مركز للبحوث والدراسات ..ترف نخبوي أم ضرورات العولمة!!
أوشــانا نيســانيعتبر وجود مراكز الابحاث والدراسات الاستراتيجية لاي شعب من شعوب العالم وعلى راسها الشعوب المغلوبة على أمرها، هو الدليل القطعي على أصرار تلك الشعوب على ضرورة التحول من مرحلة مجرد الكتابة والبحث والنقد الى المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية المتعلقة بحقوق الشعب وضرورة من ضرورات عولمة القضية، بالاضافة الي تقديم الحلول الموضوعية والعصرية للاخفاقات المتكررة التي أنتابت مسيرتنا القومية خلال أكثر من ربع قرن متواصل.
في الوقت الذي يجب التأكيد، أن مجرد تأسيس المركزأي مركز وتحت أي عنوان كان لا يكفي، بل يجب أن يأخذ المركز دوره العلمي والبحثي والرقابي المحايد ضمن المحيط السياسي والعصري الذي يعمل فيه من خلال الاستعانة بدوره وطروحاته المنسقة في سبيل تصحيح المسيرة أولا وتحقيق بنود الاجندة السياسية لجميع أحزابنا ومنظماتنا السياسية داخل الوطن وخارجه ثانيا. في الوقت الذي يجب التفريق بين مهمة المركز ومحاولاته في جمع الاطار التطبيقي مع الاطار النظري من خلال عرض الحلول والخيارت المعقولة على طاولة صناع القرارات السياسية، وبين المراكز أو الجمعيات الخيرية التي تقوم بتقديم المساعدات والخدمات الانسانية والخيرية للمنكوبين والمعوزيين رغم حاجة شعبنا الى الخيارين.
علما أن المركز المطلوب تأسيسه اليوم، هو" تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الخبراء والباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو طروحات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات السياسية في تعديل أو رسم سياستهم بناء على هذه المقترحات في مجالات مختلفة"، تكتب نيلي كمال الأمير عن دور المراكز البحثية في تشكيل الرأي العام، وليس بديلا عن صنّاع القرارات السياسية.
صحيح لربما السبب الاساسي وراء غياب أو ظاهرة تغييب مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التابعة لآبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري داخل الوطن وخارجه، مرتبط بالعقلية السياسية السائدة للقيادات الحزبية وتحديدا "المتنفذة" منها ونهجها الانفرادي في التعامل مع جميع قضايانا المصيرية رغم التداعيات السلبية للنهج على قضيتنا المشروعة والعادلة. وفي مقدمتها تخفيض سقف الحقوق والمطالب والالتفاف على حقوق شعبنا من خلال تجاوز الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري بالاضافة الى رغبة البعض منها في منح الشرعية لسياسات الامر الواقع.
كل هذه الأمور وغيرها من دلالات الضعف مصدرها أرث حقبة من الهزائم وعدم التفكير في اللحاق بركب التطور والتقدم وعلى رأسها، تهميش أن لم نقل الاقصاء المتعمد لفكرة تأسيس المراكزالخاصة بالبحوث والدراسات الاستراتيجية. الواقع الذي مثلما نجح في تأزيم قضيتنا القومية – الوطنية وتعقيدها أكثر بسبب محليتها الزائدة، نجح أيضا في أفشال جميع محاولات خلق أليات التواصل مع الدول أوالجمعيات العالمية الخاصة في الدفاع عن حقوق الشعوب والمكونات الاصلية رغم مرور ما يقارب من نصف قرن متواصل، ورغم توفر جميع الامكانيات المطلوبة بقدرما يتعلق بالعقول والامكانيات المادية للمغتربين من أبناء شعبنا على الاقل في دول الاغتراب مثل الولايات المتحدة الامريكية أو القارة الاوروبية.
أذ على سبيل المثال لا الحصر، نجح "مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية" التابع لمجموعة من مستضعفي سوريا، نجح في فترة قياسية لا تتعدى خمس سنوات في أطلاق فعاليات " المنتدى الدولي" حول جرائم الدولة الاسلامية" داعش"، انطلاقا من مدينة عامودا شمال شرق تركيا الى جانب جملة من الاهداف الهامة تتعلق بأمن الاكراد في سوريا ومستقبلهم، كما ورد في الخبر المنشور. حيث شارك في المنتدى عدد غير قليل من الباحثين والسياسيين الكبار والاكاديميين من 15 دولة بضمنها الولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبية والسعودية ومصر.
