المحرر موضوع: خور ساباد مدينة آشورية بين زمنين لا يريدان أن يلتقيا  (زيارة 2967 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي

أكام شيخ هادي فنان فوتوغرافي يستعيد حضارة آشور من باريس إلى أرضها الأولى، ويبعث بأكثر من رسالة بأنّ هذا إرث حضاري تتوجب المحافظة عليه.



وارد بدر السالم - روائي عراقي
صحيفة العرب
الاثنين 2019/05/06


كثيرة هي المدن العريقة التي تحولت إلى خراب، بتاريخها وآثارها وحضاراتها، صارت مجرد ركام، على أنقاضه يعبث الزمن والناس في نسيان تام لما كان هناك. الحضارة الآشورية هي الأكثر نصيبا من هذا التناسي والانقلاب، من ذروة حضارية بشرية قبل قرون، إلى ركام يجهل سكانه كنهه اليوم، فيما كنوزه خارج البلاد. وهنا جاءت محاولة فوتوغرافي عراقي استعادة التاريخ بين أهله المهجرين وجلبه في صور من فرنسا إلى العراق.

تواصل “دكّانة” عروضها الشهرية الفنية باختيارات مناسبة لفنانين عراقيين؛ تشكيليين وفوتوغرافيين؛ في مساحتها الصغيرة التي تحاول أن تؤسس لنمط جديد في علاقة الفن بالمتلقي العام عبر أقل عدد من اللوحات والصور وإنشاء جماليات شهرية متعددة يساهم فيها مبدعون من مختلف المدارس والأجيال.

وهذه المرة عرضت هذه الدكّانة الصغيرة 12 لقطة فوتوغرافية للفوتوغرافي الكردي أكام شيخ هادي تحت عنوان تاريخي “رحلة في بلاد آشور” تشكّل بمجموعها مشروعا فنيا حول مدينة خور ساباد الآشورية التي بناها الملك الآشوري سرجون الأكدي عام 752 ق.م والتي جعلها عاصمة له.

استعادة التاريخ
المشروع استعادي جمالي لمدينة تركت في التاريخ العالمي بصمتها الحضارية ولا تزال بعض شواخصها قريبة من مدينة الموصل الحالية، لكنها تعرضت إلى خراب داعشي كبير بالحرق والتخريب وأصبحت مأوى للمهجّرين من بسطاء الناس الذين لا يمتلكون المعرفة الكافية لمدينة تاريخية عظيمة.

الفوتوغرافي أكام بعد تحرير الموصل من عصابات داعش استطلع هذه المدينة التاريخية وبحث عن جذورها وتطلّع في الاكتشافات الاستشراقية التي حددت موقعها منذ عام 1843 من قبل القنصل الفرنسي أميل بوتا عندما عثر على بقاياها وآثارها من الثيران المجنحة وغيرها، وتبعه البريطانيون في مراحل أخرى بعد ذلك التاريخ لينهبوا ما تبقى من تلك الآثار الفنية؛ لذلك كان على الفنان متابعة حيثيات التاريخ أولا، ثم يكتنز الصورة المعبّرة التي تشبه أرشفة البقايا المتروكة التي اتخذها المهجّرون المحليون مأوى لهم، فتطلّب من مؤسسة “رؤيا” الراعية أن توفد الفنان الى متحف اللوفر ليرى الأثر الأساسي هناك ويصوّره ليبقيه حيا بين الأجيال الجديدة التي ظلت معرفتها عابرة بتلك الآثار.

المشروع استعادي جمالي لمدينة تركت في التاريخ العالمي بصمتها الحضارية ولا تزال بعض شواخصها قريبة من الموصل

الجديد في هذه الفكرة المستحدَثة أن هذا الفنان التقط من متحف اللوفر الآثار الحقيقية لهذه المدينة الآشورية القديمة وطبعها بأحجام كبيرة، وعاد بها إلى الأرض الحقيقية التي استُلبَت منها وعلّقها على بقايا الجدران الأثرية المتبقية إلى اليوم بين مجموعة من المهجّرين في مخيمات بسيطة ومن الذين غابت عنهم فكرة الماضي وتاريخيته، ليزجّهم في أحافير التاريخ على الأرض مباشرة، بإشارة صريحة إلى قوة الماضي وحيويته وبقائه حتى ولو بشكل آثار وأطلال.

 وبالتالي قام الفنـان بتصوير الأثر مع هذا المجموع العشوائي الذي اتخذ من المكـان وسيلة بقـاء طـارئة ومـؤقتة، غير أن هذا البقاء العشوائي يستلزم المعرفة الأوليـة بأن هـذه الأرض الآشورية لها عمق ثقافي وسياسي واجتماعي، بما يستوجب إيضاحه فوتوغرافيا في أقل تقدير. لذلك تحول هذا المشروع من تاريخيته إلى واقعيته المجسدة على الأرض ذاتها في فكرة مستنبطة من الحالة غير الطبيعية التي كانت ولا تزال فيها مدينة خور ساباد التاريخية.

