اِنقِسام البيت الكلداني في ملبورن
بقلم / سلوان ساكو
لنترك العنتريات التي لا تنفع جانباً، ونرصدّ الوضع الشاذّ والمُقلق والغير طبيعي، والذي يُنذر على ما يبدو إلى مزيداً من التشظي والفرقة في ولاية ملبورن، والتي هي اليوم في أمس الحاجة إلى اللُحمة والتخندقّ خلف صف واحد، ومجابهة الهجمات الشرسة التي تُشنها التيارات والمذاهب الأخرى على الكنيسة الكاثوليكية برمتها، وتُزعَزعَ البُنيان العام للوحدة المسيحية الجامعة الرسولية، فإلى اليوم قضية الكردينال جورج بيل ماثلة في الأذهان، وأثارها السلبية على الجمعّ المؤمن. لم يعد من المُجدي بِمكان عدمّ النظر إلى الغيمة السوداء التي تَلَبَّدَ سماء ولاية ملبورن الأسترالية، ولا صالح لأحد في عدم النقد والكتابة في صلب الموضوع، وإلاَّ كنا كما النعام نطمر رؤوسنا في الرمال، بل يجب أن نجابه ونكتب وننتقد، ومن لا يعترف بذلك أنما يُحاول تجاوز الواقع بكل تعقيداته، أو يكون ضيق الأفق أو قصير النظر، فهذا ينذر بالشرِّ أو يُلقي ظِلالاً من الشكّ دون أدنى ريبّ، حتى وإنَ هذا لم يعجب البعض، وهذا هو الصحيح والصحي، لنفسح أذِن المجال للنقد العام، والنقدّ البناء، لنكون على دراية بمجريات الأمور، على الأقل، بدلاً من تجاهلها، فقد كشفت الأحداث الأخيرة تصدع كبير في جدار الأبرشية، والأرض الرخوة التي تقف عليها الخورنة.
إذا تركنا قليلاً الجزئيات ونظرنا إلى الكليات يصبح أمامنا مشهدين؛ الأول لشاب يافع في مقتبل العُمر، يصبح كاهناً على يدّ مطران غير مُعترف به، وقس متقاعد، وقس موقوف عن العمل الرعوي. لو كان الأمر طبيعي لرسمه ومن ثم عَيَنَهْ وسمّاه مطران الأبرشية الأصلي، أي مطران أبرشية استراليا
نيوزيلندا للكلدان، لماذا كل هذا اللف والدوران الفارغ من الأساس. صحيح هنالك إرهاص وحديث عن كنيسة الوحدة أو ما شابه ذلك، ولكن التساؤل التأملي هُنَا، وهذا حقَّ الجميع على ما أظن، إينَ سوف يخدم الكاهن الجديد؟، وتحتّ أيَّ خورنة أو أبرشية ينضوي، وعلى أيةّ مرجعية يكون، سريان كلدان أرثدوكس بروتستانت، أَم يكون هنالك بوادر لظهور كنيسة جديدة، من يعرف من ما يخبئه المستقبل. فالنصاب على ما هو عليه اليوم مكتُمل، مطران+ ثلاثة كهنة، وهذه هي الهيكلية العامة لأية كنيسة في العالم؛ أما الشعب المؤيد للجناح الجديد فموجود في كل الأزمان والأوقات. فحركة الإصلاح الدّيني في أوروبا على يد الراهب الألماني مارتن لوثر بدأت بنشر أطروحاته الـخمس والتسعين الشهيرة على باب كنيسة فيتنبرغ، في ولاية سكسونيا بألمانيا، بتاريخ 31 أكتوبر 1517، حيث ندَّدَ ببعض ممارسات الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت، كبيع صكوك الغفران، وغيره. كانت أطروحة أو أصلاح أو فكرة تفتقت في رأس الراهب الثوري، لتكن ثورة، أو حركة سلبية، أو إيجابية، سمها ما شئت، لا تهم التسمية كثيراً اليوم، بدأت بشخص واحد وآلِت في النهاية لمذهب كامل مُتكامل، ومجموعة عقائد جديدة، وبين هذا وذلك أُزهقت ألاف الأرواح عبثاً، من خلال سلسلة من عمليات القتل الوحشي الغير مُبرر والتي استمرت من خلال ثماني حروب متتالية، خلّفت وراءها ما يربو على 2 مليون قتيل، وكانت أكثرها بشاعةٌ وعُنف ما عُرف بمذبحة سان بارتولوميو في فرنسا زمن الملك شارل التاسع. هذا كان ثمنْ الإصلاح اللوثري!. إذا كان هذا الاحتمال الأخير موغلاً في التشاؤم، إلا أن الرهان الوحيد اليوم في حل الأشكالية هو الاعتماد على الشفافية بطرق منطقية في جوّ من الحوار المفتوح، ومن الأفضل في هذه المرحلة الحرجة التعلم من تجارب ودروس الماضي والاستفادة منها، نعم وصحيح يوجد هناك في كل عصر وزمان عمى ديني، ولكن لنتجاوز ذلك اليوم لمصلحة الجميع، ومصلحة الكنيسة الكاثوليكية، والكلدانية أيضاً. فالذي يحدث للمؤمنين الكلدان في امريكا وارتماءهم في أحضان الكنائس الإنجيلية ليس بالقليل، وهذا موضوع ذوَّ شجون لنتركه الأن.
