ وبعد كل هذا نقول لماذا يعاملون كأقليّة؟
لقد رفع المسيحيون لواء الأدب والثقافة والفنون والتاريخ في العالم العربي، ليس هذا فحسب، بل حملوا المعارف والعلوم القانونية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية، فكيف يريدون تجريد العرب من هذا الامتياز العظيم، سواء بالضغط عليهم من أجل الهجرة أو التعامل معهم كغرباء عن وطنهم، وفي وطنهم، أو النظر إليهم كأقليّة، أو التعاطي مع كنائسهم وأديرتهم باعتبارها تخصّ الغرب، وهل يمكن التبرّع بالسيد المسيح للغرب، باعتبار أغلبيّة سكانه من المسيحيين،   علماً بأن مسيحي الشرق والعرب بصورة خاصة هم من قاوم طموح الغرب في حرب الفرنجة لإملاء الإرادة على العرب (مسلمون ومسيحيون)، ولا أقول حروب الصليبيين، ولم تقتصر مذابح الفرنجة، على المسلمين وحدهم، بل شملت المسيحيين أيضاً، وكان هدفها اقتصادياً وتوسعياً استعمارياً حتى وإن حملت راية الدين.
ولد السيد المسيح في الشرق وفي مدينة بيت لحم بالتحديد ونشأ في الناصرة وهو يسوع الناصريّ، ابن مريم بنت عمران فكيف يصحّ أن ننسب المسيحيين إلى الغرب، حتى وإن جاء المسيح للعالمين جميعاً، وهو ما ورد ذكره في كتاب المسلمين " القرآن الكريم" .
كتب هادي العلوي عن شرقانية السيد المسيح الذي يعتبر تراثه شرقياً وليس غربياً، فهو متصوّف اجتماعي، قبل أن يكون مبشّراً دينياً، موضحاً مسالك عودته من اغترابه في الغرب إلى رعاياه في الشرق.
ولعلّ الكراهية والنفور من الآخر والسعي إلى إلغائه ليست حِكْراً على دين أو جنسية أو مجتمع أو لغة، ومثلما هي موجودة في الغرب، فهي موجودة لدينا أيضاً تتشبث بأذيال الجهل وتتمسك بالاتجاهات المتطرفة والمتعصبة التي ترفض الآخر ولا تقبل التعايش معه، ولاحظنا أن مثل هذه التوجّهات لم تكن ضد الغرب  الغريب " المريب" حسب، بل ضد كل آخر بما فيها في بلادها وأمتها ومجتمعها، ولهذه الأسباب أيضاً هي ضد المسيحيين ووجودهم. ولهذا كانت جماعات الإسلام السياسي والمجموعات المتشددة وراء الهجرة المسيحية التي أصبحت ظاهرة ملفتة للنظر، وقد اتسعت بالنزوح وترك المدن والبلدات بعد تهديدات داعش.
فحسب بعض التقديرات المسيحية هاجر نصف مسيحيي العراق  وذلك بسبب أعمال العنف، وقد استهدفت القيادات الإسلاموية المتعصّبة، والتي لا علاقة لها بتعاليم الدين الإسلامي أو بالتاريخ والتراث الإسلامي، وإنْ لم يكن كلّه ناصعاً، لتتجاوز على الوجود المسيحي الذي يستمر منذ ما يزيد عن 14 قرناً، والذي احتل مكانة رفيعة في بعض الفترات، ولاسيّما في عهد الخليفة المأمون نجل الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد والتي سمّيت بغداد على اسمه " عاصمة الرشيد".
وبسبب احتلال داعش للموصل في 10 حزيران/يونيو/2014 وفرضها شروطاً على المسيحيين تبدأ من دخولهم للإسلام أو دفع الجزية في حالة رفضهم أو رحيلهم عن مناطقهم وإلّا فإن القبور ستكون مفتوحة لهم، بدأت هجرة جديدة للمسيحيين، وهو الأمر الذي شمل الإيزيديين على نحو شديد حيث تم سبي نسائهم وقتل شبابهم. واضطر عشرات الآلاف من المسيحيين إلى الهجرة مجدّداً. وإذا كان عدد المسيحيين يزيد على المليون عشية احتلال العراق وعدد نفوسه 23 مليون، فإن عددهم لا يزيد عن 350 الفا في حين أصبح عدد السكان أكثر من 36 مليونا .
وفي سوريا كان عدد المسيحيين نحو 16% من السكان وبسبب أعمال العنف والصراع الداخلي والتداخل الدولي لم يبقَ منهم سوى 6% وهذا العدد في تناقض أيضاً. وفي لبنان فقد اضطر للهجرة خلال الحرب الأهلية نحو 700 ألف لبناني كانت الغالبية منهم من المسيحيين الذين يتناقص عددهم باستمرار. وظلّت مصر التي يبلغ عدد الأقباط فيها نحو 8% من السكان يشكون من عدم المساواة .