في الوقت الذي يجب أن نعترف علنا، أنه رغم المجازرالدموية ومسلسل المحن والتحديات وعلى رأسها مجزرة سميل بتاريخ 7 أب 1933، ثم البدء هذه المرة بأطلاق حملة ذبح المكونات العراقية الاصيلة كالايزيدين وابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في سهل نينوى عام 2014، ذلك أثر الزواج المصلحي بين الاستعمار البريطاني والعنصرية المقيتة التي كانت تتنفس بصوت علني ضمن أوراق الصحافة العلنية العراقية أبان وبعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921، ثم تنامي بذورالاسلام السياسي ودورالتيارات الاصولية المتشددة " للاكثريات" ضمن الفراغ السياسي الذي تركته الثورات العراقية الفاشلة واخرها النظام الفاشي والدكتاتوري في بغداد عام 2003 ، فأنه مثلما فشلت صفوتنا السياسية في تأسيس هكذا مراكز، أخفقت نخبتنا المثقفة أيضا في تقديم الاستعدادات الموضوعية لتحقيق هذا الهدف السامي للاسف الشديد.
وفي العودة الى التغطية الإعلامية للمنتدى المذكور أعلاه، تناقلت المصادر الكردية تصريحا لأحد المشاركين في المنتدى وهو الخبير الأمريكي مايكل روبين حيث قال:
"لقد حان الوقت للتوقف عن معاملة الكرد على أنهم كرة قدم دبلوماسية وهم كسبوا مكانهم وراء " الطاولة" ، ولديهم مصداقية أكبر من الآخرين لصياغة مستقبل ما بعد "داعش، أنتهى الاقتباس.
وفي الختام أتمنى أن تكون تصريحات الخبير الامريكي الى جانب مخرجات هذا المنتدى وغيره من الفعاليات التي تعدها هكذا مراكز ومنتديات شرق المعمورة وغربها، باعثا جوهريا ومحفزا للقيادات الحزبية " المتنفذة" أن تكف ولو مرة عن محاولاتها العقيمة في الانفراد بسلطة القرارات السياسية - المصيرية قبل فوات الاوان، وتبدأ فورا في قراءة واقعنا بعيون عقلانية ولو مرة. أذ على سبيل المثال:
- يجب فهم تداعيات قول الخبير الأمريكي مايكل روبين على العلاقات التاريخية العريقة بين تركيا وأمريكا والتي تمتد لما يقارب من قرن خلال تأكيده علنا على أنه " حان الوقت للتوقف عن معاملة الكرد على أنهم كرة قدم دبلوماسية، وهم كسبوا مكانهم وراء " الطاولة". بمعنى أخر نجح "مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية" خلال أقل من خمس سنوات من عمره، نجح في عولمة الطموحات وحقوق الشعوب المغلوبة على أمرها في غرب سوريا رغم التحديات الجسيمة في منطقة الشرق الاوسط.
- في أقل من أربع سنوات تم توحيد القوات العسكرية السريانية الديمقراطية مع قوات حرس خابور الاشوريين ضمن قوة موحدة عنوانها " المجلس العسكري السرياني الاشوري" بتاريخ 7 تموز الجاري، مهمة المجلس الرئيسية الدفاع عن القرى والقصبات التابعة لابناء شعبنا السرياني الاشوري في عموم المنطقة.
في حين فضلت قيادات حزبية "متنفذة" لتنظيمات شعبنا في التحالف حتى مع الحشد الشعبي رغم ألاعتداءات المتكررة من قبل بعض منتسبيه على أهالي قرانا وقصباتنا في سهل نينوى، ورغم عمليات التغيير الديمغرافي لمناطق أبناء شعبنا، بدلا من مد يد الوحدة والتحالف مع بقية القوات والفصائل العسكرية التابعة لشعبنا في سهل نينوى، رغم الدعوات المتكررة لتأسيس قيادة مشتركة لجميع القوات والفصائل العسكرية التابعة لآبناء شعبنا في سهل نينوى، ورغم حاجة المنطقة الى سياسة موحدة تكون بمثابة استراتيجية فعالة ومؤثرة تفلح في تحقيق الاهداف الموضوعة.