المشهد الثاني، والذي هو مشهد واحد بالمناسبة ضمن الإطار العام للصورة، كاهن خورنة مريم العذراء حافظة الزروع (المتقاعد) في ملبورن، وبعدَ خدمة ناهزت الخمسين عام أو أكثر، قضاها في خدمة الجالية أينما حل بحب وتفاني، وعلى مدار هذه السنوات الطِوال؛ ومع تقدم العمر به، بلغّ سنْ التقاعد الكنسي، والذي يكون عادة فوق الخامسة والسبيعين من العمر، فأحيل للتقاعد كالعادة وهذا شيء طبيعي جداً،ً لئن من يبلغ هذا العمر يجب أن يخلد للراحة والسكينة مع تقدم العمر بالشخص، وهذا القانون ينطبق على الكُهان والأساقفة، حتى قداسة الحبر الروماني الجليل البابا السابق بندكتوس السادس عشر إحُيل نفسه للتقاعد، بعد أن رأى أنه مُتعب، فهو في النهاية إنسان من دم ولحم، وإن كان قانون التقاعد لا يشمله، ويحمل أمتياز العصمة البابوية، قانون سنة 1870، فأنه أفسح المجال لغيره عن طيب خاطر. وقد ارتأت الكنيسة من بداياتها تقريبا أن تفسح المجال للأجيال الجديدة لضخّ مزيداً من الدماء في شرايين الكنيسة. لأن التجدد يعني الحياة، والسكون يعني الموت، وهذا أيضاً جزءاً من قانون الطبيعة الذي نحن مُلزمين به دون أدنى شكْ، والذي يكون ساريّ المفعول على الجميع دون أستثناء، وألاَ من السذاجة أنّ يدعي السبعيني أنه بقوة وطاقة العشريني، أو يقول الثمانيني أنا بجُهد الثلاثيني ورديفاً له. وهنُا تكمن تقسيمات الطبيعة، ليس من اليوم ولكن منذُ الأزل، حتى الكواكب والنجوم والأقمار والأرض التي نعيش عليها لها بداية ولها نهاية مهما طالّ الزمان،واليوم الشمس في منتصف عمرها من مرحلة تسمى النسق الأساسي من بدايتها إلى نهايتها عمرها حوالي 10 مليار سنة، والباقي هو 5 مليار سنة ثم التلاشي والفراغ، وهذا جزءا من النظام الكوني الذي نحن جزء لا يتجزأ منه، بالعودة للكاهن الذي لم يتقبل قرار التقاعد وسار بخلاف النظام والقانون الكوني أصدر كتاب يُحمَل فيه المسؤولية لأنه لم يصبح مطراناً، أيّ لم يرسمونه أسقفاً، يَحُمَل تبعات هذا الأمر على وعود من العلمانيين ليس لهم لا ناقة ولا جّمل بكل هذه الموضوع الخاصة بالسينودس الكنسي فقط، بكل بساطة. متناسيا إنّ خدمة الكنيسة الكاثوليكية الجامعة ليست لا بالمطران ولا حتى بالبطريرك، هذه درجات أسقفية، صحيح هي مهمة وضرورية، ولكن هنالك الخدمة الرعوية النابعة من تَلافِيفُ القلب، والنيةّ الحسنة، والكلمة الصادقة، والجملة المُعبرة، والموعظة الحسنة، والروح التواقة لمعونة الناس، وخدمة الفقير، والقفزّ على الماديات والأرضيات منها والأرتفاع والأرتقاء فوق كل ما يربط الانسان بهذه الأرض الفانية، وإلا ماذا ينفع قول المعلم (مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا)" (يو18: 33-36). وهنا يظهر لنا بشكل جلي تفاهة وفناء هذا العالم. ( يا غبي في هذِهِ الليلةِ تُسْتَرَدُّ نفسُكَ مِنكَ . فلِمَن يكونُ ما أَعدَدْتهُ فهذا يكونُ مصيرُ مَنْ يكنِزُ لنفسِهِ ولا يغتَني عِندَ الله). لوقا.
في النهاية اليوم الكنيسة الكلدانية ليست بحاجة لمزيد من الأنقسامات والتوترات التي لن تفضي ألاّ لمزيداً من التشكك والأنقسام على البيت الواحد، والعزوف عن حضور الكنيسة، ورتماء المؤمنين في أحضان كنائس آخرى، فإذا كانَّ ثمة صراع فلاَ بد أن ينعكس على الجمعّ، وهذه هي طبيعة الأشياء مع الأسف. ( الراعي الصالح يعرف خرافه ويدعو كل خروف باسمه ويسير امام خرافه ليقودها الى المراعي الخصبة (مز 23)…الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ مِنْ غَيْرِ بَابِهَا فَيَتَسَلَّقُ إِلَيْهَا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، هُوَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. أَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ، وَالْبَوَّابُ يَفْتَحُ لَهُ، وَالْخِرَافُ تُصْغِي إِلَى صَوْتِهِ، فَيُنَادِي خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ كُلَّ وَاحِدٍ بِاسْمِهِ، وَيَقُودُهَا إِلَى خَارِجِ الْحَظِيرَةِ. وَمَتَى أَخْرَجَهَا كُلَّهَا، يَسِيرُ أَمَامَهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. وَهِيَ لَا تَتْبَعُ مَنْ كَانَ غَرِيباً، بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ) يوحنا.
ليس الإشكال في الذي يحصل اليوم، ولكن ما سوف يحدث في المستقبل. الأكيد من يفعل ذلك أنه يتجاوز المرجعية دون أدن ريب. ومن الواضح أنّ ليس من أحد يريد تَأزيم الأمور أكثر ولكن المسألة إلى أيّ صيغة سوف تؤول أليه في النهاية.