المسيحيون وفلسطين
لمسيحيي فلسطين معاناتهم المضاعفة والمركبة، خصوصاً وقد تعرّضوا إلى الإجلاء القسري، لاسيّما بمصادرة وطنهم وهضم كامل حقوقهم الإنسانية.   وكان عددهم يزيد على 20 % من السكان قبل الاحتلال وبسبب التهجير المنظّم والمبرمج ، وصل عددهم الآن إلى أقل من1.5 % وكان في القدس وحدها ما يزيد  عن 50 ألف مسيحي، في الوقت الذي لا يصل عددهم اليوم إلى 5 آلاف.
وقد ساهمت موجة التطرّف والتعصّب والتكفير التي ضربت المنطقة في إجلاء وتهجير المسيحيين، متمثلة بوجهيها إعلان " إسرائيل" دولة يهودية نقية وتصاعد عدوانيتها، بالترافق مع إعلان قيام الدولة " الإسلامية" أو "الإسلاموية" في كل من العراق وسوريا  "داعش".
وبما أن الدولة في "إسرائيل" ستكون دينية يهودية، فلا مكان للمسيحيين وبالطبع للمسلمين وغيرهم فيها، لأنها تقوم على قاعدتين أصوليتين الأولى إن فلسطين أرض "الوعد الإلهي"، والثانية إنهم "شعب الله المختار"، وهو ما دأبت "إسرائيل" على العمل وفقاً له منذ قيامها في العام 1948، وخصوصاً إزاء المسيحيين، بهدف تفريغ فلسطين منهم، ولاسيّما من القدس لاعتبارات سيتناولها الكتاب.
ومن جهة أخرى فإن قيام دولة "إسلامية" أو إسلاموية نقية، سيعني طرد أتباع الديانات الأخرى، وهو ما باشرت به "داعش"، خصوصاً إزاء المسيحيين والإيزيديين وغيرهم، وكذلك أتباع المذاهب الأخرى حتى وإنْ كانت إسلامية أو إن أصحابها مصنّفون ضمن الدائرة الإسلامية، لأن الأمر حسب داعش وعقيدتها هو تكفير الجميع، بل وحتى استئصالهم إنْ لم يعلنوا الولاء والبيعة لها والامتثال لأوامرها.
وبهدف معرفة ردود الأفعال إزاء الظاهرة الإقصائية والإلغائية، فلا بدّ من التوقّف عند عاملين، الأول: هو السياسات الصهيونية العنصرية والغربية الإستعلائية إزاء عرب فلسطين والحقوق العربية عموماً، مسلمين ومسيحيين ودروز وغيرهم، التي بسببها تبرّر بعض الاتجاهات الإسلاموية المتعصّبة والمتطرفة سلوك هذا السبيل، سواء كانت تحت مسمّيات تنظيم القاعدة أو ربيبته داعش أو جبهة النصرة وأخواتها  أو غيرها من الجماعات الإرهابية، وذلك استناداً إلى كلام "حق يُراد به باطل"، أحياناً إذْ هل ينبغي مجابهة الجريمة، بالجريمة والإثم بالإثم، والرذيلة بالرذيلة؟ فجريمتان لا تولدان عدالة، وإثمان لا ينتجان براءة، ورذيلتان لا تنجبان فضيلة.
والثاني هو محاولة خلق النقيض، بل التسابق معه ليس لنقضه، بل لموازاته في تطرّفه وتعصّبه وممارساته العنصرية الاستعلائية، ولعلّ ذلك ما قامت وتقوم به داعش في منافسة "إسرائيل" وبعض حاخاماتها المتطرفين، في الانغلاق، وإدعاء الحق، وإقصاء الآخرين، وهكذا تقف الأصولية اليهودية المتعصّبة، مقابل الأصولية الإسلاموية المتطرفة، ولاسيّما في الموقف من المسيحيين، بل من الآخر بشكل عام.
وللأسف لم ترتفع أصوات إسلامية ومدنية وعلمانية كافية حكومية أو غير حكومية لإدانة تلك الأعمال الإجرامية، ولوضع حد لاضطهاد المسيحيين وتهجيرهم، إضافة إلى استهداف المجموعات الثقافية الأخرى، دينية أو إثنية أو لغوية أو سلالية على أساس الهوّية الفرعية، ولم تدرك الكثير من الأوساط فداحة تفريغ المنطقة من المسيحيين، في ظلّ انشغالها بالفتنة الطائفية – المذهبية التي تضرب المنطقة بالصميم، فيما يسمى بالصراع السني – الشيعي، الذي لا يخلو من تداخلات خارجية دولية وإقليمية.
