روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم …ثم تعالوا
=========================
أبرم شبيرا
روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم… ثم تعالوا – 1919-----------------------------
في ربيع من عام 1919 بعث الآشوريون من مختلف الطوائف والمناطق والدول وفدا، أو بالأحرى وفود، إلى مؤتمر فرساي في فرنسا عقب إنتهاء الحرب الكونية الأولى وبداية تسويات الحدود الدولية وتقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية "الرجل المريض" وتوزيعها بين الدول المنتصرة، للمطالبة بحصة للآشوريين أو وطن من الأراضي التي سيتم تقسيمها. وكان الوفد يتضمن مار أبرم برصوم مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في الولايات المتحدة الأمريكية (فيما بعد بطريرك)، والقس يوئيل وردا من الجمعية الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية والدكتور إيشا ماليك يونان من الكنائس البروتستانية والسيد شمعون كنجا من روسيا، من المحتمل من الكنيسة الأرثوذكسية. وكانت كنيسة المشرق الآشورية، المنعوتة بـ "النسطورية"، قد بعثت السيدة سورما خانم، أخت البطريرك حينذاك لحضور المؤتمر كممثلة لأتباع هذه الكنيسة في العراق. وفي طريقها وقبل ذهابها إلى المؤتمر عرجت على لندن للإجتماع بالمسؤوليين البريطانيين حسب طلبهم فأستقبلت من قبلهم في لندن بحفاوة متمشدقين بشجاعتها وشخصيتها ومنحها بعض الأنواطة والألقاب الشرفية ثم ألتقت برئيس أساقفة كانتربيري وبالتالي حجزت في دير هناك لحين إنتهاء المؤتمر ومن ثم عودتها إلى العراق خالية الوفاض من دون أن تزور فرساي.
سعى أعضاء الوفود المذكورة أعلاه حضور المؤتمر بشكل إنفرادي وبمطاليب مختلفة وليس كوفد موحد، فلم يسمح لهم الدنو من عتبة قاعة المؤتمر غير أن يلتقي بهم السكرتير العام للمؤتمر. وفي نهاية اللقاء معهم قال لهم:
روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم ثم تعالوا، أي بعبارة أخرى كان كلام السكرتير العام للمؤتمر طرداً محترماً لهم. ثم ذهب بعضهم للقاء السيدة سورما خانم في لندن قبل مغادرتها والعودة إلى العراق فقالت لهم وبكل صراحة "ليس هناك من فائدة لحضور المؤتمر فقد أخذت الحكومة البريطانية كل شيء في يدها وقالوا سيعملون بما يستطيعون من أجل الآشوريين، لذا ليس لنا وفد لحضور مؤتمر فرساي، فالوفد البريطاني عمل شيئاً ما نيابة عنا والذي لا نعرف ماهو"!!!، والقصة المأساوية لخيانة بريطانيا ونتائجها معروفة للقارئ اللبيب ولا يستوجب إعادتها.
رحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم… ثم وتعالوا – 2016----------------------------
بعد تقريبا قرن من الزمن، وتحديداً بعد 97 عاماً، ألتقى السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان حينذاك بعدد من ممثلي الأحزاب السياسية المسيحية. وأثناء الإجتماع حثهم السيد البارزاني وبشكل مشدد على حتمية توحيد المسيحيين كلمتهم قبل تحرير الموصل وضرورة الإتفاق المسبق بينهم قبل غوض معركة تحرير الموصل ومن ثم يتم النظر في مطلبهم بتحويل سهل نينوى إلى محافظة. أي بعبارة أخرى تكرر نفس التوجيه في:
روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم ثم تعالوا!! وفي حينها كتبنا موضوعاً في سياق هذا اللقاء.