إن مزج الماضي بالحاضر فوتوغرافيا بصورتين بين هجين اجتماعي متنافر لا يفقه دلالة المكان، هو محاولة لرصد التفاعل المعنوي والنفسي بين مجتمع صغير أعيدت له إمكانية التبصّر في تاريخيته وماضيه في مشروع فني بما تختزنه الصورة-اللوحة من معايير قد لا تبدو جمالية دائما، لكن جمالياتها الثانية تتأتى في البحث عن هوية مفقودة في عيون مجتمع مهجّر غير عارف بمشروعية عودة التاريخ، ولا يمتلك الثقة الكافية بأنّ جماليات الماضي هي التي تحدد بعضا من صورته الحالية والشيء الكثير من هويته التاريخية في الشواخص المتبقية التي يقطنها ويعبث بها.

 لذا أراد الفوتوغرافي أكام أن يبعث بأكثر من رسالة في هذه المحاولة لأحفاد الآشوريين الجدد بأنّ هذا إرث حضاري تتوجب المحافظة عليه في مسؤولية مشتركة رسمية وشعبية، ومن ثم التذكير بهذا الإرث بأنه عامل اتصال معرفي واجتماعي لخلق حلقة تواصل حضارية للتخاطب العملي مع الدوائر الحضارية المجاورة أو البعيدة، كأنما يوجه مثل هذه الرسائل في اختزالات فكرية ومعرفية عبر الصورة الحيّة في ماضيها اللوفري وحاضرها المهجّر الذي تمثله شرائح مجتمعية هاربة من بطش داعش.

زمنان لا يلتقيان
ستبدو المعروضات الصورية في المدينة الخربة بلقطتيها المعبّرتين كأنها لقطة واحدة لكن بزمنين متباعدين كثيرا وباختزالات واضحة لتوثيق المعنى وصدمته الأولى عند العامّة عندما تحولت الصورة الفوتوغرافية إلى بوسترات تنتشر في المخيمات بدلالاتها الموضوعية، أمام شرائح لم تستجبْ كثيرا لذلك الماضي سوى أنه مضى وتحول إلى صور وبوسترات تجاهد المنظمات الأثرية والفنية لإحيائه بوصفه حاضنة تاريخية وأسطورية وجمالية، ومثل هذه الصدمة الواقعية بين جمهور عادي خلقت عدم انسجام ظاهر في التلقي العام، وهو ما يؤكده الفنان ومنظمو العرض في الفولدر المصاحِب للمعرض.

أكام شيخ هادي يعد من أهم التجارب الفنية في العراق وقد شارك في مهرجانات عالمية للتصوير في آسيا والشرق الأوسط، وحصل على العديد من الجوائز

كأنما هناك زمنان لا يريدان أن يلتقيا في مثل هذه الظروف؛ ظروف خور ساباد التي دمرها الزمن ومن ثم أحرق بقاياها عناصر داعش الظلاميون، وبعدها في إحداث صدمة جماعية غير واعية يمثلها مهجّرو المكان في اللقطات المزدوجة، كما لو أنّ هناك انقطاعَ بث شامل بين التاريخ والحاضر، بين السكّان وأرضهم الأصلية.

أكام، فوتوغرافيا، نجح في استثمار كل الإمكانيات الفنية التي يعيها في محاولته لخلق مشروع جمالي إنساني يبحث في الأثر ويمازجه في الحاضر، غير أن الانقطاع المعرفي الواضح في الجمهور الهارب من جحيم الحرب لم يستوعب بعد معنى أن تكون هناك حضارة قديمة يجثم عليها الآن.. ويزيد من خرابها من دون أن يعي هذا الخراب ولا حجمه.. وهذا هو سبب الصدمة المتوقعة التي حاول فيها الفنان أن يجاهر بصوته عاليا لإنقاذ هذه المدينة الآشورية.

ونذكر أن أكام شيخ هادي يعد من أهم التجارب الفنية في العراق وقد شارك في مهرجانات عالمية للتصوير في آسيا والشرق الأوسط، وحصل على العديد من الجوائز أبرزها TAW وجائزة لارسا للمصورين المبدعين وغيرها.

عُرضت أعماله الفوتوغرافية في مدن غنت البلجيكية ودوسلدور الألمانية وبرلين ولندن كما عمل مصورا في وكالة Metrography.

من يخبرهم بأن هنا كانت حضارة عريقة