وهنا نريد استعادة خسارة المنطقة للوجود اليهودي العربي التي كانت كبيرة جداً، ومؤثرة جداً، ولم يدرك الكثيرون أبعادها حينها، بل إن بعضهم لا يزال غير مدرك لتأثيراتها السلبية على طبيعة الصراع في المنطقة، حيث ساهمت عملية تهجير اليهود العرب إلى "إسرائيل" في دعمها بالعنصر البشري التي هي بحاجة إليه، ربما أكثر من العناصر الأخرى، والحجة كانت أن كل يهودي يمكن أن يكون "طابوراً خامساً" أو حتى "صهيونياً" أو مؤيداً "لإسرائيل"، مثلما ترفع الموجة التكفيرية شعارات من شأنها اعتبار كل مسيحي موالياً للغرب أو إنه يمكن أن يكون عضواً في خلية نائمة، وبتقديري إن إفراغ المنطقة من المسيحيين ومن المسيحية العربية  هو الوجه الآخر من دعم المشروع الصهيوني.
وحسب وجهة النظر "الإسرائيلية" فإن الصراع بناء على هذه المعادلة سيصبح بين "أقليّة يهودية" و"أغلبيّة مسلمة" قوامها مليار ونصف المليار نسمة، مقابل بضعة ملايين يهود على النطاق العالمي، وإذا كان العرب والمسلمون لا يتحمّلون وجود مسيحية عربية بين ظهرانيهم، فكيف يتحملون وجود يهود؟ وهو الأمر الذي سعت "إسرائيل" بكل وسائل دعايتها وحربها النفسية لإبرازه.
إن الصراع الديني – الديني هو ما تسعى إليه "إسرائيل"، لأنه سيكون صراعاً إلغائياً تناحرياً، ولا يمكن إيجاد حلّ له إلاّ بقضاء أحدهم على الآخر، وهو ما يصب في خانة "إسرائيل" التي ستزعم إنها واليهود سيكونون ضحايا مقابل الغلبة " المسلمة" ولعلّ تصرّف داعش وسلوكها ضد المسيحيين بشكل خاص والمكوّنات الثقافية الأخرى بشكل عام يعطي مثل هذا الانطباع الذي تريده "إسرائيل" إزاء النزعة الإلغائية والإقصائية " المسلمة" ضد اليهود وضد كل آخر.
لا بدّ من إعادة قراءة طبيعة الصراع العربي- "الإسرائيلي"، لا باعتباره صراعاً دينياً، بل بكونه صراعاً وطنياً من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة وهدر سافر لحقوق الإنسان الفلسطيني، وبين عدوان واحتلال واستعمار استيطاني إجلائي، وهو صراع على الأرض وليس على قيم السماء، بين قوى تريد فرض هيمنتها على المنطقة، وبين أبناء المنطقة الذين يريدون حقهم في تقرير مصيرهم والعيش بسلام وأمن ورفاه.وكما قال أنطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي "إن اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض"  في لفتة ذات بعد مستقبلي.
خاتمة
انطلاقا من قاعدة الحق في الاعتقاد والمنظومة الكونية لحقوق الإنسان نعتقد أن ما تعرّض له المسيحيون العرب وغير العرب أمرٌ يستحق الوقوف عنده من جانب الجميع مسلمين ومسيحيين، متدينين وعلمانيين، مؤمنين وغير مؤمنين، يمينيين ويساريين، لأنه أمرٌ يتعلق بالتعايش وبصميم العلاقات والحقوق الإنسانية، خصوصاً وأن المسيحيين ليسوا وحدهم من يدفع الثمن باهظاً، بل إن مثل هذه الصورة البشعة إزاء المسلمين ودينهم الحنيف، تجعلهم هم كذلك من يدفع الثمن، واقتضى الأمر من الجميع من أبناء المنطقة، الحريصون على تقدمها ورفاهها والسير بها في ركب الأمم المتحضرة، العمل لوضع حد لاستهداف المسيحيين، ولعلّ ذلك سبباً مهماً في وضع هذه المسألة على طاولة البحث والنقاش كي ما تكون حافزاً جديداً لحوارات جادة، ومسؤولة سواء على النطاق العربي أو ألإقليمي، ناهيك عن المجتمع الدولي.
والأمر له علاقة بـقضايا الهوّية والتنوّع الثقافي والتعدّدية والتغيير وحقوق الإنسان، فالمنطقة العربية تعاني أكثر من غيرها من الاستلاب والقهر وشحّ في حرّية الاعتقاد والضمير، بل إنها من أكثر مناطق العالم انتهاكاً لهذه الحقوق باسم الدين أحياناً حسب العديد من التقارير الدولية، وخصوصاً بتفشي الصراعات الطائفية والمذهبية.