بين عام 1919 وعام 2016 سبعة وتسعون عاما، سجل مكتظ بالمأساة والفواجع والمذابح والتشريد وحتى يومنا هذا، فلم يتعض قط زعماء أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ولا زعماء كنائسنا شيئاً من التاريخ فأستمروا في التعثر بنفس الحجر، حجر التفرقة وعدم الإتفاق. والجاهل هو من يتعثر بنفس الحجر مرتين، وهذا ما قلناه في السابق. ولا شك إطلاقاً بان أسباب هذه المأساة والفواجع، كما هو معروف ترجع إلى خضوع أبناء أمتنا إلى أنظمة إستبدادية وطغاة عتات لم يكن فيها من مجال لمواجهة هذه التحديات الماحقة والخلاص منها ثم الوصول إلى وضع قد يخفف من نتائج هذه الأحوال المأساوية. هكذا فالكل من أبناء شعبنا وقادتنا القومية والكنسية يلقون اللوم... وكل اللوم على طغاة التاريخ أمثال مير بدر خان وسمكو الشيكاكي وبكر صدقي وحجي رمضان ورجال الحكم الذين أختصبوا السلطة في العراق وعلى حزب البعث والقاعدة والزرقاوي ودعاش وعلى كل المتطرفين الإسلاميين الذين أرتكبوا جرائم بحق شعبنا في وطنه التاريخي، ولكن من دون أن نبحث وبجدية وموضوعية عن الأسباب الداخلية المتعلقة بشعبنا التي هي تشكل أس الأساس في معظم هذه الأحوال المأساوية والماحقة... نعم نرى القشة في عيون غيرنا ولا نرى الخشبة في عيوننا. مجرد مثال في هذا السياق لأن القشة في عيون أعداء شعبنا كانت حزمات خشبية كبيرة جداً في مقارنة مع الخشبة في عيون شعبنا، ولكن مع هذا يستوجب بل واجب علينا أن نتطلع في هذه الخشبة ونحاول أخراجها من عيون شعبنا.
لو راجعنا حيثيات التاريخ المخجل في بعض جوانبه، نرى بأن جرائم مير بدرخان في منتصف القرن التاسع عشر لم تكن لتصل إلى حد ذبح الألاف من أبناء شعبنا وتشريدهم وتحطيم البنية التحتية للمجتمع في حيكاري، لو كانت العشائر الآشورية متوحدة. حيث أستطاع هذا المجرم من إقناع بعض العشائر الآشورية للوقوف على الحياد وبوعود مغرية كاذبة فأستطاع من التفرغ للتنكيل بالعشائر الآشورية خاصة عشائر تياري وتخوما التي أستشهد فيها ماليك إسماعيل من تياري العليا. ثم ما أن فرغ من جرائمه حتى أدار سيفه نحو العشائر الأخرى التي وقفت موقف الحياد وكمل جرائمه بالتنكيل بهم. والمشهد الدراماتيكي تكرر أثناء مذابح سيفو عشية الحرب الكونية الأولى والتي أرتكبت من قبل بعض مجرمي الدولة العثمانية. ففي الوقت الذي كانت السلطات العثمانية تصدر فرمانات بأن المسيحيين جميعهم محميين وسوف لا يتعرضون إلى الظلم والإضطهاد والتنكيل فيما إذا وقفوا على الحياد، صدق بعض قادة وزعماء أبناء شعبنا هذه البلاغات وتنحوا جانبا من ساحات الوغى ولكن في عين الوقت كان الولاة وحكام المقاطعات العثمانية وبعض زعماء الكورد يحصدون رؤس جميع المسيحيين من دون إستثناء أحد. لقد ذكرنا سابقا من مذكرات أحد المبشرين الغربين في المنطقة أثناء مذابح سيفو حين قال للقائد العثماني "لماذا تذبح الآشوريين في حين أن فرمان الباب العالي يخص الأرمن فقط" فقال القائد العثماني "أنا لا أفرق بين الروث – براز البقر – الجاف والروث الرطب فكلاهما روث ورائحتما كريه".