إن إعادة بناء الدولة الوطنية وإقامة حكم القانون يتطلّب احترام مبادئ المواطنة كاملة ودون أي تمييز لأي سبب كان، وحين نتناول مسألة المواطنة، فإننا نقصد الحرية بما فيها الحريّات الأربعة، والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة، وسيعني ذلك قبول التعدّدية والإقرار بالتنوّع، الذي سيكون سداه ولحمته الإنسان، بعيداً عن التمييز لأسباب دينية أو قومية أو جنسية أو لغوية أو ما له علاقة بالأصول الاجتماعية والرأي السياسي، كما تذهب إلى ذلك الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
والباحث إذْ يدخل هذا الحقل فإنما يشعر بواجب ومسؤولية إزاء هدر حقوق الإنسان منظومة وتطلّعاً، سواءً الحقوق الجماعية أو الحقوق الفردية، ويأمل أن تساهم  مثل هذه الحوارات في تعزيز العلاقة بين المسيحيين والمسلمين وغيرهم في البلدان العربية، بما يرسّخ المشترك الإنساني ومراعاة الخصوصيات الضرورية والهوّيات الفرعية، التي لا غنى عنها للتعبير عن الكيانية الخاصة، ومثل هذا الأمر ينطبق على العراق وسوريا ومصر ولبنان وغيرها، مع مراعاة خصوصية أوضاع المسيحيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
ولا تزال السياسة الرسمية في البلدان العربية تتجاهل العواقب الوخيمة التي قد تنجم عنها وحدانية الانتماء وإلغاء أو تهميش الهوّيات الفرعية، بزعم "الوحدة العربية" تارة و"الوحدة الإسلامية" أو "أحكام الشريعة"  في أخرى و"مصالح الكادحين الطبقية" في مرّة ثالثة، وهذه كلّها تحاول تطويع التنوّع والخصوصية والفردانية لصالح الشمولية والكلّانية، وهي نظرة تمتاز باستصغار الآخر والتعامل معه باستعلائية، سواء عبر تشريعات قانونية أم ممارسات مجتمعية وجزء منها يعود إلى الموروث السلبي، وبصورة جماعية أو فردية، دون أن تدرك ماذا يعني غياب المسيحيين عن المشهد العربي؟
إن غياب المسيحيين سيعني طفو وطغيان الصراع الطائفي على السطح، ذلك أن وجود المسيحيين إلى جانب المسلمين، يعطي للأمة العربية هذا الطابع المتنوّع دينياً مثلما هو وجود الكرد والترك والإيرانيين والأفغان والباكستانيين والبنغلادشيين والأندونيسيين والماليزيين والهنود والأفارقة وغيرهم إلى جانب العرب، ناهيك عن مسلمين من التيبت وتركمانستان وأوزباسكتان وروسيا وغيرها، فإنه يعطي للدين الإسلامي هذه الصيغة العالمية، القائمة على التنوّع والوحدة في الآن، تلك التي تقرّ بالتعددية على أساس المشترك الإنساني، الذي يجتمع أحياناً في وطن أو كيانية أو شعب على نحو موحد وليس واحد.
كما أن الوجود المسيحي هو جسر الوصل بين الحضارة العربية- الإسلامية، بما فيها الحضارات القديمة والحضارات الإنسانية، ولذلك فإن حماية وجودهم يعني حماية الوجود العربي ككل، وبهذا المعنى لا يكون المسيحيون " أقليّة" كيانية، لأنهم معادل مساوٍ من حيث الجوهر للكيانية المسلمة، وكلاهما ومعهما مكوّنات أخرى يشكّلان كياناً موحداً أساسه العروبة وجامع مشترك أعظم هو الوطن، في إطار بيئة إنسانية مشتركة.
وبعد كل ذلك فالأمر له علاقة بحق الاعتقاد الذي تقرّه المادة 18 من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان ومن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وهو يمثل أحد أركان الحقوق الأساسية التي لا يمكن الحديث عنها دون حق الاعتقاد.


غير متصل متي اسو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 926
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
السيد عبد الحسين شعبان المحترم

مقال رائع وتحليل في معظمه صحيح تُشكر عليه . ‏
الاخوة المسلمون مطالبون بهذا النوع من المقالات اكثر من غيرهم ، لان ‏الغاية من الكتابة هي ايصال فكرة الكاتب ، ولما كانت الطائفية متفشيّة في ‏الوسط العراقي والعربي ، فإن ما يكتبه المسيحي مثلا يقل تأثيره كثيرا في ‏الوسط العام للاعتقاد بأن العامل الديني قد يلعب دورا في رأيه... كما ان مثل ‏هذه الكتابات تساهم جدا في تنقية المجتمع العربي من ادران التطرّف ‏الاسلامي ليعود الاستقرار الى المنطقة التي تمزقها الصراعات المذهبية ‏مصحوبة بالاضطهاد الديني اتجاه المواطنين من غير المسلمين .‏
الاخوة المسلمون مُطالبون بجرأة اكثر في الكشف وشخصنة العوامل الكامنة ‏التي تجعل من اية محاولة للاصلاح مستحيلة او قصيرة العمر ..‏
الاخ كاتب المقال أشار الى الخلل الرئيسي الذي يفرّخ الارهاب عندما قال :‏
‏"  وإعادة النظر بالمناهج الدراسية والتعليمية وبالخطاب الديني ومكافحة ‏التعصّب والتطرّف والعنف وغير ذلك "‏
ان اعادة النظر في المناهج الدراسية امر بالغ الاهمية ... لكن ، ألا تعتقد بأن ‏وجود الحصص الدينية في المدارس الابتدائية والثانوية كفيلة بزرع ‏الاختلاف بين الطلبة على اساس ديني عندما يخرج غير المسلمين من ‏الصف في هذه الحصص ؟.. بالامكان تدريس الدين بعد الاعدادية في كليات ‏خاصة مثل كلية الشريعة ...‏
اما بخصوص الخطاب الديني ، فإن مفعول التطرّف ينتهي عندما يُمنع ‏استعمال مكبّرات الصوت من على المساجد والحسينيّات ويُلغى بثّها في ‏وسائل الاعلام من الصحف ومحطات اذاعة او تلفزيون ، ففي العقود ‏الاخيرة  كانت المآذن تصدح ، باستمرار عجيب ، بشتم الصهاينة ‏والصليبيين رغم عدم وجود المصطلحين في القرآن !!!‏
ماذا سيكون الشعور العام للمسلمين اتجاه المسيحيين وهم يسمعون ذلك يوميا ‏رغم عدم وجود علاقة بين المسيحي الشرقي والحملات الصليبية قبل الف ‏عام ؟؟؟ ...‏
لم يكن ذلك سوى كُرها ممنهجا لربط المسيحيين مع الصهاينة ...وكان خلقا ‏لبيئة متعصبة متطرفة أثمرت عن سمومها.‏
كيف يسمح المسلم بوصف دينه " دين الضجيج " وهو يستمع ، بأصوات ‏عالية ، مآذن مختلفة في آن واحد لعدة مرات في اليوم ؟ ...قراءة الوقت ‏حاليا لا تستغرق اكثر من نظرة على الساعة اليدوية او الجوال !...ان ‏الشيوخ يعرفون ذلك ... لكن لا يناسبهم سوى العيش في الماضي ...‏
وليسمح لي الاستاذ كاتب المقال ان اخالفه في امر واحد .‏
‏ ان ايجاد الحلول بمشاركة رجال الدين لن تثمر عن حل في الوضع الراهن ‏‏... كما كنتُ اتمنى لو لم تشر الى ايجاد حلول التعامل مع غير المسلمين ‏بالرجوع الى اعمال النبي او الصحابة ، لانك بذلك تُبقي الباب مفتوحا على ‏مصراعيه لتدخّل رجال الدين والعودة بنا الى المربع الاول ...لان في القرآن ‏نصوص وفي السنّة احاديث يبرع الشيوخ في شحن التطرّف بها ...‏
اما العهدة العمرية المختلف على نصوصها فقد كانت مجحفة ومُذلّة ‏للمسيحيين .... ‏
أليس من حق المسيحبين ان يسألوا : " لماذا لم يحتاجوا الى " العهدة " قبل ‏الاسلام ؟
تقبّل تحياتي العطرة وارجو ان نسمع منك المزيد .‏