وقصة كوريال البازي وأبنه الوحيد وليم من مدينة دهوك أثناء مذابح سميل عام 1933 معروفة للكثير من القراء والذي كان مؤيدا وبشكل حماسي للحكومة العراقية حينذاك حيث أحتمى في منزله أكثر من 80 شخصاً ومن بينهم رجال دين وكان العلم العراقي يرفرف على سطح منزله كإشارة لتأييده "الوطني" للحكومة العراقية. غير أنه بمجرد أن بدأت عمليات القتل والذبح في سميل والمناطق المجاورة هاجمت قوات المجرم بكر صدقي منزله ونكلوا بجميع المحتمين في البيت ومن بينهم أبنه وليم، حتى قيل على لسان شهود عيان أن القس الذي كان من بينهم قد صلب بشكل مقلوب أمام باب المنزل وقطع عضوه الذكوري ووضع في فمه. وعلى الجانب السياسي دبً الخوف والخنوع في الكثير من المؤيدين للحكومة. فبينما كان مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في تلك الفترة يقدم طلباً تلو الطلب مناشداً الدول الكبرى والمنظمات الدولية لضمان حقوق الآشوريين في العراق، كان غيره يقدمون العرائض سواء للحكومة العراقية أم إلى عصبة الأمم يدينون زعماء الحركة الآشورية في تلك الفترة وينعتون البطريرك مار شمعون بالخائن وتكذيبه عن تمثيل الآشوريين مؤكدين في عرائضم بأن الحكومة العراقية رحيمة معهم وضامنة لسلامتهم وإستقرارهم. غير أنه بعد تصفية الحركة الآشورية ونفي البطريرك وعائلته خارج العراق وإسقاط الجنسية العراقية عنهم، لم تنسى الحكومة العراقية أفضال هؤلاء المتعاونين معها فشرعت قوانين وأنظمة وتعليمات وضعت جميع الآشوريين في العراق في أوطأ درجة بين الشعب العراقي وفرضت عليهم قوانين عقدت مسألة الحصول على الجنسية العراقية وحرموا من الكثير من الإمتيازات الوطنية ومن الحصول على وظائف حساسة سواء في القطاعين المدني و العسكري بأستثناء نفر قليل حيث تلئلت نجمة أو أكثر على أكتافهم خدمة للجيش الذي ذبح الآشوريين في سميل. هذه بعض القصص المأساوية ولا يستوجب ذكر أكثر منها.
هذه شذرات من التاريخ المأساوي لشعبنا ولا شك فيها إطلاقا بأن خضوع شعبنا إلى الأنظمة الإستبداية والطغاة كان سبباً واضحاً في معاناته المستديمة. ولكن من المؤكد لو... أعيد وأقول لو كان شعبنا متوحد ومتفق ولو على الحد الأدنى لكانت درجات الإستبداد والظلم وهضم الحقوق قد خفت بعض الشي أو على الأقل حفظ شعبنا شيئاً من كرامته القومية أثناء هذه الحوادث وكسب أحترام الآخرين. ومما لا شك فيه بأنه حتى "لو كان شعبنا متوحد ومتفق" فأنه لم يكن بالمستطاع القضاء على الإستبداد والظلم ومنع قوع الجرائم الإنسانية التي أرتكبت بحقه بالتمام والكمال، ولكن كان من الممكن جداً أن يعطي هذا التوحد والإتفاق نوع من الثقة لدى أبناء شعبنا بقادته ويخفف ولو قليلا من معاناته المأساوية ويخلق نوع من الإستدامة في الصيرورة القومية والسياسية لشعبنا نحو المستقبل وتشكل سوابق تاريخية كان من الممكن أن تفيد الأجيال القادمة لكي لا تقع في نفس المستنقع.
هكذا كلما نتذكر جرائم مير بدرخان وطلعت باشا وسمكو الشيكاكي وبكر صدقي وحجي رمضان وخيانة الإنكليز ومأساة مذبحة سميل نبدأ برشح الحبر في وجوهم ونلقي كل اللوم... نعم كل اللوم عليهم ولا نتجرأ النظر في المرآة لكي نكتشف عيوبنا. قال الغرباء رحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم ثم تعالوا حتى ننظر فيها ونتقصى مدى إمكانية تحقيق مطالبكم. وهذا الشرط في توحيد الكلمة والمطلب كأساس للجلوس معاً والإستماع إلى المطلب قد ينتهي بنتيجة إيجابية مفيدة للصالح العام لشعبنا أو قد يكون مجرد مجاملة ونفاق لإظهار الغير، أو الأصح السالب لحقوقنا القومية والوطنية، بأنه ديموقراطي ومنفتح للمختلف ليبدأ بالقول بأن المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين لا يساعدون أنفسهم فكيف نستطيع أن نساعدهم؟... لا نعرف ماذا يريدون وماذا يطلبون؟؟ وبالتالي فالتفاهم معهم صعب ولا يمكن الوصول إلى نتيجة. وعلى الجانب الآخر، فلو ... فلو كان زعماء أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية متوحدة في كلمتها ومطلبها لكان هذا الشرط غائباً وغير مطروق في الإجتماعات. لا بل لكان هذا التوحد في الكلمة والمطلب سلاحاً قويا في أيدي زعمائنا ومن الصعب على الإخرين مواجهته وبالتالي سيضطر إلى سماع كلمتهم ومطلبهم.
بالأمس القريب وليس بالماضي البعيد، نأخذ مثال طازج "فريش" في هذا السياق ولا نذهب بعيدا عن الأمثلة القديمة... بالأمس القريب عين رئيس وزراء إقليم كردستان أحد المسيحيين من أعضاء حزبه، أي الحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي)، بمنصب وزير الموصلات، فإنهالت الإحتجاجات من قبل بعض أحزاب ومنظمات شعبنا في الإقليم على هذا التعيين على أساس أنه "سرقة" من سرقات السلطات في الإقليم لحقوقنا السياسية. ولكن هنا نتساءل مالذي جعل رئيس وزراء الإقليم أن يتمادى على حقوقنا وأن يختار هذا المسيحي من نفس حزبه ولم يختار مسيحي من أعضاء أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية؟؟ الجواب بسيط وواضح من خلال العبارة التي ذكرناها في صدر هذا الموضوع "روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم .. ثم تعالوا ننظر فيها".. فلوا فرضنا أختار رئيس وزراء الإقليم فعلاً أحد الأعضاء من الأحزاب المسيحية لمنصب الوزير لإنهالت التهم والإهانات من بقية الأحزاب السياسية وزاد سعير الخلاف والإنشاق بينهم لا بل ينفتح قاموس التهم والإهانات وتبدأ قراءة آيات كونه هذا الحزب أو زعيمه عميل أو صنيع الحزب الذي ينتمي إليه رئيس وزراء الإقليم. والتاريخ القريب والمعاصر شاهد على ما أقوله. ولتجنب مثل هذه الأحوال السيئة، ولصعوبة أو رفض قبول ترشيح عضو في حزب معين من قبل الأحزاب الأخرى، فأقل الإيمان هو إمكانية الإتفاق على شخصية مستقلة محترمة في مجتمعنا ولها سمعة جيدة ويتمتع بوعي قومي وثقافي وحرفي ليتم ترشيحه لمنصب وزاري، حينذاك لا أعتقد بأن السيد رئيس وزراء الإقليم كان يتجرأ ويرفضه.
فلو فعلاً كان قد سمع وفود شعبنا عام 1919 كلام السكرتير العام لمؤتمر فرساي ونصحية السيد مسعود البارزاني عام 2016، وبين التاريخين عشرات من مثل هذا الكلام، وأستطاعوا توحيد خطابهم السياسي ومطلبهم، ولو في حده الأدنى، لربما كان الأمر مختلفاً بعض الشئ ولربما قد إستجابوا لمطلب ممثلي شعبنا أو ربما لا يستجيبوا، ولكن الأهم من هذا وذاك، والذي يعنينا ونحن بصدد هذا الموضوع في وحدة الخطاب السياسي، هو ظهور زعماء شعبنا كقوة متوحدة في مواجهة التحديات ومن ثم أنعكاس ذلك على تصاعد معنويات شعبنا في هذه الظروف الصعبة وبالتالي تزايد نسبة الثقة أو التقليل من إنحطاطها بين أبناء شعبنا تجاه أحزابنا السياسية. والأكثر من هذا هو إجبار المقابل على إحترامنا وضمان حقوقنا القومية بالشكل السليم ومنعه من التلاعب بطرق مختلفة قابلة وبسهولة لتبريرها وفرضها كواقع حتمي بحجة عدم وحدة المسيحيين وغياب وحدة الخطاب السياسي والمطلب القومي الموحد بين أحزابهم السياسية.