متي اسو

غير متصل نيسان سمو الهوزي

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3606
    • مشاهدة الملف الشخصي
السيد عبد الحسين المحترم : حتى عندما ترغبون في تصفيه قضية او حلها تعقدونها في النهاية بالدِّين نفسه !
القضية والحل سهل وسلس ولا يحتاج غير فصل الدين عن السياسة وجعله بين الأشخاص فقط ولا يحق لأحد استخدامه بأي شكل من الأشكال ضد الآخرين ! ولكن قبل ذلك عليكم تغير الكثير من الصفحات والمفاهيم التي تم زرعها في المنهاج ( لا هاي صعبة ) اذا قضيتنا معقدة وليست سهلة كما تصورتها في اول وهلة ! كل العالم نهج العلمانية إلا البدو فما هو السر يا ترى ! لماذا يعتمدون في حياتهم وفِي كل شيء على العلماني وعندما تقترب منهم يحاربونها بكل قوة فما السر يا ترى ! سأترك الجواب لك سيدي الكريم . تحية طيبة

غير متصل lucian

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3345
    • مشاهدة الملف الشخصي
اقتباس
وضعية المسيحيين في المشرق العربي

اقتباس
الوطن العربي

اقتباس
لأن شعورهم العام هو الانتماء الوطني العروبي، بل أن بعضهم يعتبر نفسه جزءًا من الثقافة العربية- الإسلامية، خصوصاً وأن الإسلام هو حاضن العروبة.