هنا نفترض حتى لو أمكن أن توحد أحزابنا السياسية خطابها ومطلبها وواجهة المقابل بهذا المطلب، وأن تطلب أن لا تتدخل السلطة والأحزاب المهيمنة في شأن تعيين وزير أو سلب كراسي الكوتا عن طريق صبيانهم، او لنقل بأن مساعي حصر التصويت للكوتا بالمسيحيين فقط قد طبق، أفهل سينجح الأمر ويحقق وحدة الخطاب السياسي النتائج المرجوة والهادفة لخدمة المصلحة العامة لشعبنا؟؟ وقبل الإجابة على مثل هذا التساؤل، نقول ونؤكد حقيقة واقعية وموضوعية وهي أن شعبنا هو شعب صغير وتناقضاته ليس فكرية أو أيديولوجية بل كل ما يفرق هذا الحزب عن ذاك هو إختلاف في المواقف وفي المسائل الشسخصية وليس أكثر، وفي بعض الأحيان قد يصل إلى الخلاف ثم الطلاق. مما لا شك فيه هناك أحزاب ومنظمات وكتل هي في الحقيقة أوجه أو صبيان مرتمة بشكل مباشر أو غير مباشر في أحضان أحزاب الغير خلقت بهدف سرقة كراسي الكوتا المسيحية وتمثيل المسحيين "رسمياً" والتحدث بأسمهم من منصة الكراسي البرلمانية التي سرقت علناً من حق شعبنا. هذه الأمور كلها عقدت مسألة الوصول إلى خطاب سياسي ومطلب موحد. لأن الأمر محسوم بالنسبة لصبيان أحزاب الغير فالخلاف بل التناقض مع ما يحملونه من أفكار الغير ومصالح الغير هي قائمة على تناقضات فكرية ودينية وقومية وحضارية وثقافية لايمك إطلاقاً الإتفاق معهم. أما بالنسبة للأحزاب والتنظيمات المتعاملة مع أحزاب الغير قد يكون الأمر أهون للوصول إلى وحدة المطلب فيما إذا تمكن أحزابنا القومية المستقلة من الأخذ والعطاء للوصول إلى القواسم المشتركة التي تفيد مصلحة الجميع المشتركة. ثم يبقى الأمر بين أحزابنا القومية المستقلة ومدى إمكانية التوصل إلى وحدة المطلب. أفهل هذا الأخير ممكن؟ من المؤسف أن نقول مرة أخرى الجواب هو كلا، لأن الأمر ليس في غياب وحدة الخطاب والمطلب القومي الموحد بينهم فحسب، الذي هو أحد أعراض المرض القاتل لشعبنا، بل العلة في سبب هذا المرض. فتخفيف أوجاع وأعراض المرض بالمهدئات لا يقضى على المرض بل ستعود هذه الأوجاع مرة أخرى طالما سبب المرض لازال قائماً والكامن علته في فايروس قابل للإنتعاش فيما إذا أتحيت له الظروف المناسبة أو تكيف ضد المهدئات والمضادات الحيوية. وهناك العشرات من محاولات الوصول إلى وحدة الخطاب السياسية عبر تحالفات وإتحادات وجبهات ولكن ما ان وقفت على ساحة العمل القومي حتى إنهارت. وخير مثال على ذلك هو "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" رحمه الله.
لنقترب أكثر ونذكر مثال طازج "فريش" آخر وقريب علينا. في الفترة القليلة الماضية أتفق أحزابنا الثلاث، الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) وحزب أبناء النهرين (كيان)، باعتبارهم أحزاب قومية مستقلة، على توحيد كلمتهم ومنهاجهم للمشاركة كقائمة موحدة في إنتخابات برلمان إقليم كردستان الأخيرة، غير أن الكيان لم يكمل المشوار حيث أنفرط عقده مع الحزبين الآخرين وقرر عدم المشاركة في الإنتخابات بسبب عدم إستجابة السلطات الحكومية في الإقليم على مطلب حصر التصويت للكوتا المسيحية بالمسيحيين فقط. ولكن هذا السبب لا يخفي سبب آخر له خلفية تتعلق بالشخص الذي سيترأس القائمة الموحدة وهو السكرتير العام لزوعا الذي لم يكن مقبولا من قبل الكيان لأنه بالنتيجة وعلى الأغلب سيحصل على كرسي برلماني طالما هو رقم (1) في القائمة التي عرفت بقائمة الرافدين. ثم تكرر المشهد الدراماتيكي بين الحزبين الآخرين، زوعا وأترنايا، فعلى الرغم من حصول رئيس القائمة السيد يونادم كنا على أصوات أكثر بكثير من غيره ومن رئيس حزب أترنايا السيد عمانوئيل خوشابا المتحالف معه، إلا أن النظام الإنتخابي الفاسد لنظام سياسي فاسد أبعد يونادم وبالمقابل جلس عمانوئيل على كرسي البرلمان. ولما وجد السيد عمانوئيل حلاوة الكرسي أحلى بكثير من حلاوة أتفاقه مع زوعا، لا بل أكثر وأكثر من حلاوة المصلحة القومية فحاول الإستمتاع بهذه الحلاوة وحده وعلى حساب مبدأ الإتفاق والمصلحة العامة لشعبنا وعلى سمعته السياسية في العراق، فأخذ يضرب يميناً وشمالاً من دون وازع وإحترام لا لمؤسساتنا القومية ولا الكنسية ولم يستثنى من هذا حتى أعلى مركز كنسي متمثل في غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم وبالنتيجة أنقضى أستمتاعه بهذه الحلاوة فتم سحب الكرسي من تحته وذهب إلى السيد يونادم كنا. واليوم المدعو ريان الداعشي الذي يتكنى نفسه بالأسم الحضاري المقدس لشعبنا "الكلداني" لغرض إخفاء داعشيته ربما تعلم وقلد السيد عمانوئيل في سياق تهجمه على غبطة البطريرك.
لنمعن النظر وبدقة وعمق في هذه الحقائق الموضوعية لنرى بأن العلة الأساسية في عدم الإتفاق سواء بين أحزابنا السياسية وحتى القومية المستقلة منها والتي تعيننا في وحدة الخطاب السياسي والمطلب القومي الموحد نجد الكرسي بما يعنيه هذا الكرسي، ليس كخشب مصنوع للجلوس عليه فحسب، بل بما يفرزه من مغريات ومنافع ومواقع وسلطة وهيبة وكبرياء وربما تعالي وغرور أيضا، وهو الأساس أو الفايروس الذي يضرب ضربته القاصمة في وحدة شعبنا ويحول دون تحقيق مصلحته القومية والسياسية في العراق ولو في حدها الأدنى. ولو حاولنا أن نحشر أنفسنا أكثر فأكثر في دهاليز حزب من أحزابنا سنرى بأن فايروس الكرسي قد ضرب ضربته بين أعضاء هذا الحزب أو قيادته، فقصم ظهر بعضهم فتركوا الحزب لأنه لم يعطى لهم فسحة إمكانية الجلوس على هذا الكرسي اللعين أو أن أسمه لم يكن في صدر القائمة الإنتخابية. أقولها بكل صدق وبدون مجاملة أو رياء بأن كل الإنشاقات التي ضربت أحزابنا السياسية هي بسب هذا الكرسي وبسبب الشخص الجالس عليه وهناك العشرات من الأمثلة المعاشة في هذا المجال، والقارئ اللبيب تكفيه هذه الإشارة.
صحيح أن لشعبنا أعداء كثر سواء أكانوا من الطورانية التركية أو من التطرف الإسلامي والتعصب الكوردي والقومانيون العرب، لكن العدو رقم واحد الذي يقصم ظهر امتنا ويحول دو وحدتنا حتى في الحد الأدنى هو الكرسي. وبعبارة أخرى، نستطيع أن نقول بأن حتى العدو القريب المتمثل في إستبدادية رجال الحكم في العراق لم تستيطع أن تزيد من سعير الخلافات التي كانت قائمة بين أبناء شعبنا قبل عام 2003 بل في جوانب معينه كان الظلم والإستبداد سبباٌ لتضامن وتماسك شعبنا في مراحل عصيبة معينة، فرض تدريس القرآن في المدارس الرسمية وأحصاء عام 1977 أثناء حكم البعث في العراق، نماذج في هذا السياق. ولكن بعد عام 2003 وإنبعاث روائح الكراسي البرلمانية والحكومية حفزت الكوامن الداخلية لبعض أبناء شعبنا نحو السعي الحثيث للحصول على كرسي من الكراسي المخصصة له والأمر لم يقتصر على شعبنا في العراق وإنما هناك من قطع ألاف الأميال وائتلف مع هذا وذاك لكي يشارك في الإنتخابات ولعل تكون له حصة من هذه الكراسي. وهذا سبب في تعاظم سعير الخلافات والتناقضات بين شعبنا وصلت إلى درجة يصعب إيجاد حل لها أو التفكير أو السعي لحلها أو التخفيف منها. إذن علة العلل هي في شعبنا وليس في غيرنا.