اقتباس
في حين كانت هوّية المسيحيين العربية، هي العنصر الحيوي في حياتهم وثقافتهم، مثلهم مثل المسلمين العرب.

اقتباس
إن إفراغ المنطقة من المسيحيين ومن المسيحية العربية

اقتباس
هل يمكن أن يكون الربيع للمسلمين العرب فقط، في حين يكون خريفاً للمسيحيين العرب

اقتباس
فقد كان المسيحيون باستمرار يضعون الانتماء الوطني والعروبي " القومي" فوق انتمائهم الديني

اقتباس
كانت هوّية المسيحيين العربية، هي العنصر الحيوي في حياتهم وثقافتهم، مثلهم مثل المسلمين العرب.

الخ من اكثر من 48 جملة مشابهة لاعلاه....

في البداية انا اقول لكاتب المقال بانني لست مسيحي عربي وانما انا مسيحي اشوري القومية.

وبالرغم من ان الكاتب اشار بان مقاله يحتاج الى حوار ونقاش الا انني متاكد جدا بانه لن يتجراء على اي نقاش. ولكن من ناحية اخرى انا غير محتاج الى اي نقاش , لماذا؟

لانني استطيع ان اثبت بان العروبة لا يمكن ان تكون سوى بان تكون بعثية. وهي لا يمكنها ان تحوي رموز سوى رموز البعث من شعارات البعث مثل : الوطن العربي, الامة العربية ...وتعتبر العراق ارض عربية وارض للعرب وهكذا الحال لبقية البلدان.
 وسبب عدم حاجتي للنقاش هو ان هذه العروبة التي لا يمكن ان تكون سوى دائما بعثية قتلت الملايين من العرب وشردت الملايين من العرب, واخر تشريد قام به القوميين العرب كان هروب الرجال العرب من سوريا مشيا على الاقدام نحو اوربا تاركين نساءهم خلفهم.

واجمل صرح للعروبة كان سجن فلسطين في سوريا الذي كان يقوم به القوميين العرب بتعذيب مئات الالاف من العرب. طبعا العروبة في العراق  هو موضوع لا حاجة لذكره هنا فهو معروف للكل. ولا ننسى بان كل الارهابين الذين قدموا الى العراق وقاموا بالتفجيرات الخ هم جاءوا الى العراق لان كان هناك من يتحدث بنفس الطريقة ويقول للكل بان العراق ارض عربية وبانها جزء من الوطن العربي والامة العربية , بمعنى انها ارض اي شخص غير عراقي ايضا. وهكذا اصبح عربي اجنبي غير عراقي يعتقد بانه يمتلك حقوق في العراق اكثر بكثير من  العراقيين انفسهم.

لو كان قانون المسالة والعدالة بعد سقوط البعث قد انتج نفس قرارات محاكمات نورنبيرغ في محاربة ومعاقبة ثقافة النازية ومعاقبة اي شخص يستعمل الرموز التي استعملتها النازية فكان ينبغي اصدار قرارات بمعاقبة فورية لاي شخص عربي يسمي العراق ارض عربية او يعتبرها جزء من الامة العربيية لان هذه الشعارات كانت كلها رموز البعث المجرم. ولكن بسبب التخلف المنتشر في المنطقة فان قانون المسالة والعدالة شمل فقط اجتثاث البعثين كاشخاص ولم يشمل اجتثاث ثقافة البعث ورموز وشعارات البعث.