ولكن هل فعلا أنا أحلم في هذا الموضوع، أي إمكانية توحيد الخطاب السياسي والمطلب القومي؟؟؟ نعم هو تمنى بعيد المدى قد يصل إلى نوع من الحلم ولكن من يحقق الإحلام القومية غير أبطال القوميين... أفهل لنا أبطال من هذا النوع؟؟؟؟؟ ولكن أي نوع من الأبطال نتحدث عنهم؟ الواقع واضح جداً وملئياً بالتحديات الخطرة والمميتة ومواجهتها يتطلب تضحيات جسيمة ونحن لا نطلب من زعماء أحزابنا أن ينزلوا إلى ساحة الوغى ويواجهوا هذه التحديات بالسلاح وبتضحية الأرواح بل، حتى يكونوا أبطال حقيقين عليهم أن يواجهوا هذه التحديات بالتضحيات ونكران الذت والمثابرة الحقيقية والتسلح بالوعي القومي الصحيح بعيداً عن المنافع الشخصية والتحزبية، ولعل ترك الكراسي ونبذها والقضاء على الفايروس هو أولى التضحيات في هذا السياق وأولى المعارك في هذا الحرب. عندما عرضنا فكرة إستقالة ممثلي شعبنا في البرلمان وترك الكراسي، قال البعض بأن هناك أكثر من واحد يسعى للإنتفاع من هذه الكراسي فيقفز عليها ويستمتع بها... نعم هذا صحيح حيث سيخسر بعض من ممثلي شعبنا من ترك الكراسي ولكن بالمقابل وبالتاكيد سيحصلون أحتراماً أكثر ومكانة أرقى بين أبناء شعبنا مما كانوا ينتفعوا من الكراسي اللعينة. وفي حينها حتى لا نكون متشائمين كنُا قد طرحنا فكرة تأسييس المجلس الأعلى للكلدان والسريان والآشوريين وبالمقابل تأسيس المجلس الأعلى لبطاركة كنيسة المشرق في العراق... ومن المؤكد سيقول البعض أحلم يا أبرم بقدر ما تشاء فللأحلام لا حدود لها.
قبل أن أختم هذه السطور أتذكر قول أحد المستشرقين والمختصين في تاريخ أمتنا حين قال "صحيح أن للآشوريين أعداء كثر ولكن لا يستطيعون أن يقضوا عليهم ولا أن يشكلوا خطورة حقيقة على حياتهم فيما إذا تخلص الآشوريون من نزاعات أبنائهم" حقاً قول صحيح ينطبق في إيامنا هذا...
وأخيرا نضم صوتنا إلى صوت بعض رجالنا الأفذاذ الخالدون:
• إذا كنًا نريد التقدم... فلنتحد: معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق:
• لتن خلاص إلا بخوياثا... لا خلاص لنا إلا بالوحدة: غبطة مثلث الرحمات البطريرك المبجل مار روفائيل بيداويد.
• ونحن مع كل أبناء شعبنا الأبي والمخلص والمحب لأمته سواء أكنا كلدانا أو سريانا أو أشوريين نعلن اليوم كما أعلن غيرنا قبل سنوات ونقول لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وحتى لكنائسنا المقدسة :
روحوا وحدوا كلمتكم ومطاليبكم ثم أجتمعوا مع غيركم وطالبوا بمطلبكم الموحد ليكون سبيلاً لتحقيقه، وإلا فلا. لأن كل الجهود المضنية المبذولة منكم في سياق البحث والسعي للحصول على شذرة من شذات مصلحة أمتنا القومية أو الدينية تذهب هباء لأنها من دون وقود الوحدة والتضامن بينكم ولأنها كما سبق وأن ذكرنا هي مجرد حروب دونكيشوتية ضد طواحين الهواء.