قانون المسالة والعدالة في العراق هو مثل قوانين معاقبة النازية كلاهما مشتقان من اعظم نظرية سياسية عمل عليها المئات من العلماء ومن عدة مراكز ابحاث عالمية وهي نظرية Transitional justice وهي نظرية تؤكد بالاساس على منع اعادة ظهور كل رموز وشعارات ثقافة المرحلة الديكتاتورية ... الفرق في التطبيق ان النظرية في قانون المسالة والعدالة لم تشمل في العراق اجتثاث ثقافة البعث.

https://en.wikipedia.org/wiki/Transitional_justice


 

غير متصل متي اسو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 926
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
فاتني امر هام لا ادري كيف غفلتُ عنه ..‏
وما عليّ الان إلا العودة الى اقتباس جزء مهم من المقال كي ‏اعلّق عليه .‏
اقتباس : "  وهناك شواهد إيجابية كثيرة في تاريخ العلاقات ‏الإسلامية – المسيحية، ابتداءً من دستور المدينة الذي أبرمه ‏الرسول لتأسيس المجتمع الإسلامي الجديد، حيث ضمن فيه ‏حقوق الأديان والتكوينات الاجتماعية، بإقراره بطبيعتها ‏التعددية ، ومروراً بالعهدة العمرية العام 15 هجري يوم رفض ‏الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي تسلّم مفتاح القدس من ‏البطريرك صفرنيوس، الصلاة في كنيسة القيامة لكي لا يقال ‏أنها أرضاً إسلامية، وأصدر قبل ذلك "تعهداً من جانبه باحترام ‏أرواح وممتلكات وحقوق المسيحيين وطقوسهم وشعائرهم"، ‏وصولاً إلى فتح القسطنطينية، حيث أصدر السلطان محمد ‏الفاتح رسالة إلى سكان اسطنبول (الأستانة) الذي كان غالبيتهم ‏من المسيحيين، منحهم فيها حقوقاً أساسية قوامها الأمن ‏والسلامة الشخصية وحفظ المال والعرض وتأدية الطقوس ‏الدينية‎.‎‏ " انتهى الاقتباس

هذا الجزء من المقال له اهمية خاصة لانه يتحدث عن " ‏الشواهد الايجابية " في تاريخ العلاقات الاسلامية- المسيحية.‏

في اعتقادي ، وأقولها بأسف شديد ان  د. عبد الحسين شعبان ‏لم يكن موفقا ابدا في اختيار هذه الشواهد لتكون امثلة ايجابية ‏للعلاقات الاسلامية-المسيحية .‏
لقد اشرت سابقا ان في القرأن وفي الاحاديث النبوية ما يجعل ‏وضع المسيحيين في اسوأ الحالات .‏
كما اشرتُ الى ان العهدة العمرية كانت هي الاخرى مذلّة ‏للمسيحيين الذين لم يحتاجوا الى " عهدة " في عيشهم مع ‏العرب قبل الاسلام .‏
لكن الطامة الكبرى كانت في جعل رسالة محمد الفاتح بمثابة " ‏حقوق اساسية " للمسيحيين الذي غزا واحتلّ بلدهم القسطنطينية ‏وقتل رجالهم وسبا نسائهم واطفالهم وحوّل اكبر كنائسهم الى ‏جامع ! !!!‏
يغزوهم .. ثم يمنحهم حقوق ؟
ان الخطأ الفادح الذي يقع فيه معظم الاخوة المسلمين هو إظهار ‏نوع من التفاخر بالغزو الاسلامي  وترديد الاشادة بالحقوق الي ‏منحها المسلمون للبلدان التي احتلوها !!!‏
لماذا احتلوها اصلا ؟
لكن القليل منهم ، مثل د. السيد القمني قال : " اني اتعجب كيف ‏ان مصر تحتفي بعمرو بن العاص الذي فتح بلادها واستعبدها ‏؟ ، كان يوما اسودا في تاريخ مصر " ‏
في كل الشواهد التي ذكرها كاتب المقال ، كان المسيحيون ‏ضعفاء اذلاء !!! وهذه غير صالحة لتكون " علاقة مواطنة " .‏
تحياتي ‏

متي اسو
  ‏